بولس الراهب الحبيس

أحمد   في الجمعة ٢٠ - يناير - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً


 

  • تحدثت عن هذا الرجل العجيب المصادر التاريخية لمصر المملوكية .. وقد ظهر في عصر السلطان الظاهر بيبرس .. كان في بداية أمره كاتبا في ديوان الإنشاء ثم ترك العمل وترهب وانقطع عن الناس في جبل حلوان ، ويقال أنه عثر على كنز من كنوز الفاطميين أو الفراعنة فأخذ يتصدق من ذلك الكنز على كل المحتاجين من المسلمين والأقباط وسائر الملل. وانتشر خبره فإعتقله السلطان وطلب منه ذلك الكنز ، فقال له الراهب : ( أما أن أعطيك المال من يدي إلى يدك فلا تتصور ذلك ، ولكنه يصل إليك حيث ت&OEcirc;صادر شخصا ولايستطيع دفع الغرامة وعندما أساعده بمال  يكون مصيره إليك ).. وصمم الراهب على ألا يعطى الكنز للظاهر بيبرس فأطلق السلطان سراحه ..
  • وظل ذلك الراهب يطرق المدن المصرية يعطي المحتاج ويدفع الغرامات عن المحبوسين ويدفع ديون العاجزين عن السداد ، وسافر إلى الإسكندرية والصعيد يجير بماله الفقراء ، وحيثما يحل بمكان يتوافد عليه الفقراء من المسلمين والأقباط وغيرهم من النصابين . ومن النوادر التي كانت تحكى أن بعضهم كان يقوم أمامه بتمثيلية، يقوم إثنان بجر رجل يصرخ مستغيثا وهما يضربانه يمثلان دور الشرطة ومعهم أناس يمثلون أنهم رسل القاضي ، ويستغيث المضروب بالراهب يقول له : يا أبونا اقض ما على من الدين. فيسأله عن قيمة المال المطلوب منه ، فيقول له : ألفان . فيكتب له على ورقة أو شقفة توقيعا بالمبلغ المطلوب ، فيأخذون الصك ويذهبون إلى الصيرفي فيدفعه لهم كما هو .. وبذلك وصل للسلطان ستمائة ألف دينار عن طريق ذلك الراهب حين كان يدفع عن المحبوسين والمصادرين.ولم يكن ذلك الراهب يأكل من ذلك المال أو يشرب منه ، بل كان طعامه وكساؤه من صدقات النصارى .
  • ثم حدث حريق فى القاهرة في جمادي الآخرة 663 هجرية بدأ فى حي الباطلية ( الباطنية ) وانتشر إلى أحياء أخرى ورأها السلطان بيبرس فرصة ليصادر كل أموال الراهب بولس ، فإتهم الظاهر بيبرس اليهود والنصارى بأنهم الذين أشعلوا الحرائق ، وأصدر أمرا بإحراق اليهود والنصارى جميعا . وكانت تمثيلية لاقناع الراهب لكى يفتدى كل النصارى و اليهود من الاحراق بالنار . ولكى يتقن هذه التمثيلية فإنه جمع آلافا من اليهود والنصارى تحت القلعة وأحضر الحطب والوقود فاستغاثوا وعلا صراخهم . وطبقا للحبكة التمثيلية تقدم الأمراء من السلطان يتشفعون فيهم فقرر الإفراج عنهم مقابل أن يدفعوا خمسمائة ألف دينار يدفعونها غرامة ، وألزم البطريرك باستخراجها من النصارى وأن يحملها إلى القلعة . ومن الطبيعي أن عين السلطان كانت على الراهب والكنز الذي يخفيه ..
  •  وهكذا قام الراهب بدفع المال المقرر على كل يهودي أو نصراني ، وكسب الظاهر بيبرس نصف مليون دينار فى ضربة واحدة ، فإكتسب الراهب بولس شهرة صاحبته فى حله
     وترحاله ، فأينما حل تتبعه جموع الفقراء يتسولون منه وهو يعطيهم الصكوك بالأموال .وسعد به الفقراء من المسلمين والنصارى على السواء ، ولكن لم يسعد فقهاء السوء الذين أكلهم الحسد من شهرة الراهب وحب الناس له من مسلمين ومسيحيين . وتربص الفقهاء به حين دخل الإسكندرية وسارت خلفه المظاهرات من المسلمين وغيرهم ، فبعث الفقهاء الى السلطان فتاوى تطالب بقتل الراهب وعللوا ذلك بأنه " أصبح فتنة للمسلمين ". ورأها السلطان حجة شرعية ليستخلص من الراهب سر الكنز. فإعتقله وسأله عن سر الكنز فرفض الراهب الاعتراف وأخذ يغالطه، فأمرالظاهر بيبرس بتعذيبه فتحمل الراهب العذاب إلى أن مات  دون أن يفصح بشىء . وأمر السلطان باخراج جثته وإلقائها على باب القرافة وبذلك ذبح الدجاجة التى كانت تبيض له ذهبا .
  •   وبعد .. فتاريخنا المصري بعد الفتح الإسلامي حافل بأمثال تلك الوقائع التاريخية ، وغنى عن البيان أن الإسلام العظيم بما فيه من تسامح وعدالة ينكر ذلك الظلم ويتبرأ منه.
  • إن أعدى أعداء الإسلام إنما هم أولئك الذين يظلمون الناس باسم الاسلام فيتحمل الاسلام جرائمهم ورذائلهم ، فإذا هبّ مفكر مسلم غيور على دينه ليضع الأمور فى نصابها و ليبرىء الاسلام من جرائم أولئك السلفيين طاردته اتهاماتهم وأكاذيبهم .
  • إن الصحوة الإسلامية الحقيقية ليست امتطاء الاسلام للوصول للسلطة والثروة ولكنها فهم الإسلام فهما صحيحا من خلال القرآن ، وأنه بدون هذا الفهم الصحيح للإسلام فإن تلك السلفية ستكون ردة إلى عصور التخلف فى القرون الوسطى ،تلك العصور التي مارست الظلم والتطرف والتعصب باسم الدين ودين الله منها برىء ..!!
هذه المقالة تمت قرائتها 3615 مرة

التعليقات (7)
[57444]   تعليق بواسطة  كمال بلبيسي     - 2011-04-24
ألآيه اليوم معكوسه

شكرا للدكتور احمد على دروسه التاريخيه واطال الله في عمره 
 


ولكن اليوم ألآيه معكوسه إذ ان اصحاب اللحى من بني وهب يشترون الضمائر وشيوخ الفتنه والفتاوي من مال الكنز ألأسود الذي هو ملك الشعب ويوزعون الهبات لشراء سكوت الناس عن فسادهم كما رأينا من تبرع كبيرهم بالمليارات لشراء الضمائر ولإلهاء الشعب عن ما يجري حولهم من ثورات الشعوب حتى لا تمتد العدوى لشعب الجزيره وارض الحرم الشريف

 

[57445]   تعليق بواسطة  رضا عبد الرحمن على     - 2011-04-24
الإنسان سلوك ، وهذا ما يجب الاهتمام به

الإنسان عباردة عن مجموعة من الأفعال والأقوال أو بمعنى أوضح الإنسان أي إنسان (سلوك) إذن كل إنسان يعبر عن نفسه من خلال تصرفاته وأفعاله وسلوكياته وعلاقاته مع الناس ، وحسب ما يؤمن ويعتقد ، وحسب مفهوه للدين وحسب رقي فهمه للدين سينعكس هذا على علاقاته مع الناس ،معظم المسلمين يعتقدون أنهم طالما يصلون ويصومون ويزكون أنهم على الطريق الصحيح ، تناسوا جميعا العلاقات الإنسانية والتكافل الاجتماعي وحسن معاملة الناس مهما كانوا مختلفين معهم في الدين أو المعتقد ، دين الإنسان سيحاسب عليه كل فرد وحيدا منفردا امام الله عز وجل ولا علاقة لأي إنسان آخر بهذا وليس من حق أي مخلوق بشرى أن يتدخل أو يسأل في هذا ، ولكن الأهم في بناء المجتمعات على الحب والتعاون والتسامع والعطاء هذا ما يجب الاهتمام به لأن هذه السلوكيات من شانها تجعل حياة الناس هادئة طبيعية دون أحقاد وضغائن ومنازعات ، وعلى العكس أيضا من الممكن ان تحول حياة الناس في أي مجتمع لجحيم ، وهذا لو أصر البعض التدخل في عقائد الآخرين ، فهذا الرجل القبطي كان ينفق أمواله على أبناء وطنه من المصريين دون النظر لدينهم ومعتقداهم ، فهذا لا يعنيه على الاطلاق ولا يهمه ولكن ما يشغله هو نصرة المظلوم ونظرته الحنونة للفقراء والمحتاجين بعين الرأفة والرحمة ، دون أن يشغل نفسه بدينهم ، وإن كانوا يصلون أو يعبدون الله أولا لا يعبدون الله فهذا لا يعنيه


ومن عجائب هذا الزمان بعض الأثرياء يخرجون الزكاة ويحددون صرفها لأشياء بعينها نريد صرف أموالنا على كذا تحديدا لبناء مسجد أو معهد أو مدرسة ، وهناك ملايين لا يجدون قوت يومهم وبلا مأوى

 

[57449]   تعليق بواسطة  عبدالمجيد سالم     - 2011-04-24
سؤال مهم لماذا لا نعيد قراة تاريخنا والتعمق فيه؟؟

 نحن هنا أمام شخصيات شريرة وشخصية تمثل الخير وهنا لا نتحدث عن الدين ولكن عن السلوك ..


الظاهر بيبرس والفقهاء يمثلون الشر بينما الراهب يمثل الخير ، وهو فعلاً زاهد في المال الذي عثر عليه ويوزعه على المحتاجين من مسلمين ومسيحيين ويهود .. بينما يتفنن جانب الشر المتمثل في ( السلطان والفقهاء ) في السلب والنهب والتعذيب والقتل ) .


هي قصة تاريخية مذهلة وعثر عليها البحث المتمكن الدكتور احمد صبحي منصور فيما كتبه المؤرخون المسلمون أنفسهم ، أي اعتراف منهم بقصة حقيقية ..


وهناك سؤال مهم لماذا لا نعيد قراة تاريخنا والتعمق فيه ؟؟..

 

[57451]   تعليق بواسطة  محسن زكريا     - 2011-04-24
عرفت الدكتور منصور من خلال الهجوم عليه ..!!

 الهجوم المستمر الذي يتعرض له الدكتور منصور عندما يقول أي رأي جديد أو يؤكد على رأي قديم ..هو ما لفت نظري لما يقوله . ولكن المثير جداً للأهتمام بالنسبة لي بعد قراءتي لهذا المقال عن هذا الراهب .. هو سؤالي عن أين المجهود الذي يقوم به اساتذة التاريخ وأقسام التاريخ في الجامعات المصرية والعربية والإسلامية بل والغربية أيضاً ..؟؟


أليس من الأفضل أن يتم التعاون مع الدكتور منصور في اعادة قراءة التاريخ الإسلامي ليستفيد منه الشباب المسلم ويكون عامل بناء وليس عامل هدم ؟؟


أم يظل الآخرون يكتفون بالهجوم ويترك أحمد صبحي منصور وحده هو من يواجه التخلف السلفي القائم على فهم مغلوط للدين والتاريخ ..


إن السلفيين يجملون الماضي ويجعلونه يوتوبيا مع انه مليء بالتعصب والظلم والاستبداد  .

 

[57457]   تعليق بواسطة  ميرفت عبدالله     - 2011-04-24
سبب شهرة بيبرس بين السلفيين المصريين

والآن بعد قراءة هذا المقال عرفنا لماذا انحاز الاخوان والسلفيون المصريون إلى شخصية الظاهر بيبرس وكذلك صلاح الدين الأيوبي والأمير قطز عبر تاريخ السلاطين المصريين وذلك لأن مثل هؤلاء السلاطين حققوا انتصارات حربية على أعداء العرب المسلمين ، مثل تصدي صلاح الدين الإيوبي إلى الهجمات المصرية على مدار حكمه .


وكذلك السلطان بيبرس وهزيمته التتار في موقعة عين جالوت وإضافة هذا النصر إلى الخلافة العربية على أنه نصر للإسلام والمسلمين العرب .


إذن الإخوان والسلفيون يبحثون عن السلاطين الأقوياء ويمجدونهم تمجيداً كبيراً باعتبار أن هذه الانتصارات انتصارا للإسلام وانتشارا له حتى وإن كانت تفتقر غلى العدل .


ولا أدل على ذلك من السلطان بيبرس حيث أنه كان ظالما لكثير من المعارضين حتى ولو كانوا مسلمين . والتنكيل بهم أشد تنكيل .


وامتد هذا التنكيل غلى هذا الراهب المصري الأصيل الذي تصدق على الفقراء المصريين مسلميهم ومسيحييهم .

 

[57463]   تعليق بواسطة  محمد عبدالرحمن محمد     - 2011-04-25
فلا اقتحــــم العقـــــــــبة ....

  •  خالص الشكر والتقدير للدكتور صبحي منصور ,,, على ما يقوم به من إلقاء الضوء على صفحات مضيئة  من تاريخ المصريون المخلصون لوطنهم مصر والفاهمون لدينهم فهما حقيقيا عميقا سواء كانوا أقباطا أو كانوا مسلمين ...

  • فإحدى المقالات السابقة للدكتور  تناول ذلك القاضي المصري الذي يمثل أعلى درجات فهم تعاليم الدين الاسلامي وقتها .. ذلك القاضي  الذي كان لا يخشى السلطان ولا يخاف في الله لومة لائم من أقرانه القضاة المرتشون الذي كانوا يتآمرون عليه .. مما سبب له مشاكل كثيرة ..

  •  واليوم الدكتور صبحي منصور يضئ صفحة طويت بالنسيان من جانب الانسان المصري .. صفحة ذلك الراهب المصري بولس الذي كان يعيش في عصر السلطان بيبرس .. وما كان منه من إنفاق عظيم على الفقراء المصريين من الأقباط والمسلمين .. دون تفرقة  على اساس الدين كما يفعل السلفيون المصريون اليوم، ذلك الراهب الذي طبق ونفذ تعاليم دينه بفهم دقيق ومعرفي .. فجعله كانه مسلم يطبق آيات القرآن الكريم ..

  •  وكأن لسان حاله من قوم المصريين جميعا تصفه الاية الكريمة .." فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ{11} وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ{12} فَكُّ رَقَبَةٍ{13} أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ{14} يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ{15} أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ{16} ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ{17} أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ18

 

[57469]   تعليق بواسطة  عائشة حسين     - 2011-04-25
كما أن الإرهاب لا دين له فإن التسامح ليس حكرا على دين معين

يحتكر مشايخنا  "  التسامح  " ليجعلوه خاصا  بالمسلمين فقط دون غيرهم  ،  مع وجود أدلة عديدة على عكس مايقولون من تسامح ، فأحداث مصر المشتعلة الآن في قنا ، ورفضهم  للمحافظ الجديد لسبب واحد : هو  أنه مسيحي !  ليدل دلالة قوية على ان التعصب مرض ، يصعب شفاؤه  ، ولأن ضحاياه  كثر أغلبهم  من البسطاء والعامة ،  فالتسامح ليس حكرا على دين أو فئة أو طائفة ،  ولا داعي لتزكية النفس  ، لأن الله اعلم  بمن اتقى :


{الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى }النجم32

 


اجمالي القراءات 18058
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
باب دراسات تاريخية
بقدمها و يعلق عليها :د. أحمد صبحى منصور

( المنتظم فى تاريخ الأمم والملوك ) من أهم ما كتب المؤرخ الفقيه المحدث الحنبلى أبو الفرج عبد الرحمن ( ابن الجوزى ) المتوفى سنة 597 . وقد كتبه على مثال تاريخ الطبرى فى التأريخ لكل عام وباستعمال العنعنات بطريقة أهل الحديث ،أى روى فلان عن فلان. إلا إن ابن الجوزى كان يبدأ بأحداث العام ثم يختم الاحداث بالترجمة او التاريخ لمن مات فى نفس العام.
وننقل من تاريخ المنتظم بعض النوادر ونضع لكل منها عنوانا وتعليقا:
more




مقالات من الارشيف
more