دين مصر الخارجي ولطم الخدود المفاجئ
فجأة، بات نفر من الاقتصاديين والسياسيين والإعلاميين في مصر يلطمون الخدود بعد أن اكتشفوا أن هناك كارثة اسمها الدين الخارجي والذي دخل مرحلة الخطر من وجهة نظر الكثير، وما يجره هذا الدين السام على الدولة المصرية من أعباء مالية ضخمة تتجاوز 32.34 مليار دولار في العام 2026، وأزمات اقتصادية ومعيشية ومجتمعية، وتدهور في قيمة العملة المحلية والقدرة الشرائية للأفراد، وإشعال نيران التضخم وغلاء الأسعار البطالة، والقذف بنحو نصف المصريين في أتون الفقر، والدهس بشدة على الطبقة الوسطى التي تمثل قوة أي اقتصاد وطني، والخضوع لاملاءات الدائنين الدوليين وفي المقدمة صندوق النقد والبنك الدوليين.
وفجأة اكتشف الجميع أن الدين الخارجي تفاقم بشدة وتحول إلى قنبلة موقوتة وملف متأزم في ظل شفط أعباء هذا الدين الضخم حصيلة الضرائب والرسوم والغرامات، وعلى سبيل المثال سددت مصر نحو 38.7 مليار دولار خدمة دين خلال العام المالي الماضي 2024-2025 بزيادة 5.8 مليارات دولار عن العام المالي السابق، وهو مبلغ يعادل تريليون و840 مليار جنيه.
كما شهد رقم الدين الخارجي لمصر قفزات غير مسبوقة خلال السنوات العشر الماضية دفعت به من حاجز الـ43 مليار دولار إلى أكثر من 161 مليار دولار، رغم سداد الإمارات 35 مليار دولار مقابل صفقة رأس الحكمة منها 11 مليار دولار تم خصمها من رقم الدين الخارجي والودائع المستحقة للدولة الخليجية على البنك المركزي المصري، وقد يتضاعف رقم الدين الخارجي إذ ما تم احتساب ديون المؤسسات العامة والحكومية مثل هيئات البترول والكهرباء والسلع التموينية وقروض المفاعل النووي وصفقات الطاقة السعودية ومشروع القطار الكهربائي السريع والبرج الأيقوني وغيرها.وللمفارقة البحتة بات الجميع في مصر يسأل: أين ذهبت كل تلك المليارات من الدولارات، خاصة مع تلقي مصر منحاً ومساعدات تقدر بعشرات المليارات من الدولارات في السنوات الأخيرة، ولماذا لم تنعكس على مؤشرات الاقتصاد وكلفة المعيشة وأسعار السلع واستقرار الأسواق وقيمة الجنيه المصري والقطاعات المدرة للنقد الأجنبي من سياحة وصادرات وغيرها، إذ إن العكس هو ما جرى، فمع تزايد حجم الدين تتدهور كلفة المعيشة وتقفز الأسعار ويتعمق داء الفقر.
في أسبوع واحد رأينا عدداً من كبار الإعلاميين في مصر يستضيفون خبراء اقتصاد مرموقين للحديث في قضية واحدة هي مخاطر الدين الخارجي لمصر والتحذير منها، عالية المهدي، أستاذة الاقتصاد بجامعة القاهرة والعميد الأسبق لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية كانت أكثر حضوراً إذ قالت إنّ أعباء الديون في مصر وصلت إلى مستويات خطيرة، وإن أقساط وفوائد الديون تمثل حوالي 65% من إجمالي الإنفاق العام في موازنة 2024- 2025، وإن إجمالي الأقساط والفوائد للديون يمثل 142% من إيرادات الدولة العامة، ما يعنى أن الدولة مضطرة للاقتراض حتى تسد الفجوة، سواء من الداخل أو الخارج".
أين ذهبت كل تلك المليارات من الدولارات، خاصة مع تلقي مصر منحاً ومساعدات تقدر بعشرات المليارات من الدولارات في السنوات الأخيرة، ولماذا لم تنعكس على مؤشرات الاقتصاد
وأنضم إلى تلك الأصوات المحذرة من سرطان الديون الخارجية ساسة واقتصاديون مصريون أمثال جودة عبد الخالق وحسن الصادي وحسام بدراوي ومحمد فؤاد وغيرهم والذين اتفقوا على أن مصر تمر بضائقة مالية شديدة الحساسية، وأنه يجب بداية وقف الاقتراض الخارجي وبرامج صندوق النقد الدولي الذي أغرق الدولة في بئر الاستدانة العميق وأفقر المصريين دون أن يقدم حلاً واقعياً للأزمات الاقتصادية والمعيشية.
بل إن الإعلامي إبراهيم عيسى تساءل: أين ذهبت الـ161 مليار دولار التي اقترضتها مصر؟ وكيف ولماذا اقترضنا كل تلك المليارات، وقال إن هذه المليارات لم تنعكس على حياة الناس، والدولة باتت تقترض فقط لتدفع فوائد قروض سابقة، في حلقة مفرغة من "تدوير الديون".ملف الديون تحول إلى قضية رأي عام، في ظل فشل حكومي ذريع باحتواء الأزمة المتفاقمة والتعامل معها، والاعتماد على القروض الجديدة وبيع الأصول في سداد أعباء تلك الديون، بل ومبادلة تلك الديون باستثمارات، والكلام يجري حالياً حول بيع أصول وازنة وثقيلة مثل بنك القاهرة لدول دائنة مقابل تنازلها عن ديونها المستحقة على مصر.
وهنا يجب القول إنه طالما أن جزءاً مهماً من ديون مصر الخارجية يوجه لتمويل شراء طائرات رئاسية وإقامة قصور وناطحات سحاب في العاصمة الإدارية الجديدة ومنتديات شباب وقطارات ومدن للأثرياء، فإن الأزمة مستمرة، بل ستتفاقم بشدة وتجعل مصر وقرارها رهينة للدائنين الدوليين.
اجمالي القراءات
24