نقد كتاب حكم الوقف على رؤوس الآي وتخريج الحديث الوارد في ذلك
نقد كتاب حكم الوقف على رؤوس الآي وتخريج الحديث الوارد في ذلك
الكتاب جمعه عبدالله بن علي الميموني المطيري وهو يدور حول موضوع الوقف فى قراءة القرآن وهو كلام ليس له أساس من الصحة مع تأليف مئات أو آلاف الكتب فيه وفى مقدمته بين أن الوقف من باب تدبر القرآن فقال:
"أما بعد
فلا ريب أن علم الوقف والابتداء من العلوم التي تسفر بها وجوه المعاني القرآنية إذ المقصود منه بيان مواضع الوقف بحيث يراعي القارئ المعاني فيقف ويبتدأ على حسب ما يقتضيه المعنى واللفظ ولا يكون ذلك إلا بتدبر واهتمام بالمعاني ؛ فالنظر في الوقوف معين على التدبر
وإذا قرأ القارئ وابتدأ بما لا يحسن الابتداء به أو وقف عند كلام لا يفهم إلا بأن يوصل بما بعده فقد خالف أمر الله تعالى بتدبر القرآن قال تعالى ( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) ..فهذا العلم من علوم الكتاب المبارك ومع ما قدمتُ من جلالته و اعتناء قراء السلف به فقد كاد أن يصبح اليوم مهجورا"
وبالقطع الوقف هو أمر صوتى لا علاقة له بالفهم وتدبر القرآن يعنى طاعته وليس مجرد قراءته أو سماعه ومن ثم لا علاقة لعملية النطق الكلامى بالفهم
وفى التمهيد نقل لنا المطيرى من بطون الكتب معنى الوقف والسكت والقطع فقال :
"معنى الوقف والسكت والقطع
الوقف والسكت والقطع عبارات يختلف مقصود القراء بها والصحيح عند المتأخرين التفريق بينها فالقطع ترك القراءة رأسا فإذا قلنا قطع القراءة فمعنى ذلك انتقاله إلى حالة أخرى غير القراءة كترك القراءة بالكلية أو الركوع أو الكلام بغير القرآن وهذا يستعاذ بعده للقراءة
والوقف ( قطع الصوت زمنا يتنفس فيه عادة بنية استئناف القراءة )
وهو المقصود بهذا البحث وهو المراد في فن الوقف والابتداء فلا يقصدون بقولهم الوقف هنا تام أو كاف أو حسن أو قبيح القطعَ للقراءة بالكلية ولا يقصدون بذلك السكت الذي هو عبارة عن وقف بلا تنفس وزمن السكت دون زمن الوقف عادة فهو (قطع الصوت زمنا يسيرا ومقداره حركتان من غير تنفس بنية العود إلى القراءة في الحال )
وفي الشاطبية
وسَكْتُهُمُ المختارُ دون تنفُّس ** وبَعضُهُم في الأربعِ الزُّهْرِ بَسْمَلا
قال الإمام أبو شامة المقدسي ( الإشارة بقولهم " دون تنفس " إلى عدم الإطالة المؤذنة بالإعراض عن القراءة ) ..."
وهذا الكلام كله خارج الشرع فلا تجد أمرا أو نهيا من الله فى الموضوع وإنما كل ما ورد فى القراءة هو :
" فاقرءوا ما تيسر منه "
أو " ورتل القرآن ترتيلا"
فلم يقل الله قفوا على كذا او ابتدئوا من كذا وإنما كل واحد جر فى قراءته حسب راحته فقد يقف عند أى كلمه لانقطاع نفسه أو لغير انقطاع نفسه
وحاول المطيرى كأهل صنعة قراءة القرآن أن يثبت أن للصنعة أساس فى القرآن مع أن قراءة القرآن مجرد عبادة أى حكم من أحكام الدين فقال:
"تخريج حديث أم سلمة الذي استدل به على سنية الوقف على رؤوس الآي
روى الإمام أحمد والترمذي وأبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدارقطني وأبو عبيد في فضائل القرآن و الفريابي في فضائل القرآن وابن أبي شيبة (والطحاوي والبيهقي في الكبرى وفي شعب الإيمان وفي معرفة السنن والآثار عن أم سلمة [ أنها سُألت عن قراءة النبي (ص)وصلاته ؟ فقالت ما لكم وصلاته ؟ كان يصلي ثم ينام قدر ما صلى ثم يصلي قدر ما نام ثم ينام قدر ما صلى حتى يصبح ثم نعتت قراءته فإذا هي تنعت قراءة مفسّرة حرفا حرفا ]
واللفظ للترمذي قال الترمذي ( حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث ليث بن سعد عن ابن أبي مليكة عن يعلى بن مَمْلك عن أم سلمة -وقد روى ابن جريج هذا الحديث عن ابن أبي مليكة عن أم سلمة أن النبي (ص)( كان يقطع قراءته ) وحديث الليث أصح )
وقال في موضع آخر ( غريب وليس إسناده بمتصل لأن الليث بن سعد روى هذا الحديث عن ابن أبي مليكة عن يعلى بن مَمْلك عن أم سلمة وحديث الليث أصح ) اهـ
فهذا الحديث عمدة العلماء الذين قالوا إن الوقف على رؤوس الآي سنة فقد استدلوا بلفظ ( كان يقطع قراءته آية آية ) "
الغريب أنه لا يوجد فى الرواية التى ذكرها عبارة كان يقطع قراءته آية آية والموجود" تنعت قراءة مفسّرة حرفا حرفا" ومن ثم فلا دليل على العلم المزعوم فالقراءة تعنى أنه كان ينطق كل حروف الكلمة فلا يخفى شيئا ولا يدعم ولا يعمل غنه ولا شىء مما اخترعه القوم وأضافوه للمصحف وهو برىء منه
العجيب أن المطيرى يقول أن روايات الحديث ضعيفة لا يعمل بها وهو ما نقله من بطون الكتب فقال:
" كما هو في بعض الروايات لكن الاستدلال بهذه الرواية من الحديث اكتنفه أمور منها الاضطراب في ألفاظها اضطرابا لا يبقى معه حجة في هذا اللفظ دون غيره مع كون مخرج الرواية واحدا ؟ فإن الحديث يدور على التابعي الجليل عبد الله ابن أبي مليكة تعالى وقد اختلف الثقات في ألفاظه اختلافا كبيرا يوهّن الاستدلال بهذه الرواية
ومنها الاختلاف على ابن أبي مليكة في سنده ولذا ضعف الإمام الترمذي والإمام الطحاوي هذه الرواية كما سأبينه وأوضحه بجلاء إن شاء الله تعالى
وهنا سؤال مهم هل الوقف على رؤوس الآي سنة بإطلاق حتى وإن اشتد تعلق الآية بما بعدها ؟ وهل صحيح أن المحققين من علماء الوقف والابتداء يقولون بذلك ؟
*سند الحديث والحكم عليه
هذا الحديث يدور على التابعي الجليل عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة بحسب ما أشار إليه الترمذي تعالى وبحسب ما اطلعت عليه من طرقه وقد اختلف عليه فيه فرواه الليث بن سعد - وهو من الأئمة الأثبات -
عنه عن يعلى بن مَمْلك عن أم سلمة ورواه ابن جريج عنه عن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي فلم يذكر يعلى بن مَمْلك ووصله بذكر أم سلمة واختلف عليه في إسناده وألفاظه وقد أعل الترمذي رواية ابن جريج برواية الليث بن سعد وقال ( إنها أصح ) كما تقدم ويضاف إلى العلة التي ذكرها الإمام الترمذي علل منها أن ابن جريج مدلس ولم يصرح بالسماع وقد وصفه جماعة بالتدليس وممن وصفه بالتدليس الإمام أحمد تعالى وقال ( إذا قال ابن جريج " قال " فاحذره وإذا قال "سمعت " أو " سألت " جاء بشيء ليس في النفس منه شئ )
ومنها أنه اختلف عليه في إسناد الحديث فرواه في أكثر الروايات كما ذكر الترمذي عن ابن أبي مليكة عن أم سلمة بإسقاط الواسطة بين ابن أبي مليكة وأم سلمة فلم يذكر يعلى بن مَمْلك ورواه مرة أخرى فزاد فيه ذكر يعلى بن مَمْلك ولفظ هذه الرواية عن ابن أبي مليكة أن يعلى بن مَمْلك أخبره ( أنه سأل أم سلمة عن صلاة رسول الله (ص)فقالت كان يصلي العتمة ثم يسبح ثم يصلي بعدها ما شاء الله من الليل ثم ينصرف فيرقد مثل ما صلى ثم يستيقظ من نومه ذلك فيصلي مثل ما نام وصلاته تلك الآخرة تكون إلى الصبح )
ولا يقال إنها رواية أخرى لأن بين الروايتين توافق واضح في الإسناد وفي المتن وليست فيما يظهر اختصارا لبعض الحديث فقط فإن فيها سؤال يعلى -وهو مقل من الرواية جدا - لأم سلمة رضي الله عنها
وأما يعلى بن مَمْلك فهو حجازي يروي عن أم الدرداء وأم سلمة ويروي عنه ابن أبي مليكة وقال فيه النسائي ( ليس بذلك المشهور ) اهـ وذكره ابن حبان في الثقات ولم أجد فيه توثيقا عند غيره وفي ميزان الاعتدال ( ما حدث عنه سوى ابن أبي مليكة ) وفي التقريب (مقبول )
فلم يثبت فيه أكثر من رواية ابن أبي مليكة عنه ففيه جهالة وأحسن مراتبه أن يكون مقبولا إذا توبع ولهذا وصفه بذلك الحافظ ابن حجر في التقريب ورواه ابن جريج مرة عن أبيه عن ابن أبي مليكة ومرة عن ابن أبي مُلَيكة من غير واسطة فهذا الاختلاف على ابن جريج في إسناد الحديث وأما والد ابن جريج وشيخه في هذه الطريق فهو عبد العزيز بن جريج القرشي المكي فيه ضعف فقد قال البخاري فيه ( لا يتابع في حديثه ) وذكره ابن حبان في الثقات وفي التقريب ( لين الحديث )
وقد اختلفت ألفاظ الحديث وقد مضى بعضها ففي رواية عن ابن جريج أن النبي ( كان يقطع قراءته آية آية ) وفي رواية ( كان يصلي في بيتها فيقرأ {بسم الله الرحمن الرحيم } { الحمد لله رب العلمين * الرحمن الرحيم * ملك يوم الدين …الخ ) وفي لفظ ( كان يقطع قراءته الحمد لله رب العلمين " ثم يقف " الرحمن الرحيم " ثم يقف ) وفي لفظ ( فقطعها وعدها آية آية وعدها عد الأعراب وعد بسم الله الرحمن الرحيم آية ولم يعد ( عليهم ) وهذا اللفظ الأخير من رواية عمر بن هارون عن ابن جريج وهي طريق ضعيفة لضعف عمر بن هارون ولذا ضعفها الإمام البيهقي وابن الجوزي والذهبي والزيلعي وابن التركماني وفي بعض روايات الحديث عن ابن جريج ( فوصفت قراءة بطيئة ) وأما في رواية الليث بن سعد ( فإذا هي تنعت قراءة مفسرة حرفا حرفا ) وقد تقدمت فهذه علل أخرى تضاف إلى مخالفته لرواية الليث بن سعد فرواية الليث بن سعد أرجح كما قال الترمذي للاختلاف على ابن جريج ولأن الليث إمام ثقة ولم يختلف عليه وقد زاد رجلا في الإسناد وهو يعلى بن مَمْلك وذلك دال على أن ابن أبي مليكة لم يسمع الحديث من أم سلمة وتجويز صاحب تحفة الأحوذي لكون ابن أبي مليكة سمعه أولا من يعلى ثم سمعه من أم سلمة بلا واسطة ضعيف في هذا الموطن لا يلتفت إليه أرباب العلل والاختلاف على ابن جريج في لفظه كبير فهذا اضطراب تضعف به رواية ابن جريج و المقصود أن في بعض طرق الحديث ما يدل على أن ابن جريج قد دلسه ولم يسمعه من شيخه ابن أبي مليكة كما أن فيها مخالفة في كثير من الألفاظ
*طريق أخرى للحديث
روى الإمام أحمد وابن أبي شيبة في المصنف والداني بسند صحيح من طريق نافع بن عمر الجمحي وهو ثقة عن ابن أبي مليكة عن بعض أزواج النبي (ص) ( أنها سئلت عن قراءة النبي (ص)فقالت إنكم لا تستطيعونها قال قيل لها أخبرينا بها قال فقرأت قراءة ترسلت فيها قال نافع وحكى لنا ابن أبي مليكة الحمد لله ثم قطع الرحمن الرحيم ثم قطع مالك يوم الدين ) اهـ ووقفه هنا على ( الحمد لله ) هكذا هو في بعض الروايات عن نافع ؟ وليس الموقوف عليه رأس آية فإذا صح -وهو صحيح – فهو يعارض الرواية التي استدل بها على أن الوقف على رؤوس الآي سنة وهذه الرواية تدل على أن تلك الرواية - المختلف في ألفاظها - قد رويت بالمعنى
وفي لفظ قالت ( الحمد لله رب العالمين تعني ( الترسيل ) ) والترسُّل والترسيل في القراءة معناه التحقيق بلا عجلة يقال ترسَّل في قراءته إذا اتَّأد فيها وتمهل
و في رواية عن نافع قال ( أظنها حفصة) وفي رواية عن ابن أبي مليكة ( لا أعلمها إلا حفصة ) والجهالة بالصحابي لا تضر لكن رواية الليث بزيادة يعلى بن مَمْلك تدل على أن ابن أبي مليكة لم يسمعه من أم سلمة والليث لم يشك أن الحديث عن أم سلمة فهذا يدل على أنه حفظ وقد يكون الاختلاف من ابن أبي مليكة
وقد وجدت لرواية الليث بن سعد عن ابن أبي مليكة عن يعلى بن مَمْلك متابعا لكنه ضعيف لا ينهض فقد روى الحافظ أبو العلاء الحسن بن أحمد الهمذاني العطار ( ت 569 هـ ) من طريق عمر بن قيس الملقب بسَنْدَل المكي عن ابن أبي مُليكة عن يعلى بن مَمْلك قال كتبتُ إلى أم المؤمنين عائشة فقلت كيف كان رسول الله (ص) يقرأ ؟ قالت ( كذا " بسم الله الرحمن الرحيم * الحمد لله رب العالمين " يبينه اسما اسما وحرفا حرفا حتى يفرغ ) لكن سنده ضعيف بل متروك تركه النسائي وغيره وقال ابن عدي ( عامة ما يرويه لا يتابع عليه ) وقال أيضا ( ضعيف بالإجماع ) ( وأما رواية أبي صالح عبد الله بن صالح كاتب الليث للحديث عن الليث عن ابن لهيعة عن ابن أبي مليكة عن يعلى بن مَمْلك عن أم سلمة عند الطبراني (32 / 292 ) فزيادته لابن لهيعة بين الليث وبين ابن أبي مليكة لا تعلل رواية الأئمة الحفاظ عن الليث عن ابن أبي ملكة بلا واسطة وممن رواه عبد الله بن المبارك وصرح فيه بتحديث ابن أبي مليكة للإمام الليث بن سعد وقتيبة عند الترمذي والنسائي و يزيد بن خالد بن موهب عند أبي داود كلهم أثبات ثقات وقد خالفوا عبد الله بن صالح كاتب الليث فهي من أوهامه فإن فيه ضعفا
*تنبيه
قد وهم الحافظ ابن حجر تعالى هنا على الترمذي فحكى عنه خلاف ما في السنن حين أراد الردَّ على الطحاوي وذلك أنه قال ( وأَعل الطحاوي الخبر بالانقطاع فقال لم يسمعه ابن أبي مليكة من أم سلمة واستدل على ذلك برواية الليث عن ابن أبي مليكة عن يعلى بن مَمْلك عن أم سلمة أنه سألها عن قراءة رسول الله فنعتت له قراءة مفسرة حرفا حرفا وهذا الذي أعله به ليس بعلة فقد رواه الترمذي من طريق ابن أبي مليكة عن أم سلمة بلا واسطة وصححه ورجحه على الإسناد الذي فيه يعلى بن مَمْلك ) بحروفه
فهذا الذي حكاه عن الإمام الترمذي خلاف ما في سننه وإنما رجح الترمذي رواية الليث التي فيها يعلى بن مَمْلك في موضعين من سننه كما تقدم وهو الذي نقله عنه غير واحد من العلماء وكذلك هو في تحفة الأشراف للمزي نقلا عن الترمذي وأما الطحاوي فقد أشار إلى تعليل الحديث برواية الليث بن سعد لأنه زاد فيه رجلا بين ابن أبي مليكة وبين أم سلمة كما صنع الترمذي فاتفق مع الترمذي ولم يختلف معه
خلاصة القول - الذي يظهر لي - في هذا الحديث أنه حسن وأحسن طرقه طريق الليث وليست صحيحة لأن يعلى بن مَمْلك مستور ولم يحدث عنه إلا ابن أبي مليكة وقد تفرد بالحديث وطريق ابن جريج ضعيفة لاضطراب ابن جريج فيها ولتدليسه ومخالفته للإمام اللّيث بن سعد والإشكال في جميع الروايات الاختلاف في ألفاظ الحديث وهذا ما جعل الإمام الطحاوي يضعف الرواية بذلك فإنه قال ( قد اختلف الذين رووه في لفظه )
فإن قيل قد صحح الإمام الدارقطني طريق ابن جريج وقال (كلهم ثقات ) وصححها أيضا الإمام الذهبي في مختصر الجهر بالبسملة ؛ وصححها النووي فالجواب من صححها لم يذكر عند التصحيح الطريق الأخرى للرواية فصححها بظاهر سندها ولكن من أعلها كالترمذي ذكر الطريقين وبين وجه الترجيح بينهما ولذا ليس في كلام كل من الدارقطني والذهبي والنووي إشارة إلى طريق الليث ومخالفته لابن جريج ولولا ذلك ما نزل الحديث عن رتبة الصحيح فتبين بهذا أن هذه الطريق المشتملة على اللفظ الذي استدل به معلولة بطريق الليث كما ذكر الترمذي كما تقدم فالحديث حسن من طريق الليث وضعيف من طريق ابن جريج و طريق نافع الجمحي أحسن من طريق ابن جريج لكن خالفه الليث وهو إمام فزاد في الإسناد رجلا ولم يشك أنه عن أم سلمة وقال ابن الجزري ( هو حديث حسن وسنده صحيح ) فلم يقل هو حديث صحيح مع احتفاله بمسألة الوقف على رؤوس الآي "
والملاحظ على ما ذكره المطيرى وجود تناقضات عدة فى الروايات:
التناقض الأول أم المؤمنين التى روى عنها فمرة حفصة كما فى قولهم:
" لا أعلمها إلا حفصة"
ومرة أم سلمة فى رواية:
" أنه سأل أم سلمة عن صلاة رسول الله"
ومرة عائشة فى قولهم "كتبتُ إلى أم المؤمنين عائشة "
وهذا معناه أن الراوى لا يعرف عمن روى
التناقض الثانى
أنه هناك رواية لم تذكر أى شىء عن طريقة القراءة وهى :
"أنه سأل أم سلمة عن صلاة رسول الله (ص)فقالت كان يصلي العتمة ثم يسبح ثم يصلي بعدها ما شاء الله من الليل ثم ينصرف فيرقد مثل ما صلى ثم يستيقظ من نومه ذلك فيصلي مثل ما نام وصلاته تلك الآخرة تكون إلى الصبح"
والرواية نفسها هى التى ذكرت تفسير القراءة وهى:
"ثم نعتت قراءته فإذا هي تنعت قراءة مفسّرة حرفا حرفا"
فهنا زادت شيئا
التناقض الثالث التقطيع فمرة تعلق بالحروف فى رواية فإذا هي تنعت قراءة مفسّرة حرفا حرفا" ومرة معارضة آية آية فى رواية" كان يقطع قراءته آية آية "ومرة مخالفة أخرى حرف حرف واسم اسم وهى "ثم قطع مالك يوم الدين يبينه اسما اسما وحرفا حرفا "
التناقض الرابع
أن عد الحمد لله دون رب العالمين آية فى رواية "الحمد لله ثم قطع الرحمن الرحيم ثم قطع مالك يوم الدين"
ومرة عدها الحمد لله رب العالمين كما فى رواية:
"كان يقطع قراءته الحمد لله رب العلمين " ثم يقف " الرحمن الرحيم " ثم يقف فقطعها "
العجيب بعد كل هذا الكلام عن ضعف الروايات والخلل فى رجالها من جوانب متعدد أن يقول المطيرى فى الفقرة السابقة:
"خلاصة القول - الذي يظهر لي - في هذا الحديث أنه حسن"
ومع هذا قال أن الطريق الصحيحة فى الروايات ليست صحيحة فقال خلف العبارو السابقة:
" وأحسن طرقه طريق الليث وليست صحيحة لأن يعلى بن مَمْلك مستور ولم يحدث عنه إلا ابن أبي مليكة وقد تفرد بالحديث وطريق ابن جريج ضعيفة لاضطراب ابن جريج فيها ولتدليسه ومخالفته للإمام اللّيث بن سعد والإشكال في جميع الروايات الاختلاف في ألفاظ الحديث وهذا ما جعل الإمام الطحاوي يضعف الرواية بذلك فإنه قال ( قد اختلف الذين رووه في لفظه ) "
المطيرى أى يقنعنا أن جمع مريض ومريض ومريض هو أصحاء وليس مرضى
إذا ثبت أنه لا أساس لعلم الوقف والابتداء فالحديث الذى يعتمدون عليه مريض بمرض ميئوس منه
وتحدث الرجل عن معنى الحديث ولا أدرى عن أى حديث يتحدث وهناك أكثر من خمس روايات متناقضة فقال :
"معنى الحديث
جعل علماء الوقف وغيرهم هذا الحديث أصلا في باب الوقف على رؤوس الآي وفيه ما قد ذكرت من العلل والاختلاف في ألفاظه ولكن الحديث بمجموع ألفاظه وطرقه إنما يدل على التأني والترسل والتمهل في قراءة النبي (ص)وذلك مستفاد أيضا من وصف أنس لقراءة النبي (ص)حين سئل عن قراءة النبي (ص) فقال ( كانت مدا ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم يمد بسم الله ويمد الرحمن ويمد الرحيم ) وقد أمر الله تعالى نبيه أن يرتل القرآن فقال ( ورتل القرآن ترتيلا ) قيل في معناها بينه تبيينا وترسل فيه ترسلا وذلك أدعى لفهم القارئ ولفهم المستمعين وهو المقصد الأعظم من إنزال القرآن فما أنزل الله كتابه على عباده إلا ليتدبروه ويتفهموا مراد الله تعالى ولذا كان النبي (ص)يقرأه كما وصف أنس وكما أخبرت أم سلمة ( قراءة مفسرة حرفا حرفا ) وفي الرواية الأخرة ذكر الراوي الترسّل فكان (ص)يقرأه كما أمره ربه تعالى ( وقرآن فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ) قال مجاهد وغيره على تؤدة
وهذا ما جعل أكثر السلف يفضلون القراءة المتأنية المترسلة فثبت أن مجاهدا تعالى سئل عن رجلين أحدهما قرأ البقرة وآل عمران والآخر قرأ البقرة قيامهما واحد وركوعهما وسجودهما واحد وجلوسهما واحد أيهما أفضل ؟ قال الذي قرأ البقرة ثم قرأ ( وقرآن فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ) رواه ابن المبارك في الزهد و أبو عبيد في فضائل القرآن وابن أبي شيبة وغيرهم وثبت أن أبا جمرة الضبعي قال قلت لابن عباس رضي الله عنهما إني سريع القراءة إني أقرأ القرآن في ثلاث قال ( لأن أقرأ البقرة في ليلة فأتدبرها وأرتلها أحب إلي من أن أقرأ كما تقول ) رواه أبو عبيد وغيره و في الأخبار الثابتة أن عمر رضي الله عنه قرأ في صلاة الفجر بسورة يوسف والحج قراءة بطيئة رواه مالك وغيره وكان بعض الصالحين من السلف معروفا ببطء القراءة ومن هؤلاء الفضيل بن عياض تعالى فقد كان يقرأ ( قراءة حزينة شهية بطيئة مترسلة كأنه يخاطب إنسانا ) فهذه الآثار وغيرها تبين معنى الحديث وتدل على استحباب الترتيل
قال الإمام محمد بن الحسين الاجري ( والقليل من الدرس للقرآن مع الفكر فيه وتدبره أحب إلي من كثير من القرآن بغير تدبر ولا تفكر فيه فظاهر القرآن يدل على ذلك والسنة وأقوال أئمة المسلمين ) اهـ
والكلام في الترتيل والحدر وبيان ما قاله العلماء في هذه المسألة ليس هذا موضعه وإنما المقصود بيان على أن الأحاديث والآثار دلت على فضل الترتيل وأنه أفضل من الإسراع في القراءة وهو مذهب معظم السلف والخلف
فألفاظ الأحاديث يبين بعضها بعضا وبخاصة مع تجوز الرواة في رواية الأحاديث بالمعنى فمتى ما جُمعت طرق الأحاديث تبين بالنظر فيها علل الأحاديث واتضحت معانيها
ولذا حظ أئمة الحفاظ على جمع طرق الأحاديث كما هو معلوم وألفاظ الحديث المتقدم تدل على التمهل والتأني في القراءة وتبيين الحروف وذلك يستنبط منه مراعاة الوقف على رؤوس الآي فإن رؤوس الآي مقاطع في أنفسهن وأكثر ما يوجد التام عندهن قال ابن النحاس ( من التبيين تفصيل الحروف والوقف على ما تم معناه منها ) فليس في الحديث نص على تعمد النبي (ص)الوقف على رؤوس الآي في كل حين كما يدعيه بعض القراء المتأخرين فضلا عن الاستدلال به على أن النبي (ص)كان يقف على رؤوس الآي حتى وإن اشتد تعلقها بما بعدها وهو ما نستثنيه بلا شك
فمعنى الروايات دل على التمهل والترسل في القراءة وإن أمكن أن يستنبط من ذلك مراعاة الوقوف عند تمام المعاني فلا بأس كما فعله بعض العلماء كابن النحاس والسخاوي وأما القول بأن النبي (ص)كان يواظب على ذلك فلا يساعده النقل و لا يؤيده المعنى وهذه الروايات قد ذكرتها وليس فيها إلا ما ذكرت
وقد قيل في الجواب عن الحديث بأنه جاء لتعليم الفواصل ولبيان لجواز لا للتعبد فلا يكون الوقف عليها سنة إذ لا يسن إلا ما فعله (ص)تعبدا وقد أطال الشيخ الضباع في ترجيح القول بسنية الوقف مطلقا ومرجع كلامه وكلام غيره من المتأخرين دائر حول تعميم بعض ألفاظ الحديث الوارد ظنا منهم أن الوقف على رؤوس الآي ثابت أنه سنة لا يختلف في ثبوتها وأن ألفاظ الحديث لم يضطرب فيها الرواة
لكن الراجح ما ذكرته وكثير من القراء المتأخرين مقلدين في تخريج الحديث فضلا عن الحكم عليه والنظر في كلام الأئمة النقاد فيه حتى أن بعضهم عزا تخريج حديث أم سلمة المتقدم إلى الصحيحين
*والأوصاف الثابتة لقراءة النبي (ص) ثلاثة المد والتحقيق بغير ترجيع
والترديد والترجيع وهو قليل
والقراءة حرفا حرفا وآية آية بترسل وترتيل وتقطيع وأحسن من رأيته تكلم بالأسانيد على الأوصاف الواردة في قراءة النبي (ص)هو الإمام الحافظ المقرئ أبو العلاء الهمذاني الحنبلي وقد قال ( هذه الأوصاف الثلاثة التي ذكرناها صحيحة ثابتة عن النبي (ص)وقد ورد عنه من وجه فيه نظر وصف رابع )
والوصف الرابع الذي ذكره هو ( الزمزمة ) "
وكل هذا الكلام لا قيمة له وحتى الأحاديث الأخرى التى ذكرها ليس فيها لفظ واحد يشير إلى الوقف على اية أو على على غير ذلك فكلها تتحدث عن الترتيل وهو القراءة دون بيان طبيعتها ومع هذا الكلام أثبت المطيرى أى الحديث الذى قال عنه أنه حسن ليس دليلا لاضطراب رواته وهو قوله فى الفقرة السابقة :
"ظنا منهم أن الوقف على رؤوس الآي ثابت أنه سنة لا يختلف في ثبوتها وأن ألفاظ الحديث لم يضطرب فيها الرواة"
وتحدث فى المبحث عن حكم الوقف على رءوس الآيات فقال :
"المبحث الثاني
حكم الوقف على رؤوس الآي عند علماء الوقف وغيرهم
جعل الإمام البيهقي والداني وأبو العلاء الهمذاني وابن القيم وابن الجزري ذلك سنة عن النبي (ص)وقال الإمام البيهقي ( ومتابعة السنة أولى مما ذهب إليه بعض أهل العلم بالقرآن من تتبُّع الأغراض والمقاصد والوقوف عند انتهائها ) وكان أبو عمرو بن العلاء من الأئمة وأحد القراء السبعة يسكت عند رأس كل آية ويقول ( إنه أحب إلي إذا كان رأس آية أن يسكت عندها )
وقال السخاوي ( معنى قوله مفسرة حرفا حرفا ما سبق في الحديث الأول من الوقف على رأس الآية ) اهـ وقال ابن النحاس ( ومعنى هذا الوقف على رؤوس الآي )
وعن عبد الله بن أبي الهذيل التابعي ( كانوا يكرهون أن يقرؤوا بعض الآية ويدعوا بعضها )
وفي رواية ( إذا قرأ أحدكم الآية فلا يقطعها حتى يتمها )
وقد قوى ذلك عند العلماء أن رؤوس الآي مقاطع في أنفسهن وأكثر ما يوجد التام فيهن حتى كان جماعة من العلماء يستحبون القطع عليهن وإن تعلق كلام بعضهن ببعض وهذا عندهم ما لم يشتد التعلق فيتغير بالوقف المعنى ؛ وبناء على هذا حكى ابن النحاس عن بعض النحاة تفضيل الوقف على ( هُدىً لِلْمُتَّقِينَ ) وإن تعلقت بما بعدها لأنها رأس آية لكن هذا الوقف على ( ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) لم يشتد فيه تعلق الآية بما بعدها ولم يتغير المعنى أو يقبح بالوقف فهو إما وقف تام عند بعض علماء الوقف على تقدير جعل ما بعدها وهو ( الذين ) في موضع رفع على الابتداء أو خبرا لمبتدأ محذوف تقديره ( هم الذين ) أو في موضع نصب بمحذوف تقديره أعني فلا تعلق له من جهة الإعراب بـ ( المتقين ) وإما أنه وقف حسن إذا كان نعتا ( للمتقين ) وهو أولى
ويقاس على هذا غيره مما يطول جدا الكلام عليه من رؤوس الآي التي يحسن الوقف عليها
ثم إنه ليس في الحديث - فيما ظهر – دلالة على مداومة النبي على ذلك بل هناك ما يدل على خلاف ذلك وهو أن النبي (ص)لو كان من شأنه المداومة على ذلك ولو غالبا فإنه لابد أن ينقل إلينا ذلك من غير طريق ابن أبي مليكة فلما لم نجد ذلك عن النبي (ص)مسندا من غير طريق ابن أبي مليكة علمنا أنه لم يكن من شأنه (ص)مراعاة ذلك على الدوام قال الإمام الجعبري ( وهم فيه من سماه وقف السنة لأن فعله (ص)إن كان تعبدا فهو مشروع لنا وإن كان لغيره فلا )
كأنه يعني إن كان وقفه (ص)عليها لأن المعنى يتم عندهن في الغالب أو لمعنى آخر كبيان رأس الآية فلا دليل على كون الوقف على رؤوس الآيات سنة
و المقصود أن أكثر القراء صاروا إلى مراعاة المعنى وإن لم يكن رأس آية كما نقله عنهم الزركشي تعالى فإنه قال ( واعلم أن أكثر القراء يبتغون في الوقف المعنى وإن لم يكن رأس
آية )
وإليه يشير قول السخاوي ( وأجاز جماعة من القراء الوقف على رؤوس الآي عملا بالحديث)
وفي كلام الداني تعالى إشارة إلى ذلك لأنه حكى الوقف على رؤوس الآي عن جماعة من الأئمة السالفين والقراء الماضين وكل هذا يدل على أن أكثرهم لم يره وهو الذي يدل عليه تصرف علماء الوقف في كتب الوقف والابتداء فإنهم يجعلون رؤوس الآي وغيرها في حكم واحد من جهة تعلق ما بعدها بما قبله وعدم تعلقه ولذا كتبوا ( لا ) فوق الفواصل كما كتبوه فوق غيرها
ومع أن أكثر القراء إنما يراعون المعاني فهم يقفون لمراعاتهم المعاني على رؤوس الآي غالبا ؟ لأنهن في الغالب مقاطع ينتهي إليهن المعنى كما تقدم
ولابد من تقييد القول بأن الوقف على رؤوس الآي سنة بما لا يفسد المعنى ولا يحيله عن وجهه لأنا نعلم أن ذلك مستثنى ضرورة من هذا الإطلاق فإن من الفواصل ما لا يصح الوقوف عليه لفساد المعنى بذلك وذلك خلاف ما أمر الله به من تدبر القرآن قال السخاوي ( إلا أن من الفواصل مال لا يحسن الوقف عليه كقوله تعالى ( فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّين )َ لأن المراد فويل للساهين عن صلاتهم المرائين فيها فلا يتم المعنى إلا بالوصل وليس الوقف على قوله ( والضحى ) كالوقف على ما جاء في الحديث ) قلت لأن ( وَالضُّحَى ) رأس آية و تعلقها بما بعدها من أقسامٍ وجوابِ قَسَمٍ قويّ وأمثال ( والضحى ) من الآيات التي يقوى تعلقها بما بعدها كثير مثل قوله تعالى (وَالطُّورِ) و( ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ)
ولذا فقد جعل علماء الوقف والابتداء الوقف على المواضع التي يشتد تعلقها بما بعدها قبيحا مع كونها رؤوس آي كقوله تعالى ( فويل للمصلين )
و كقوله تعالى ( ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون ) فلو وقف القارئ هنا لكان الكلام لا معنى له لأن الجواب لم يتم فإن اللام بعدها في قوله تعالى ( لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون ) متعلقة بما قبلها
فقد ذكر كثير من علماء الوقف هذه الآيات ونبهوا على رأس الآية ومنعوا من الوقف عليها مع كونها رؤوس آي وممن ذكر ذلك الإمام الداني والعماني و ابن الجزري والأشموني وزكريا الأنصاري وغيرهم قال في المقصد لتلخيص ما في المرشد ( ويسن للقارئ أن يتعلم الوقوف وأن يقف على أواخر الآي إلا ما كان منها شديد التعلق بما بعده كقوله تعالى ( وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ) وقوله ( قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ)
فمتى اشتد تعلق الآية بما بعدها لم يصح تعمد الوقف عليها حتى وإن كانت رأس آية
وعلى هذا العمل عند محققي علماء الوقف كما تقدم وأما استدلال من قال بسنية الوقف مطلقا بأقوال العلماء القائلين بأن ذلك سنة فقد تبين مما ذكرته عن كثير ممن اعتمدوا عليه في ذلك كالداني وابن الجزري أن هذا الإطلاق مقيد وهذا التعميم مخصوص و قد ظهر أن عملهم على تخصيص هذا العموم لأنهم عدوا الوقف على مثل ذلك من الآيات قبيحا
تنبيه قطع القراءة بكلام أو عمل أو بترك القراءة لا أعلم أحدا من القراء يجيزه على ما يشتد تعلقه من رؤوس الآي بما بعده و إنما الذي فيه اختلاف من بعض القراء هو الوقف بنية استئناف القراءة وقد بينت الفرق بين هذه العبارات أول هذه الرسالة
تنبيه السكت على رؤوس الآي بقصد البيان مذهب لبعض القراء وبينه وبين الوقف فرق كما قدمت و قد حمل بعضهم الحديث الوارد في الوقف على ذلك كما سبق
فليقف القارئ - إن شاء - على رؤوس الآي إن لم يشتد تعلقها بما بعدها فهذا هو القول الوسط الذي يرجحه النقل والعقل فإن اشتد تعلقها بما بعدها فيصل القارئ ويقف عند رأس آية أخرى لا يشتد تعلقها بما بعدها مراعيا تدبر القرآن والوقوف مع ما تقتضيه المعاني فأما إن كان رأس الآية من المختلف فيه عند علماء عد الآي خلافا ثابتا مشهورا فيقف القارئ على أقرب الوقفين لتمام المعنى وليس معنى ذلك أن القول الآخر في رأس الآية ليس بثابت لكنَّ هذا نادر وعامة التالين لا يدرون بالمختلف فيه من رؤوس الآي
والقارئ المتقن يراعي حسن الوقوف واكتمال المعاني كما يراعي جودة الحروف وإتقان صفاتها وقد شبهوا القارئ بالمسافر و المقاطع التي يقف عندها بالمنازل التي ينزلها المسافر وهي مختلفة بالتام والكافي والحسن وغيرها كاختلاف المنازل في الخصب والسعة "
وكل هذا الكلام عن الوقف على رءوس الآيات هو من ضمن الخبل الذى عرفه بعضهم حيث نقل عن بعضهم اعتراضه على الوقف على رءوس الآيات لأنه يخل بالمعنى تماما وذكر أمثله فقال :
" قال السخاوي ( إلا أن من الفواصل مال لا يحسن الوقف عليه كقوله تعالى ( فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّين )َ لأن المراد فويل للساهين عن صلاتهم المرائين فيها فلا يتم المعنى إلا بالوصل وليس الوقف على قوله ( والضحى ) كالوقف على ما جاء في الحديث ) قلت لأن ( وَالضُّحَى ) رأس آية و تعلقها بما بعدها من أقسامٍ وجوابِ قَسَمٍ قويّ وأمثال ( والضحى ) من الآيات التي يقوى تعلقها بما بعدها كثير مثل قوله تعالى (وَالطُّورِ) و( ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ)"
وأما الذى لم يذكره فهو أن الآيات الكبرى الطويلة كآية المداينة لا يمكن قراءتها وهو حوالى صفحة مرة واحدة وإنما يجب تقطيعها على عدة مرات رحمة بالقارىء
اجمالي القراءات
2643