السلفيون يكتسحون سوق التسجيلات والدعاة الجدد في المؤخرة
حسان والمصري في الصدارة وسلفيو الإسكندرية في الممنوع
السلفيون يكتسحون سوق التسجيلات والدعاة الجدد في المؤخرة
دعاة السلفية يسحبون البساط من تحت أقدام الجميع
أمام مسجد "الاستقامة" بميدان الجيزة -حيث عدد كبير من بائعي الأسطوانات والتسجيلات الإسلامية- وقفت إحدى السيدات لتشتري أسطوانة للشيخ محمد حسين يعقوب، فيما وقفت أنا لأشتري أسطوانة للداعية عمرو خالد، وفجأة نظرت إليّ هذه السيدة بغرابة شديدة مستنكرة ما أقوم به، وقالت: "أنت لسه بتسمع عمرو خالد"، وجعلت تستغفر الله العظيم من الذنوب والخطايا عدة مرات وكأني اقترفت ذنبا بسؤالي للبائع عن حلقات لداعية ظل يتربع على عرش سوق التسجيلات الإسلامي لعدة سنوات.
تصرفات هذه السيدة دفعتني لطرح عدة تساؤلات من بينها هل خسر عمرو خالد وغيره من الدعاة الجدد الرهان في المنافسة أمام الدعاة السلفيين في توزيع التسجيلات؟ وإذا كانت الإجابة بنعم فما هي الأسباب التي جعلت هؤلاء السلفيين يسحبون البساط من تحت أقدام الدعاة الجدد؟ وهل أسهمت حالة المد السلفي الملحوظ في المجتمع المصري في رواج تسجيلات الدعاة السلفيين؟ وكذلك إلى أي مدى أثرت الفضائيات السلفية -سلبا أو إيجابا- في توزيع تسجيلات الدعاة السلفيين والترويج لهم؟ وهل هناك تباينات بين السلفيين أنفسهم في معدلات التوزيع؟.
وفي إطار البحث عن إجابة لهذه التساؤلات الكثيرة حاولت النزول إلى الشارع والدخول إلى دهاليز سوق التوزيع لدى بائعي الأسطوانات أمام المساجد المختلفة وفي الميادين العامة ورصد حركة البيع والشراء لدى شركات وخبراء التوزيع كمؤشرات على حالة التنافس بين الدعاة الجدد والسلفيين، هذا بجانب البحث عن تفسير مقبول لهذا الواقع.
هل فقد عمرو خالد عرشه الذهبي؟
قبل خمس سنوات كنت أبيع في اليوم الواحد ما قيمته خمسة آلاف جنيه من تسجيلات عمرو خالد، هكذا بدأ "أبو هشام" بائع الأسطوانات الدينية حديثه معي موضحا أنه بينما كانت الزبائن تتسابق على اقتناء مجموعات "إصلاح القلوب، والعبادات والأخلاق، و"على خطى الحبيب" لعمرو خالد، أصبحوا الآن يتسابقون على شراء تسجيلات الشيخ يعقوب ومحمد حسان والشيخ محمود المصري؛ ولذلك فإن جميع الأسطوانات التي يعرضها "أبو هشام" هي للدعاة السلفيين.
ويتفق أحمد إبراهيم "بائع" مع ما يذهب إليه أبو هشام مشيرا إلى أنه قد يمضي أسبوع دون أن يبيع أسطوانة واحدة لأي ممن يسمون بالدعاة الجدد، وهذا يدفعه إلى عدم المتاجرة في تسجيلاتهم من الأصل طالما أنها بضاعة غير رائجة ولن تدر عليه أي أرباح، هذا في حين أنه يبيع مئات من الأسطوانات للشيخ محمد حسان يوميا وفي بعض الأحيان والمواسم تقفز أرقام البيع لديه إلى الآلاف.
|
هل أصبح عمرو خالد موضة قديمة؟
|
وعندما سألته عن أسباب تراجع مبيعات عمرو خالد قال "أبو هشام": "إن عمرو خالد وقع في عدد من الأخطاء كانت سببا في تراجع شعبيته يذكر منها استعانته بالمطرب تامر حسني للغناء في برامجه، إضافة إلى اتخاذه موقفا إيجابيا من بابا الفاتيكان بعد خطابه الذي أساء فيه إلى الإسلام وإلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم". بينما تذكر لي تلك السيدة التي التقيتها أن عمرو خالد وخالد الجندي وأمثالهما ليس لديهم علم بالفقه والقرآن والسنة، ولا يقارن أحدهم بداعية مثل الشيخ يعقوب أو الحويني والذين يحفظون القرآن، ولا يفرطون في حدود الله"، وتؤكد أنهم تركوا أثرا كبيرا فيها وساعدوها على الالتزام الديني والبعد عن المحرمات، فهؤلاء الدعاة برأيها لا يتساهلون أو يبتدعون في الدين ولا يحلون الحرام أو يحرمون الحلال، وهذا ما يجعلهم يكتسبون هذه المكانة في قلوب الناس كما تقول.
الطبعة الثانية للدعاة الجدد
يضاف إلى عمرو خالد والجندي النسخة الثانية من الدعاة الجدد وأهمهم الداعية الشاب مصطفى حسني وزميله معز مسعود، واللذان كان ظهورهما على الساحة بشكل دراماتيكي عبر قناة "اقرأ"، بعدما نشبت الخلافات بين إدارة القناة وعمرو خالد، حيث دفع الشيخ صالح كامل صاحب القناة بهذه الوجوه الجديدة إلى الشاشة، فقدم مصطفى "على باب الجنة" أما معز مسعود فقدم برنامج "الطريق الصح"، وبالفعل تمكن هؤلاء الشباب من تحقيق شعبية ساعدتهم على الاستمرار والمنافسة حتى الآن.
سألت "أحمد خليل" وهو بائع تسجيلات إسلامية عن مبيعات هذا الجيل الجديد من الدعاة فأكد على أنه لا يبيع أي أسطوانات لهؤلاء الدعاة، مع أن بعض الزبائن يسأله عن مجموعة "على باب الجنة" لمصطفى حسني، لكنهم في النهاية قلة لا تجعله يغامر بعرضها خشية الخسارة، أما معز مسعود أو خالد الجندي فليس لهم أي وزن في سوق الأسطوانات حسبما يقول.
وفي حين يتراجع عمرو خالد والجيل الثاني من الدعاة الجدد إلى المؤخرة في سوق التسجيلات الإسلامية يؤكد أبو هشام على أن هناك إقبالا على تسجيلات الداعية طارق سويدان أحد رواد مدرسة الدعاة الجدد والشيخ عمر عبد الكافي والإخواني وجدي غنيم والذي كان قد خرج من مصر على إثر التضييقات الأمنية عليه، وهو يعيش الآن كلاجئ في جنوب إفريقيا، وتذاع برامجه عبر قناة "الرسالة" الفضائية، وهو يحظى بشعبية واحترام لدى الجمهور ويمكن إرجاع ذلك إلى كونه داعية إخوانيًّا بجانب كونه يتمتع بروح الدعابة وعرف بمواقفه الجادة في نصرة القضايا الإسلامية.
رواج سلفي ملحوظ
لا يحدد "أبو هشام" عناوين محددة لتسجيلات الدعاة السلفيين بل إنه يقول إن جميع أسطواناتهم تلقى رواجا في السوق، ومنها "أحداث النهاية" و"الطريق إلى القدس" للشيخ محمد حسان، وأما الشيخ محمود المصري الداعية السلفي المبتسم دائما فهناك طلب على تسجيلاته وأهمها "المبشرون بالجنة" و"في ظل عرش الرحمن"، "حياة الصحابة"، "سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم"، "رحلة إلى الدار الآخرة"، "السابقون"، وتحظى تسجيلات الشيخ حسين يعقوب بجماهيرية خاصة "أصول الوصول وبداية الهداية"، إضافة إلى حلقات برنامج "فضفضة" الذي أذيع عبر قناة "الناس"، ويأتي الشيخ أبو إسحق الحويني في ذيل قائمة مشايخ السلفية وهذا على الرغم من أنه يعد من أهم مشايخ السلفية من الناحية العلمية.
"لكل شيخ طريقة وزبون"
يقول أحد الأمثال الشعبية إن "كل شيخ له طريقة"، وهذه المقولة تنسحب أيضا على زبائن الشيوخ في سوق التسجيلات الإسلامية "فكل شيخ له طريقة وزبون أيضا، ويختلف زبائن مشايخ السلفية عن زبائن الدعاة الجدد، وحسبما يقول "حسن محمود" والذي يعرض أسطوانات لعمرو خالد في أحد ميادين القاهرة فإن زبائن عمرو خالد ومصطفى حسني هم من طلبة وفتيات الجامعة الذين يرتدون سراويل الجينز الضيقة والحجاب، ويتميزون بمستواهم المادي المرتفع، فإن الشباب الملتحي والفتيات المحجبات والمنتقبات يشكلون القطاع الكبير من جمهور السلفيين، هذا بالإضافة إلى الجمهور المتدين العادي الذي لا تظهر عليه علامات التزام شكلي.
سلفيو الإسكندرية في الممنوع
|
من اليمين المقدم وأحمد فريد
|
بعد رحلة مضنية من البحث تمكنت من الحصول على مجموعة من تسجيلات الشيخ محمد إسماعيل المقدم، وهو أحد أبرز رموز مدرسة الدعوة السلفية الشهيرة بمدينة الإسكندرية شمال مصر والتي تضم بجانب المقدم الشيخ ياسر برهامي وأحمد فريد، وأحمد السيسي ومصطفى دياب والشيخ نشأت أحمد، وأحمد حطيبة، وسعيد عبد العظيم، وعبد المنعم الشحات وغيرهم، وقد سألت عددا من البائعين عن تسجيلات لهؤلاء الدعاة إلا أنهم أكدوا أن الأمن يمنع تداولها أو المتاجرة فيها، وفي حال اكتشف الأمن بائعا يعرضها يتم إلقاء القبض عليه ومنعه من البيع، لكن أحدهم وعدني بأن يأتيني بمجموعة تسجيلاتهم بشكل سري.
وحقيقة فإن تيار الدعوة السلفية في الإسكندرية وعلى الرغم من عدم اهتمامه بالسياسة، فإن مواقفهم المتشددة تجاه قضايا كالديمقراطية والحاكمية والمواطنة والتشريع والانتخابات والولاية العامة.. إلخ، يجعل الأمن يقف له بالمرصاد للحيلولة دون انتشاره، فخلال منتصف التسعينيات شنت أجهزة الأمن حملة تم خلالها اعتقال الشيخ عبد الفتاح أبو إدريس مسئول الدعوة السلفية ود. سعيد عبد العظيم كما تم إيقاف مجلة "صوت الدعوة"، وظل هذا التيار يمارس نشاطه حتى عام 2002 حيث تم منعه من ممارسة جميع أنشطته الدعوية.
وخلال شهر أبريل 2009 وعلى إثر حملة ضد التيار السلفي تم وقف موقع "صوت السلف" عبر الإنترنت والذي يشرف عليه الشيخ ياسر برهامي و"أنا السلفي" الذي يقوم بنشر خطب وتسجيلات دعاة السلفية السكندريين؛ ويؤشر هذا التضييق من قبل الجهات الأمنية على قلق الدولة حيال الخطاب الدعوي لهذا التيار.
طوفان القنوات الدينية
وفي حين يؤكد جميع بائعي الأسطوانات على تراجع شعبية الدعاة الجدد أمام السلفيين يرى "محمد سيد" مسئول التسويق في شركة النور للتسجيلات الإسلامية أن عمرو خالد والدعاة الجدد يحققون مبيعات لا تقل عن مبيعات الدعاة السلفيين، بل إنه يؤكد أن مبيعات عمرو خالد ومصطفى حسني تتفوق أحيانا على مبيعات السلفيين، وهو يرجع ذلك إلى انتشار القنوات الدينية كالناس والرحمة والحافظ وغيرها وأن الجمهور يتابع هؤلاء الشيوخ ليل نهار عبر هذه الفضائيات؛ وعليه فليس هناك حاجة لاقتناء تسجيلاتهم.
ويرى "سيد" أن توزيعات داعية ما لا تتوقف فقط على شعبيته ولكن على مدى توافر خطبه ودروسه عبر الوسائط المتعددة، كالكاسيت و"السي دي" و"الإم بي ثري"، و"الدي في دي"، والكتاب أيضا، حيث يتفوق كتاب محمود المصري في المبيعات على كافة أسطوانات السلفيين يليه في القائمة محمد حسان ثم الشيخ حازم شومان، ويرجع "سيد" رواج تسجيلات محمد حسان إلى توفرها عبر عدة وسائط متعددة وليس عبر وسيط واحد.
ويؤكد "محمد سيد" أن مبيعات الشيخ يعقوب تشهد تراجعا في الفترة الأخيرة، خاصة "برنامجه "كيف وأخواتها" وأن تسجيلاته الأولى لا تزال تحقق أرقاما جيدة في بورصة مبيعات التسجيلات، أما أبو إسحاق الحويني فمبيعاته ضعيفة جدا والفئة التي تقبل على شرائها هم طلبة العلم والباحثون فقط، ويأتي "أحمد عبده عوض" في ذيل قائمة مبيعات التسجيلات في حين تحقق كتبه مبيعات تفوق أي كتب للسلفيين.
والملحوظ أن الإقبال على التسجيلات يتزايد في المواسم الدينية خاصة خلال المولد النبوي ومع بداية شهر رمضان وخلال موسم الحج، ويرى محمد السيد أن بعض الناس تطلب كميات كبيرة من التسجيلات لتوزيعها خلال شهر رمضان باعتبار أنها صدقة جارية. ويتفق معه في الرأي أبو هشام والذي قام بإعداد عدة أسطوانات لخطب ودروس السلفيين حول شهر رمضان وعرضها للزبائن.
من جانبه يؤكد علي الغندور خبير التسويق في مجال التسجيلات الإسلامية أن مبيعات السلفيين تتجاوز الدعاة الجدد أضعافا مضاعفة، وذلك في رأيه يعود إلى المكونات البسيطة للخطاب الدعوي لدعاة السلف، وفي ذات الوقت العمق في المضمون والحرص على تقديم جرعات دينية مكثفة للناس، هذا بالإضافة إلى أن السلفيين يحرصون على استخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة في الترويج لأنفسهم.
ويذكر الغندور أن الفضائيات السلفية ساهمت في الترويج للخطاب السلفي حيث أصبح هؤلاء الدعاة هم الأساس التي تستند عليها هذه القنوات، وقد استفاد الدعاة من هذه القنوات في زيادة مساحة الجماهيرية، واستفادت القنوات منهم في الترويج لنفسها وتحقيق أرباح كبيرة على حسابهم، ويلفت الغندور الأهمية إلى أجهزة الأمن ودورها المؤثر في فتح هذه النوافذ الإعلامية للسلفيين واستغلالها لضرب الخطاب الإخواني.
تجليات المد السلفي
|
يركز الخطاب السلفي على الشكل
|
يمكننا القول إن هناك شريحة كبيرة من الدعاة الجدد تتراجع، لكن بالمقابل هناك قطاع منهم لا يزال يحظى بشعبية لدى الجمهور، لكن مؤشرات التوزيع في النهاية ترجح كفة الدعاة السلفيين وقد يعطى هذا دلالة على مقدار الشعبية التي بات يتمتع بها هؤلاء الدعاة وعلى مدى رواج خطابهم الوعظي بين شرائح متعددة في المجتمع، ويمكننا أن نرصد ذلك جيدا في تلك الأعداد الغفيرة التي تحضر خطبة للشيخ محمد حسان أو يعقوب أو أي رمز سلفي، هذا بصرف النظر عن مدى تأثير هذا الخطاب في سلوكيات الناس فهذه قضية أخرى.
أحد أهم عناصر الجذب في الخطاب السلفي هو ميل كثير من الناس إلى التدين على الطريقة السلفية من حيث ممارسة الدين بشكل فردي والتركيز على المظاهر الشكلية للتدين كاللحية والجلباب الأبيض للرجال والنقاب للمرأة، وفي المقابل فإن خطاب الدعاة الجدد السطحي وتركيزه على قضايا الحوار مع الآخر والتعايش، يفقده أهم عناصر الجذب اللازمة، وهذا بطبيعة الحال ينعكس في مؤشرات التوزيع.
ولا ننسى في هذا الشأن أن شعبية السلفيين ليست وليدة الفضائيات الدينية؛ لأن هؤلاء الدعاة هم بالأساس خطباء لهم اتصال مباشر عبر المنابر الدينية والمحاضرات والدروس المستمرة مع الجمهور، وهذا الرصيد غير متوفر لدى الدعاة الجدد الذين صنعوا نجوميتهم وشعبيتهم عبر شاشة التليفزيون، وعلاقتهم بمنبر المسجد وخطبة الجمعة لا تختلف عن علاقة أي مسلم عادي.
مؤشرات التوزيع إذن هي انعكاس لظاهرة ومناخ عام وتغير في طبيعة الحالة الدينية، ومن الواضح أن شعبية السلفيين في صعود مستمر، خاصة مع الأخذ في الحسبان إعطاء الضوء الأخضر لهم من قبل أجهزة الأمن وذلك كنوع من الضرب غير المباشر لجماعة الإخوان المسلمين والسعي بكل السبل إلى تحجميها والخصم من رصيدها الدعوي.
اجمالي القراءات
4087