من يحكم لبنان؟.. إليك خارطة النفوذ الطائفي ومحطات فاصلة أثرت في مساره السياسي
يتسم الشعب اللبناني بأنه نسيج من 18 طائفة موزعة بين *المسيحيين* و*المسلمين*، يجمعها العيش المشترك وترعاها القوانين والأنظمة والسلطات، وسط واقع معقد مر بسنوات من الحروب الأهلية التي خلفت عشرات الآلاف من القتلى، وتركت خلفها نسيجًا اجتماعيًا ممزقًا.
بحسب التقديرات غير الرسمية، فإن الطوائف الإسلامية المقسمة بين السنة والشيعة تُشكل نحو 57-63% من تعداد السكان، أما الطائفة الدرزية فتمثل نحو 4-6%.
أما الطوائف المسيحية، والتي تضم الموارنة، والروم الأرثوذكس، والروم الكاثوليك، والأرمن الأرثوذكس، والأرمن الكاثوليك، والسريان الأثوذكس، والسريان الكاثوليك، والكلدان، واللاتين، والإنجيليين، والأقباط الأرثوذكس، والأقباط الكاثوليك، والآشوريين، فإنهم يُشكلون نحو 33-36% من تعداد السكان.
ورغم التقسيم الطائفي في لبنان، إلا أن الخارطة السياسية التي أنتجتها عوامل عدة أبرزها الحرب الأهلية اللبنانية، والحروب الإسرائيلية، واللجوء الفلسطيني، تختلف بمكوناتها عن هذا التشكيلكيف يُحكم لبنان؟
عقب انتهاء الاستعمار الفرنسي عام 1943، اتفق اللبنانيون بمختلف طوائفهم على ما يُطلق عليه "الميثاق الوطني" الذي نظم أسس الحكم بالبلاد.
بموجب "الميثاق الوطني" توافق اللبنانيون على توزيع السلطة وفقاً إلى التقسيم الطائفي، بحيث ينال المسيحيون الموارنة رئاسة الجمهورية، ويحصل المسلمون الشيعة على رئاسة البرلمان، أما السنة فيحصلون على رئاسة الوزراء.
كما يجب أن يكون نائب رئيس مجلس النواب من الروم الأرثوذكس، أما رئيس الأركان العامة من الدروز، وبموجب "الميثاق الوطني" يقبل الموارنة الهوية العربية بدلًا من الغربية، فيما يتخلى السنة عن فكرة الوحدة مع سوريا.
كما يمتد التقسيم الطائفي للمناصب، إلى مفاصل أخرى مهمة، فقائد الجيش ماروني، أما وزير الداخلية فهو سني، ومدير قوى الأمن الداخلي سني، ومدير المخابرات العسكرية شيعي، وهناك أيضًا حصص للطوائف والأقليات الأصغر مثل الدروز والمسيحيين الأرثوذكس والأرمن.
ويحكم لبنان نظام سياسي يعتبره جمهورية ديمقراطية برلمانية، ينتخب فيه النواب رئيس الجمهورية، وفقاً إلى التقسيم الطائفي المعتمد.
ويقوم النظام السياسي في لبنان على مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية)، ورغم ذلك إلا أن التقسيم الطائفي في لبنان هو الذي بقي مهيمناً على الحكم.
محطات فاصلة أثرت على المسار السياسي للطوائف والأحزاب
الحرب الأهلية اللبنانية (1975/ 1990)
وبسبب الأغلبية المسيحية التي ظهرت في إحصاء السكان عام 1932، حصلت الطائفة المارونية على معظم الصلاحيات مع تأسيس الدولة الجديدة، ولكن الواقع الديمغرافي تغير تدريجياً في البلاد.
تسببت الأزمات البنيوية وتعاظم الاستياء من الحكومات المتعاقبة بالإضافة إلى الفوارق بسبب التقسيم الطائفي، إلى جانب التحولات الإقليمية والنزوح الفلسطيني، وعوامل اقتصادية نجم عنها الفقر والعوز، في تحول لبنان إلى ساحة صراع.
واندلعت شرارة الحرب الأهلية اللبنانية، بعد الهجوم الذي شنته الجبهة اللبنانية (الموارنة)، على حافلة فلسطينية، عام 1975، ثم سريعاً شكّلت الجماعات اليسارية والعربية والإسلامية اللبنانية تحالفاً مع الفصائل الفلسطينية.
وفي يناير/كانون الثاني، قامت مجموعات مسيحية من حزب الكتائب باقتحام منطقة الكرنتينا ذات الأغلبية المسلمة، وكان يسكنها أكراد وسوريون وفلسطينيون، فقتلت حوالي 1500 منهم، فيما ردت مجموعات فلسطينية بقتل مئات المسيحيين في منطقة الدامور.
أدى ذلك إلى هجرة جماعية للمسلمين والمسيحيين، وانقسمت بيروت إلى منطقتين عرفتا بـ"المنطقة الشرقية" وأغلب سكانها مسيحيون لكنها محاطة بمخيمات الفلسطينيين، و"المنطقة الغربية" التي كانت مختلطة لكن أكثرية أهلها مسلمون، وسُمي الخط الفاصل بين المنطقتين "الخط الأخضر".
الخط الأخضر الذي يفصل بيروت الشرقية وبيروت الغربية وفق التقسيم الطائفي/ويكبيديا
الخط الأخضر الذي يفصل بيروت الشرقية وبيروت الغربية وفق التقسيم الطائفي/ويكبيديا
في البداية، كانت هناك ثلاث جبهات رئيسية:
الجبهة اللبنانية بزعامة كميل شمعون، وهيمن عليها المسيحيون الموارنة.
الحركة الوطنية اللبنانية (أحزاب يسارية وقومية) بقيادة السياسي الدرزي كمال جنبلاط.
منظمة التحرير الفلسطينية، والتي تحالفت مع الحركة الوطنية اللبنانية لاحقاً.
فيما شاركت قوى أجنبية مثل سوريا والاحتلال الإسرائيلي في الحرب، وحاربت إلى جانب الموارنة، في الوقت الذي كانت التحالفات تتغير خلال الحرب التي استمرت 15 عاماً.
واندلع صراع دموي داخل الجبهة اللبنانية، إثر مقتل عضو بارز في حزب الكتائب على أيدي قوات المردة، فقام بشير جميل قائد القوات اللبنانية بإرسال سمير جعجع لاختطاف طوني فرنجية قائد مليشيات المردة وابن الرئيس سليمان فرنجية لإجباره على تسليم المسؤولين عن مقتل العضو الكتائبي، إلا أن العملية انتهت بمقتل فرنجية وعائلته، وعلى إثرها أنهى سليمان فرنجية ارتباط المردة بالجبهة اللبنانية.
حرب المئة يوم
وبعد اندلاع معارك بين القوات اللبنانية، مع نمور الأحرار (منضوية ضمن الجبهة اللبنانية) منتصف عام 1980، أصبح بشير الجميل المسيطر الوحيد على بيروت الشرقية، وإثر ذلك اندلعت معارك بينه وبين القوات السورية فيما عرف بـ"حرب المئة يوم"، وخلالها استغاث الجميّل بإسرائيل التي أرسلت طائراتها الحربية وأسقطت مروحيتين سوريتين.
دعم إسرائيلي لبشير الجميّل
ومع الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 1982، انتخب بشير الجميّل رئيسًا للجمهورية تحت الاحتلال الإسرائيلي، وقبل أيام من الموعد المحدد لتسلمه الرئاسة، اغتيل في 24 سبتمبر/أيلول 1982؛ فاقتحمت ميليشيا الكتائب مُخيّميْ صبرا وشاتيلا وقتلت ما يقارب 3500 فلسطيني بمساعدة الجيش الإسرائيلي.
وفي 22 سبتمبر/أيلول انتخب البرلمان أمين الجميّل خلفًا لأخيه في رئاسة الجمهورية. وفي 17 مايو/أيار 1983 وقع الجميّل وإسرائيل اتفاقاً ينص على انسحاب القوات الإسرائيلية من لبنان بشرط انسحاب القوات السورية.
ونص الاتفاق على أن "حالة الحرب بين لبنان وإسرائيل قد انتهت ولم يعد لها وجود"، لكن هذا الاتفاق سقط بتمرد عسكري وشعبي رافض لما سُمي بـ"اتفاق العار والمذلة".
وفي أغسطس/أب 1983، اندلعت معارك دامية بين المسيحيين والدروز، انتهت بانسحاب المقاتلين المسيحيين إلى بيروت الشرقية.
ومع انسحاب القوات المتعددة الجنسيات من لبنان، سيطرت حركة أمل الشيعية على بيروت الغربية، حيث هاجمت "أفواج المقاومة اللبنانية" (أمل)، والحزب التقدمي الاشتراكي الدروز بدعم من سوريا، القوى السنية القريبة من الفلسطينيين.
وعرفت ما بين 1985-1986، بـ"حرب المخيمات"، وذلك بعد مهاجمة حزب أمل الفلسطينيين في مخيمي صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة، ومخيمات فلسطينية أخرى.
انقسام في السلطة
عقب انتهاء ولاية أمين الجميّل في 22 سبتمبر/أيلول 1988، انقسمت السلطة التنفيذية إلى حكومتين:
الأولى برئاسة سليم الحص المدعوم من حركة أمل والدروز والجيش السوري
الثانية برئاسة ميشال عون (قائد الجيش)، الذي أعلن "حرب التحرير" ضد الوجود السوري في لبنان، وقد كان مدعوماً من المسيحيين.
اتفاق الطائف لم يلغي التقسيم الطائفي في لبنان
عقد المؤتمر بمدينة الطائف السعودية في 30 سبتمبر/أيلول 1989، بمشاركة 62 نائباً لبنانياً يمثلون الأحزاب الرئيسية المتقاتلة: حركة أمل، والحزب التقدمي الاشتراكي الدرزي، وحزب الكتائب.
حيث وقع المجتمعون على وثيقة تنهي الحرب الأهلية اللبنانية، ونجم عن ذلك انتخاب رينيه معوض رئيساً للجمهورية، وذلك بعد 409 يوماً من شغور المنصب بعد انتهاء ولاية الرئيس أمين الجميّل في عام 1988.
ورغم أن اتفاق الطائف وضع إلغاء الطائفية كهدف له، لكن النظام البرلماني لم يستطع التخلي عن التقسيم الطائفي إلى الآن، حيث وُزِعت المقاعد بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين، ونسبياً بين طوائف كل من الفئتين، وكذلك نسبياً بين المناطق.
كما أسهم دستور الطائف في خلق تحول في آليّة إدارة الحكم بلبنان، مما قلص كثيراً من صلاحيات الرئيس، فقد كانت رئاسة الدولة ما قبل الطائف هي المنصب الأهم بحكم الدستور والقانون، والموقع الأقوى في هيكلية السلطة التنفيذية، والمركز الأساسي للقرار.
ومن أبرز التغييرات الجذرية التي أحدثها دستور الطائف، إناطة السلطة الإجرائيّة بمجلس الوزراء مجتمعاً، ومنح رئيس الجمهورية الحقّ فقط بإدارة الجلسات -إذا حضر- من دون حقّ التصويت.
كما سحب من الرئيس الحق في دعوة الحكومة للانعقاد من الأساس، وجعل قرارات الحكومة نافذة حتى لو رفض الرئيس التوقيع عليها، ضمن المهل القانونية الممنوحة له في هذا الصدد.
حرب الإلغاء
رفض ميشال عون الاعتراف بمعوّض، ولم يوقع على اتفاق الطائف، معترضاً على إبقاء الجيش السوري في الأراضي اللبنانية، لتندلع ما يعرف بـ"حرب الإلغاء" في يناير/كانون الثاني 1990، بين المكوّن المسيحي.
وهاجم الجيش اللبناني بقيادة ميشال عون، مواقع القوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع، واعتبر عون أن هدف الهجوم هو "إلغاء نفوذ القوات اللبنانية وسيطرتها العسكرية في المناطق المسيحية"، بينما رأت القوات اللبنانية أن عون يسعى إلى تفكيك الصف المسيحي والسيطرة التامة على القرار السياسي والعسكري.
وبعد تدخل إقليمي ودولي، انتهت بتدخل إقليمي ودولي، حيث تدخلت القوات السورية في أكتوبر/تشرين الأول 1990، ضد ميشال عون، بعد ضوء أخضر من الولايات المتحدة وفرنسا.
تمكن عون من الفرار واللجوء إلى السفارة الفرنسية في بيروت حتى نُفي إلى فرنسا، ومع خروجه من المشهد السياسي، بسطت القوات اللبنانية سيطرتها مؤقتًا على المناطق المسيحية. مع ذلك، بعد سنوات قليلة، تمت ملاحقة جعجع نفسه وتم اعتقاله عام 1994 بتهم سياسية.
وكان من أبرز نتائج الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت نحو 15 عاماً، مقتل أكثر من 150 ألف شخص، وفرز ديني ومناطقي للمكونات السياسية والدينية في البلاد.
وعرفت الفترة الممتدة من 1990 وحتى 2005، بفترة الهيمنة السورية والتي اتسمت بتدخل السوريين في كل مفاصل الحياة في لبنان، وخاصة تعيين الأشخاص في المناصب السياسية والإدارية والأمنية.
ثورة الأرز.. ظهور تحالفي 14 آذار و8 آذار
شهدت الساحة اللبنانية احتجاجات واسعة النطاق في 14 مارس/آذار 2005، بعد شهر من اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري في 14 فبراير/شباط، حيث اتُهِم الموالون لسوريا باغتياله.
انقسم الشارع اللبناني إلى تيارين وهما تجمع وتحالف "قوى 14 آذار" الذي طالب بخروج الجيش السوري من لبنان، والآخر "تحالف 8 آذار" المناهض له ويدافع عن سوريا.
ويضم تحالف 14 آذار، الذي طالب سوريا بالخروج من لبنان، قوى سنية ودرزية ومسيحية، وأبرز التيارات المنضوية فيه:
تيار المستقبل بزعامة سعد الحريري، ويمثل الطائفة السنية.
حزب القوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع، ويمثل الجناح العسكري لكافة الأحزاب المسيحية المصنفة ضمن القوى اليمينية بالجبهة اللبنانية.
حزب الكتائب بزعامة الرئيس السابق، وظل لعقود الحزب اليميني الأكبر ضمن الطائفة المسيحية منذ تأسيسه عام 1936.
حزب التقدم الاشتراكي بزعامة وليد جنبلاط، وقد كان في مقدمة مؤسسي التحالف قبل أن ينحى منحى وسطياً بعد أحداث 7 مايو/أيار 2008.
فيما يضم تحالف "8 آذار" القوى التي عرفت بعلاقتها الوطيدة مع سوريا، وهي تيارات تضم القوى الشيعية مع أحزاب مسيحية وسنية صغيرة، أبرزها:
حزب الله اللبناني
حركة أمل الشيعية بقيادة نبيه بري.
تيار المردة بقيادة سليمان طوني فرنجية.
التيار الوطني الحر، الذي كان يتزعمه ميشال عون، ويتزعمه الآن جبران باسيل، وقد انضم إلى التحالف في فبراير/شباط 2006.
أحداث 7 أيار 2008
في 7 مايو/أيار 2008، شهدت العاصمة اللبنانية بيروت وبعض مناطق جبل لبنان، اشتباكات بين المعارضة والموالاة، وذلك إثر صدور قرارين من مجلس الوزراء اللبناني برئاسة فؤاد السنيورة، بمصادرة شبكة الاتصالات التابعة لحزب الله، وإقالة قائد جهاز أمن مطار بيروت، نجم عن ذلك مقتل العشرات، ودمار كبير في ممتلكات المواطنين، ونشوء حالات توتر وصدامات مسلحة بين فريقي "14 آذار" و"8 آذار" في الشمال والبقاع اللبنانيين.واعتبر الأمين العام لحزب الله في ذلك الوقت حسن نصر الله، أن قرارات الحكومة إعلان حرب على الحزب، فيما قام عناصره بالسيطرة على مقرات تيار المستقبل، ومناطق نفوذ الزعيم الدرزي وليد جنبلاط.
وبعد أشهر من الأزمة السياسية الداخلية في لبنان، واحتجاجات المعارضة ضد حكومة السنيورة، وأحداث 7 أيار، توصلت القوى اللبنانية في الدوحة في 21 مايو/أيار 2008، إلى التوافق على انتخاب رئيس توافقي، وتشكيل حكومة وحدة وطنية.
ومنذ ذلك التاريخ، تعرضت البلاد لمخاوف أزمة داخلية، مع انهيار حكومة الوحدة الوطنية في يناير/كانون الثاني 2011، كما هددت الحرب الأهلية السورية بالانتشار في لبنان، حيث تزايدت أعمال العنف الطائفي والاشتباكات المسلحة بين السنة والعلويين في طرابلس، ومع زيادة عدد اللاجئين السوريين، أبدت القوات اللبنانية وحزب الكتائب والتيار الوطني الحر مخاوفها من تقويض النظام السياسي الطائفي في البلاد.
وفي الأعوام ما بين 2019، و2023، شهد لبنان سلسلة من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتشابكة، مع انهيار العملة اللبنانية، وارتفاع معدلات التضخم.
كما تعمق الانقسام السياسي بين القوى السياسية، حيث اتهمت القوى الحاكمة بالفساد، في حين اتُهِمت المعارضة بعدم القدرة على تقديم حلول عملية للأزمة، فيما عجز الجميع عن تشكيل حكومة جديدة، ما أدى إلى أطول فراغ سياسي بالبلاد.
اشتباكات بيروت 2021 (7 مايو المصغرة)
في 14 أكتوبر/تشرين الأول 2021، اندلعت احتجاجات في حي الطيونة ببيروت، من قبل أنصار حزب الله وحركة أمل، للمطالبة بإقالة طارق بيطار القاضي المعين للتحقيق في انفجار مرفأ بيروت.
أدى دخول عدد من المتظاهرين إلى حي عين الرمانة المسيحي، إلى إطلاق قناصة النار عليهم من المباني القريبة، واتهم حزب الله حزب القوات اللبنانية بالوقوف خلف الحادثة، كما اتهموا سمير جعجع بالتحريض على العنف، كما أسفرت الاشتباكات عن مقتل سبعة أشخاص وإصابة العشرات.
ما هي أبرز الأحزاب المسلحة في لبنان؟
بسبب التقسيم الطائفي والسياسي، والحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت خمسة عشر عامًا، وعوامل أخرى مثل الاحتلال الإسرائيلي والتواجد السوري في لبنان، برزت العديد من الأحزاب السياسية اللبنانية كحركات مسلحة ذات بعد أيدولوجي، وتالياً أبرز الأحزاب المسلحة:
حزب الله: وتشير التقديرات إلى أن المنظمة الشيعية التي تنتشر في الجنوب اللبناني والضاحية الجنوبية ووادي البقاع الشمالي ومنطقة الهرمل، يبلغ تعداد عناصرها المسلحة نحو 100 ألف مقاتل، كما تتمتع بقدرات عسكرية كبيرة بسبب الدعم الذي تحصل عليه من إيران.
حركة أمل: وهي حركة شيعية حليفة لحزب الله، تأسست عام 1974، ويرأسها نبيه بري، وهي أكبر حزب شيعي في مجلس النواب.
وقد أنشئ الجناح العسكري لحركة أمل "أفواج المقاومة اللبنانية" عام 1975، وكان الدافع الرئيس لذلك بحسب مؤسس الحركة موسى الصدر، يرجع إلى المطامع الإسرائيلية في جنوب لبنان، وخاضت الحركة اشتباكات مع الاحتلال في عدة فواصل تاريخية، آخرها المشاركة في جبهة الإسناد مع حزب الله منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وقد أعلن الاحتلال اغتيال عناصر منها.
ورغم أن التقديرات تشير إلى أن حركة أمل ينضوي فيها نحو 80 إلى 100 ألف منتسب، إلا أن المصادر الميدانية تشير إلى أن المدربين عسكرياً لا يتجاوز عددهم الـ10 آلاف، كما أنهم يفتقدون للسلاح النوعي على غرار حزب الله.
تيار المردة: وهو تيار ماروني مسيحي، يتزعمه طوني فرنجية، الذي يعد حليفاً لحزب الله، وقد خاض اشتباكات عنيفة خلال الحرب الأهلية ضد القوات اللبنانية بعد انفصاله عن الجبهة اللبنانية.
كما تشير المصادر الميدانية، إلى أن "تيار المردة" لديه ميليشيات مسلحة صغيرة، لحماية مناطق تواجده، وقد تدربت عناصره سابقاً بإشراف القيادي العسكري في حزب الله عماد مغنية.
اشتباكات سابقة في بيروت
اشتباكات سابقة في بيروت
القوات اللبنانية: تأسست كميليشيا مسيحية لبنانية في عام 1976 لتكون ميليشيا الجبهة اللبنانية، وهي تحالف من عدة أحزاب مسيحية يمينية، هيمن عليه حزب الكتائب.
وتشير التقديرات إلى أن القوات اللبنانية المناهضة لحزب الله في لبنان، لديها آلاف المقاتلين في المناطق والأحياء التي يقطنونها.
الجماعة الإسلامية في لبنان: وهي جماعة إسلامية سنية، تأسست عام 1964 كفرع لبناني لجماعة الإخوان المسلمين، وجناحها العسكري "قوات الفجر".
وكان أول ظهور لقوات الفجر كان خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، لكن ما لبث أن غاب اسم هذه القوات عمليًا عن الساحة اللبنانية، خاصة بعد تحرير الجنوب اللبناني عام 2000، فيما كان له نشاط قليل خلال حرب يوليو/تموز 2006، لكنه برز مجدداً بعد 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023، معلناً عن تنفيذ عمليات هجومية مساندة لقطاع غزة من الجنوب اللبناني.
وتشير التقديرات بحسب مصادر ميدانية، بأن عدد مقاتليها لا يتجاوز الـ خمسة آلاف، رغم إمكانياتها المحدودة جداً.
إلى جانب هذه التشكيلات العسكرية، فإن لدى "تيار المستقبل" السني الذي يقوده سعد الحريري، مسلحين على صعيد أفراد وليس كميليشيا مسلحة.
التقسيم الطائفي في لبنان جغرافياً
أثرت البيئة الاجتماعية والسياسية المعقدة بسبب التقسيم الطائفي في لبنان، وتاريخ طويل من الصراعات على التوزيع الديمغرافي، بين المسلمين بأطيافهم، والمسيحيين بأطيافهم، والدروز.
وتشكل الديموغرافيا اللبنانية تحدياً معقداً يمتد إلى ما هو أبعد من الأرقام والإحصاءات، إذ وفقاً لتقرير "الدولية للمعلومات"، يُصنّف اللبنانيون بناءً على التقسيم الطائفي، بدلاً من التركيز على هويتهم الوطنية كمواطنين لبنانيين أولاً.
ويعتبر التقسيم الطائفي في التعامل مع السكان هو السبب الرئيسي لعدم إجراء أي تعداد رسمي للسكان منذ عام 1932.
ويتركز السنة اللبنانيون بحسب التقسيم الطائفي، في الغالب في المدن الكبرى: بيروت الغربية، وطرابلس، وصيدا، كما يتواجدون أيضاً في المناطق الريفية، والتي تشمل عكار، وإقليم الخروب ووادي البقاع الغربي.
أما المسلمون الشيعة وفقاً إلى التقسيم الطائفي، فإنهم يتركزون في جنوب لبنان، وقضاء بعلبك، والهرمل وجنوب بيروت.
فيما يتركز المسيحيون الموارنة بحسب التقسيم الطائفي في الأجزاء الشمالية من بيروت الكبرى، والجزء الشمالي من محافظة جبل لبنان، والجزء الجنوبي من محافظة الشمال، وأجزاء من محافظة البقاع ومحافظة الجنوب.
الروم الأرثوذكس اللبنانيون، وفقاً إلى التقسيم الطائفي يتركزون في شمال بيروت، وكذلك في مناطق شمال لبنان بما في ذلك زغرتا، وبشري، وقضاء الكورة، والبترون.
وينتشر الروم الكاثوليك في كافة أنحاء البلاد، ولكن بشكل خاص في المناطق الواقعة على المنحدرات الشرقية لسلسلة جبال لبنان وفي زحلة حيث يشكلون الأغلبية، أما البروتستانت اللبنانيون فموجودون بشكل رئيسي في منطقة بيروت وبيروت الكبرى.
أما المسيحيون الآخرون فينتشرون في مناطق مثل شرق بيروت، وجبل لبنان وزحلة، وجزين.
بالنسبة للعلويين فنسبتهم أقل من واحد بالمئة من الشعب اللبناني وفقاً إلى التقسيم الطائفي، ويعيشون في أماكن محددة وشبه منغلقة على نفسها مثل جبل محسن في طرابلس، وعدّة قرى في عكار مثل تل حميرة، والمسعودية، وحكر الظاهري، والسماقية.
في حين هناك أقلية إسماعيلية ليس لها نسبة أو أماكن سكن محددة إذ يعيش أفرادها في مناطق متفرقة في لبنان ولا يشكلون ثقلاً في التقسيم الطائفي.
النزوح خلال الحرب والطائفية
أجبر الاحتلال الإسرائيلي خلال أكتوبر/تشرين الأول 2024، أكثر من مليون شخص على النزوح من منازلهم.
حيث فر الآلاف من الناس من الضاحية الجنوبية لبيروت، وجنوب لبنان، وأجزاء من البقاع الشرقي، وهي كلها مناطق ذات أغلبية شيعية، وتزاحمت العائلات التي أغلبها شيعية، في غرب بيروت المنطقة التي يتواجد فيها الأغلبية السنية التي حمّلت حزب الله مسؤولية اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، واتخذت موقفاً من الاجتياح المسلح للحزب لبيروت الغربية في عام 2008، بحسب تقرير في "فايننشال تايمز".
ويتجنب النازحون التوجه إلى الشرق ذي الأغلبية المسيحية، فعلى النقيض من غرب بيروت المزدحم، فإن الشرق أكثر هدوءاً من المعتاد.
وبعيداً عن بيروت، فقد رحبت المجتمعات المسيحية والسنية في شمال البلاد بحذر بالنازحين، لكن الاحتلال الإسرائيلي استهدف قرية أيتو المسيحية الأسبوع الماضي، وأسفر الهجوم عن استشهاد 23 شخصاً معظمهم من النساء والأطفال النازحين.
ونقلت "فايننشال تايمز" عن مدير مركز أبحاث مبادرة السياسة في بيروت، سامي عطا الله، أن الضربة الإسرائيلية هدفها إرسال رسالة: "هذا هو الثمن الذي ستدفعه القرية إذا استضافت النازحين"، الأمر الذي يكشف أهداف إسرائيلية في إثارة الخلافات الداخلية من مدخل التقسيم الطائفي في لبنان.
ففي كل مواجهة أو أزمة داخلية في لبنان يعقبها إعادة ترتيب في جغرافيا القوى السياسية اللبنانية، فهل ستتغير الخارطة الداخلية للبلاد بعد أن تضع الحرب أوزارها؟
اجمالي القراءات
965