ملك اليمين : بين عبقرية كافور السامقة وعبقرية المتنبى الساقطة

آحمد صبحي منصور Ýí 2016-08-09


بين كافور ( العبد الخصى ) النبيل والمتنبى  (الحُرّ الوضيع ).

 أولا : عبقرية كافور السامقة

1 ـ هناك مقاييس للحاكم العظيم ( من الناحية الاخلاقية الانسانية ) أهمها ( حُرمة الدم ) أو مدى حقنه للدماء . الحاكم يملك القرار بالحرب أو بالسلام ويترتب على قراره حقن للدماء أو سفك لها . وتلك الدماء تتفجر من بشر لهم حق الحياة شأنهم شأن ذلك الحاكم ، ولكن معظم الحكام يُلقون بالبشر الى التهلكة وينعمون بالأمن بينما تنتشر بقرارتهم حمامات الدم وأهرامات الأشلاء .

المزيد مثل هذا المقال :

وفى الناحية الأخرى هناك مقاييس للحاكم الحقير سفاك الدماء من شعبه والشعوب الأخرى . هناك هتلر الذى قتل الملايين بإسم النازية ـ وهى مذهب بشرى . أحقر منه أولئك الخلفاء الفاسقون الذين تمسحوا بدين رب العزة وإسمه الكريم ( السلام المؤمن ) وقتلوا عشرات الملايين عبر قرون ، من الخلفاء القرشيين الى الخلفاء العثمانيين . ومثلهم الأوربيون فى حملاتهم الصليبية وكشوفهم الجغرافية وحملاتهم الاستعمارية . وعلى هامش هذا كله إنتشر الاسترقاق وعانى منه الأحرار من الأطفال والنساء ، وتم تشريع الخصاء ـ إجتماعيا ، بحيث إنتعش وإنتشر بلا إحتجاج وبلا ضمير .!

2 ـ بمقياس العظمة هذا لا نجد فى تاريخ المسلمين سوى ثلاثة حكام :( معاوية الثانى  ) الذى إعتزل الحكم بعد موته أبيه يزيد بن معاوية حتى لا يتحمل وزر الدماء ، ودفع حياته ثمنا لهذا القرار. و( عمر بن عبد العزيز ) الذى حاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه بتقرير العدل وبالسلام ، وأيضا دفع حياته ثمنا لهذا ـ وقد عرضنا لهما فى مقالات منشورة هنا . ثم هذا الشامخ ( المجهول ) أبو المسك كافور . أرى أن كافور أعظم من رفيقيه . رفيقاه كانا أقرب لعصر النبوة ، ومن البيت الأموى الحاكم . لم يبدءا من الصفر ولم يعرفا الذل والألم مثله .

3 ـ ( الاستاذ أبو المسك كافور ) عاش عصرا من الحروب على جميع المستويات ( المحلية والاقليمية والدولية )، ومختلف الجبهات : الحنابلة فى بغداد ومدن العراق يسيطرون على الشارع وينشرون الارهاب المسلح ( بمثل ما يفعله الوهابيون الحنابلة الآن )، والحروب بين العرب الحمدانيين والروم ، والمذابح التى يقيمها القرامطة فى الجزيرة العربية وجنوب العراق ، ثم كان عصر إمرة الأمراء فى الخلافة العباسية فى نهايته ( 324 : 334 ) وتجهز بنو بويه للإستيلاء على العراق والخلافة العباسية ، وهذا ما حدث فى عصر بنى بويه ( 334 : 447 ) والعادة انه فى الفترات الانتقالية تكثر القلاقل والحروب ، وفى هذه الفترة كان حكم كافور (  339 : 357 ). كان منتظرا أن يدخل الكثير من المعارك ، خصوصا وهى أول عبد خصى يحكم ، وله حاسدون من الحكام من حوله ، كلهم يطمع فى مصر والشام .

