استقطاب مصري لأوغندا لمحاولة احتواء تداعيات اتفاقية عنتيبي

اضيف الخبر في يوم السبت ٠٧ - ديسمبر - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: عربى 21


استقطاب مصري لأوغندا لمحاولة احتواء تداعيات اتفاقية عنتيبي

تسعى مصر بخطوات دبلوماسية حثيثة لتعزيز مصالحها المائية في حوض النيل، مع دخول اتفاقية عنتيبي حيز النفاذ، وما يترتب عليها من تحديات تهدد الأمن المائي للبلاد، بما في ذلك مع أوغندا. مع العلم أن اتفاقية عنتيبي المعروفة رسمياً باسم "الاتفاق الإطاري التعاوني لدول حوض النيل"، تم توقيعها عام 2010 في مدينة عنتيبي الأوغندية من قبل عدد من دول حوض النيل. وتهدف الاتفاقية إلى إعادة تنظيم الاستفادة من مياه النيل بين دول الحوض، مع التركيز على "تحقيق العدالة والتنمية المستدامة". ومع ذلك، أثارت اتفاقية عنتيبي جدلاً واسعاً نظراً لتعارضها مع الاتفاقيات التاريخية التي تكفل لمصر والسودان الحصة الأكبر من مياه النيل. وتشمل الدول الموقعة على اتفاقية عنتيبي إثيوبيا وأوغندا ورواندا وكينيا وتنزانيا وبوروندي وجنوب السودان (وقعت وصادقت عليها لاحقاً في العام 2023). وتُعد هذه الدول ضمن ما يُعرف بدول المنبع، التي تسعى لتعديل بنود الاتفاقيات السابقة لصالحها، بينما لم توقع كل من مصر والسودان، باعتبارهما دولتي المصب، على الاتفاقية.

نجلاء مرعي: مصر تسعى للتوصل إلى اتفاق يحفظ حقوقها المائية

أبرز بنود اتفاقية عنتيبي
وأبرز بنود اتفاقية عنتيبي هي إلغاء الحصص التاريخية المحددة في اتفاقيتي 1929 و1959، اللتين تمنحان مصر والسودان 55.5 مليار متر مكعب و18.5 مليار متر مكعب من المياه سنوياً على التوالي، وإقرار مبدأ "الاستخدام العادل والمنصف لمياه النيل"، وإعطاء الأولوية لمشروعات التنمية المائية في دول المنبع، مثل توليد الطاقة والزراعة، دون الالتزام بموافقة مسبقة من دول المصب. ورغم توقيع اتفاقية عنتيبي في العام 2010، فقد تأخر دخولها حيز التطبيق لأكثر من عقد بسبب عدم مصادقة عدد كافٍ من الدول عليها، حيث يتطلب تفعيلها مصادقة غالبية دول الحوض. ومع انضمام جنوب السودان إلى الاتفاقية في يوليو/ تموز 2023، تم استيفاء العدد اللازم، ما أتاح للاتفاقية أن تدخل حيز النفاذ رسمياً. وفي إطار التحركات المصرية، شهدت القاهرة توقيع وزير الخارجية والهجرة المصري بدر عبد العاطي، ونظيره الأوغندي هنري أوكيلو، على إعلان مشترك يهدف إلى تعزيز العلاقات الثنائية والتعاون الإقليمي والدولي. وأكد الإعلان على أهمية تعزيز المشاورات المنتظمة بين البلدين وتوسيع التعاون في مجالات بناء السلام ومكافحة الإرهاب وإدارة الموارد المائية. واتفق الطرفان على التشاور بشأن قضايا مياه النيل، بما يضمن تحقيق المنفعة المتبادلة والتعاون المستدام وفقاً للقانون الدولي وأفضل الممارسات. وتأتي هذه المساعي في وقت تواجه فيه مصر تحديات متزايدة بسبب الموقف الإثيوبي المتصلب تجاه سد النهضة، وهو ما يدفع القاهرة إلى توثيق تعاونها مع دول الحوض، خاصة تلك التي لم تصادق بعد على اتفاقية عنتيبي.

وضمن الجهود المصرية لتطويق تداعيات اتفاقية عنتيبي واكتمال بناء سد النهضة الإثيوبي، أجرى عبد العاطي اتصالاً هاتفياً، أول من أمس الخميس، مع كايا كالاس، الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، هنأها فيه بتولي منصبها الجديد. وخلال الاتصال، شدد عبد العاطي على أهمية الأمن المائي باعتباره قضية وجودية بالنسبة لمصر، داعياً إلى دعم الموقف المصري في ملف سد النهضة بما يضمن حقوق مصر التاريخية في مياه النيل. وفي السياق ذاته، ناقش عبد العاطي مع وزير خارجية إريتريا عثمان صالح عدداً من القضايا الإقليمية، مشيرين إلى أن تعزيز الاستقرار الإقليمي يظل عاملاً رئيسياً في مواجهة التحديات المشتركة من خلال تعزيز التعاون في المجالات الاقتصادية والتنموية، فضلاً عن تبادل الخبرات في إدارة الموارد المائية.وبحسب مصادر مصرية، فإن التحركات المصرية الأخيرة تبعث رسائل واضحة إلى المجتمع الدولي مفادها أن قضية الأمن المائي ليست مسألة ترف سياسي، بل قضية وجودية لا تقبل المساومة، حيث تؤكد مصر أنها ستواصل العمل عبر القنوات الدبلوماسية لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، بما يضمن تحقيق مصالحها الوطنية وحماية حقوقها التاريخية في مياه النيل. كما تمثل هذه الجهود جزءاً من استراتيجية مصرية أوسع لتعزيز التعاون مع دول حوض النيل ودول القرن الأفريقي. وبينما تواصل القاهرة محاولاتها للوصول إلى توافق دولي بشأن إدارة مياه النيل، يبقى النجاح مرهوناً بقدرتها على بناء تحالفات قوية وتحقيق التوازن بين المصالح الوطنية والمصالح الأفريقية المشتركة.

محاولة تحقيق توازن استراتيجي
وفي السياق، قالت الخبيرة المصرية في الشؤون الأفريقية نجلاء مرعي، لـ"العربي الجديد": إن الاتفاق المصري - الأوغندي الأخير يأتي ضمن إطار تحركات مصر الاستراتيجية في منطقة القرن الأفريقي وحوض النيل. وأكدت أن كل التحركات المصرية أخيراً تهدف إلى تحقيق توازن استراتيجي لمواجهة محاولات الهيمنة الإقليمية أو الخارجية، خاصة تلك التي تسعى للسيطرة على منابع النيل ومداخل البحر الأحمر وخليج عدن. وأضافت: "في ما يتعلق بأوغندا، وهي إحدى دول حوض النيل الموقعة على اتفاقية عنتيبي، فإن هذا التحرك يشير إلى رغبة مصر في الضغط على أديس أبابا للعودة إلى طاولة المفاوضات، ضمن موازين قوى جديدة تراعي مصالح مصر والسودان في ملف سد النهضة".

هاشم علي: التفاوض هو السبيل الوحيد لتحقيق الأمن المائي الذي ترجوه جميع دول الحوض

وأوضحت مرعي أن مصر أبرمت أخيراً عدة اتفاقيات أمنية وسياسية مع دول أفريقية، أبرزها إرسال معدات عسكرية إلى الصومال في أغسطس/ آب 2024، إضافة إلى القمة الثلاثية بين مصر وإريتريا والصومال في أكتوبر/ تشرين الأول 2024. كما أكدت على أهمية التعاون العسكري والتبادل الأمني مع إريتريا، وسلطت الضوء على دور مصر في الحفاظ على وحدة الصومال واستقرار المنطقة، بالتنسيق مع جيبوتي ومؤسسات دينية مثل الأزهر الشريف. وأشارت مرعي إلى تدشين خطوط طيران مباشر بين مصر والصومال وجيبوتي في يوليو الماضي، بهدف تعزيز الترابط والتعاون بين دول المنطقة. وتطرقت مرعي إلى أهمية التحالفات التي تسعى مصر لبنائها مع دول نهرية مثل أوغندا، باعتبارها خطوة استراتيجية للحفاظ على حصة مصر الكاملة من مياه النيل وفقاً لاتفاقية 1959. وقالت: "مصر تسعى للتوصل إلى اتفاق يحفظ حقوقها المائية، وينهي التنافس الاستراتيجي بينها وبين إثيوبيا في منطقة حوض النيل والقرن الأفريقي".

في مقابل ذلك، قال الخبير في الشؤون الأفريقية هاشم علي، لـ"العربي الجديد"، إن انشغال مصر عن القضايا الأفريقية خلال العقدين الماضيين انعكس سلباً على مصالحها المائية، خاصة في قضية مياه النيل، حيث تأثرت مكانتها بعد مصادقة غالبية دول حوض النيل على اتفاقية عنتيبي الإطارية. وأوضح أن هذه الاتفاقية تهدف إلى إلغاء الاتفاقيات التاريخية لمياه النيل (1929 و1959)، التي تضمن لمصر والسودان حصصاً مائية تبلغ 55.5 مليار متر مكعب و18.5 مليار متر مكعب على التوالي. وأكد هاشم علي أن حل أزمة مياه النيل لا يتحقق إلا من خلال التوافق التام بين جميع الدول المعنية. وأضاف: "التفاوض هو السبيل الوحيد لتحقيق الأمن المائي الذي ترجوه جميع دول الحوض". وتوقع أن تشجع أوغندا، بحكم مكانتها، دول الحوض على تعزيز خيار التفاوض خلال المرحلة المقبلة لتحقيق توافق شامل.من ناحيته، قال الكاتب والمحلل السياسي السوداني محمد خليفة، لـ"العربي الجديد"، إن مصر تتبنى سياسة التوجه جنوباً لمعالجة القضايا المزمنة المرتبطة بعلاقاتها الأفريقية. وأوضح أن خطوة التقارب مع أوغندا تأتي ضمن هذه الاستراتيجية، مشيراً إلى أن الإعلان المشترك بين البلدين يحمل أهمية استراتيجية، لا سيما أن أوغندا هي الدولة التي تحمل اتفاقية عنتيبي اسم عاصمتها القديمة، ما يجعلها لاعباً محورياً في حوض النيل. وأكد خليفة أن التفاهمات الثنائية بين مصر وأوغندا قد تمثل مدخلاً لتحقيق تفاهمات أكبر على مستوى القارة، خاصة أن دبلوماسية القمة في أفريقيا تُعتبر وسيلة فعّالة لفتح أبواب مغلقة وحل المشكلات العالقة. وتوقع أن تشهد الفترة المقبلة تحركاً مصرياً أوسع نطاقاً في دول حوض النيل الجنوبي، مشيراً إلى إمكانية أن تكون جنوب السودان المحطة المقبلة.
اجمالي القراءات 141
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق