قانون القوة .. وقوة القانون :
من دروس التاريخ

أحمد صبحى منصور   في الإثنين ١٤ - مايو - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً


* كان الخليفة أبو جعفر المنصور يعد ابنه جعفر لولاية العهد مع المهدي ابنه الآخر. وقد اختار له رجلاً من ذوى العلم والفضل ليؤدبه واسمه الفضيل بن عمران، وأرادت بعض نساء القصر الكيد للفضيل فأوعزت للخليفة المنصور أن الفضيل يعبث بجعفر، وهو تعبير مهذب عن معنى فاحش، وفي ذلك الوقت كان جعفر مع معلمه في الموصل، فأسرع الخليفة أبو جعفر المنصور بإرسال كتاب مع اثنين من القادة فيه الأمر بقتل الفضيل ابن عمران، وأمرهما أن يقتلاه حيث وجداه ثم بعد أن يقتلاه يعطيان الكتاب لجعفر، وذهب الرجلان إلى المهمة، وبعد خروجهما قيل للمنصور أن الفضيل بن عمران أبرأ الناس مما يرمى به وأنه مؤمن عفيف، وأن الخليفة قد تعجل في الحكم عليه، وأسرع الخليفة بإرسال مبعوث آخر لإنقاذ الفضيل ، ووصل المبعوث فوجد الفضيل قد جف دمه على باب بيت جعفر.

مقالات متعلقة :

وحزن جعفر على أستاذه الذى ذهب دمه هدراً ومات مظلوماً فقال لبعض الفقهاء: ما تقول في قتل أمير المؤمنين لرجل عفيف مسلم بلا جرم ولا جناية ؟
فقال الفقيه منافقاً : هو أمير المؤمنين يفعل ما يشاء وهو أعلم بما يصنع، فغضب جعفر وأمر بإلقائه في نهر دجلة وشتمه وقال له: يا ابن(....) أنا أكلمك بكلام الخاصة وتكلمني بما نخدع به العامة.. فاستجار الرجل وقال: أقول الحقيقة، فأخرجوه، فقال : هل تسأل أباك المنصور عن قتل الفضيل وقد قتل عمه عبد الله بن على وقتل عبد الله بن الحسن وغيره من أولاد رسول الله (ص) ظلماً وقتل من أهل الدنيا ممن لا يحصى ولا يعد، فأين الفضيلة من أولئك جميعاً!!
*ذلك الفقيه المنافق هو سويد ، أحد موالي أبي جعفر المنصور، وأحد العاملين في أجهزة المنصور الاعلامية وقد قامت الخلافة العباسية على أساس دعاية محددة هي أنهم آل رسول الله الذين يحكمون باسم الله، وللخليفة أبي جعفر المنصور خطبة توضح منهجه في الحكم وقد قالها في عرفة في موسم الحج يقول" أيها الناس إنما أنا سلطان الله في أرضه أسوسكم بتوفيقه وسداده" أى أكد سلطته الإلهية وإنه يحكم بتفويض من الله ووحي منه، أى أنه أول من أرسى مبدأ السلطة الثيوقراطية في تاريخ المسلمين.. وعلى ذلك الأساس كان يسفك الدماء حتى من بين أولئك المسالمين الذين لم يرفعوا السلاح، وحين ثار عليه بعض العلويين بقيادة محمد النفس الزكية قام باعتقال أهاليهم المسالمين ووضعهم في جب تحت الأرض يبول بعضهم على بعض حتى ماتوا .
* وبذلك العنف وطد الحكم لولده المهدى ودولته حتى حكمتها ذريته قروناً من الزمان وهم يستندون إلى قانون الحكم الإلهى المقدس،وهو نفس الحكم الذى جعل هارون الرشيد يفتتح ولايته بقتل أحد القادة لأنه كان ينقم عليه إنه أزاحه في الطريق في يوم من الأيام.
*وأولئك الفقهاء لم يكن لهم وجود في الدولة الأموية وقت قوتها، فلم تحتج الدولة الأموية إلى مجهوداتهم، لأنها لم تكن كالدولة العباسية تحتاج إلى قانون إلهى تتمسح به إذ كان يكفيها قانون الغاب، فالأمويون لم يحتاجوا إلى فتوى حين قتلوا الحسين وآله في كربلاء، ولم يحتاجوا إلى فتوى حين انتهكوا حرمة المدينة وقتلوا أبناء المهاجرين والأنصار في موقعة الحرة، ولم يحتاجوا إلى فتوى حين حاصروا مكة وضربوا الكعبة بالمجانيق!! والحجاج بن يوسف الثقفى أشهر الولاة في الدولة الأموية قتل مئات الألوف من المسلمين دون أن يأخذ فتوى من أحد، وما كان له أن يحتاج إلى فتوى في صراع القوة إذ يكفيه قانون القوة بديلاً عن قوة القانون.
أما الخليفة العباسى فقانون الحكم الإلهى بيده وفتاوى الفقهاء تؤكد أن الأرض ومن عليها ملك يمينه يفعل بها كيف شاء وقد خوله الله الحكم والسلطان ومن اعترض على ذلك فهو مستحق للقتل بتهمة الردة!
* وانتقلت الدولتان الأموية والعباسية إلى متحف التاريخ ولكن استمرت التجربة، دولة تحكم بقانون القوة وأخرى تحكم بقوة القانون القائم على الباطل .. وإلى عهد قريب كان عبد الناصر يحكم بقانون القوة أو ما اصطلح على تسميته بالشرعية الثورية ثم جاء السادات فحكم بقوة القانون الذي يصدره أعوانه طبقاً لأهوائه.
*وحيث يوجد قانون القوة أو قوة القانون الذي يوافق هوى الحاكم فإن هناك عملاقاً نائماً يحرص الحاكم على استمرار تخديره، وهو الشعب .. فذلك الشعب إذا نهض ووعى بحقوقه وحرص عليها فإن القوة تصير إلى جانبه ويصير الحاكم مجرد موظف أجير لدى الشعب ينفذ رغبات الشعب مقابل المرتب الذى يتقاضاه.
هذا الشعب الواعى القوى تتساوى لديه قوة القانون مع قانون القوة ، وتصبح القوة عندئذ في جانب العدل، ويصبح القانون حينئذ معبراً عن القسط، ويعيش الشعب في سعادة كما يعيش الحاكم في أمن واستقرار ولا يعرف الخوف من المجهول ولا يعرف تلك الحراسات المهولة التي تجعله يعيش في سجن من طراز خاص.
• متى نبلغ هذه المرحلة من النضج والوعى والقوة؟
• هذا هو السؤال وتلك هى الأمنية.

اجمالي القراءات 13452
التعليقات (6)
1   تعليق بواسطة   ناعسة محمود     في   الإثنين ١٤ - مايو - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[6978]


ما أروع قول الله تعالى :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ }الحجرات6
فالدرس المستفاد من هذه الآية الكريمة هو التحقق من الخبر حتى لا نصيب قوما بجهالة ونندم بعد ذلك ، فهذا الملك الظالم لم يتحقق من الخبر فأصدر حكمه على معلم ابنه ، وعندما علم بالحقيقة كان ذلك بعد فوات الآوان ، وإن دل هذا على شيىء إنما يدل على أن الحكام فى ذلك العصر يعتمدون على الشائعات والأقوايل فى إصدار الأحكام بدون تفكير أو إعمال للعقل فى ما يسمع ويصدر حكمه مباشرة دون وعى ، فهل هؤلاء حكام يستأمنوا على أرواح شبعهم ، بل وكذلك يزعمون أنهم آل رسول الله يحكمون باسم الله ، لا أظن ذلك .

2   تعليق بواسطة   رضا عبد الرحمن على     في   الإثنين ١٤ - مايو - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[6981]

أين الشهداء الأربعة الذين ذكرهم الله في القرآن

الخليفة ـ بمجرد أن سمع ان الفقيه فلان يعبث بابنه أرسل إليه ليقتله ـ ونسي ما جاء في كتاب الله عز وجل في موضوع الشهود الأربعة ليكون الدليل قويا ، كما طبق على المتهم عقوبة غير الموجودة في كتاب الله ، وامر بقتله ، وهذا أكبر استغلال للسلطة باسم الدين ..
الخليفة يتخيل نفسه يتحدث باسم السماء ومعه امرا إلاهيا ليحكم في الناس ، وهذا ما لا نتمني ان يحدث في مصرنا الحبية على أيدي الأخوان المسلمون ـ لأن وقتها سيفعلون أكثر من هذا باسم الدين وباسم الجهاد والدفاع عن دولة الاسلام .. التي لا يعلمون عنها إلا أقل القليل .. ولأنهم يعتبرون مثل هذه القصص التراثية أمثلة يحتذى بها.. في سياساتهم المنشودة ..

3   تعليق بواسطة   نجلاء محمد     في   الثلاثاء ١٥ - مايو - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[7019]

عظة وعبرة لمن يريد

هذا الدرس يعلمنا الكثير والكثير في توخي الحذر عند الحكم على أي شخص بدون دليل أو بينة.
ويلفت انظارنا إلى ما كان يحدث من استهانة بحياة البسطاء الذين لا حول لهم ولا قوة.
إلى هذا الحد حياة شخص لا قيمة لها، في دقيقة يصدر هذا الحاكم الظالم الحكم بموت شخص ويبعث في الحال وبنفذ الحكم .
لو طلب منه إنقاذ مظلوم أو إنسان جائع يكاد يموت جوعاً ما فعل ذلك بنفس السرعة ، ولكنه الشيطان الذي يوسوس لهم ويتبعونه بدون أي تفكير ومحاولة لمقاومته والتغلب عليه إلى أن تمكن منهم وجعلهم خدماً له يحقق بهم ما وعد به رب العزة جل وعلا في قوله تعالى {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ}ص82، 83.

4   تعليق بواسطة   محمد شعلان     في   الجمعة ١٨ - مايو - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[7121]

لقد كان في قصصهم عبرة

إذا كان في القصص القرآني العبرة والمواعظ وهو أصدق أنواع التأريخ فبالقطع التاريخ الإنساني ومنه التاريخ المنسوب للإسلام المكتوب بأيدي المسلمين فيه الكثير والكثير من العبر والمواعظ والدروس المستفادة ومن هذه الدروس ما جاء في هذا المقال من التبين والتيقن من الخبر الذي يثار ويلقى على مسامع كل إنسان سواء كان يملك السلطة أم لا ، والأخطر في هذا الموضوع أن يمتلك الإنسان السلطة ويسمع خبراً ويحكم بمجرد سماع الخبر دون التروي والتريث والتأكد من صحة الخبر أو كذبه قبل إصدار الأحكام التي بها الشطط والجور وتكون الدماء كالبحور، وهذا ما يفعله الحكام في كل زمان وفي كل مكان الذين يجانبهم العدل والقسط في الحكم على الناس وعلى خلق الله ، هم وأجهزتهم المعاونة وهذا ليس إلا من قبيل الحفاظ على السلطة والثروة والجاه والسلطان والمتع !! وهل كل هذا يدوم لآحد ؟؟!! ولو دامت لأحد لما وصلت للذي يليه !! يقول تعالى في يعض آيات سورة يوسف وعن القصص الذي جاء بها وأنه عبرة وموعظة لكل صاحب عقل ودين يقول تعالى {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }يوسف111.

5   تعليق بواسطة   لطفية احمد     في   السبت ١٩ - مايو - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[7174]

أيهما أسوء الدولة الأموية أم الدولة العباسية

الدولة التى تعتمد على القوة أم التي تحتاج لقانون الهي يكون مدخله الفقهاء الذين بفتون لهم بهذا ؟؟ " فلم تحتج الدولة الأموية إلى مجهوداتهم، لأنها لم تكن كالدولة العباسية تحتاج إلى قانون إلهى تتمسح به إذ كان يكفيها قانون الغاب، فالأمويون لم يحتاجوا إلى فتوى حين قتلوا الحسين وآله في كربلاء، ولم..""
عندي أن الدولة الأموية مع كل سيئاتها، أقل قبحا حيث أنها لم تأخذ الدين ستارا. بل إنها كانت صادقة مع نفسها في أنها تهدف إلى الوصول إلى الحكم ،عن طريق القوة ، وليس فتوى تتيح لهم التفويض الإلهي أي يملكون الأرض ومن عليها.

6   تعليق بواسطة   عبداللطيف سعيد     في   السبت ١٩ - مايو - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[7196]

العدالة المفقودة

هل هذه هى العدالة التي أمر بها الله عباده " أين هم من قوله تعالى "{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ }الحجرات6 ... ألم يقرأ هذه الآية الكريمة.. لماذا لم يذكره بها أحدا من مواطنيه .. لماذا لم تقام له محاكمة على هذا الخطأ الذي راح ضحيته نفس بريئة زكية .. بسبب التسرع في إصدار الأحكام .. ليس فقط التعجل في إصدار الحكم ولكن في التنفيذ أيضا ...
لقد ذهبت هذه العصور غير مأسوف عليها ولن تعود مرة اخرى ..

أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
باب دراسات تاريخية
بقدمها و يعلق عليها :د. أحمد صبحى منصور

( المنتظم فى تاريخ الأمم والملوك ) من أهم ما كتب المؤرخ الفقيه المحدث الحنبلى أبو الفرج عبد الرحمن ( ابن الجوزى ) المتوفى سنة 597 . وقد كتبه على مثال تاريخ الطبرى فى التأريخ لكل عام وباستعمال العنعنات بطريقة أهل الحديث ،أى روى فلان عن فلان. إلا إن ابن الجوزى كان يبدأ بأحداث العام ثم يختم الاحداث بالترجمة او التاريخ لمن مات فى نفس العام.
وننقل من تاريخ المنتظم بعض النوادر ونضع لكل منها عنوانا وتعليقا:
more