د. أسامة الغزالى حرب يكتب: إعصار البرادعى

اضيف الخبر في يوم الأحد ٢٧ - ديسمبر - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: المصرى اليوم


 

د. أسامة الغزالى حرب يكتب: إعصار البرادعى
مقالات متعلقة :


٢٧/ ١٢/ ٢٠٠٩
 

 

ليس الإعصار عاصفة عادية! إنه عاصفة بالغة القوة، غالبا ما تكون مصحوبة برياح عاتية وأمطار غزيرة. ونحن فى بلادنا -معتدلة المناخ، هادئة الطقس –لا نعرف الأعاصير، مثلما تعرفها البلاد المطلة على شواطئ المحيطات.

 

غير أنه من المؤكد أن إعصاراً سياسياً هبَّ علينا من حيث لا نحتسب، من فيينا، المدينة الأوروبية الوحيدة التى تتغنى باسمها واحدة من أجمل الأغانى المصرية. ولكن على خلاف ما تشجينا به الأغنية عن ليل للأنس فى فيينا، فإن الإعصار زمجر مبشرا بفجر للديمقراطية فى مصر! إنه إعصار البرادعى الذى هبَّ يوم ٣ ديسمبر الماضى.

ومثلما يحدث أمام أى إعصار، فإن أول المهرولين للتصدى له والنجاة منه كانوا أصحاب وساكنى الأكواخ والعشوائيات ومدن الصفيح السياسية، الذين شنوا -كما قالت الإيكونوميست (١٩/١٢/٢٠٠٩)- «طوفانا مفاجئا من غمزات ولمزات زائفة وكاذبة ضد الرجل، الذى سبق أن كرمته الدولة بأعلى أوسمتها عقب فوزه بجائزة نوبل عام ٢٠٠٥».

غير أنه مما يدعونا للفخر– فى حزب الجبهة الديمقراطية- أننا كنا أول حزب أو تجمع سياسى فى مصر يرحب بنداء البرادعى فى البيان الذى أصدرناه صباح السبت ٥ ديسمبر.

وكان نصه ما يلى: «يتوجه حزب الجبهة الديمقراطية بالتحية إلى الدكتور محمد البرادعى، المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة النووية، بمناسبة إعلانه المتعلق بالترشيح لرئاسة الجمهورية لعام ٢٠١١، الذى كرر فيه مطالب الإصلاح السياسى التى أجمعت عليها القوى الوطنية المصرية. ويرى الحزب فى ذلك نية صادقة لتفعيل المشاركة السياسية فى مصر من جانب مواطن مرموق تولى منصبا دوليا رفيعا استحق مستوى أدائه أهم جائزة عالمية وهى جائزة نوبل للسلام.

إن هذه الرغبة الصادقة فى المشاركة فى العمل السياسى المصرى من جانب واحد من أبناء مصر الأوفياء والأكفاء تستحق الترحيب والتشجيع، لما لها من تأثير إيجابى على الحراك السياسى، الساعى إلى بناء مجتمع ديمقراطى حقيقى يطلق إمكانات مصر وقدرات أبنائها لتحتل مكانتها اللائقة بين دول العالم.

إن تأييد حزب الجبهة الديمقراطية ترشح البرادعى، جنبا إلى جنب مع جميع الشخصيات المرموقة التى يمكن أن تدخل حلبة السباق لرئاسة الجمهورية، يأتى فى إطار السعى إلى توسيع نطاق المشاركة السياسية فى مصر وفتح الباب أمام تغييرات إصلاحية جوهرية، سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية. غير أن تفعيل عملية المشاركة السياسية لا يتوقف فقط عند حدود الترشح لرئاسة الدولة، وإنما يشمل أيضا فتح الباب للإصلاحات الهادفة إلى تجسيد الإرادة السياسية للناخبين وضمان حقوق دافعى الضرائب.

وحزب الجبهة الديمقراطية يعلن بوضوح أن هناك شروطا يجب توافرها للإصلاح، تتضمن إجراء تعديلات دستورية وتشريعية، وتغييرا فى المناخ الإعلامى، تصب جميعها فى ضمان سيادة إرادة الشعب، وتحقيق انتخابات حرة نزيهة جديرة بمصر والمصريين.

وفى هذا السياق، يدين حزب الجبهة الديمقراطية الحملات التى بدأت تشنها بعض الصحف الحكومية ضد د. البرادعى، ويدعو القوى السياسية والنقابية والمدنية فى مصر إلى مناهضة التزوير والفساد، من خلال تبنى برنامج موحد لتجسيد المشاركة السياسية السليمة فى الانتخابات المقبلة، سعيا إلى الإصلاح القائم على التعددية والإرادة الحرة للمواطن، بما يحقق التداول السلمى للسلطة، ويجدد الأمل لهذا الجيل وللأجيال القادمة، ويستعيد لمصر مكانتها فى مقدمة الأمم».

السؤال البسيط هنا: لماذا احتفينا بالبرادعى ورحبنا به من الوهلة الأولى؟ لماذا رحبت به العديد من القوى والتجمعات السياسية والشخصيات العامة المرموقة؟ لماذا تشكلت مجموعات الشباب المرحبة به، وأنشأت تجمعاتها ومواقعها على الإنترنت؟ إن البرادعى لم يأت بجديد، ولكنه– كما ذكر البيان- أكد وكرر مطالب الإصلاح السياسى التى أجمعت عليها القوى السياسية المصرية: أحزاب المعارضة الرئيسية القائمة، والأحزاب تحت التأسيس (الوسط والكرامة)، والحركات الاحتجاجية مثل كفاية، و٦ أبريل، و٩ مارس ... إلخ، والعديد من التجمعات والائتلافات الوطنية والديمقراطية التى تمت بين تلك الأحزاب والقوى السياسية طوال العقدين الماضيين.

غير أن قوة رسالة البرادعى لم تنبع فقط من تأكيدها مطالب الإصلاح الديمقراطى التى توافقت عليها القوى الوطنية والديمقراطية فى مصر، ولكن مما انطوت عليه تلك الرسالة ضمنا من نفى لمشروع التوريث– من ناحية، ومن تأكيد الطابع المدنى لرئاسة الدولة– من ناحية أخرى. كما استندت قوة الرسالة كذلك إلى قوة صاحبها ومكانته ومؤهلاته.

فبصرف النظر عن صعوبة أو استحالة تحقق الشروط التى وضعها البرادعى فإن مجرد إبداء الاستعداد للترشيح لا يعنى فقط نظريا إمكانية ترشحه أمام الرئيس مبارك، ولكنه يعنى –وذلك هو الأهم- تحديه الجاد والخطير لمشروع التوريث. فسواء صرح الحزب الوطنى بذلك أو لم يصرح، فإن «جمال مبارك» هو الشخص الأول المرشح لخلافة الرئيس، وبروز اسم البرادعى هنا يجعل السيد «جمال» فى وضع لا يحسد عليه.

فصحيح أن هذا الأخير شاب مثقف وجاد ومهتم بالشأن العام، ولكن تظل الحقيقة الأساسية بشأنه هى أن بنوته للرئيس هى المناط الأول والأخير لإمكانية طرح اسمه كمرشح رئاسى! فى حين أن الوضع مختلف جذريا –بداهة- لدى د. البرادعى، وبالتالى لا يوجد أى محل للمقارنة بينهما!

بل إنه يمكننا القول إن شبح التوريث واحتمالاته كان فى مقدمة العوامل التى ولّدت موجة الحماس والتأييد للدكتور البرادعى، كما يبدو أيضا أنها كانت السبب وراء الهجوم الضارى المنظم الذى تعرض له البرادعى من بعض قيادات الصحف الحكومية، التى تصورت أن هجومها على البرادعى سوف ينظر إليه كموقف داعم للنظام السياسى الذى يدافعون عنه، وينشدون رضاءه.

ومن المفارقات اللافتة هنا، أيضا، أن إحدى الحجج التى يتذرع بها أنصار التوريث، لتمرير هذا المشروع، هى إتاحة الفرصة لانتقال هادئ وآمن لمنصب رئيس الجمهورية من العسكريين إلى المدنيين، وهى المهمة التى تم إنجاز نصفها على الأقل، من خلال عدم تعيين شخصية عسكرية فى منصب نائب الرئيس، كما سبق أن جرى العرف! ومن حسن الحظ أن «البرادعى» يوفر هذا العنصر، ومن المؤكد بدرجة أقوى حجة وأشد دلالة.

غير أن قوة البرادعى ترتبط فى الواقع بعناصر أخرى تتصل بشخصه وظروفه. فالدراسة القانونية، والخبرة الدبلوماسية، والممارسة السياسية على قمة مؤسسة دولية مهمة، لا شك تمثل ذخيرة ثمينة لأى منصب رفيع، بما فيها منصب رئيس الجمهورية. ولنتذكر هنا أن نسبة عالية من مرشحى الرئاسة، ورؤساء الجمهورية فى الولايات المتحدة –مثلا- هم من دارسى القانون والعلوم السياسية، وهو ما ينطبق اليوم كذلك على باراك أوباما.

ومن البديهى، أيضا، أن الحصول على جائزة نوبل لم ولن يكون بأى حال شرطا للرئاسة، ولكن توافر ذلك ليس ذنبا أو عيبا! بل هو بالقطع أمر مشرف، فى بلد سبق أن حصل أحد رؤسائه (أنور السادات) على الجائزة نفسها.

أما طول الإقامة فى الخارج، والصلة الوثيقة «بالخارج»، فلم ولن يكونا عيبا على الإطلاق. فمن الناحية الأولى، أثبت محمد البرادعى– من خلال تصريحاته وأحاديثه- وعيه الكامل بمجريات الأوضاع داخل مصر، بل حرصه– وقت توليه منصبه- على أن يتعرف عن كثب على الأوضاع فى مصر، على نحو جعله يلم بالفعل بكثير من الحقائق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، التى قد لا يعلمها أو يلمسها الكثيرون من المسؤولين والشخصيات العامة المقيمة فى مصر، كما بدا ذلك من أحاديثه لجريدة الشروق (٢٠-٢٢/١٢/٢٠٠٩).

غير أن ما هو أهم من ذلك أن الصلة بين الشخصيات والقيادات المصرية، بمن فى ذلك الزعماء الوطنيون والشعبيون، وبين «الخارج» كانت ظاهرة مصرية، مستمرة منذ محمد على وحتى اليوم، لأن مصر– ببساطة- ليست دولة هامشية أو ثانوية، بل لأنها دولة فى قلب العالم القديم، وكانت وسوف تظل ثقلا حضاريا وثقافيا يعتد به.

ولنذكر هنا فقط صلات مصطفى كامل الفرنسية، ولجوء محمد فريد إلى ألمانيا، وسعى سعد زغلول للاتصال بزعماء أوروبا عقب الحرب العالمية الأولى، والعديد من القيادات والشخصيات العامة المرموقة التى عاشت فى الخارج (اختيارا أو إجبارا أحيانا)، ولم ولن يقلل ذلك من ارتباطهم ببلدهم الأم، وإحساسهم بها وبمشكلاتها، وآلامها وآمالها.

هل يعنى ذلك كله أننى أؤيد البرادعى رئيسا لمصر؟ لا، ليس ذلك على الإطلاق، وإنما يعنى– أولا- تدعيما لفكرة المنافسة –الجادة والديمقراطية- على منصب رئيس الجمهورية.

ويعنى –ثانيا- تأييدا لكل دعوات الإصلاح الدستورى والتشريعى والسياسى التى تجعل من تلك العملية التنافسية– الرئاسية عملية ديمقراطية حقيقية لا شكلية. ويعنى- ثالثا- ترحيبا بكل المواطنين المصريين، ذوى المكانة الرفيعة، والقدرات السياسية والمهنية العالية للتقدم للترشح لهذا المنصب، وهو ما دعا إليه البرادعى نفسه بوضوح لا يقبل أى لبس.

فى هذا السياق، يكون من الواجب علينا أن نرحب– بشكل خاص- بإقدام د. البرادعى على أن يكون أول من يتصدون لتلك المهمة. وقد ظهر بالفعل أنها مهمة ليست سهلة، وأن ثمنها غال.

أما انتخاب أو تأييد البرادعى، تحديدا رئيسا لمصر، فهو مسألة لا يمكن البت فيها إلا بعدما ينزل إلى الحلبة مرشحون آخرون، يتنافسون، ويقدم كل منهم نفسه وبرنامجه للشعب. ويبقى للبرادعى– مرة أخرى- أنه كان السبَّاق، وكان الرائد.

 

اجمالي القراءات 1616
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق