تزوير الدرجات الجامعية يحطم أحلام الطلاب المتفوقين وسط تواطؤ المسؤولين
في مشهد محزن يتكرر داخل الجامعات المصرية، يقف طلاب مجتهدون أمام واقع مؤلم يعصف بآمالهم بعد أن تم التلاعب بنتائجهم الدراسية لصالح من لا يستحقون.
قضية جديدة تبرز هذا الظلم الفادح، إذ وجدت إحدى الطالبات المتميزات بجامعة الفيوم نفسها ضحية لتلاعب واضح في درجاتها، مما أدى إلى حرمانها من حقها الطبيعي في التعيين كمعيدة رغم تفوقها الأكاديمي وحصولها على المرتبة الثالثة بين زملائها في دفعة 2023.
البداية كانت باتصال صادم تلقاه والد أميمة رجب سيد يونس الطالبة بقسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب جامعة الفيوم، وذلك عقب حصولها على المرتبة الثالثة على دفعة 2023، أُعلم فيه بأن نتائج ابنته قد تم التلاعب بها لصالح آخرين، وأن هناك تغييرات غير قانونية في درجات مادة الترجمة التي كانت تفوقت فيها.
تلك التعديلات سمحت لطلاب آخرين بالمرور فوقها في الترتيب الأكاديمي، ما أتاح لهم التعيين في الكلية بينما حُرمت هي من هذا الحق بغير وجه حق.
الطالبة المسلوبة حقوقها لم تقف مكتوفة الأيدي، حيث سارعت إلى تقديم شكوى إلى النيابة العامة، موضحة أن التلاعب شمل كشف رصد الدرجات، وأن بعض المسؤولين في الجامعة هم من وراء هذا التزوير لصالح طلاب آخرين.
وقد تم تحرير محضر يحمل رقم 3593 إدارى أول الفيوم، تتهم فيه عميد الكلية ووكيل الكلية ومسئولي الكنترول بتزوير كشوف الدرجات وإجراء تعديلات على النتائج من أجل تمكين طلاب آخرين من التعيين بدلاً منها
والشكوى تطرقت إلى تفاصيل دقيقة، من بينها طلب التحفظ على كراسات الإجابة الخاصة بها وبزملائها، وتشكيل لجنة مستقلة لمراجعة تلك الكراسات بهدف كشف الحقيقة.
شهادة إحدى أعضاء هيئة التدريس في مادة الترجمة أكدت بشكل واضح هذا التلاعب، حيث ذكرت وجود وثائق وأدلة دامغة تثبت أن درجات الطالبة تم تغييرها عمداً لتفضيل آخرين في التعيين كمعيدين، مما يعد خرقاً صارخاً للعدالة الأكاديمية.
كما كشفت التحقيقات أن الخطة الاستراتيجية لتعيين المعيدين داخل الكلية قد تم تعديلها بصورة غير قانونية، لتخدم بعض الأقسام على حساب الأخرى وتسمح بتعيين عدد أكبر من المعيدين في أقسام معينة دون وجه حق.
هذه الكارثة تكشف بوضوح حجم الظلم الذي يعاني منه الطلاب المتفوقون في مصر، حيث يتم سرقة جهدهم وتعبهم لصالح من يمتلك النفوذ أو الوساطة.
التلاعب بالدرجات في الجامعات ليس مجرد حادثة عابرة، بل هو واقع مرير يواجهه العديد من الطلاب الذين يجدون أنفسهم فجأة خارج دائرة الفرص المستحقة، بينما ينعم آخرون بتلك الفرص التي لم يبذلوا أدنى جهد للحصول عليها.
ما يزيد من حجم هذه المأساة هو غياب المحاسبة الفعلية. فبالرغم من أن قانون العقوبات المصري يفرض عقوبات صارمة على من يثبت تورطهم في قضايا التزوير، حيث تصل العقوبة إلى السجن لمدة قد تصل إلى عشر سنوات، إلا أن تلك النصوص القانونية لا تجد طريقها إلى التنفيذ الفعلي في كثير من الأحيان.
يظل المتورطون في هذه الجرائم بعيدين عن المحاسبة، في حين يستمر الطلاب المظلومون في دفع الثمن الغالي لممارسات فاسدة تحطم مستقبلهم دون رحمة.
وفي ظل هذا التجاهل الصارخ للعدالة، تتفاقم مشاعر الإحباط واليأس لدى الطلاب الذين يرون أحلامهم تنهار أمام أعينهم، بينما تستمر الإدارات الجامعية في تجاهل معاناتهم والتستر على المتورطين في هذه الجرائم.
يصبح الطالب في هذا النظام الفاسد مجرد رقم، تُمحى جهوده بتوقيع أو تزوير دون أن يُسمح له حتى بالدفاع عن حقه المسلوب.
ما يحدث في الجامعات المصرية اليوم هو مأساة إنسانية تتكرر كل عام، حيث يتم طمس حقوق الطلاب المجتهدين وتُمنح الفرص لمن لا يستحقون.
هذه الأفعال لا تهدد فقط مستقبل هؤلاء الطلاب بل تهدد مصداقية النظام التعليمي بأكمله. عندما يفقد التعليم نزاهته، وعندما تتحول الجامعات إلى ساحات للتلاعب والتزوير، فإننا نكون قد خسرنا أحد أهم ركائز المجتمع ومستقبله.
في هذه الظلمة الحالكة، يبقى الأمل في أن تستيقظ الجهات المعنية وتتحمل مسؤولياتها تجاه هؤلاء الطلاب المظلومين، وأن تبدأ في اتخاذ خطوات حقيقية لوقف هذا النزيف المستمر في حقوقهم. يجب على الدولة أن تواجه هذه الممارسات الفاسدة بشدة وحزم، وأن تحمي مستقبل أبنائها من أيدي العابثين.
لكن إلى أن يتحقق ذلك، ستظل أصوات الطلاب المتفوقين، الذين ضاع جهدهم سدى، تتردد في أرجاء الجامعات، وستظل مشاعر الحزن والغضب تخيم على نفوسهم وهم يرون أحلامهم تتحطم بلا ذنب اقترفوه.
اجمالي القراءات
10