أولى نتائج خروج الوافدين.. أزمة عقارية تهز دول الخليج

اضيف الخبر في يوم الأحد ٢٦ - أغسطس - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: ساسه


أولى نتائج خروج الوافدين.. أزمة عقارية تهز دول الخليج

توقف العمل بمعظم المستشفيات والمدارس، وتعطل بالمواصلات وأعمال البناء، وشلل شبه كامل لأغلب القطاعات الاقتصادية سواء الخاصة أو الحكومية، العملاقة والصغيرة» كل ذلك سيناريو تخيلي لما قد يحدث في دول الخليج حال قرر الوافدون مغادرة البلاد، إذ يمثلون نحو 69.3% من إجمالي الأيدي العاملة البالغة نحو 20 مليونًا، بحسب أرقام حديثة للمركز الإحصائي لدول مجلس التعاون التي تضم ست دول، هي: السعودية وسلطنة عمان والكويت وقطر والإمارات والبحرين.

في الواقع ستحدث هذا الآثار المذكورة في حال كان الخروج على دفعة واحدة، ولكن ماذا إذا كان الخروج بنسب متفاوتة؟، هذا هو الوضع الحالي في الخليج حاليًا وتحديدًا في الكويت والسعودية والإمارات، وهذا الخروج له ضرر ملموس على عدة قطاعات اقتصادية وعلى رأس هذه القطاعات، القطاع العقاري، وهو ما سنناقشه خلال السطور القادمة.

في البداية تشير التقديرات إلى أن أكثر من 13.8 مليون أجنبي يعملون في دول الخليج، ويمثلون نحو 69.3% من إجمالي الأيدي العاملة بهذه الدول البالغة 20 مليونًا، بينما تصل نسبة الأجانب نحو 48% من إجمالي السكان، حسبما كشف المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون، وبحسب هذه الأرقام فالوافدون عنصر أساسي بالاقتصاد الخليجي، ولكن إلى أي مدى كان لخروجهم أثر على القطاع العقاري؟

موجة خروج الوافدين.. السعودية والكويت في الصدارة

بالنظر إلى وتيرة خروج الوافدين من الخليج نجد أن السعودية والكويت هما أصحاب نصيب الأسد من هذا الخروج، فوفقًا لإحصائيات رسمية، فإن عدد الوافدين في السعودية نحو 12.2 مليون نسمة، وهو ما يمثل حوالي 37% من إجمالي عدد السكان، بينما يمثل الوافدون ثلثي سكان الكويت حسب بيانات الإدارة المركزية للإحصاء، هذه الأرقام دفعت البلدين في ظل هبوط أسعار النفط وارتفاع نسبة البطالة إلى الاعتماد على برامج اقتصادية للاستغناء عن أكبر عدد ممكن من الوافدين، بالإضافة إلى فرض ضرائب ورسوم مرتفعة لزيادة الإيرادات.

وفي ظل هذه السياسيات كانت النتائج هي خروج آلاف الوافدين، ففي السعودية بدأ خروج الوافدين منذ منتصف 2016 حتى وصل بنهاية النصف الأول من 2018 إلى نحو 1.5 مليون عامل وافد، ناهيك عن التقديرات التي تشير إلى أن مرافقي تلك العمالة الوافدة نحو نصف مليون مرافق، ليصل إجمالي الانخفاض خلال عامين فقط إلى نحو مليونين من السكان غير السعوديين.

 

 

وكان تقرير للبنك السعودي الفرنسي، قد توقع أن يصل عدد المرافقين المغادرين للمملكة، بعد تطبيق رسوم على مرافقي الوافدين ضمن برنامج التوازن المالي، إلى نحو 670 ألف مرافق، بمعدل 165 ألف شخص سنويًا، حتى عام 2020، وذلك في الوقت الذي قدر فيه التقرير حجم إنفاق 1.1 مليون أسرة، هم عدد المقيمين ومرافقيهم فرضًا، بـ88 مليار ريال، يمثلون 3.7 % من الناتج المحلي الإجمالي، وعليه أشار التقرير أنه من المتوقع تراجع الإنفاق بحلول عام 2020 بقيمة 13.9 مليار ريال، بنسبة تراجع سنوية قدرها 14 %.

هذا التراجع سيكون له تأثير مباشر على قطاعات مثل: الأغذية، والتجزئة، والخدمات، والسفر، والتعليم، والاتصالات، وهو ما يكشف عن ضرر واضح للاقتصاد السعودي وذلك في معظم القطاعات في البلاد، ولا شك أن القطاع العقاري أبرز هذه القطاعات.

أما الأوضاع في الكويت فتشبه كثيرًا الأوضاع في السعودية، فبنهاية يونيو (حزيران) 2018، بلغ عدد سكان الكويت نحو 4 ملايين و588 ألفًا و148، منهم مليون و385 ألفًا و960 كويتيًا وكويتية، بينما عدد غير الكويتيين نحو 3 ملايين و202 ألف و188، وهو ما يشير إلى أن النسبة الأكبر في الكويت من غير الكويتيين وبالتالي يستحوذون على النصيب الأكبر من التعامل مع القطاعات الاقتصادية يوميًا، وأي تغير في هذه الشريحة الأساسية من السكان سينجم عنها بالطبع خلل اقتصادي واضح.

 

ويشير تقرير أعدته شركة «المدن» العقارية، إلى أن عدد الأسر التي غادرت الكويت بشكل نهائي بلغ نحو 9 آلاف أسرة، ومن المرشح أن يتجاوز هذا العدد 12 ألفًا مع نهاية الصيف الحالي، وذلك في ظل الإجراءات الكويتية التقشفية، والضغوط المالية المتزايدة التي يواجهها الوافدون.

 

 

وفي الإمارات وكغيرها من دزول الخليج، فقد ارتفعت تكاليف المعيشة بشكل كبير، إذ تقلّصت مخصصات الموظفين الحكوميين، وارتفعت أسعار الكهرباء؛ بسبب رفع الدعم الحكومي عنها، وجرى تأجيل مشاريع بمليارات الدولارات، وكذلك خفض الإنفاق على القطاعات الاقتصادية، وبحسب تقرير لصحيفة «فايننشال تايمز» نشر في فبراير (نيسان) الماضي، فقد استغنت شركة النفط الحكومية الإماراتية «أدنوك» عن 5 آلاف موظف خلال نحو عام.

وتشير التقديرات الحكومية في الإمارات إلى أن البلاد بها أكثر من 200 جنسية تقيم  في البلاد وتعمل بها، إذ يتجاوز عدد الوافدين والمقيمين في دولة الإمارات عدد سكانها من المواطنين، فوفقًا لتقديرات عام 2010، وصل عن المواطنين إلى 947.997 نسمة، بينما سجل عدد السكان من الوافدين المقيمين في الدولة 7.316.073 نسمة، وذلك في إشارة واضحة إلى النسبة الكبيرة من الوافدين على الوظائف في الإمارات، وتأثيرهم على واقع الاقتصاد بشكل عام، وبالتالي فأي خروج أو خلل في أعداد الوافدين ستتأثر  به القطاعات الاقتصادية.

مشاكل تواجه عقارات دبي والكويت والرياض

ذكرنا أن خروج الوافدين من دول الخليج سيحدث بلا شك خلل اقتصادي في اقتصادات المنطقة، وهذا الخلل يتوقف على النسبة التي تخرج فكلما زادت أعداد الخارجين كانت نسبة الخلل أكبر والعكس صحيح، ولكن هناك بعض القطاعات الاقتصادية لديها حساسية كبيرة من مثل هذا الخروج، وعلى رأس هذه القطاعات: القطاع العقاري؛ إذ تشير التقديرات إلى أنه يتجه إلى أزمة في عدة دول بالمنطقة وذلك نتيجة واضحة لخروج الوافدين.

ففي السعودية تشهد البلاد حالة كبيرة من الركود في القطاع العقاري، وذلك على مدار العامين الماضيين، ووفق تقرير حديث فإن سوق العقارات في المملكة شهد انخفاضًا كبيرًا بأسعار الإيجار العقاري في عدة مدن سعودية وذلك نتيجة الركود بعد زيادة الضريبة على الوافدين، بينما كشفت وزارة الإسكان في المملكة أن أسعار إيجار العقارات انخفضت خلال الربع الأول من 2018، بنسب 7.9% في جدة، و3.8% في مكة، و0.6% في العاصمة الرياض، وذلك استمرار للانخفاض المستمر خلال الأعوام القليلة الماضية.

 

 

وكان متخصصون بالقطاع في السعودية قد أكدوا خلال العام الماضي، أنه سيكون هناك تراجع حاد خلال السنوات الأربع في القيمة الإيجارية للوحدات السكنية المخصصة، خاصة تلك المخصصة لمحدودي الدخل من العائلات الوافدة، وكانت التوقعات تشير إلى أن الأثر لم يكن واضحًا خلال الأشهر الحالية، بسبب أن غالبية عقود الإيجار سنوية، إذ تشير التقديرات إلى أن عائلات الوافدين تمثل نحو 60% من حجم الوحدات السكنية في كامل المدن الرئيسة، وهو الأمر الذي يجعل السوق حساسًا جدًا لخروجهم.

وفي أكتوبر (تشرين الثاني) 2016، توقعت تقارير اقتصادية أن يتعرض سوق العقار السعودي إلى انخفاض في الأسعار يصل إلى نسبة 50%، وذلك في إشارة إلى انفجار بالفقاعة العقارية، بينما سيعقب ذلك ركود قد يستمر لعدة سنوات، وأفادت التقارير بأن إجمالي عرض السوق العقارية تصل إلى 4.6 تريليون ريال، مقارنة مع القوى الشرائية للأفراد، والتي لم تتجاوز 1.1 تريليون ريال، مما يعني وجود عجز بقيمة 3.5 تريليون ريال.

على الجانب الآخر، يخيم الركود كذلك على السوق العقاري بالكويت، إذ كشفت بيانات حكومية حديثة وجود 80 ألف شقة سكنية خالية في الكويت حتى 30 يونيو (حزيران) 2018، ولا تشهد طلبًا حاليًا، بينما ذكرت إدارة الإحصاء الكويتية أن نسبة إشغال الشقق السكنية انخفضت بنحو 18% عن العام الماضي، وتراجع متوسط الإيجار الشهري 12%.

وتكشف هذه الأرقام عن أزمة كبيرة يواجها القطاع، فبحسب بيت التمويل الكويتي (بيتك)، فقد كشف في تقرير صدر منتصف يوليو (تموز) الماضي، فإن قيمة التداولات العقارية تراجعت بنسبة 8.2% خلال مايو (أيار) الماضي، حيث انخفض عدد العقارات المتداولة بنسبة تفوق 31%.

 

ويقول المدير العام لشركة الصفوة العقارية، علي المنيع، أن الأزمة العقارية الحالية بالكويت لا يمكن الاستهانة بها، مؤكدًا أن الأمر يتجاوز عدد 80 ألف شقة، موضحًا أن هذا العدد يزيد عن 100 ألف شقة، إذ أن ملاك العقارات لم يعلنوا عن الشقق الخالية لديهم، وما يعزز تفاقم الأزمة خلال الأشهر القادمة هو استمرار بناء الأبراج السكنية في البلاد، وهو مؤشر على أن أزمة القطاع العقاري في الكويت ما زالت في بدايتها، بحسب المنيع.

من جانبه أكد  قيس الغانم، أمين سر اتحاد العقاريين في الكويت، أن الاتحاد قد حذر بلاده من أزمة عقارية بسبب رحيل الوافدين، مشيرًا إلى أن خروج الوافدين سيؤثر بالسلب على اقتصاد الدولة بأكمله، وذلك لأن القطاع العقاري يعد أحد أعمدة الاقتصاد الأساسية.

 

 

لا يختلف الأمر كثيرًا في دبي عن كل من الرياض والكويت، ولكن ربما تكون الأزمة في دبي أعمق من خروج الوافدين فقط، إذ شهد قطاع العقار في دبي خلال العقد الأخير عدة تقلبات دفعت أسعار العقار السكني للتراجع بنحو النصف في الأعوام التي تلت الأزمة المالية بين عامي 2008 و2009، وهو ما أثر سلبًا على الاقتصاد في دبي؛ ما دفع السلطات إلى فرض المزيد من الضوابط، مثل مضاعفة رسوم تسجيل الأراضي إلى 4% وتضييق نسب القرض إلى القيمة للتخفيف من حدة المخاطر على ميزانيات البنوك، والحد من نشاط المضاربة ودفع حركة السوق نحو عمليات الشراء طويلة الأجل.

وخلال الأشهر الأخيرة يستمر تكون ملامح أزمة عقارية في دبي، إذ تشير شركة «أستيكو» العقارية إلى أن أسعار الشقق والفلل تراجعت بواقع 7.8% و5.6% على التوالي، وأساس سنوي في الربع الرابع من العام 2017، مسجلة أسرع وتيرة تراجع منذ سنوات، بينما تراجعت الأسعار بواقع 16% إلى 19% من أعلى مستوياتها التي بلغتها منذ ثلاث سنوات.

يأتي هذا وسط توقعات استمرار وفرة المعروض من المساكن، والتي تعد أهم عامل وراء ضعف سوق العقار في دبي، إذ تتوقع وكالة العقارات التجارية «جونز لانج لاسال»، ارتفاع وفرة المساكن إلى 9% هذا العام وهي نسبة ضخمة، في ظل انتعاش مشاريع التطوير السكنية الجديدة، التي من المتوقع أن تضيف 17 ألف شقة إلى سوق العقار خلال 2018.

البورصة مرآة الأزمة..القطاع العقاري ضمن الأكثر تراجعًا

الأزمة العقارية الحالية والتي من المتوقع أن تسير في اتجاه التفاقم حال استمر خروج الوافدين، كان لها انعكاس واضح في تداولات الأسهم الخليجية وذلك على مستوى بورصات كل من السعودية والكويت ودبي، ففي السعودية نجد أن القطاع العقاري هو الأكثر هبوطًا على مدار تداولات آخر 12 شهرًا، إذ فقدت الصناديق العقارية المتداولة نحو 34.5%، كما هو موضح خلال الجدول التالي:

 

مؤشر عقارات السعودية

وفي الكويت شهد مؤشر العقار هبوطًا حادًا خلال الأشهر الأخيرة، وتحديدًا في مطلع أبريل (نيسان) الماضي، كما هو موضح في المؤشر التالي: 

 

مؤشر عقارات الكويت 

 

وفي سوق دبي ومنذ بداية العام الجاري كان القطاع العقاري ثاني أكثر القطاعات المتراجعة بعد قطاع السلع الاستهلاكية والكمالية، إذ تراجع بأكثر من 20% منذ بداية 2018 كما يبين الجدول التالي:

 

مؤشر عقارات دبي

جدير بالذكر أننا لم نتحدث خلال التقرير حول كل من سلطنة عمان وقطر والبحرين، وذلك لعدم ظهور ملامح لأزمة عقارية في هذه البلدان، بل وعلى العكس يشهد القطاع العقاري في قطر على سبيل المثال انتعاشًا ملحوظًا خلال الأشهر الماضية، بينما تعد البحرين أفضل دول العالم للمغتربين للعمل والمعيشة بحسب تصنيف «إنترنيشنز» في 2017.

اجمالي القراءات 2695
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق