لغز «الوصية الواجبة» في قضايا الميراث في مصر

اضيف الخبر في يوم الأربعاء ١٣ - يناير - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: الفجر


لغز «الوصية الواجبة» في قضايا الميراث في مصر

 

لغز «الوصية الواجبة» في قضايا الميراث في مصر

محمد الباز

 

 

 

 

هو مهندس مصري اسمه مصطفي رجب لم تكن له علاقة لا بالفقه ولا بالعلوم الشرعية، عندما توفيت والدته منذ سنوات بعيدة، استخرج إعلام وراثة وبمقتضاه وبمقتضي القانون حصل الأحفاد علي جزء من الميراث، وهو أمر تقتضيه الوصية الواجبة المنصوص عليها في القانون المصري، حيث إن مادة الوصية الواجبة هي المادة 76 من قانون الوصية رقم 71 لسنة 1946 والمعمول به في مصر من أول أغسطس سنة 1946، رغم أن الشرع يقول إنه طالما أن هناك ابنا من العصب فإنه يحجب عن الأحفاد ميراث جدهم أو جدتهم في حالة موت أبيهم.

بعد عشر سنوات من الدراسة والبحث توصل مصطفي رجب إلي أن الوصية الواجبة ليست شرعية، بل توصل إلي أنها وضعت في القانون المصري لظروف خاصة، فمسألة الحجب كان يتم العمل بها منذ الفتح الإسلامي عام 640 ميلادية جيلا بعد جيل، وعندما لجأت الحكومة إلي وضع المسائل الشرعية موضع تقنين وصياغة موادها وجاءت بقانون المواريث رقم 77 لسنة 1943، وحرصت علي أن يتضمن المادة 27 وتنص علي حجب الابن لبنت الابن، والمادة 31 وتنص علي استحقاق أولاد البنت ذوي الأرحام للميراث حال وجود عاصب وهو الابن أو أحد من ذوي الفروض.

وأثناء مناقشة قانون المواريث بمجلس النواب جلسة 5 و 6 و 11 يناير 1943 قال وزير العدل:النصوص الخاصة بأصحاب الفروض والعصبة لا يجوز أن نتعرض لها، وإلا كان معني ذلك أننا نريد أن نعدل أحكامها فهل فينا من يري تعديل أصحاب الفروض أو العصبة أو أحكام الحجب سواء كان حجب حرمان أو حجب نقصان؟لا اظن ذلك لأن أحكام هذه المسائل مأخوذة من كتاب الله وأمرها متفق عليه من أصحاب المذاهب الأربعة.

معني ذلك أن مسألة حجب الابن للأحفاد هي من صنع الشرع وتنص علي ذلك نصوص الكتاب والسنة ومن ثم لا يجوز الاجتهاد فيها أو المساس بنصوص أحكامها، لكن ما توصل إليه المهندس مصطفي رجب ومن خلال مضابط البرلمان المصري قبل الثورة أن تشريع الوصية الواجبة كان لصالح فئة من الأحفاد لم يكن بها فقر ولا حاجة لمال، لكن بها ضغينة علي أعمامها، وكانت هذه الفئة من علية القوم من بكوات وباشاوات ذلك الزمان، وبما لهم من سلطة وجاه يستمدونها من ثرواتهم استطاعوا الإتيان بهذه الوصية الواجبة حتي إنهم لم يرضوا عن الشرط الذي وضعه اضطرارا شيخ الأزهر الشيخ المراغي وقتها بأن الأحفاد لا يستحقون الوصية الواجبة إذا كان آباؤهم تركوا لهم ثروة تعادل نصيبهم إذا كانوا أحياء، وبعد وفاته في العام 1945 تم إلغاء هذا الشرط نهائيا من خلال لجنة من مجلس الشيوخ.

لكن لماذا أقدم مصطفي رجب علي هذا البحث؟، إن الوصية الواجبة تعطي حقا للأحفاد بعد موت أبيهم في ميراث جدهم حتي لو كان له ابن (عمهم) من العصب يحجبهم، وهو الأمر المخالف للشرع، وهي بهذا الشكل تثير الكثير من المشاكل والضغينة في المجتمع، فالورثة الشرعيون لن ينصاعوا برضا للعمل بها فهي خروج عن شرع الله إلي شرع العباد، والأحفاد لن يترددوا في اللجوء إلي القضاء الذي سيحكم لهم، وهو الأمر الذي سيترتب عليه التناحر والضغينة والفرقة بين الأهل جميعا، رغم أن هذه المشاكل لم تكن موجودة، لأن الجميع كان يعرف أن الحجب هو في النهاية من حكم الله وله السمع والطاعة.

وحتي يدلل المهندس مصطفي رجب علي عدالة قضائية فإنه يحمل معه نماذج عديدة من الجرائم التي كانت الوصية الواجبة سببا فيها، منها مثلا ما حدث في الصعيد بمحافظة سوهاج وتحديدا في قرية كوم بدار، حيث ذبح جزار عمه بسبب رفض العم بأحقيته في الميراث، وفي قرية عرب واصل مزارع يقتل ابن عمه لخلاف علي الميراث، وبمحافظة قنا وتحديدا في اسنا إمام مسجد وشقيقه اشتركا في قتل ابن عمهما بسبب الميراث.

حمل مصطفي رجب نتائج بحثه ووصل بها إلي مجمع البحوث الإسلامية، وقال فيما يشبه المذكرة التوضيحية التي وجهها إلي أمين عام المجمع:كان القصد من تقديم هذا البحث لسيادتكم هو أن يبدي علماؤنا الأفاضل الرأي الذي يرضي الله ويرضي ضميرهم ويزيل هذه الغمة، ويقيني أن هذا حق عليهم لله عز وجل قبل أن يكون للعباد، ونأمل من علمائنا الأفاضل أن رأيهم سواء كان بهدم الوصية الواجبة أو بتصويب وضعها الحالي أو حتي بعدم شرعية الحجب ذاته لا يكون بكلمة فارقة وانتهي الأمر، بل الرجاء وكل الرجاء أن يكون الرأي مقرونا بأسبابه ولها تأصيل اسلامي صحيح يردها إلي مصدر تقبله الأمة لاستنباطه من فقهها وشريعتها ولا يتعارض مع قواعد أحكام المواريث.

وحتي يظهر مصطفي رجب ظلم الوصية الواجبة فإنه يعطي أمثلة تطبيقية علي ذلك منها مثلا، أن امرأة توفيت عن زوج وابن وبنت وبنت ابن، وتركت وراءها تركة هي 36 ألف جنيه، طبقا للشرع فإن القسمة تكون هكذا 9 آلاف جنيه للزوج، و18 ألف جنيه للإبن و9 آلاف جنيه للبنت، أما بنت الابن فلا تحصل علي شيء، أما القسمة طبقا للوصية الواجبة فتأتي علي النحو التالي:6300 جنيه للزوج، و12600 جنيه للابن، و6300 جنيه للبنت، أما بنت الابن فتحصل علي 10800 جنيه، والمرجع في هذه القسمة هو كتاب "دراسة نقدية فقهية" أعدها الدكتور صلاح الدين سلطان أستاذ الشريعة الإسلامية المشارك بكلية دار العلوم جامعة القاهرة، وهو تقسيم فيه ظلم بين، فابنة الابن ترث حسب الوصية الواجبة أكثر من الآخرين.

ويقدم مصطفي رجب اقتراحا يخلص إلي إلغاء الوصية الواجبة ويستعاض عنها قانونا أيضا بالآتي:

أولا:إحياء التكافل الإسلامي عامة وبين الأقارب خاصة، لأن كفالة اليتامي تجب وإلا فرضت، وفق نظام النفقات، قضاء حتي لا يترك الأحفاد أو غيرهم في فقر وعوز بين أقارب موسرين وفقا لقاعدة الغنم بالغرم، وعليه فكل من يرث قريبه لو مات موسرا يجب أن ينفق عليه لو عاش فقيرا وهذا هو جوهر التناسق بين الميراث والنفقات.

ثانيا: يترك للقاضي تحديد شيء من التركة للأقارب الفقراء المحجوبين حجب حرمان عن الميراث كالأحفاد والأجداد والجدات والأخوة والأخوات استئناسا بقوله تعالي"وإذا حضر القسمة أولو القربي واليتامي والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا، وهذا الاقتراح سيزيح مساوئ الوصية الواجبة ويحقق مضمونها لكن بطريقة شرعية ويقينا سيكون مقبولا من الجميع، وقد تم استنباطه من فتوي للدكتور يوسف القرضاوي جاءت ردا علي سؤال لأحفاد فقراء لا يرثون.

نص فتوي القرضاوي كانت:"هناك أمر يتدارك الشرع به مثل هذا الموقف (حالة الأحفاد المحجوبون) وهو أنه كان علي الأعمام حين اقتسموا تركة أبيهم أن يعطوا شيئا من هذه التركة لأولاد أخيهم وهذا ما نص عليه القرآن، حيث قال في سورة النساء التي ذكرت فيها المواريث "وإذا حضر القسمة أولو القربي واليتامي والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا"، إذ كيف يحضر هؤلاء القسمة والأموال توزع وهم ينظرون ولا يعطون شيئا، وقد قدم أولي القربي لأنهم أحق، فما بالك بأبناء الأخ اليتامي الذين كان أبوهم واحدا منهم، فكان علي الأعمام أن يعطوا هؤلاء شيئا يتفقون عليه بحيث يكون كافيا لحاجتهم، وخاصة إذا كانت التركة كبيرة، وإذا كان الجد مقصرا فقد كان علي الأعمام أن يتداركوا هذا التقصير ويعطوا هؤلاء لأنهم من الأقرب أولي القربي، ثم هناك أمر ثالث يتدارك به الشرع هذا الموقف وهو قانون النفقات في الإسلام.

إن الإسلام تميز عن سائر الشرائع بفرض النفقة علي الموسر من أجل قريبه المعسر، وخاصة إذا كان من حق أحدهما أن يرث الآخر كما هو المذهب الحنبلي، وكذلك إذا كان ذا رحم محرم كما هو المذهب الحنفي، وذلك مثل ابن الأخ، ففي هذه الحالة تكون النفقة الواجبة وتحكم بها المحكمة إذا رفعت قضية من هذا القبيل، إنه لا ينبغي للعم أن يكون ذا بسطة وثروة وعنده بنات أخيه أو أبناء أخيه وليس لديهم شيء ومع هذا يدعهم ويدع أمهم المسكينة تكدح عليهم وهو من أهل اليسر والغني، هذا لا يجوز في شرع الإسلام ، بهذا انفرد شرع الإسلام وميز.

أحال أمين عام مجمع البحوث البحث إلي فضيلة الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية، والذي أجمل رأيه الشرعي في الأمر بأن القول بإعطاء جزء من مال المتوفي للأقربين غير الوارثين علي أنه وصية واجبة وجبت في ماله إذا لم يوص له هو مذهب الإمام ابن حزم ومأخوذ من أقوال كثير من السلف، فجاء قانون الوصية واجبا متخيرا هذا القول، واعتبر فيه الإلزام بالقول بوجوب الوصية للأقربين غير الوارثين في بعض الأحوال، وهي الأحوال التي يتوفي فيها فرع المورث في حياته ويترك أولادا غير وارثين، ومن المعلوم أنه من وظائف القانون تحقيق مصلحة راجحة، وعلي هذا فقد قصر القانون الوصية الواجبة علي الأحفاد الذين مات أصلهم في حياة أبيه أو أمه، وأن تكون الوصية بمثل نصيب أصلهم هذا، بشرط ألا يزيد علي الثلث وذلك حتي يكفيهم متطلبات الحياة ويبعدهم عن سؤال الناس أو سلوك الوسائل المحرمة لجمع المال، لأنه ليس من الحكمة أن يترك أولاد ذلك الولد يقاسون الفقر والحاجة بعد أن قاسوا ألم اليتم لفقد العائل الذي لو قدر له أن يعيش إلي موت أبويه لورث كما ورث إخوته.

وسند الدكتور علي جمعة رأيه بأنه من المقرر شرعا أن للحكام تقييد المباح إذا اقتضت ذلك المصلحة أو دعت إليه الحاجة، وقد وجدت الحاجة الداعية إليه، وذلك أنه في أحوال غير قليلة قد يموت الولد في حياة أبيه أو أمه، ولو كان عاش إلي موتهما لورث مالا كثيرا، فانفرد بالميراث إخوة المتوفي، وصار أولاده في فقر مدقع واجتمع لهم مع اليتم وفقد العائل الحرمان والفقر، واضطرب ميزان التوزيع في الأسرة فصار بعضها في ثروة تري عليه أثر النعمة بما وصل إليه من ميراث، وصار بعضها الآخر في متربة بسبب الحرمان الذي أصابهم بموت أبيهم وكثيرا ما كانت الأسر المتعاونة تحمل الأب أو الأم علي الوصية لأولاد ولدهم المتوفي.

ويبين الدكتور علي جمعة المستحقين للوصية الواجبة شرعا وهم: فرع ولد المتوفي الذي مات في حياته أي والديه أو أحدهما حقيقة أو حكما مهما نزل هذا الفرع إذا كان من أولاد الذكور، وللطبقة الأولي فقط من أولاد البنات، بمعني أنها تجب الوصية لأولاد الابناء مهما نزلوا، بينما لا يستحق هذه الوصية إلا أولاد البنات فقط دون أولادهم ، كما تجب الوصية لفروع من مات مع أبيه أو أمه، لا يعلم من مات منهم أولا كالغرقي والحرقي والهدمي، لأن هؤلاء لا يتوارث بعضهم من بعض، فلا يرث الفرع أصله في هذه الحالة فيكون حاله كحال من مات من قبل أبيه.

ويقول الدكتور علي جمعة: هؤلاء هم أصحاب الوصية الواجبة قانونا، إذا أوصي الشخص بها نفدت وصيته وإن لم يوص أنشأ لهم القانون وصية في مال المتوفي، وإن أوصي لبعض المستحقين دون البعض الآخر أنشأ القانون وصية لمن لم يوص له.

رد المفتي علي ما يبدو رغم إحكامه لم يعجب المهندس مصطفي رجب الذي أرسل له فاكسا حادا كان هذا نصه: فضيلة المفتي د.علي جمعة دار الإفتاء - الدراسة - شارع صلاح سالم - القاهرة/تحية طيبة وبعد: وصلني رأيك في الوصية الواجبة مليئاً بأخطاء لا يقرها شرع، كيف يتأتي أن تقر وتعترف بشرعية حكم حجب الأحفاد ولا اجتهاد فيه، ثم تزعم بصحة ما يبطله، وفي ذلك رددت ذات الأسباب التي سبقتك إليها فئة ضالة، بأي حق تبطل حكم قال عنه خالقك عز وجل بأنه فريضة من الله، وعمل به الرسول صلي الله عليه وسلم، وأجمعت عليه الأمة بعلمائها ذوي الشخوص والمكانة العلمية والفقهية، ولأحدهم كتاب يحمل تصريحاً من مجمع البحوث الإسلامية برقم 111 في 11 أكتوبر 2003 جاء فيه أن الوصية الواجبة منكر نبه إليه العديد من رجال الفقه والقانون، وحينما تختلف مع كل هذا فبالتأكيد يوجد خطأ ما.

لقد قال مندوب الحكومة بمجلس الشيوخ أنا في الوصية الواجبة أرفع أثر الحجب فقط، هكذا كان صريحا.

أنصحك أن تشري نفسك ابتغاء مرضاة الله، وتتدارك خطأك ، لا داعي للدفاع عن الوصية الواجبة فهي خطأ وتداركه لن يكون بخطأ آخر، الصحيح ويتفق مع الشرع هو الأخذ بآية رقم 8 بسورة النساء وهذا رأي صائب للشيخ القرضاوي وقدمته لمسئولي الأزهر ولكنهم أحالوا الأمر إليك ولم تسعفك الفطنة فأوقعت نفسك فيما أتيت، هداك الله ونفعك بما أنعم عليك من نعمة العلم لإعلاء شرعه سبحانه وتعالي وليس لمنازعته".

أعترف أن كثيرا من كلمات هذا الفاكس غير لائقة بالمرة، ولا يجوز أن تقال للدكتور علي جمعة، لكنها في النهاية تعكس أزمة، أو لغزاً يحيط بالوصية الواجبة التي يمكن أن تجر وراءها مشاكل كثيرة، ولا يزال الخلاف حولها محتدما، خاصة أن هناك قامتين كبيرتين مختلفتين حولها وهما الدكتور علي جمعة والدكتور يوسف القرضاوي، وبين هذا الخلاف تحدث المشاكل في الأسر المسلمة وهي مشاكل بلا حصر ولا عدد.

 

اجمالي القراءات 69068
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق