آحمد صبحي منصور
:
أهلا أخى العزيز
يقول تعالى ( الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) ( المائدة 5 ).
سورة المائدة من أواخر ما نزل من القرآن . وقبلها كانت حروب بين المسلمين و المعتدين من بعض اهل الكتاب و الذين سماهم القرآن الكريم ( اليهود و النصارى ) ومنع المسلمين من موالاتهم والتحالف معهم وهم فى حالة حرب مع الدولة الاسلامية فى عهد النبى محمد عليه السلام.
وكان المنافقون يتحالفون مع أولئك اليهود و النصارى فقال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) ولأنه تشريع خاص بزمانه ومكانه فقد قال تعالى عن أولئك المنافقين (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ ) ( المائدة 51 ـ )
واولئك اليهود والنصارى كانوا من قبائل العرب التى تشابهت عقائدها بما يقطع بأن أولئك اليهود الذين تحدث عنهم القرآن لا علاقة لهم بمن نسميهم اليوم اليهود الذين لا يعرفون عبادة عزير و تاليهه بمثل ما يفعل النصارى مع المسيح عليه السلام . يقول تعالى ( وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ )( التوبة 30 ـ )
وبذلك التحالف السياسى الذى كان بينهما و التشابه العقيدى فقد كانوا صفا واحدا ضد المسلمين ، يقول تعالى ( وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) ( البقرة 111 ) أى احتكروا لأنفسهم الجنة .
وكانوا يودون أن يتبعهم المسلمون فى عقائدهم وملتهم ( وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ ) ( البقرة 120) وكانوا يتمنون عودة المسلمين الى الجاهلية السابقة ( وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) ( البقرة 109)
وبرغم انتمائهم الى عقائد متشابهة و وجود تحالف سياسى بينهما ألا انهم كانوا فى جدال دينى داخلهم فيما بينهم كالشأن فى كل الفرق التى تتبع دينا أرضيا واحدا (كما يحدث اليوم بين الشيعة و السنة )، يقول تعالى ( وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) ( البقرة 113 )
لم يكن أولئك اليهود و النصارى ـ المعتدون ـ كل اهل الكتاب فقد تحدث القرآن الكريم عن تقسيمات ثلاث لأهل الكتاب منهم السابقون ومنهم المقتصدون ومنهم الفاسقون المعتدون فى العقيدة و السلوك .
ومن هذه المقدمة نفهم كيف أحل الله تعالى ـ بعد توطد الأمن ـ إقامة علاقات الزواج و الطعام بين المسلمين واهل الكتاب بعد أن وصف المعنيين من أهل الكتاب ـ أو حدد المقصودين منهم بالايمان . والايمان المطلوب هو بمعنى الأمن والأمان حسب التعامل الظاهرى ، اى بنفس معنى الاسلام الظاهرى بمعنى السلام ، ونرجو أن تراجع مقال (الاسلام دين السلام ) لمزيد من التوضيح .
وبالطبع فطالما قال تعالى ( اليوم ) فقد كان ذلك ممنوعا بسبب وجود شقاق وحروب بين المسلمين وأهل الكتاب مرجعه وجود أولئك المعتدين ضمن أهل الكتاب و الذين سماهم القرآن باليهود و النصارى .
ويلفت النظر ان أولئك الذين سماهم القرآن باليهود والنصارى أمر عمر بن الخطاب فيما بعد باخراجهم من الجزيرة العربية خصوصا اليمن ونجران فتحايلوا باظهار الاسلام ، وهم الذين تسببوا فى الكيد للمسلمين فى موقعة الجمل و صفين ، وهم أرباب فرقة التشيع ( رائدهم عبد الله بن سبأ ) وأرباب ما يعرف بالسنة ( كعب الأحبار استاذ ابى هريرة ، ووهب بن منبه وأخوه و قبلهم ابن سلام )
مصطلح المحصنة المؤمنة يعنى العفيفة المسالمة / فلا يجوز الزواج من الزانية المصممة على عدم التوبة من الزنا ـ كما لا يجوز الزواج من غير المؤمنة المسالمة اى المحاربة ـ أو بتعبيرنا الارهابية .
وتلك شروط تسرى على المسلمين واهل الكتاب من الرجال و النساء.
وفى النهاية فكل انسان مسالم فهو مسلم وهكل انسان مأموم الجانب يأمنه الناس فهو مؤمن . ويجوز الزواج منه و تزويجه بغض النظر عن العقائد التى قد تاجل الحكم فيها لله تعالى يوم القيامة .
وفى النهاية فانه طبقا لعدل الاسلام فانه يجوز للمسلمة المؤمنة أن تتزوج من أهل الكتاب طالما كان مثلها مسالما مامون الجانب ، وكما يجوز لنا أن نأكل من طعامهم ويأكلون من طعامنا فانه يجوز لهم الزواج من بناتنا بنفس حقنا فى الزواج من بناتهم .
وفى كل الأحوال فالشروط هو دفع المهر و اشتراط الاحصان أو العفة إذ لا يصح الزواج من الزانية (الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ )( النور3 )
مقالات متعلقة
بالفتوى
: