البارزاني أراد تحقيق حلم الدولة، فانتهى إلى خسارة الإقليم

اضيف الخبر في يوم الثلاثاء ١٧ - أكتوبر - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: العرب


البارزاني أراد تحقيق حلم الدولة، فانتهى إلى خسارة الإقليم

البارزاني أراد تحقيق حلم الدولة، فانتهى إلى خسارة الإقليم

  • في مدة لم تتجاوز 48 ساعة، أعادت القوات العراقية انتشارها في جميع المناطق التي كانت تتواجد فيها قبل ثلاثة أعوام في محافظة كركوك والمناطق المتنازع عليها (شمالي البلاد) لتستعيد بذلك السيطرة على معظم أنحاء المحافظة ولتوجه الأنظار في الداخل والخارج نحو صراع جديد، فيما الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية تشارف على وضع أوزارها. هذا الصراع يشتت الشمل الذي جمعته الحرب ضد تنظيم داعش، وهو صراع مزدوج الجبهات، من جهة الحكومة المركزية وإقليم كردستان العراق ومن جهة أخرى الأكراد في ما بينهم.

انهيار دولة كردستان قبل أن تولد

إذا كان لا تزال لدى أحدهم أي شكوك حول مآل العقلية الانتهازية التي تحكم فلسفة الأكراد بشكل عام، فعليه أن ينظر إلى الحرب الدائرة اليوم بين أربيل والسليمانية. هذه حرب توزيع الغنائم. الأمر يشبه شقيقين قررا السطو على بيت عليه خلافات مع جار لهم، قبل أن تحكم المحكمة بأحقية أي من الطرفين بملكيته. عند تقسيم البيت يختلف الشقيقان ويقرران رفع السلاح في وجه بعضهما البعض.

لا، هذا ليس تشبيها قاسيا. سلوك حكام إقليم كردستان منذ ظهور داعش واحتلاله للمناطق المتاخمة لحدود الإقليم هو تجسيد عملي لـ”أسطورة” استشراقية ظلت ملتصقة بالأميركيين بحثا عن تفسير لغزو العراق عام 2003. تقول هذه “الأسطورة”، التي كان لقوى إقليمية مصلحة في ترويجها، إن الأميركيين يبحثون في العراق عن ثروات نفطية. إذا كان الأميركيون قد فعلوا ذلك، فماذا نسمي ما يفعله الأكراد في كركوك اليوم؟

الأكراد أثبتوا أن نفعية تعاطيهم مع قضية كركوك لم تبن على أرض صلبة منذ البداية. البيت كان هشا من الداخل.

مشكلة فرع الطالباني مع آل البارزاني ليس في برغماتية إعلان الاستفتاء التي انتهجها مسعود البارزاني. المشكلة الأكبر هي أن برغماتية أربيل جاءت متأخرة.

مسعود البارزاني تصرف في وقت يعتقد فيه أن بغداد في أضعف حالاتها، وأساء تقدير رد فعل الأتراك. لو كان الاستفتاء قد جرى عام 2014، بعد احتلال كركوك، لكنا أمام نتائج مختلفة.

خلاف الأكراد اليوم يمنح بغداد وقتا قبل الانحدار بدورها إلى خلاف داخلي مماثل. إيران والعبادي يعلمان ذلك. استراتيجية التصعيد في مواجهة الأكراد هروب إلى الأمام من قبل معسكر الشيعة لكسب الوقت فقط.

خلاف الأكراد اليوم يمنح بغداد وقتا قبل الانحدار بدورها إلى خلاف داخلي مماثل. إيران والعبادي يعلمان ذلك

قاسم سليماني أدرك أن الحفاظ على تماسك البيت الشيعي في بغداد يتطلب تفجير البيت الكردي في أربيل/السليمانية. هذا يغلق الطريق أمام أي استثمار أميركي لثغرات الجبهة الإيرانية، التي لاحت الخلافات داخلها في اليوم التالي مباشرة لتحرير قضاء الحويجة.

مشكلة العراق في مرحلة ما بعد داعش ستكون النفط. حقيقة أن العراق بلد غني بالنفط ستحدد استراتيجية كل فريق واتجاهاته. الجميع ساهموا في دحر تنظيم داعش، والجميع ينتظرون حصتهم.

النفط هو القاعدة التي بنت إيران عليها مجتمعا مواليا لها في بغداد ومحافظات الجنوب. إيران ليست دولة تتحكم في فوائض مالية تمكنها من الإنفاق على بلد مثل العراق. الحفاظ على تماسك النفوذ الإيراني يحتاج إلى موارد لا توفرها سوى قدرات العراق النفطية.

نظرة الأكراد تشبه كثيرا رؤية إيران. الفرق هو أن أحدا لا يستطيع إنكار حق الأكراد تاريخيا، والظلم الذي تعرضوا له من قبل بغداد، بغض النظر عن شكل الحكم المركزي أو أيديولوجيته.

الأكراد أرادوا استمرار سيطرتهم على كركوك، الغنية بالنفط، لأنهم يرون في هذه المدينة الشريان الإقتصادي القادر على إبقاء أي دولة كردية محتملة على قيد الحياة. بعد قطع الحكومة الاتحادية في بغداد الميزانية عن الإقليم عقب الاستيلاء على كركوك عام 2014، لم يعد ثمة خيار آخر أمام أربيل سوى تعويض هذه الخسائر من “نفط الشمال”، والحفاظ على العلاقات الفريدة مع تركيا بأي ثمن.

“رؤية الحق” التاريخي التي تحرك الأكراد أعادت خلافات التسعينات بينهم، بدلا من أن تقيم دولة. وضع اليد على كركوك وانتهازية إجراء الاستفتاء أضاعا الحق، وتمسك آل البارزاني بالحكم واستعداء تركيا، بددا الرؤية.

اليوم نحن أمام موقف معقد. آل الطالباني، الذين استعانوا بإيران لإنهاء حكم آل البارزاني عام 1996، يكررون السيناريو نفسه اليوم. الفرق الوحيد هو أن صدام حسين لم يعد موجودا كي ينقذ مسعود البارزاني.

إن تُركت الأمور لإيران كي تديرها وفقا لأجندتها فستكون استراتيجية ترامب إزاء إيران، التي أعلن عنها يوم الجمعة الماضي، قد ماتت قبل أن تولد

نعم، ما يحدث اليوم هو خطأ الأميركيين أولا. قصة كركوك كلها هي تجسيد عملي لابتلاء أكبر، منبعه أن أكبر قوة في معادلة المنطقة تتصرف بحماقة. عندما تعرف أن وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون كان يفضل لعبة الانتظار، ولم يتقدم بمخرج للبارزاني إلا يوم 28 سبتمبر الماضي، أي قبل موعد الاستفتاء بيومين فقط، ستتأكد لديك حماقة هذه الإدارة، لكن بشكل مزدوج.

أولا، لو لم يترك الأميركيون البارزاني يتمادى في مسألة الاستفتاء، لكان الوضع مختلفا تماما اليوم. ثانيا، القوات العراقية وميليشيا الحشد الشعبي سيطرتا بالأمس على سنجار. ماذا، سنجار؟ إذن هل مازال متبقيا سوى أن تسيطر بغداد على أربيل، ونعيد مسألة التسعينات من أولها؟

الفرق هنا هو أن توغل القوات العراقية سيكون تحت أعين الأميركيين هذه المرة. صيغة الحكم الذاتي التي فرضها الأميركيون على صدام حسين، وهم على بعد آلاف الأميال، ستنهار وهم على بعد بضعة كيلومترات فقط.

إذا لم تتوقف قوات بغداد عند المعابر مع الإقليم سنكون قد أصبحنا بين يوم وليلة أمام واقع جديد. ستكون انتهازية حلم البارزاني بالخروج من وسط الفوضى بدولة، قد دفعته إلى خسارة الإقليم نفسه الذي من المفترض أن يكون القاعدة لقيام هذه الدولة.

لكي لا ينزلق العراق إلى حرب أهلية جديدة، على القوات العراقية التوقف. إن كانت هي وظيفة أساسية لميليشيات الحشد الشعبي، فليست مهمة الجيش العراقي أن يأخذ طموح إيران إلى أبعد نقطة تستطيع أن تصل إليها دباباته. إقليم كردستان لا يجب أن يتحول إلى ورقة مساومة في الحرب الباردة الدائرة في العراق بين واشنطن وطهران.

لكي لا يحدث ذلك على الولايات المتحدة أن تسد الثغرات في الإقليم. مازال الأميركيون يملكون سلطة إجبار الأكراد مبكرا على الجلوس معا على طاولة التفاوض، كما حدث عام 1998، كي تنزع فتيل اقتتال داخلي يلوح في الأفق.

إن تُركت الأمور لإيران كي تديرها وفقا لأجندتها فستكون استراتيجية ترامب إزاء إيران، التي أعلن عنها يوم الجمعة الماضي، قد ماتت قبل أن تولد. في النهاية، على مسعود البارزاني التخلي بدوره عن حلم الدولة، وعن السلطة أيضا.

اجمالي القراءات 2338
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق