تجميد اللجوء السوري وسجال الترحيل يتوسعان في أوروبا
تلا سقوط نظام بشار الأسد سجال أوروبي حول عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، وسط سرعة المواقف التي أعلنت تعليق النظر في إجراءات طلبات اللجوء للسوريين، مع مخاوف من الترحيل.
في ذروة تدفق اللاجئين السوريين نحو أوروبا عام 2015، برزت مواقف سلبية أعربت عنها أحزاب اليمين القومي المتشدد. وعندما كانت حركة "الوطنيون الأوروبيون ضد أسلمة الغرب" (بيغيدا) تطلق شعارات وهتافات في الشرق الألماني، مُسلّمة الحزب اليميني القومي المتشدّد "البديل من أجل ألمانيا" راية معاداة اللجوء والهجرة عموماً، كان الاتحاد الأوروبي يعيش سجالَ أزمة اللجوء، مع تدفق أكثر من مليون شخص نحو أراضيه.
بعد سقوط نظام بشار الأسد، بدأت أوروبا نقاشاً وسجالاً بدا وكأنه يطلب من السوريين في القارة لملمة حطام تغريبة طويلة وقاسية والتوجه إلى بلدهم. حتى قبل تهنئة السوريين بالتخلص من نظام اضطرهم إلى اللجوء.
أصبح اللاجئون السوريون مادة نقاش أساسية في ألمانيا والدنمارك والسويد والنرويج وبلجيكا وسويسرا وهولندا وإيطاليا وفرنسا وغيرها. والعنوان الرئيس هو "تعليق النظر في طلبات اللجوء"، بما يشمل أولئك الذين ينتظرون حسم مصير لجوئهم، وآلافاً آخرين مصنفين كلاجئين مؤقتين.
ولقيت النقاشات الأوروبية حيال الترحيل انتقادات من قبل المبعوث الأممي إلى سورية، غير بيدرسن، والذي حث الدول الأوروبية على عدم التسرع في إعادتهم، مشدداً على أن "الوضع في سورية غير مستقر"، وأن الأوضاع الإنسانية مزرية.
وخلال السنوات الأخيرة، تكثّفت مساعي بعض الأوروبيين، وخصوصاً مع نجاحات اليمين القومي المتشدّد، نحو فتح مسارات مع نظام بشار الأسد، بهدف عودة اللاجئين. فعلت ذلك إيطاليا علناً، كما نادت به قوى سياسية في ألمانيا والنمسا والدنمارك والسويد. وشهدت دمشق زيارات من قبل برلمانيين ولجان أوروبية بقصد إظهار الوضع على أنه آمن لعودة السوريين.
الوضع غير المستقر في سورية يستدعي بقاء الباب مفتوحاً للجوء
ومنذ 2015، برز سجال اللجوء في ظل رفض رئيس المجر فيكتور أوربان، السماح بدخول مئات الآلاف من عابري مسار البلقان، لمواصلة رحلتهم شمالاً، وخصوصاً نحو ألمانيا التي فتحت ذراعيها للاجئين في سبتمبر/ أيلول من العام نفسه، في عهد المستشارة السابقة أنجيلا ميركل، والتي تستضيف حالياً نحو 900 ألف لاجئ سوري، وتليها السويد التي تستضيف حوالي 113 ألف سوري، والدنمارك حوالي 40 ألفاً، والنرويج أكثر من 37 ألفاً منهم، بينما يقدر أن 67 ألف سوري يقيمون في النمسا، ونحو 78 ألفاً في هولندا.
واستقبلت بريطانيا حوالي 23 ألفاً، وفرنسا أكثر من 43 ألف لاجئ سوري، فيما اليونان استقبلت حوالي 41 ألفاً. وتشمل هذه الأرقام آلاف الفلسطينيين السوريين، والذين اضطروا إلى المغادرة بسبب حملات قمع النظام للثورة، وقصف ومحاصرة مخيماتهم. ويقدر أن 18% من بين نحو 8 آلاف لاجئ وصلوا في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي إلى إيطاليا، هم سوريون.
يمكن اختزال السجال الأوروبي حول اللجوء السوري على اعتبار أن مسبّباته لم تعد قائمة، ولا يقتصر الأمر على الحالات التي أعلن عن تجميد النظر فيها. فعلى سبيل المثال، هناك أكثر من 4 آلاف لاجئ في الدنمارك صنفوا سابقاً على أنهم لاجئون مؤقتاً، ولم يتغير التصنيف بعد اعتبار الدنمارك دمشق وريفها آمنين للعودة.
كما سارعت ألمانيا لتكون جزءاً من السجال، حتى قبل أن يخرج السوريون على أراضيها للاحتفال بسقوط النظام. ثم عادت تصريحات وزيرة الداخلية نانسي فيزر لتخفف قليلاً حالة الهلع بين اللاجئين، إذ قالت إن من لجأوا بين عامي 2014 و2015 "أصبح لديهم الآن أمل في العودة إلى وطنهم وإعادة بناء بلادهم"، مؤكدة في المقابل أن الوضع الحالي في البلاد لا يمكن السيطرة عليه. لذلك "من المستحيل قول أي شيء عن الإمكانيات الملموسة بالعودة إليها، ومن العبث طرح تكهنات حول هذا الأمر في مثل هذا الوضع المضطرب".
مسار اللجوء لم يكن سهلاً (ناصر السهلي)
مسار اللجوء السوري لم يكن سهلاً (ناصر السهلي)
ويُنظر إلى ما ستكون عليه سياسات ألمانيا بأهمية بالغة كونها تحتضن العدد الأكبر من اللاجئين. وباتت المواقف فيها تصدر من مختلف الاتجاهات السياسية، وسط تنافس على انتخابات مجلس النواب الألماني الاتحادي (البوندستاغ) في 23 فبراير/شباط المقبل، ويركز النقاش على المطالبة بمراجعة وضع مئات آلاف السوريين في ألمانيا.
وشدد المتحدث باسم الشؤون الداخلية عن حزب المعارضة المحافظ الديمقراطي المسيحي، ألكسندر ثروم، على أنه "بسقوط الأسد تغير الوضع في سورية بشكل جذري، وأتوقع أن يتم إنهاء وضع السوريين بصفتهم لاجئين بانتهاء الحرب الأهلية". ومن الحزب نفسه، رأى وزير الصحة السابق ينس سبان أن تشجيع العودة إلى سورية يمكن أن يترافق مع حوافز مالية لبدء حياة جديدة في سورية.
فيما قالت زعيمة الخضر وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك، إن النقاش الجاري "عبارة عن هراء"، مؤكدة أن "أي شخص يحاول استغلال مستقبل سورية الغامض لأغراض سياسية حزبية فقد الاتصال تماماً بواقع الشرق الأوسط".
من جهته، تعهد المرشح المحافظ عن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي لمنصب المستشارية فريدرش ميرتس، بإقامة تعاون وثيق مع تركيا لإعادة السوريين في حال انتخابه.
في النمسا المجاورة، أعربت وزارة الداخلية عن استمرار تطبيق "العودة إلى سورية"، ويشمل البرنامج بداية نحو 7 آلاف و300 شخص.
في فرنسا، بدأ نقاش شارك فيه المكتب الفرنسي لحماية اللاجئين وعديمي الجنسية المسؤول عن دراسة طلبات اللجوء، وانتهى إلى تجميد دراسة طلبات اللجوء، ويشمل ذلك نحو 700 قضية لجوء مؤجلة لسوريين، وجاء ذلك في أعقاب تصريحات لوزارة الداخلية بعد يوم من سقوط النظام، أكدت فيها "العمل على تعليق ملفات اللجوء الحالية من سورية".
كبرا بعيداً عن سورية (ناصر السهلي)
كبرا بعيداً عن سورية (ناصر السهلي)
ويستغل اليمين الفرنسي المتطرف التطورات الأخيرة لحثّ السوريين على العودة إلى بلادهم. إذ قالت زعيمة حزب التجمع الوطني اليميني مارين لوبين، إنها تريد عودتهم إلى سورية، مضيفة: "لا يمكنك أن تظل لاجئاً طوال حياتك. عندما يختفي ما دفعكم إلى الرحيل، فإن المنطق يملي عليكم العودة والمشاركة في إعادة إعمار البلاد".
لكن ليس في النقاش الفرنسي ما يشي بسفر السوريين قسراً وفقاً لتصريحات المكتب الفرنسي لحماية اللاجئين، والذي يؤكد: "يجب تقدير عواقب هذا التغيير، وعدم اتخاذ قرارات متسرعة بشأن طلبات اللجوء التي يتم فحصها. طالما أننا لم نبت في طلب اللجوء، فإن الناس يستفيدون من مبدأ عدم الإعادة القسرية".
وفي خضم السجال، أكد مدير مكتب الهجرة والدمج الفرنسي، ديدييه ليسكي، أن "أي سوري يرغب في الاستمرار بتقديم طلب اللجوء سيكون قادراً على القيام بذلك. الوضع غير المستقر في سورية يستدعي بقاء الباب مفتوحاً للجوء".
في السياق، يمكن اعتبار السجال الدنماركي نموذجاً مصغراً لآمال قوى سياسية بشأن قضايا اللجوء السوري. إذ لم تغير حكومة ميتا فريدركسن سياستها، والتي اعتبرت منذ 2015 وجود آلاف السوريين في بلدها مؤقتاً، وانفتحت على التعاون مع النظام السوري لاعتبار دمشق آمنة منذ عام 2019. وشددت أمام البرلمان على أن كوبنهاغن تتوقع "عودة السوريين للمساهمة في إعادة إعمار بلدهم. لو كنت لاجئة، لشعرت برغبة شديدة في العودة، وأعتقد أن السوريين لديهم الرغبة نفسها. عند الحاجة إلى الحماية كانوا في الدنمارك، وعندما لا تكون تلك الحاجة موجودة يجب عليهم العودة إلى ديارهم. بالطبع، يبقى السجال حول مسألة اعتبار سورية آمنة، وهذا نقاش يجري الآن في جميع أنحاء أوروبا".
وعمد "مجلس اللجوء" (الهيئة القضائية المسؤولة عن دراسة اللجوء الفردي) إلى تجميد البحث في 69 قضية لسوريين جرى سحب أو تجميد إقاماتهم. ويعيش العشرات بصفة "إقامة محتملة" على خلفية انتظار مواعيد لمغادرة الدنمارك، بعدما جمد لجوؤهم تحت بند "الحماية المؤقتة". ويعتبر الوضع الغامض في سورية أساساً لتريث مجلس اللجوء في البت في القضايا المرفوعة أمامه بشأن اعتبار دمشق آمنة، على أن يباشر في الـ26 من الشهر المقبل النظر في تلك القضايا.
وسط السجال الأوروبي، يؤكد الباحث الدنماركي في سياسات اللجوء، جون فيسترغورد، لـ"العربي الجديد"، أنه "لا داعي للهلع، وتصوير أن أوروبا على وشك ترحيل مليون سوري. في الدنمارك سوريون حصلوا على الجنسية، ولدى آلاف آخرين إقامات دائمة. النقاش سيكون حول اللجوء المؤقت مع وجود إمكانية لعودة طوعية وآمنة مستقبلاً. الحكومات الأوروبية التي لم يصدر عنها حتى تهنئة للسوريين بالتغيير الحاصل في وطنهم بعد 13 عاماً من الحرب والتهجير، سرعان ما أشاعت أجواء أشبه بتلك التي يرغبها اليمين القومي المتطرف في القارة، وخصوصاً قبل أشهر من انتخابات بعض الدول".
ووفقاً لمفوضية شؤون اللاجئين الأممية، يعتمد 90% من السوريين على المساعدات الإنسانية. مع ذلك، نقلت مجلة "شتيرن" الأسبوعية ومحطة "زي دي أف" الألمانيتان عن الباحث في الهجرة، ومستشار ميركل السابق، جيراد كناوس، قوله إن انتفاء أسباب هروب عشرات آلاف السوريين "يسبب فرحة لألمانيا والنمسا ودول أوروبية أخرى. استقرار سورية بات يمثل مصلحة وطنية لبرلين والعواصم الأوروبية. إذا نجح السوريون الذين يعودون الآن من دول مجاورة مثل تركيا ولبنان والأردن، فإن السوريين في الدول الأوروبية سيتبعونهم".
اجمالي القراءات
264