رغم تدخل الملك.. لماذا لم تتوقف احتجاجات المغرب؟

اضيف الخبر في يوم الأحد ٠٢ - يوليو - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: ساسه


رغم تدخل الملك.. لماذا لم تتوقف احتجاجات المغرب؟

دخلت حركة الاحتجاجات الشعبية في منطقة الريف بالمملكة المغربية شهرها الثامن، بينما كلّ المؤشرات لا تنذر بعودة الوضع إلى الهدوء على الأقل في هذا الوقت، حيث يواصل شباب منطقة الريف خروجهم في تظاهرات سلمية في بعض المدن والبلدات على نحو شبه يومي، مطالبين بحق أبنائها في عيش كريم عن طريق إحداث وظائف، وبناء مستشفى وجامعة، وتنفيذ المشاريع التي سبق أن أطلقها الملك محمد السادس في أكتوبر (ِتشرين الأول) 2015 ولم تدخل بعد حيز التنفيذ، فحركة

مقالات متعلقة :

الاحتجاجات التي بدأت بعد مقتل بائع السمك محسن فكري سحقًا في شاحنة لجمع القمامة، والتي تحولت بسرعة إلى حركة ذات طابع اجتماعي وسياسي، زاد حجمها رغم تدخل الملك محمد السادس، فلماذا لم تتوقف هذه الاحتجاجات رغم تدخل الملك؟

اقرأ أيضا: حراك الريف المغربي.. مطالب مشروعة ونزعات انفصالية

ما قد تريد معرفته عن منطقة الريف في المغرب

تشهد منطقة الريف، شمالي المغرب، احتجاجات شعبية مستمرة منذ ثمانية أشهر، وكانت شرارة الغضب الأولى مقتل بائع السمك، محسن فكري، طحنًا في شاحنة القمامة، عندما أراد استعادة سلعته التي صادرتها الشرطة منه، بادرت السلطات المغربية إلى التهدئة واحتواء الحادث الفظيع، فأرسلت وزراء وكبار المسؤولين إلى مدينة الحسيمة، وأصدرت المحاكم إدانات في حق الضالعين في قتل فكري، ولكن يبدو أن الأمور كانت قد أفلتت من يد المسؤولين، حيث تبنى الشارع القضية، في مسيرات ومظاهرات تجاوزت مطالب القصاص والعدالة إلى العزلة والبطالة والفقر والخدمات الاجتماعية التي تفتقر إليها منطقة الريف، التي تعد من أفقر المناطق في المغرب.

احتجاجات الحسيمة

تقع منطقة الريف على البحر المتوسط في منطقة جبلية معزولة، يتميز أهلها بالشدة والاعتزاز بتاريخهم المجيد في مقاومة الاستعمار الإسباني، ويحتفظ أهل الريف في  ذاكرتهم الجماعية بجمهورية الريف التي أسسها ما بين 1921 و1927، رمز المنطقة؛ عبد الكريم الخطابي، الزعيم الذي تجاوز صيته ومكانته حدود المغرب، تعرض أهل الريف إلى قمع سلطات الاستعمار الإسباني أثناء مقاومة الخطابي، حيث أبيدوا بالأسلحة الكيماوية، ويعتقد أن آثارها لا تزال موجودة إلى اليوم، إذ تسجل المنطقة أعلى معدلات الإصابة بالسرطان في المغرب.
ويفتخر أهل الريف أيضا بوقوفهم في وجه السلطة، إذ تعد مدينة الحسيمة مركز الاحتجاجات التي تعرف «بانتفاضة الخبز» عام 1984، وكانت الحسيمة أيضًا المدينة الوحيدة التي وقع فيها قتلى في احتجاجات 2011، وتتميز منطقة الريف بالخصوصية الثقافية، إذ إن أغلب سكانها ينتمون إلى القبائل الأمازيغية، ويحتفون بتقاليدهم ولغاتهم الشعبية، ولكن هذه الخصوصية أخذت أبعادًا اقتصادية واجتماعية، فمصادر الدخل الرئيسية في الريف هي الأموال التي يرسلها المهاجرون إلى أهاليهم، وأموال التهريب وزراعة القنب الهندي، ويحمّل سكان المنطقة مسؤولية هذه الوضعية إلى الملك الراحل، الحسن الثاني، الذي يبدو أنه لم يغفر لهم الثورة على ملك والده في عامي 1958 و1959، إذ إن التنمية في المنطقة شبه منعدمة، حسب أهل الريف، وهو ما أدى إلى ازدهار زراعة المخدرات، ويعتقد أن عشرات آلاف الهكتارات تزرع اليوم بالقنب الهندي في الريف من قبل 800 ألف شخص.
ويتسلل نحو 50 ألف شخص من سكان الريف إلى مدينتي سبتة ومليلية التابعتين إداريًا لإسبانيا في رحلات تهريب تشمل المخدرات والسلع الاستهلاكية وغيرها من المواد، مثل الملابس والخمور والتبغ.
وحاول الملك محمد السادس فك العزلة عن الريف، إذ أعلن مشاريع لتطوير شمال البلاد، وقرب منه مسؤولين من المنطقة، ولكن يبدو أن الاستثمارات التي أعلن عنها اقتصرت على المدن الكبيرة ولم تصل إلى القرى والمناطق الأكثر عزلة.
وشهدت منطقة الريف على مر السنين هجرة عدد متزايد من أبنائها لعدم توفر أسباب المعيشة في مناطقهم، على الرغم من ازدهار وتطور العديد من المدن المغربية الأخرى واستفادتها من البنى التحتية والخدمات الاجتماعية والاقتصادية، مثل الدار البيضاء والرباط وحتى طنجة.
وأمام هذه الضغوط والأوضاع الصعبة، أمسك الشباب في الحسيمة، بحادث مقتل واحد منهم في ظروف مأساوية، للتعبير عن غضبهم لتوصيل مطالبهم إلى أعلى سلطات البلاد، وكان ناصر الزفزافي، الشاب العاطل عن العمل، يتحدث باسمهم ويعبر عن معاناتهم، وهو يقاطع خطيب الجمعة في مسجد مدينته، ليتحدث عن ظروف المعيشة الصعبة والبطالة والفقر وغيرها من الآفات التي يعاني منها أهل الريف

محسن فكري يفجّر الريف  

في 28 أكتوبر (تشرين أول) 2016، تعرض الشاب محسن فكري لعملية «طحن» حقيقية بشاحنة لجمع النفايات بميناء الحسيمة، بعدما صادرت سلطات الميناء صناديق سمكه ورمت بها في الشاحنة ذاتها، بدعوى أنها محملة بأسماك ممنوع اصطيادها ومن ثم تسويقها واستهلاكها، أو هكذا قيل وراج في حينه. مباشرةً بعد ذلك، خرج الآلاف من شباب المدينة احتجاجًا على طحن ابن بلدتهم، وزار وزير الداخلية شخصيًا المنطقة لتقديم واجب العزاء لذوي الراحل، وشدد على التزام الحكومة بمباشرة تحقيق قضائي دقيق، لتحديد ظروف وملابسات الحادث وتقديم الجناة للعدالة.

ما هي سوى ستة أشهر من التحقيقات حيث أصدرت الغرفة الجنائية في محكمة الاستئناف بالحسيمة أحكامًا برأت بعض المتهمين وأدانت آخرين، وحكمت عليهم بعقوبات سجن تتراوح بين خمسة وثمانية أشهر وغرامات مالية بسيطة للغاية، وبالتالي، فبقدر صدمة مقتل بائع السمك، كانت صدمة الأحكام المخففة التي صدرت وكانت أقل بكثير من سقف ما كان منتظرًا أو مطلوبًا، أو مراهنًا عليه لتخفيف الصدمة عن نفوس سكان المنطقة، لتعود المنطقة وتثور من جديد.

أخذت وزارة الداخلية، أمام توالي المظاهرات والتخبط الحكومي في التعامل معها، أخذت على عاتقها مهمة مواجهة الاحتجاجات بمنعها رغم سلميتها وعدم تسجيل أي اعتداء على أملاك عامة أو خاصة، بل اكتفى المتظاهرون بترديد شعارات تنم عن شعور بالغبن والتهميش.

تعامل الحكومة المغربية مع الاحتجاجات

حمّلت أحزاب مغربية وزارة الداخلية مسؤولية التصعيد الذي تشهده مدينة الحسيمة شمالي المغرب، مطالبة بالإفراج الفوري عن جميع معتقلي الحراك الاجتماعي دون قيد أو شرط، مع رفض المقاربة الأمنية للأزمة، وحمّل كل من حزب العدالة والتنمية وحزب الاستقلال وحزب الاتحاد الاشتراكي في بيان مشترك الدولة مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع بالمنطقة بسبب ما أسمته «تبخيس دور الأحزاب الوطنية وإفساد الحياة السياسية»، وأدانت الأحزاب المذكورة «التضليل الإعلامي الذي تمارسه القنوات الحكومية التي نشرت صورًا وفيديوهات لأحداث معزولة لا علاقة لها بالحراك، ونسبتها للمتظاهرين»، ورفضت الأحزاب الثلاثة المقاربة الأمنية التي تنتهجها الدولة حيال المنطقة، داعية إلى تحقيق مطالب السكان الاقتصادية والاجتماعية التي عبر عنها الحراك الاجتماعي، مشيدة بما سمته «الروح الوطنية التي تتحلى بها ساكنة الإقليم خلال الأشكال الاحتجاجية».
من جهة أخرى شدّد رئيس الحكومة المغربية الدكتور سعد الدين العثماني على ضرورة احترام المقتضيات القانونية في التعامل مع احتجاجات الحسيمة والتحقيق في أي تجاوز، مجددًا ثقته في القضاء من أجل الترجمة الكاملة للتوجيهات الملكية لاحترام ضمانات المحاكمة العادلة، والتحقيق في كل مزاعم التعذيب وإجراء الخبرة الطبية اللازمة وفق القواعد القانونية المتعارف عليها عالميًا.


وأعرب العثماني في تصريح صحافي مساء يوم الأربعاء، عن أسفه وحزنه لما شهدته مدينة الحسيمة يوم الاثنين من أحداث مؤلمة، جرح على أثرها عدد من الضحايا سواء من المحتجين أو من قوات الأمن، وقال: «أريد أن أعبر عن الأسف والانشغال للأحداث التي وقعت يوم الاثنين الماضي»، مبديًا أسفه «للمواطنين الذين تعرضوا للحجر في هذه الأحداث، سواء من المحتجين أو القوات العمومية، لأنه لا يمكن لأي كائن أن يقبل بالضرر».

الملك يتدخل

أعرب الملك محمد السادس عن استيائه من عدم تنفيذ الحكومة والوزراء المعنيين المشاريع التي يتضمنها البرنامج التنموي الخاص بمنطقة الحسيمة شمالي شرقي البلاد، والمقررة منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2015، وخلال اجتماع المجلس الوزاري الذي ترأسه في الدار البيضاء الأسبوع الماضي توّج ببيان ملكي، أصدر الملك أوامره بالتحقيق في أسباب عدم تنفيذ هذه المشاريع التنموية، وتحديد المسؤولية عن التقصير، ورفع تقريرًا بذلك في أقرب فرصة، كما وجّه الملك بعدم استفادة الوزراء المعنيين ببرنامج التنمية الخاص بالحسيمة من العطلة السنوية، وطلب منهم العمل على متابعة سير أعمال المشاريع فيها، وتسعى الحكومة المغربية إلى احتواء الاستياء، واتخذت إجراءات متعلقة بتنمية اقتصاد المنطقة، وأرسلت وفودًا وزارية في الأشهر الستة الأخيرة، لكنها عجزت عن تهدئة الاحتجاجات، ما اضطر الملك للتدخل، ويعتبر هذا البيان أوّل موقف  للملك تجاه ما يجري في الحسيمة.

الاحتجاجات مستمرة رغم تدخل الملك

ما أن استبشر المغاربة خيرًا في تدخل الملك لحلّ مطالب سكان الريف في آخر أيّام رمضان حتى استيقظت الحسيمة في اليوم الأوّل للعيد على وقع الاحتجاجات العنيفة، فيما قالت السلطات المغربية في مدينة الحسيمة، إن «أشخاصًا ملثمين» قاموا بهجوم باستفزاز عناصر الشرطة والقوات المساعدة، كما رشقوها بالحجارة، ما تسبب في إصابة 80 شرطيًا، بجروح متفاوتة الخطورة.


وأظهر شريط فيديو تداوله سكان الحسيمة، على مواقع التواصل الاجتماعي، تفريق الشرطة باستعمال العصي، للمتظاهرين في الحسيمة، أمس الاثنين.

استجابةً لدعوات أطلقها شباب من حراك الحسيمة الاجتماعي، سجلت الحسيمة احتجاجات سلمية للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين، من قيادات الحراك الاحتجاجي للحسيمة، حيث تعتقل السلطات عشرات الناشطين أبرزهم قائد الحراك ناصر الزفزافي، وبعد أسبوع  من أحداث عيد الفطر في الحسيمة، والتي لم تنل أي تغطية إعلامية رسمية تذكر، أعلن رئيس الحكومة المغربية الدكتور سعد الدين الشاذلي عن أسفه لوقوع تلك المواجه

إلى أين تتجه الاحتجاجات؟

الشعارات المرفوعة في المظاهرات متنوعة وكثيرة وتثير مخاوف بعض المغاربة، لا سيما وأن المنطقة ذات جذور عرقية أمازيغية وتراثية ضاربة في القدم، وأن محاولة الزعيم التاريخي عبد الكريم الخطابي إقامة «جمهورية الريف» في ثلاثينيات القرن الماضي، لا تزال حاضرة في عقول وقلوب الكثيرين ممن خرجوا للتظاهر ضد سياسات الدولة المهمشة لمنطقتهم، إلا أن المحتجين أكدوا مرارًا على عدم اتخاذ مسيرتهم طابعًا معاديًا لوحدة المغرب ورفضوا كل الاتهامات القائلة بسعيهم للانفصال عنه، ما يجعل الحكم على مآلات هذه الحركة أمرًا صعبًا في ظل تشدد الجبهات.

متظاهرون يؤدون قسم الحراك

يتواجد اليوم كلّ من حركة الاحتجاج والسلطات على طرفي نقيض، فيما يطالب المتظاهرون بإطلاق سراح المعتقلين من المتظاهرين فورًا ودون شروط ، لكونهم أبرياء من التهم الموجهة إليهم من قبيل التحريض على العصيان وتعريض أمن الدولة للخطر، وترد السلطات بالقول إن القضاء هو الذي سيفصل في أمرهم وأن الاستمرار في الاحتجاج يعرض المزيد من المتظاهرين للاعتقال والمحاكمة، وما بين هذا وذاك يبقى الحراك مستمرًا.

اجمالي القراءات 2555
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق