توصيات من 137 دولة وتنديد حقوقي بالقمع المتزايد في مصر أمام الأمم المتحدة
قدّم مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ضمن الدورة الـ 48 لآلية الاستعراض الأممية، في تقريره النهائي الصادر في 28 يناير/كانون الثاني حول الحالة الحقوقية في مصر، 382 توصية من 137 دولة، مؤكداً فشل محاولات الحكومة في تحسين صورتها الحقوقية أمام المجتمع الدولي. ويُتوقع أن يناقش مجلس حقوق الإنسان، التوصيات في دورته القادمة التي ستعقد في الفترة من 16 يونيو إلى 11 يوليو/تموز 2025، مع النظر في التزام الحكومة المصرية بتنفيذ هذه التوصيات.
استعرض التقرير العديد من القضايا المقلقة في مصر، أبرزها: التعذيب، وإعادة احتجاز السياسيين بما يعرف بـ"التدوير"، و"الاعتقال" السياسي، الاختفاء القسري، وغياب العدالة في القوانين المعيبة للإجراءات الجنائية. كما سلّط الضوء على القمع الموجه ضد الصحافيين والحقوقيين، تراجع حقوق النساء، والانتهاكات المستمرة لحقوق اللجوء والجمعيات، وذلك حسب بيان صادر اليوم الجمعة، عن مركز الشهاب لحقوق الإنسان، أكد فيه أن التقرير عكس صورة حقيقية للأزمة الحقوقية غير المسبوقة التي تشهدها مصر.
وأوضح مركز الشهاب لحقوق الإنسان، أن هذه التوصيات تمثل دعوة هامة للمجتمع الدولي للضغط على الحكومة المصرية للامتثال لحقوق الإنسان وضمان العدالة والمساواة لجميع المواطنين، في ظل استمرار سعي العديد من المنظمات الحقوقية إلى متابعة تنفيذ هذه التوصيات، للتأكيد أن الوقت قد حان لتوقف الانتهاكات المنهجية التي طالما تعرض لها العديد من المواطنين في مصر.
وفي بيان آخر مشترك، أشارت منظمات حقوقية إلى أن التقرير الصادر في أعقاب فعاليات المراجعة الشاملة الرابعة للملف الحقوقي المصري أمام الأمم المتحدة في جنيف، صدر بعد أسبوع واحد من تحذيرات المجتمع المدني المصري من موجة قمع جديدة ضد المجتمع المدني وتكثيف الحملة الأمنية ضد الحقوق الأساسية في البلاد، وتحذيرات من مواصلة السلطات المصرية تجاهل ضمان المساءلة عن الفساد وسوء الإدارة وإساءة استخدام السلطة، وتضاعف قمعها الوحشي في محاولة لإسكات أي نقد لأفعالها، ومصادرة أي فرصة لمنافسة سياسية أو اقتصادية حقيقية.
وأكدت المنظمات أنه "في جلسة الاستعراض، وكالمعتاد، واصلت الحكومة المصرية حالة الإنكار المتعمد لكافة الانتهاكات الحقوقية المشار لها في التقارير الأممية وتقارير المنظمات المصرية والدولية، مكتفية بالترويج لمبادرات (رنانة) مثل الاستراتيجية الوطنية والحوار الوطني ولجنة العفو، وهي تزيف الحقائق بإصلاحات وهمية لا تطبيق لها على أرض الواقع".
وتابعت المنظمات: "على سبيل المثال، وفي ما يخص مقترح قانون الإجراءات الجنائية الجديد، الذي نال انتقاداً ورفضاً واسعاً بسبب تعدي نصوصه الفج على ضمانات المحاكمة العادلة وحقوق المتهم والدفاع ومخالفته للدستور والالتزامات الدولية؛ ادعى ممثل الحكومة أن مقترح القانون يضمن تحقيق العدالة، مكتفيًا بالإشارة لبعض المواد المتعلقة بالتعويض عن الحبس الخاطئ، وحماية الشهود وتنظيم مراقبة المكالمات الهاتفية. بينما لم يتطرق للصلاحيات الواسعة التي منحها القانون للنيابة العامة في تعطيل كل هذه الإجراءات وغيرها، دون أي ضوابط، فضلاً عن منحها الحق في الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة في مراقبة المراسلات والتفتيش، ومباشرة التحقيق مع المتهم في غياب محاميه، وحرمان المحامي من الحديث خلال التحقيق إلا بإذن عضو النيابة، علاوة على ما يمنحه القانون من حصانة لرجال النيابة والتفتيش القضائي وتكريسه لممارسات التعذيب وضمان إفلات المسؤولين عنه من المحاسبة. وبالمثل ادعى ممثل النيابة العامة في الوفد الحكومي، أن الحوار الوطني ولجنة العفو كانا سببًا في الإفراج عن عدد كبير من المعتقلين، لكنه لم يشر إلى أضعاف المفرج عنهم الذين تم احتجازهم بتهم مختلقة مكررة، وآخرين تم تدويرهم على قضايا جديدة بمجرد إخلاء سبيلهم أو انقضاء حكمهم. ناهيك بالمحتجزين احتياطيًا لمدد تتجاوز الحد القانوني للحبس الاحتياطي".
وأضافت المنظمات: "كما روج ممثل النيابة العامة للسجون الجديدة كإنجاز يحسب للحكومة، متغافلا سوء المعاملة والتنكيل بالمحتجزين في هذه السجون إلى حد دفع ببعضهم لمحاولة الانتحار، أو الإضراب عن الطعام. ورغم مزاعم ممثل النيابة بـ "التفتيش الدوري لمرافق الاحتجاز والاستماع لشكاوى المحتجزين وذويهم، إلا أن تعمد النيابة تجاهل التحقيق في دعاوى الاختفاء القسري والتعذيب والحبس الانفرادي غير المبرر، وفقًا لشهادات وثقتها منظمات حقوقية، يبرهن كذب ادعائه".
وعلى صعيد المشاركة السياسية، اعتبر الوفد الحكومي أن قانون الأحزاب الذي يكفل حق التأسيس بالأخطار مؤشر على حرية المشاركة السياسية، متجاهلاً قيادات حزبية وسياسيين يقبعون في السجون لمجرد انخراطهم في العمل الحزبي أو السياسي، ناهيك بالاحتفاء بنزاهة الانتخابات الرئاسية، تم الزج خلالها بمنافسي الرئيس في السجون ومنع مؤيديهم من مجرد تحرير التوكيلات! وفيما احتفى الوفد الحكومي بزيادة عدد الصحف والمحطات والمواقع الإخبارية، لم يشر إلى مئات المواقع الصحافية المستقلة المحجوبة في مصر لمجرد أنها تعارض النظام، أو عشرات الصحافيين المحتجزين بسبب عملهم"، حسب التقرير.
المنظمات الحقوقية كانت قد قدمت أيضًا عدة تقارير لآلية الاستعراض الأممية خلال فترة الإعداد له، قالت إنها "فندت فيها ادعاءات الوفد الحكومي، ودحضت معظم الأكاذيب الواردة في التقرير الوطني المقدم للأمم المتحدة، مُسلطة الضوء على مدى تخاذل الحكومة المصرية عن تنفيذ ما قبلته من توصيات في جلسة الاستعراض الثالثة في 2019. وذلك من خلال تقارير فردية وأخرى جماعية توثق انتهاكات متنوعة على مدى السنوات الخمس الماضية، تنقل صورة عامة حول حالة حقوق الإنسان، إضافة لتقرير نصف المدة الذي قدمته المنظمات في نهاية 2022، في منتصف فترة الاستعراض، وقد تضمنت هذه التقارير توصيات محددة طالبت المنظمات الحكومة بتنفيذها إذا كانت ترغب فعلاً في التغيير".وطبقًا للتقرير، فإن عشرين دولة على الأقل أوصت بتعليق عقوبة الإعدام تمهيدًا لإلغائها، وآخرين طالبوا بانضمام مصر للبروتوكول الاختياري لمناهضة التعذيب (حوالي عشر دول) والتحقيق في جرائم التعذيب المرتكبة في السجون وتقديم الجناة للمحاسبة، وتوقيع اتفاقية مناهضة الاختفاء القسري (أكثر من 15 دولة). كما أوصت دول منها بلجيكا والنمسا وأستراليا بضمان المحاكمة العادلة. فضلاً عن أكثر من 12 دولة أوصت بإنهاء الحبس الاحتياطي المطول وممارسات التدوير والإفراج عن المعتقلين تعسفًا. كما تبنى العديد من الدول توصيات بإصلاحات قانونية، منها مراجعة قوانين الإرهاب، وقانون العقوبات، والقوانين المنظمة لحرية الصحافة والإعلام والجرائم الإلكترونية، وقوانين تنظيم العمل الأهلي، والقوانين المتعلقة بمكافحة التمييز ضد المرأة".
وأكدت المنظمات في بيانها المشترك، أن وضع حقوق الإنسان في مصر الآن أسوأ من أي وقت مضى في تاريخها الحديث، وأن الحكومة المصرية تمتلك القدرة والسلطة للاستجابة لهذه التوصيات واتخاذ تدابير فعالة لتحسين أوضاع حقوق الإنسان، لكن العقبة الحقيقية تكمن في غياب الإرادة السياسية.
المنظمات الموقعة على البيان المشترك، هي مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، وجمعية عنخ، ولجنة العدالة، والمفوضية المصرية للحقوق والحريات، والجبهة المصرية لحقوق الإنسان، والمنبر المصري لحقوق الإنسان، وإيجيبت وايد، ومؤسسة دعم القانون والديمقراطية، ومركز النديم، ومؤسسة سيناء لحقوق الإنسان.
اجمالي القراءات
231