4 ـ  ولكن تجنب كافور الحرب باستعمال التشريع الاسلامى فى قوله جل وعلا  : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ) (60)  الانفال )  ، ولا ندرى إن كان يعرفه أم لا . وهو أن تكون الدولة مسالمة وقوية عسكريا لترهب الطامعين فيها حتى لا يعتدوا فيتحقق السلام ويتم حقن الدماء . إستطاع كافور بجيشه القوى هزيمة سيف الدولة الحمدانى هزيمة حاسمة فى موقعة مرج عذرا ، بل ودخل حلب عاصمة الحمدانيين ، ثم إستماله بعقد معاهدة ليأمن شرورهم ، وهزم جيش المعز لدين الله الفاطمى القادم عبر الواحات ، ثم إستمالهم بفتح مصر لدعاتهم . ليس فقط لكفّ غزوات الفاطميين من جهة الغرب ، ولكن أيضا ليكف شرور القرامطة . وقد نهب القرامطة قافلة مصرية ذاهبة للحج تتألف من 20 ألف جمل عام 355 . ولم يغامر كافور بإرسال جيشه القوى لمطاردتهم فى الصحراء ، إستغل هذا الحادث فى أن يحصل من الخليفة العباسى على سلطته على سوريا بما فيها حلب ودمشق وطرسوس ، والحجاز ( مكة والمدينة ). وبهذا أمن القوة الشيعية الحربية والتى كان يمثلها الحمدانيون وبنو بويه  فى الشرق والقرامطة  فى الجزيرة العربية والفاطميون فى شمال أفريقيا . وكلهم يطمعون فى مصر التى تتوسط الجميع . حافظ كافور على دولته ومكانته بأقل قر ممكن من الخسائر والمعارك . لم يدخل معركة إلا فى سبيل الردع ، فحقن الدماء فى عصر تجرى فيه أنهار الدماء.  هذه عبقرية كافور ، والتى لا أجد لها مثيلا ـ حتى الان .!

ثانيا : عبقرية المتنبى الساقطة :

1 ـ تتمثل فى المتنبى معظم عيوب الشخصية العربية العادية التى تسكن ( الكلمة ) وتهجر ( الفعل )، تعشق التصريحات وتتفنن فى البلاغة وتكتفى بها دون (فعل تنفيذى ) ، مثل هذا الشاعر الجاهلى عمرو بن كلثوم القائل :

إذا بلغ الرضيع منا فطاما   تخرُّ له الجبال ساجدينا

لم يتهمه احد بالكذب ، لم يقرصه أحد أذن هذا الشاعر ويقول له : الكذاب سيدخل النار .! بل أخذتهم روعة الكذب فى شعره ،  لأن  عندهم :(أعذب الشعر أكذبه ). من هنا فعندهم ( الزعيم ) هو الأقدر على قول ( المزاعم ) والأكاذيب ، ويكفى أن تكون فصيحا فى الكذب لتكون زعيما ( ولهذا نباهى العالمين اليوم بكثرة الزعماء من عبد الناصر الى صدام والقذافى ) .

وإذا كنت عبقريا فى الكذب بالشعر فأنت زعيم الزعماء . وهذا هو السبب فى شهرة المتنبى وعبقريته الساقطة فى الشعر . وربما هذا هو السبب فى توارى عبقرية كافور الانسانية والسياسية ، لأنه كان رجل أفعال ــ وهو الخصى ـ فى مقابل خصمه المتنبى المتسول الذى لم يكن خصيا . تناسى العرب كافور هذا الحاكم العبقرى ( الخصى ) وسيرة حياته الماساوية وصعوده من العبودية الى صولجان الحكم ، وإنشغلوا بهجاء الشاعر المتنبى له . والمتنبى لا يضاهي تفوقه فى الشعر سوى تفوقه فى الدناءة والنذالة والعنصرية . وموقفه من سيف الدولة ومن كافور أكبر دليل على ذلك .

2 ـ من تحليل سيرة المتنبى يبدو جمعه بين خصلتين متناقضتين : الجُبن والطموح وقد عقد الصلح بينهما برذيلة الكذب . كان يريد ـ فى هذا العصر المضطرب ـ أن يصل الى الحكم ، ولكن بسيوف الآخرين ، وبسبب جبنه وطموحه حمل لقب ( المتنبى ) وإشتهر به .

3 ـ  وُلد المتنبى عام 303 بالكوفة . كان أبوه فقيرا يحترف السقى ( سقاء ) ، (‏قال المحسن‏:‏ واجتمعت بعد موت المتنبي بعد سنين مع القاضي أبي الحسن ابن أم شيبان الهاشمي وجرى ذكر المتنبي فقال : كنت أعرف أباه بالكوفة شيخًا يسمى‏:‏ عبدان ، يستقي على بعير له  ).

إنتحل المتنبى بالكذب نسبا علويا ، وأخفى نسبه الحقيقى ، وهذا لسببين : الجُبن والطموح .

عن جُبنه . قال أحدهم (وسألت المتنبي عن نسبه فما اعترف لي به وقال‏:‏ أنا رجل أختط القبائل وأطوي البوادي وحدي ، ومتى انتسبت لم آمن أن يأخذني بعض العرب بطائلة بيننا وبين القبيلة التي انتسب إليها . وما دمت غير منتسب إلى أحد فأنا أسلم على جميعهم‏. ) . هنا جُبن فصيح اللسان ، ولكنه يفتقر الى البرهان  لأنه لو فعل هذا كل إنسان ما عُرفت الأنساب .

4 ـ السبب الآخر هو طموحه ، فقد زعم لنفسه نسبا علويا وزعم النبوة بين قبيلة كلب ليصل بسيوفهم الى تكوين دولة له . يقول الراوى : (وكان المتنبي لما خرج إلى كلب فأقام بينهم ادعى أنه علوي حسني ، ثم ادعى بعد ذلك النبوة ، ثم عاد يدعي أنه علوي ، إلى أن شُهد عليه بالشام بالكذب في الدعوتين ، وحُبس دهرًا طويلًا ، وأشرف على القتل، ثم أُستُتيب وأشهد عليه بالتوبة ، وأطلق‏. ) وفى رواية أخرى أنه أعلن نبوته فى صحراء السماوة : (  تنبأ في بادية السماوة ونواحيها ، إلى أن خرج بها لؤلؤ أمير حمص فقاتله وأسره ،وشرّد من كان اجتمع إليه من كلب وكلاب وغيرهما من قبائل العرب ،وحبسه دهرًا طويلًا ، فاعتل وكاد يتلف ، فسُئل عن أمره فاستتابه ، وكتب عليه ببطلان ما ادعاه ورجوعه إلى الإسلام. ).

5 ـ  وقد إستغل ( المتنبى  ) فصاحته فى زعمه النبوة فإنتحل وحيا ، تقول الرواية : ( ‏ وكان قد تلا على البوادي كلامًا ذكر أنه قرآنً أنزل عليه فمن ذلك‏:‏ ‏"‏ والنجم السيار والفلك الدوار والليل والنهار إن الكافر لفي أخطار . إمض على سنتك واقف أثر من كان قبلك من المرسلين ، فإن الله قامع بك زيغ من ألحد في دينه وضل عن سبيله ‏"... وكان المتنبي إذا شوغب في مجلس سيف الدولة فذكر أن له هذا القرآن وأمثاله مما يحكي عنه فينكره ويجحده‏. ).

6 ـ ولهذا إشتهر بلقب ( المتنبى ) حتى غلب عليه، ولم يتبرأ من هذا اللقب المُشين . تقول الرواية :  (  وقال ابن خالويه النحوي يومًا في مجلس سيف الدولة‏:‏ " لولا أن الآخر ( أى المتنبى ) جاهل لما رضي أن يدعى بالمتنبي لأن ‏"‏ متنبي ‏"‏ معناه‏:‏ كاذب ومن رضي أنه يدعي بالكذب فهو كاذب جاهل. " . فقال ( المتنبى ) له‏:‏ " أنا لست أرضى أن أدعى به وإنما يدعوني به من يريد الغض مني ولست أقدر على الامتناع. ".  قال المحسن‏:‏ فأما أنا فسألته في الأهواز سنة أربع وخمسين وثلثمائة عن معنى المتنبي ، فأجابني بجواب مغالط لي. وقال‏:‏ " هذا شيء كان في الحداثة أوجبته الصورة . " فاستحييت أن أستقصي عليه فأمسكت‏.).

7 ـ ووجد المتنبى فى عبقريته الشعرية سبيلا للرزق والشهرة ـ وأن يحقق لنفسه بالقول الشعرى ما يعجز عن تحقيقه فى الواقع . كان فى فخره بنفسه يزعم الشجاعة ، ومن شعره المشهور:

الخيل والليل والبيداء تعرفني ** والحرب والضرب والقرطاس والقلم  

وحين هاجمته عصابة من الأعراب ليلا أسرع يفكر بساقيه هاربا ، فإستوقفه غلام له وقال : (‏ أين قولك‏ : الخيل والليل والبيداء تعرفني ** والحرب والضرب والقرطاس والقلم ؟ فقال له‏:‏ قتلتني قتلك الله. ).! فرجع فقاتل فقتلوه .

ثالثا : لقاء العبقرية السامقة ( كافور ) والعبقرية الساقطة ( المتنبى )

1 ـ كان المتنبى ـ على عادة الشعراء يتسول بشعره ، يقصد الملوك والقواد يمدحهم لينال إجابهم وجوائزهم من الأموال السُّحت التى يجمعها أولئك الكفرة الفجرة من عرق الغلابة ودمائهم . على أن المتنبى لم يستطع التخلى عن طموحه ، لم يكن يقنع بالمال، كان يريد الحظوة والنفوذ ، لذا كان يقع فى مشاكل مع حاشية السلطان لأنه تعدى دور الشاعر المنافق المرتزق المتسول ويريد أن يعلو الى درجة القُواد والولاة . وعندما كانت تتأزّم الأمور بسبب طموحه هذا كانت تتغلب عليه صفته الأخرى وهى ( الجُبن ) فيسارع بالهرب من ميدان المكائد السياسية التى أقحم نفسه فيها ، وهو ليس لها أهلا ، لأن اهلها شعارهم : العُلا أو الموت ، او كما قال خصم للمتنبى وهو الشاعر الأمير فراس الحمدانى (المقتول عام 357 ):  

ونحن أناسٌ لا توسطَ بيننا                          لنا الصدرُ دون العالمين أو القبر
تَهونُ علينا في المعالي نفوسُنا                  ومن يَخْطُب الحسناءَ لم يُغْلِها المهر        

المتنبى تقرب من سيف الدولة الحمدانى ، ثم اصبح من جلسائه ، وتدخل فيما لا يعنيه فحدثت مشاكل فهرب سريعا .

2 ـ وذهب الى كافور ، وهو يحمل أملا أكبر فى أن يعطيه ( هذا العبد الخصى ) ولاية يحكمها . تقرب الى كافور بقصائد يتملقه فيها ويتذلل ، كالعادة . وأعطاه كافور الجوائز . وعندما لم يجد أملا فى ولاية عند كافور مدّ المتنبى حبال الود مع خصم لكافور ، وكان هذا تحت رقابة كافور الذى لا يأمن للمتنبى ، خصوصا والمتنبى سبقته شهرته وعلاقته بسيف الدولة الحمدانى وتولهه شعرا فى نفاق سيف الدولة. أحسّ المتنبى بنفور من كافور ، وكالعادة فكّر بساقيه ، فجمع حوائجه وهرب من مصر، وأطلق لسانه فى هجاء كافور .

رابعا : عبقرية المتنبى الساقطة فى هجاء كافور

1 ـ هناك أربع حتميات ليس للإنسان دخل فيها ولا مؤاخذة عليها ، هى ما يختص بالميلاد والوفاة والرزق والمصائب . ليس كافور مسئولا عن لونه وتقاطيع وجهه ، وليس مسئولا عن المصائب التى حلت به من الخطف والأسر والاستعباد والخصاء . بل إن العقل السليم يوجب   تعظيم كافور لأنه بكل هذا ـ ومع كل هذا ـ  فقد حقّق ما لم يحققه الأحرار . أما عبقرية المتنبى الساقطة فقد إختارت أن تطعن كافور فى أهم مميزاته .

2 ـ  المتنبى لا يتناقض فقط مع الأخلاق الحميدة بل يتناقض مع نفسه . فقد مدح كافور وتملقه فى قصائد شتى .  تقول الرواية : ( لما فارق المتنبي سيف الدولة بن حمدان مغاضبًا له قصد كافورًا الإخشيذي ودخل مصر ومدحه بقصيدته التي منها‏:‏

قواصد كافور توارك غيره       ومن ورد البحر استقل السواقيا ..

وهو أول مديح قاله فيه، وكان ذلك في جمادى الآخرة سنة ست وأربعين وثلاثمائة‏.‏ ..

وأنشده أيضًا في شوال سنة سبع وأربعين وثلاثمائة قصيدته البائية التي يقول فيها‏:‏

وأخلاق كافور إذا شئت مدحه      وإن لم أشأ تملي علي فأكتب

إذا ترك الإنسان أهلًا وراءه               ويمم كافورًا فما يتغرب ..

وآخر شيء أنشده في شوال سنة تسع وأربعين وثلاثمائة ــ ولم يلقه بعدها  ــ قصيدته البائية‏:‏

 أرى لي بقربي منك عينًا قريرةً     وإن كان قربًا بالبعاد يشاب

وهل نافعي أن ترفع الحجب بيننا  ودون الذي أملت منك حجاب

أقل سلامي حب ما خف عنكم       وأسكت كيما لا يكون جواب  ..

وأقام المتنبي بعد إنشاد هذه القصيدة سنة لا يلقى كافورًا غضبًا عليه ، لكنه يركب في خدمته خوفًا منه ، ولا يجتمع به . واستعد للرحيل في الباطن ، وجهز جميع ما يحتاج إليه‏. ‏وقال في يوم عرفة سنة خمسين وثلاثمائة قبل مفارقته مصر بيوم واحد قصيدته الدالية التي هجا كافورًا فيها‏.‏ وفي آخر هذه القصيدة المذكورة يقول‏:‏

من علم الأسود المخصي مكرمة    أقومه البيض أم آباؤه الصيد

 أم أذنه في يد النخاس دامية         أم قدره وهو بالفلسين مردود

ومنها‏:‏

 وذاك أن الفحول البيض عاجزة   عن الجميل فكيف الخصية السود .

 وله فيه أهاجٍ كثيرة تضمنها ديوان شعره‏.‏ )

3 ـ هذه الخسّة من المتنبى فى الهجاء قوبلت بإستحسان من الثقافة العربية ، بما يدلُّ على عنصرية وجدت بُغيتها فى شعر المتنبى وفى إحتقاره للإنسان الأسود لمجرد اللون حتى لو كان فى عظمة كافور .!. لا أعرف ـ حتى الآن ـ ناقدا أدبيا جهر بالهجوم على المتنبى وفضح عبقريته الساقطة ومدح عبقرية كافور السامقة . ومن اسف أن الناس حتى عصرنا يتغنُّون بشعر المتنبى فى هجائه لسيده كافور ، وهم لا يحسُّون بوخز الضمير ، حيث كانت أبيات المتنبى العبقرية فى السقوط تركّز على ما عانه كافور فى طفولته البائسة من تنقله فى أسواق النخاسه والخصاء .

إقرأ مثلا قوله فى هجاء المتنبى لكافور :

اين المحاجم يا كافور والجلم     من أية الطرق يأتى مثلك الكرم

وقوله :

لا تشترى العبد إلا والعصا معه        إن العبيد لأنجاس مناكيد

ما كنت أحسبنى أحيا الى زمن      يسىء بى عبد وهو محمود

ولا توهمت أن الناس قد فقدوا     إن مثل أبى البيضاء موجود

وأن ذا الأسود المثقوب مشفره    تُطعه ذو العضاريد الرعاديد  

من علّم الأسود المخصى مكرمة   أقومه البيض أم آباؤه الصيد

أم أُذُنه فى يد النخّاس دامية      أم قدره وهو بالفلسين مردود

وذاك أن الفحول البيض عاجزة   عن الجميل فكيف بالخصية السود

5 ـ لا يٍسأل المعجبون ب ( أبى الطيب المتنبى ) القارئون لهذا الشعر : لماذ سكت كافور عن هذا الهجاء وكان بإمكانه إغتيال المتنبى ؟ وهل يتفق هذا الشعر مع مدح المتنبى السابق لكافور؟ ومن الأحق بصفات التكريم هنا : المتنبى أم كافور ؟ . ثم ألا يكفى فى المتنبى اللقب المشهور به ( المتنبى ) ؟ أليس هذا اللقب دليلا على الكذب والكفر معا ؟ ثم أليس هذا اللقب عارا على الذى ظل يحمله حتى مقتله ؟ 

اجمالي القراءات 9258

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (4)
1   تعليق بواسطة   محمد شعلان     في   الأربعاء ١٠ - أغسطس - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً
[82756]

النقاد يحكمون بجودة المنتج الشعري.


السلام عليكم ورحمة الله استاذي الحبيب .  ألدكتور .  أحمد صبحي منصور .  مقال رائع يبين ويعلم الكثير من المعايير للحكم على الشعراء المنافقين الحكام المستبدين في مصرنا وفي عالمنا العربي البائس اليائس.



 اما بالنسبة للنقاد في مجال الشعر والادب فهناك مدرسة نقدية تحكم بالنظر لجودة المنتج الادبي بغض النظر عن  المبادئ و  الأخلاقيات  التي يتضمنها العمل الأدبي سواءكان شعرا وقصائد أو نثرا  ذوات عائد. 



وهذه المدرسة النقدية لا يهمها في المقام الاول الا الإجادة والاتقان والحرفة والصنعة.  ولا يهمهم الخلائق ولا الأخلاق ويقولون ان الإصلاح ليس مهمتهم  وانما هو مهمة المربيين والأسر ورجال الدين.  وعلى هذا ..  فالمتنبي من ناحية الصنعة هو فارس القصيدة وان لم يكن فارس المعارك والحروب. 



2   تعليق بواسطة   محمد شعلان     في   الأربعاء ١٠ - أغسطس - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً
[82757]

تابع النقاد يحكمون...


 أما من ناحية معايير الأخلاق والقيم والمثل فنصيب المتنبي منهم فقير وحقير مثله امتلك جودة الصنعة  في الشعر وباع اخلاقه ومبادؤه سلعة.  تارة رخيصة وتارة نفيسة عويصة. اما عن لؤلؤتنا الزاهرة في صحراء الحكام النستبدين فهو احراج وازعاج لهم ولتاريخهم المشين. 



 انني ادعوا الله ان يجزيك خير الجزاء على  ما علمت وعلى ما أفهمت وأن يجزي هذا الكافور جنة من عنده وكأسا كان مزاجها كافورا. 



3   تعليق بواسطة   سعيد علي     في   الأربعاء ١٠ - أغسطس - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً
[82758]

الاستاذ الحاكم كافور و ذاك المتنبي و سبات العقل العربي !


أنزل الله جل و علا قرانا عربيا مبينا لقوم ( لا يعقلون ) ! و بالقران العظيم الذي يخاطب اهم ما يميز الانسان وهو العقل بحيث يعقل هذا الانسان العربي قول الله فينطلق مفكرا عاقلا تاركا كل موروثات الشرك و الجهل ساميا بعقله الى آفاق الحب و السلام مرتقيا بها الى معالي الانسانية من تآلف و حب و تعاون و خير للبشر .



هجروا القران الذي يخاطب العقل و ركنوا الى الشيطنة المتمثله في العادات و التقاليد البائسة ! لم ينظروا الى المستحيل الذي قام به خاتم الأنبياء و المرسلين في تآلف قلوبهم بقدرة الله عز و جل و لم تسموا عقولهم و قلوبهم الى رحمة الله جل وعلا بالقران الذي انزله الرحيم رحمة على رسوله الكريم بحيث بعثه رحمة للعالمين .



و استمر سبات العقل العربي قرونا بهجره للقران الكريم و تيميم عقولهم شطر كتب اخرى دينية كانت أو ادبية ألفها الكذابون على الله جل و علا فأصبحت دينا في حضرة الشيطان ! و شعرا مقززا كاذبا يقطر سما زعافا في حضرة الكلمة الكاذبة و عذوبة القافية و البيت الكاذب !



لم يعلمونا آيات القران العظيم كيف نتدبرها فنعقلها ولم يعلمونا دولة الرسول عليه الصلاة و السلام الراقية من حب و تسامح و عطاء و صدق و مودة و سلام ، علمونا الفتوحات و الغنائم و السبي و الكره و حفظونا شعر المتنبي نتغنى به شعرا نحفظه و علمونا بقصد او بدون قصد كراهيتنا لكافور ! فبكرهنا لكافور كرهنا الصدق و الأمانة و أحببنا الكذب و الجبن !!



كم انت رائع أيها الكافور الإخشيدي لياتي باحث أروع كالدكتور أحمد فينصفك حيث ظلمك الآخرون .



4   تعليق بواسطة   آحمد صبحي منصور     في   الأربعاء ١٠ - أغسطس - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً
[82763]

شكرا أحبتى ، وندعو الله جل وعلا أن يعيننا على الاستمرار


وأقول : 

1 ـ المتنبى عبقرية شعرية بلا شك ، ولكن هذه العبقرية لا تتوهج ولا تتألق إلا فى الشّر . أروع شعر قاله هو فى هجاء كافور ـ وهو شعر يعبر عن سقوط أخلاقى وإنسانى ( عبقرى ايضا ) . وتراه فى مدحه لكافور يفتعل وكأنه يُرغم نفسه على المدح ، شعره هنا خال من حرارة الاحساس وصدق المشاعر ، لأنه مضطر للمدح ، مدح شخص يراه مجرد عبد اسود حبشى خصى ، أى يمدحه منافقا وكارها فى نفس الوقت . وهو عندما يمدح بلا عاطفة فهو يغطى برودة شعره بإعطاء الحكمة ، والاسراف فى المجاز والمحسنات اللفظية . أما عندما ينطلق معبرا عن شرور نفسه ترى عبقريته الشعرية فى الأوج .! 

2 ـ جاء كافور حاكما فى وقت مفصلى تتصارع فيه الخلافة الفاطمية الفتية الشابة مع الخلافة العباسية الأقدم منها عمرا . لا يصح فى البحث التاريخى أن نفترض شيئا ، أى نقول ( لو حدث كذا فسيكون كذا ) . دعنا ننسى هذه القاعدة البحثية ، ونفترض وجود حاكم من نفس النوعية السائدة قبل كافور وبعد كافور وفى وقت كافور ..كانت ستحدث حروب ومذابح . من حق كافور أن نشكر له حقن دماء الالوف من البشر فى عصره . ومن أسف أن الناس لم يتعلموا الدرس من حكمة كافور ، بل لم يذكروا عن كافور سوى الهجاء الذى قال فيه المتنبى ، فقول المتنبى فى كافور يعبر عن ثقافة العرب . لذا لا يزالون يعجبون بهذا المتنبى الأفّاق . 

أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 4981
اجمالي القراءات : 53,344,650
تعليقات له : 5,323
تعليقات عليه : 14,622
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي