3 ـ لمحة عن تطبيق الشريعة السنية فى الدولة المملوكية
أولا :
1 ـ كان لابد أن تؤثر الأوقاف علي الحياة الاقتصادية في مصر المملوكية لأن الأوقاف سيطرت علي أربعين في المائة من الأراضي الزراعية المصرية وكانت غالبية مباني القاهرة والفسطاط وقفا، مما دعا المقريزي إلي التشكيك في صحة ملكية الأوقاف في عهده بسبب كثرتها..
2 ـ وفي نفس الوقت فإن إيرادات الأوقاف هي التي كانت تنفق علي الحياة الدينية والعلمية لمئات المؤسسات من الجوامع والخوانق والمساجد والرباطات والزوايا.. وكان يتعيش من إيرادات الأوقاف مئات الألوف من الشيوخ والطلبة والموظفين.. وذرية صاحب الوقف..
أى كانت تؤدى دورا خدميا لا يساهم مباشرة فى التنمية الاقتصادية ، حيث دار التعليم وقتها على مجرد الحفظ والاستظهار ، ودار التأليف على تلخيص أو شرح ما كتبه السابقون فى العصر العباسى دون تجديد أو ابتكار.
والعادة أن الدور الخدمى قد يسهم بشكل مباشر فى تصنيع الانسان وتأهيله ، وبالتالى يتقدم المجتمع ويزدهر اقتصاديا بكفاءة الانسان و ابداعاته . وهذا يتوقف على نوعية التعليم ، هل يشجع على الابتكار أم يتخرج فيه آلاف من المقلدين المفلسين عقليا . أى أن دور الأوقاف الخدمى ـ فى التعليم ـ أضاع ايرادات الأوقاف وأموالها فى تنشئة سيئة للمصريين المتعلمين فصاروا بالتعليم الفاسد أكثر جهلا ، فى وقت كانت فيه أوربا تضع قدمها على بدايات النهضة ، ومالبث أن قادتها وقادت بها العالم.
ومن هنا كان تأثير الأوقاف شديدا علي الحياة الاقتصادية في الدولة المملوكية من بدايتها إلي نهايتها.
3 ـ والوقف ارتبط بالاستبداد والفساد .
والاستبداد مرتبط ـ دائما بالفساد ، إذ يستخدم المستبد واعوانه السلطة فى جمع الثروة ، وهذا ما كان سائدا فى حكم العسكر المملوكى، وعاد للحياة فى عصرنا فى حكم العسكر المصرى.
التنازع حول الوصول للسلطة أو الاحتفاظ بها كان محورالحياة السياسية فى الدولة المملوكية . والخاسر فى هذا الصراع من الأمراء أو السلاطين كان يفقد حياته أو حريته ، ولكن فى كل الأحوال يفقد ثروته التى جمعها بنفوذه وسرقاته ، لذا ارتبط تاريخ المماليك بمصادرة أموال من يعزل من منصبه أو يسجن أو يقتل سواء كان من كبار المماليك أو من كبار رجالات الدولة . وحتى يضمن أحدهم أن يحصّن أمواله من المصادرة ويحافظ عليها له ولذريته فقد كان يوقفها.
كان صاحب النفوذ يجمع الأموال بالسلب والنهب ومصادرة الآخرين ثم يشترى بها الأراضى الزراعية والمحلات التجارية والقيساريات (أى سوق كامل من المحلات التجارية ) لينفق من ريعها على مؤسسة الوقف التابعة له ، بأن يبنى مسجدا أو خانقاة أو قبة أو مجموعة كاملة فيها المسجد والقبة و الخانقاة وفيها السبيل لتعليم الصغار ، ثم يعين فيها مدرسين وطلبة وصوفية للدعاء له وسائر ما تحتاجه تلك المؤسسة من أنشطة تعليمية وخدمية ، ويكتب كتابا للوقف فيه أوجه صرف المرتبات عليهم وتحديد واجباتهم الدينية و التعليمية والخدمية.
وينفق على تلك المؤسسة من ريع الأراضى و المحلات التجارية الموقوفة على تلك المؤسسة. والأهم من ذلك كله أن يجعل نفسه القائم على الوقف ،أى إن كل أملاكه تكون تحت يده ومحصنة من المصادرة عن طريق التنازل الظاهرى عنها ووقفها صوريا للانفاق على تلك المؤسسة الدينية ، بينما يكون النصيب الأكبر من الدخل له هو ولورثته ، باعتيارهم القائمين على الوقف.
4 ـ وللتحايل على ذلك ولمصادرة الأراضى والأملاك الموقوفة فقد اخترع فقهاء العصر المملوكى حيلة الاستبدال في الوقف . صحيح أن الواقف كان يحصن أمواله من المصادرة بوقفها عليه وعلي ذريته ، ولكن أعداء الواقف بعد أن ينتصروا عليه ينجحون في مصادرة أملاكه الموقوفة بطريق مبتكرة وهي الاستبدال، أى بيع شىء مقابل شىء آخر مفروض أن يماثله فى الثمن ، ولكن فى الواقع هو تماثل على الورق فقط ، إذ كانوا يأخذون القصور العامرة مقابل الخرائب ، والأراضي الزراعية مقابل الأراضي البور، تحت شعار الاستبدال..
وكانت تلك الخدعة تتم بقوة السلطان ونفوذه ضد أعدائه القدامى الذين ذهب نفوذهم .
وقد اشتهر الأمير جمال الدين الاستادار بطريقة الاستبدال ، وكان معه شاهدان يشهدان بأن ذلك المكان بور وخرائب ، ويغتصبه بمعونة ابن العديم قاضي القضاة، وبذلك استولي جمال الدين الاستادار علي أوقاف كثيرة كانت لآخرين..
5 ـ وبعضهم بالغ في إساءة نفوذه السياسي بإرغام صاحب النفوذ الزائل المقبوض عليه بالتنازل عن أوقافه وأملاكه والأشهاد علي نفسه بذلك.
وفي عهد السلطان برقوق استؤجرت الأوقاف بأقل من أجر مثلها فلجأ بعض مباشري الأوقاف إلي هدم العقارات الموقوفة بدل تعميرها.. وكان تعيين بعض القضاة يتم في مقابل منح امتيازات مالية " من خلال الوقف الذي يباشر ه " إلي ذوي النفوذ..
6 ـ وبمرور الزمن تلاشت كثير من الأوقاف بتقادم السنين أو بانقراض الذرية المستحقين أو فقدان كتاب الوقف ووثائقه أو بإهمال القضاة المشرفين علي الوقف.
وفي أغلب الأحوال كان أصحاب النفوذ يضعون أيديهم علي تلك الأوقاف ويملكونها عنوة ويقيمون عليها أوقافا جديدة لأنفسهم.
7 ـ وباتساع الأوقاف وإهمالها مع إعفائها من الضرائب تأثرت إيرادات الدولة.
وتفاعلت عوامل أخري متصلة بعملية الوقف لتزيد من انخفاض دخل الدولة ، فالسلطان القائم وأصحاب النفوذ كانوا يعطون امتيازات خاصة لمناطق الأوقاف الخاصة بهم ، وذلك يؤدي إلي نقص في إيراد الدولة ، بالإضافة إلي أن طبيعة الوقف من شأنها حبس الأموال عن التداول بأي نوع من أنواع التصرف ، وبالتالي منعها من القيام بدور إيجابي في خدمة اقتصاد البلاد. وبعض الواقفين حجروا علي نظار الوقف في حرية التصرف ، وأدت الشروط المتعددة في كتب الوقف إلي سوء استثمار الأراضي والعقارات الموقوفة ، هذا إذا افترضنا حسن النية لدي ناظر الوقف واهتمامه بتنمية إيرادات الوقف ،وألا يكون محترف سرقة يستغل الوقف لمصالحه الخاصة .
وناظر الوقف العفيف نظيف اليد كان لا يوجد إلا في الأحلام فحسب..
8 ـ والأوقاف لم تخرب الأرض الزراعية فقط ، ولم تعطل الثروة النقدية فقط عن التحرك والتداول بل أدت إلي تعطيل قسم كبير من الثروة البشرية أيضا.
فأصحاب الوقف من ذرية الواقف عاشوا متعطلين بلا عمل اعتمادا علي الإيراد الثابت المحفوظ لديهم ، كما أن مؤسسات الوقف العلمية والتعليمية ضمت بين جوانحها آلاف الشباب الذين أفنوا أعمارهم بين جدران الخوانق والزوايا لا عمل لهم إلا مجرد التبطل والدعاء لصاحب الوقف وممارسة أنواع من العبادة الوهمية يأخذون عليها أجرا وحياة مريحة.. ونقصد بهم الصوفية من المريدين والشيوخ.. وإلي جانبهم كان هناك موظفون يقومون بأعمال خدمية وإشرافية وإنتاجية فى أرضى الوقف ومحلاته التجارية ، ومن عرقهم كان يعيش المتبطلون من أصحاب الوقف والتنابلة داخل مؤسسات الوقف.. ولكن عز علي أولئك العاملين أن يذهب عرقهم إلي جيوب القاعدين والكسالى فأهملوا شروط الواقف وتكاسلوا بدورهم عن الإنتاج واختلسوا ما قدروا عليه وساعدهم جو الفساد العام في الإهمال والكسل والسرقة..
والدليل علي ذلك أن السلطان الأشر ف برسباي أزعجته تلك الحالة فأعلن عزمه علي الكشف عن شروط الوقف علي المدارس والخوانق وغيرها ومدي الالتزام بتنفيذها ولكنه لم يلبث أن تراجع عن عزمه لأن المشكلة كانت قد تضخمت واستشرت في كل نواحي الاقتصاد والثروة في العصر..
9 ـ وقبيل نهاية العصر المملوكي أصيب الاقتصاد في مصر فى مقتل بكشف طريق رأس الرجاء الصالح، وضياع دور مصر فى التجارة الشرقية القادمة من الهند عبر البحر الأحمر الى مصر ومنها الى أوربا عبر البحر المتوسط . والتفتت الدولة المملوكية إلي الداخل لتعيد توازنها الاقتصادي فوجدت الأوقاف التي تسيطر علي معظم ثروتها قد أصابها الخراب..
وأدي الخراب الاقتصادي داخليا وخارجيا إلي هزيمة الدولة المملوكية حربيا أمام العثمانيين 923 هـ.
10 ـ وسقطت الدولة المملوكية ولكن لم تسقط الأوقاف ، فظل تاثيرها السيىء .. ولا يزال .
أخيرا :
1 ـ لم نكتب هذا الموضوع لمجرد المعرفة التاريخية ـ وهى مطلوبة ـ ولكن أيضا للعبرة و العظة فى عصرنا .
2 ـ حين قامت فى مصر ثورة العسكر عام 1952 كانت الأوقاف تقوم بالانفاق على الأزهر و معاهده ، وعلى مساجد ومشروعات للأيتام والمرضى وإقامة المستشفيات وغير ذلك .
اتجه عبد الناصر الى التأميم و التمصير ليتحكم فى الثروة المصرية والشعب المصرى ، فكان لا بد من الاستيلاء على الأوقاف كلها ، وعليه فقد تم الفصل بين الأوقاف وممتلكاتها ، وأخضع الاثنين لسيطرة الحكومة ، ولا يزال هذا ساريا حتى الآن .
خصص عبد الناصر وزارة للأوقاف للاشراف على المساجد والدعاة وخطب الجمعة ، بينما أنشأ هيئة الأوقاف للاشراف على كل ممتلكات الأوقاف داخل وخارج مصر . أى بعبارة موجزة استولى على أملاك الأوقاف وضمها للحكومة ، ثم جعل للحكومة الاشراف على الأزهر ، وضم الأزهر ومؤسساته للدولة بعد أن كان مستقلا عن الدولة ، فتحول العاملون فى الأزهر ـ من شيخ الأزهر الى أصغر فراش ـ الى موظفين فى الدولة يأخذون مرتباتهم منها بدلا من انتظار ريع الأوقاف .
2 ـ جاء السادات فتحولت مصر من النظام اليسارى الناصرى الى الانفتاح على الغرب ، وانعكس هذا على هيئة الأوقاف التى تمتلك أثمن وأغلى العمارات السكنية والأراضى الزراعية وأراضى البناء فى وسط القاهرة وحولها وفى سائر المدن المصرية . أدى الانفتاح الى ارتفاع مفاجىء فى ثمن تلك الأراضى المخصصة للبناء والأراضى الزراعية ، و العمارات السكنية الضخمة و الفخمة، ومعظمها تحت سيطرة الأوقاف .
وزير الأوقاف ـ من حيث الشكل القانونى ـ هو المسئول عن الأوقاف من حيث المساجد ومن حيث الممتلكات ، ولكن الواقع أن هيئة الأوقاف هى التى كانت تسيطر على الممتلكات لصالح النظام الحاكم. ولأن النظام اختلف ، وجاء السادات بتوجه غربى انفتاحى رفع ثمن الأراضى المصرية وأراضى الأوقاف خصوصا فقد سال لعاب ذوى النفوذ للاستيلاء على أملاك الأوقاف بتلك الطريقة المملوكية التى سار عليها العسكر المملوكى .
وهكذا عاد (الاستبدال ) يلعب لعبته فى الخفاء ، وتتحول كثير من الأراضى من ملكية الأوقاف الى ملكية ذوى النفوذ بينما تاخذ هيئة الأوقاف مكانها مساحات فى الخرابات وفى الصحراء .
والعادة فى الشيوخ أن يستكينوا وان يسمعوا وأن يطيعوا .
ولكن وزير الأوقاف الشيخ الذهبى لم يسكت ، ولم يستكن .
كان يشرف على هيئة الأوقاف وقتها ضابط سابق ، وهو محمد توفيق عويضة ، وكان من المقربين للسادات . وأوكل له السادات أدارة هيئة الأوقاف فى عصر الانفتاح .
وراى الشيخ الذهبى ما يحدث من سرقة لأوقاف المسلمين فحاول التدخل مستخدما سلطته القانونية ضد مرءوسه محمد توفيق عويضة (رئيس هيئة الأوقاف) ، فلم يفلح ، استغاث بمجلس الوزراء فاكتشف أنه يؤذن فى مالطة ، أخيرا لجأ الشيخ الذهبى الى مجلس الشعب ليشكو موظفا يعمل عنده ، وهذه سابقة لم تحدث من قبل ، وتفسيرها أن الشيخ المغلوب على أمره ذهب الى مجلس الشعب ليكشف المستور ليخلى مسئوليته وليرضى ضميره ..
وعوقب على ذلك بأن إغتالته جماعة التكفير كما يقولون ..
3 ـ وهنا نسأل :
* هل لجماعة التكفير و الهجرة مصلحة فى اغتيال الشيخ الذهبى ؟
أبدا ومطلقا .
* هل اشتهرت جماعة التكفير و الهجرة بسفك الدماء كبقية الجماعات قبلها وبعدها ؟
أبدا ومطلقا . يكفى اسمها وهى تكفير المجتمع والابتعاد عنه للاقامة فى الصحراء . ولم تكن لهم سابقة من قبل فى الاغتيالات أو الاختطاف . خطف وقتل الشيخ الذهبى التى ألصقها بهم نظام السادات هى الحالة الوحيدة فى تاريخهم ، وبها تم القضاء عليهم .
* قد يقال إنه تحول فكرى حدث لهم فأصبحوا (التكفير والتقتيل ) بدلا من (التكفير و الهجرة) .
* وهنا نسأل : كيف حدث هذا التحول المفاجىء فى فكرهم وسلوكهم ؟
العادة أن التحول الفكرى يأخذ وقتا حتى يتم الاقتناع بالفكر الجديد ، ثم يأخذ الفكر الجديد وقتا آخر حتى يدخل حيز التنفيذ . ولكن فى حالة التكفير و الهجرة نجد تحولا فجائيا ارتبط بالتنفيذ الفورى أولا وأخيرا لعملية وحيدة ثم انتهى هذا وذاك . أى جاء التنفيذ فقط على رقبة الشيخ الذهبى خدمة كبرى لأصحاب النفوذ فى نظام حكم السادات ، حيث لم يكن الشيخ المسكين يشكل أى خطورة على جماعة التكفير و الهجرة.
لا يمكن ان يتصور عاقل ـ أو مجنون ـ ان تخطفه وأن تقتله جماعة التكفير والهجرة فى ظل حشد إعلامى ، ثم ينتهى أمرها بالسجن والاعدام ، وتنتهى معها قصة الشيخ الذهبى وتتوقف الى الأبد صرخاته المدافعة عن أوقاف المسلمين من كبار الناهبين والسارقين .
4 ـ هنا نضع بعض الحقائق التاريخية عن عصر السادات :
* أفرج السادات عن شكرى مصطفى ومجموعته من التكفير و الهجرة عام 1971 فى إطار استراتيجية السادات فى استخدام التظيمات السلفية ضد اليسار ـ بقايا مراكز القوى من عهد عبد الناصر. أى أفرج عنهم وعن غيرهم لأهداف سياسية أى ليستفيد منهم .
* تحت وطأة التعذيب فى سجون عبد الناصر تولدت لدى مصطفى شكرى وأتباعه فكرة تكفير المجتمع والهجرة منه. لذا فإنه بمجرد الافرج عنه وعن أتباعه اعتزل المجتمع ، ونالت فكرته قبول عدد كبير من الشباب فتابعوه فى الاعتزال ، ولا نتصوره خصما شخصيا للسادات لأن السادات ليس هو الذى سجنه وعذبه بل هو الذى أطلق سراحه وتركه طليقا تنتشر دعوته ويتبعها الآلاف.
* تتابعت البلاغات من العائلات وأولياء الأمور الى المسئولين يشتكون من هروب أبنائهم الى الصحراء وانضمامهم لشكرى مصطفى ، وطبقا لمنهج البوليس المصرى فى الاجهاض قام بغارة فى منتصف عام 1973 على أوكار التكفير و الهجرة فى الصحراء ، وصادر متعلقاتهم ، وأذاع ـ كالعادة ـ بلاغات كاذبة عن وجود أسلحة و أدلة على التدريب ، ولو كان ذلك صحيحا ما أمر السادات بالافراج عنهم ، واهمال أمرهم .
* ظل أمرهم مكتوما مسكوتا عنه ، ومن الطبيعى أن تقوم الشرطة باختراقهم لمراقبة ما يفعلون فى أوكارهم ومجتمعاتهم الجديدة البعيدة.
* ظهر أثر ذلك الاختراق فجائيا بعدها فى إغتيال الدكتور الشيخ حسين الذهبى عام 1977 وقت أن تجرأ الشيخ وأعلن النهب القائم فى أوقاف المسلمين ، وأحرج السادات ونظامه ، فكان النظام بين واحد من إثنين :إما أن يكافىء الشيخ ، وإما أن يقتله ويكتم صوته.
* قتل الشيخ الذهبى لا بد له من تخطيط حتى لا ينقلب الأمر على النظام ، ويحدث الربط بين قتله و ثورته على سرقة الأوقاف .
أى لا بد من مسرحية محكمة يتم بها قتل الشيخ الذهبى تحت أعين الناس ولكن بخداعهم أيضا بأن تلتصق التهمة بطرف آخر . أى باستخدام شكرى مصطفى وجماعته قفازا يخبىء اليد التى تطلق الرصاص على الشيخ المغدور.
لذا قام الاعلام المصرى ـ تليفزيون وصحف ـ بنشر مكثف ومنظم لتطورات الموضوع ، بدأ باعلان أن شكرى مصطفى قام بخطف الشيخ الذهبى وطالب بان تدفع له الدولة فدية حتى يفرج عن الشيخ . ثم أذاع الاعلام بعدها ان شكرى مصطفى وجماعته قتلوا الشيخ الذهبى بسبب عدم الاستجابة لمطالبهم ، ثم أخيرا أعلن أن أجهزة الأمن قبضت علي شكرى مصطفى وجماعته . وتم تقديمهم للمحاكمة العلنية وتحت تغطية الاعلام أيضا . وفى المحاكمة بدا شكرى مصطفى أقرب للمخبول منه الى زعيم جماعة صاحب فكر وموقف. وحكمت عليه المحكمة بالاعدام ، وبنفس الحكم على أربعة منهم.
وفى ثنايا الصخب الاعلامى والترقب والانهماك فى متابعة ذلك الفيلم الحكومى نسى الجميع موضوع الأوقاف والربط بينه وبين اغتيال الشيخ المسكين
* بل لم يلتفت احد الى أخطر ما ظهر فى ثنايا القضية ، وهو أن البطل الحقيقى فى القصة و مهندس تنظيمها والقاتل للشيخ الذهبى هو ضابط بوليس هارب انضم الى التكفير والهجرة وصار من أقرب أعوان شكرى مصطفى ..
* موجز ما سبق هو كلمة واحدة ، هى الاختراق . أخترق الأمن أولئك الغلابة ـ كالعادة ـ وقام باستغلالهم فى مسرحية اغتيال الشيخ الذهبى ،فقبض عليهم وأودعهم الزنازين ، ثم استغل الإعلام لينشر مسرحية خطف الشيخ الذهبى ، ومسوحية العثور عليه مقتولا ، وأعاش المصريين فى متابعة هذا الفيلم ، وبذلك تم للنظام مراده بدفن الشيخ الذهبى و إخماد صيحته ، ودفن معه شكرى مصطفى والتكفير والهجرة .
* ما سبق أيضا هو بعض مظاهر تكتيك السادات فى اتخاذ الحركات السلفية مخلبا يضرب به خصومه . الفارق هنا أن السادات استغل التكفير والهجرة ليس ضد اليساريين ولكن ضد الشيخ الذهبى المسكين .
* هناك فارق آخر أهم وأضل سبيلا ، فالغلابة من جماعة التكفير و الهجرة الذين ارتضوا الاعتزال والابتعاد عن المجتمع وصراعاته أصبحوا غنيمة سهلة للسادات ،فقضى عليهم فى سبيل أن يتخلص من الشيخ الذهبى .واختلف الحال مع الجماعات الأخرى الطامحة للحكم ، والذين استغلهم السادات ضد خصومه السياسيين اليساريين . أولئك ما لبثوا أن إنقلبوا على السادات وغلبوه وقتلوه .
* جدير بالذكر أن السادات عندما انقلبوا عليه وشعر بتآمرهم عليهم ولجوئهم للعمل السرى لجأ الى مستشاره ـ فى الحركات السلفية ـ وهو نفسه الضابط محمد توفيق عويضة . وكلفه السادات بتكوين جماعة أخرى يضرب بها تلك الجماعات. ولكن فات أوان ذلك. فشل توفيق عويضة . ودفع السادات الثمن فى مسرحية أخرى حيث تم قتله على مرأى ومسمع العالم . وكما تدين تدان ..
وفى النهاية
هناك أكثر من رابط يربط عصر السادات بالعصر المملوكى ، ففيهما تحكم العسكر ، وكلاهما كان معجبا بالشريعة السنية ، واستخدمها لأغراض سياسية ، وكلاهما سرق الأوقاف فى ظل الشريعة السنية . وكلاهما ما أغنى عنه ماله وما كسب .
ما أغنى عن السادات ماله وما كسب من الأوقاف وغير الأوقاف ، سواء ما كان منها أرضا حول النيل أو كان أرضا فى الأحقاف.
أهلا وسهلا ..
اجمالي القراءات
13974
هذا المقال الذي رصد حركة الأوقاف وإستغلالها من قبل الدولة المملوكية وكيف أنها ساهمت في التأصيل للجهل والكسل والنهب ، وصل الكاتب إلى عصر عبدالناصر ثم عصر السادات وربط بينهم وبين ما حدث من إستغلال سيئ للأوقاف ثم نهاية محزنة لمقتل شيخ أزهري وهو الشيخ الذهبي وإلحاق التهمة ببعض الشباب المغلوب على أمرهم وقتل أربعة منهم وذلك كله للخلاص من الشيخ الذي يريد أن يفضح ما يحدث في الأوقاف ، وهذا كله بسبب مال كان في بدايته فتنة إلى نهايته ، وعملية الإستبدال والتي عن طريقها كان السلطات المملوكية وصولا إلى السادات كانوا ينهبون بها الأموال الوقفية ، هي هي ما تم عمله هذه الأيام في بيع القطاع العام المصري والذي بيع بثمن أقل من 1 في المائة من ثمنه ، أي أن الزمن يعيد نفسه وهو فتنة المال الحرام والذي يقوم بإعطائه فاسد ما في عصر ما لكي يكفر به عن أخطائه عن طريق الدعاء له ،وإذ بهذا المال الحرام يتجول ويفسد آخرين في ذممهم وتستمر هذه العملية إلى أن نصل ما نحن فيه من تدين سطحي ..!!