عادل حمودة يكتب : صناعة التجسس فى مصر من مبـــــــــــــــــــــــــارك إلى مرسى !

اضيف الخبر في يوم الأربعاء ١٨ - سبتمبر - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: الفجر


 

■ فضيحة التجسس على مكتب النائب العام ظهرت عندما طالبت إحدى الشركات بسداد ما تبقى من فواتير زراعة الأجهزة ■ مندوب الشركة قال إنهم زرعوا 6 كاميرات بميكروفونات فى مكتب النائب العام والسكرتارية والمكتب الفنى.. والجهات المختصة تعثر على 8 أجهزة ■ مدير المخابرات السابق: الإخوان زرعوا جواسيس فى كل مؤسسات الدولة وحجم الخلايا النائمة كان سرطانيا
 
يغرى لوبى فندق «ريتز كارلتون» بحى «بكيهاد» فى مدينة «أتلانتا» الشخصيات السياسية والصحفية والثرية فى ولاية «جورجيا» بالسهر والسمر.. حيث تعزف سيدة زنجية بدينة البيانو.. فتضفى على المكان مزيداً من المتعة.
 
ذات يوم من شتاء 2007 كان رجل فى السبعين من عمره يجلس بجانب المدفأة التى تنشر دفئها بقطع من الخشب الجاف.. وراحت ابنته تأتى إليه بكأس من النبيذ الأحمر.. وترقب تحكم يده المرتعشة.. خشية تلوث ثيابه الأنيقة.
 
همس «رضوان» الجرسون اليمنى النحيف فى أذنى مشيرا ناحية العجوز: إنه «الحنجرة العميقة».
 
«الحنجرة العميقة» اللقب الذى أطلق على ضابط الأمن الخفى الذى سرب معلومات ومستندات «ووترجيت» للمحقق الصحفى الشاب وقتها بوب وود ورد.. لينشرها فى «واشنطن بوست».. مفجرا الفضيحة السياسية التى أجبرت الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون على الاستقالة فى 30 أبريل 1973.
 
بقى «الحنجرة العميقة» 37 سنة صامتا.. مستترا.. لكنه.. فى ذلك الشتاء كشف عن نفسه.. «مارك فليت».. مدير المباحث الفيدرالية (إف بى آى).. مقابل ثلاثة ملايين دولار.. دفعت شبكة (سى إن إن) نصفها.. بجانب تكاليف الإقامة فى «ريتز كارلتون» الذى يقع على بعد عشرة أميال من مقرها الرئيسى فى أتلانتا.
 
سألته: هل يحق لرجل الأمن أن يخون حكومته بما يقضى عليها ويسحق رئيسها؟
 
أجاب: عندما يكون الرئيس المكلف بحماية الحريات السياسية والشخصية هو الذى ينتهكها فلابد من القضاء عليه.
 
كان نيكسون قد اتهم فى يونيو 1972 بتأجير خمسة رجال لزرع ميكروفونات دقيقة فى مقر اللجنة القومية للحزب الديمقراطى للتنصت عليها.. وبعد إدانتهم فى مارس التالى اعترف أحدهم، وهو جيمس مكورد، بتورط جهات عليا فى القضية.. وكشف عن المبالغ المالية التى تقاضاها هو وزملاؤه من حملة نيكسون.
 
فى الشهر التالى بدأ التحقيق مع رجال الرئيس.. وحصلت المحكمة العليا على 154 ساعة من تسجيلات البيت الأبيض.. فرغتها فى 30 ألف ورقة.. لكن.. الخبراء كشفوا عن مقاطع حذفت من التسجيلات بأمر الرئيس.. فلم يكن أمامه سوى الانسحاب من السلطة.
 
ووترجيت مجمع سكنى وإدارى وفندقى يقع فى قلب واشنطن.. ورغم أن المبنى يبدو قبيحاً من الخارج فإنه كان يجذب الأثرياء والمشاهير للعيش فيه.. ومنهم كونداليزا رايس معلمة جورج بوش الابن ووزيرة خارجيته.. فقد كانت مجنونة بالأحذية التى تشتريها من محلات شهيرة فى المبنى نفسه.
 
■ ■ ■
 
أصبحت كلمة «جيت» تعبيرا عن الفضائح السياسية والأمنية والأخلاقية التى تقع فى أنحاء الدنيا الأربعة.. «إيران جيت».. «مونيكا جيت».. و«أوباما جيت».
 
«أوباما جيت» ملف متخم متعدد الفضائح.. منها التنصت على محررى وكالة أسوشيتد برس لمعرفة كيف تسرب إليهم خبر فشل وكالة المخابرات المركزية فى عملية إرهابية فى اليمن.. ومنها تكليف هيئة الضرائب بممارسة ضغوط على جماعات معارضة لتعيد النظر فى مواقفها.. ومنها كشف صحيفة «جلوب» عن عشيقة قديمة له أثناء منافسته على مقعد سيناتور إلينوى.. اسمها بيفرا باكير.. وعمرها 35 سنة.. وكانت تلقاه من وراء ظهر زوجته أثناء جولاته الانتخابية.. ومنها استخدامه كريمات تبييض البشرة.. متنكرا لجنسه ولونه.
 
وفى سيرة حياته التى كتبها الصحفى ديفيد مارنيس تقول إحدى قريباته: «إنه عندما كان مراهقا يعيش مع زوج أمه فى إندونيسيا تسلق نافذة صغيرة فى الحمام ليتجسس علينا ونحن عاريات نستحم».. وفى السنة الأولى بالجامعة راح وهو مخمور يغازل فتاة أحبها أحد أصدقائه: «الجنس البشرى سيغدو أفضل لو توقف الناس عن ارتداء الملابس».. وهى عبارة لا تصدر إلا عن شخص مستعد للتعرى فى أى مكان.
 
لكن.. آخر وأقوى كلمة «جيت» نسبت إلى أوباما تطوير برنامج سرى يسمى «شارك فينى» ويرمز إليه بشفرة «آر تى 10» نفذته هيئة الأمن القومى لاعتراض والتقاط الاتصالات الهاتفية والرسائل الإلكترونية على مستوى العالم كله وحفظها واستخدامها.
 
كل مكالمات سكان الأرض السياسية والشخصية والجنائية والجنسية مسجلة بهذا البرنامج على كومبيترات أمريكية عملاقة.. خاصة بعد هجمات سبتمبر 2001.. لكن.. هناك أرقاماً وأسماء وأصواتاً بعينها يجرى تتبعها.. ووضع مكالماتها فى خانات محددة.. للسيطرة عليها فى الوقت المناسب.
 
وفى مذكرات رئيس سى آى إيه السابق جورج تنت: إن الوكالة نجحت فى الحصول على مكالمات أسامة بن لادن القديمة والأخيرة.. وعددها 1001 مكالمة.. رصدت تحركاته البدنية من أفغانستان إلى السودان.. ومنها إلى باكستان.
 
وأتاح التطور التكنولوجى تتبع الأشخاص المطلوبين والمراقبين ببصمة الصوت ولو استخدموا فى كل دقيقة خطا تليفونيا مختلفا.. أما فى مصر.. فمازالت التسجيلات بأرقام التليفونات فقط.. فلو استعمل شخص تحت المراقبة تليفوناً آخر نجا من المتابعة.. وفى ظل فوضى بيع الكروت دون تليفونات وهى تصل إلى 85% من مستخدمى التليفونات المحمولة تصبح مهمة الأجهزة الأمنية المختصة صعبة وحرجة.
 
■ ■ ■
 
ويفسر ذلك لماذا كانت رئاسة الجمهورية منذ عصر مبارك لا تستخدم التليفونات اللاسلكية (المحمولة) فى اتصالاتها.. وتفضل التليفونات الأرضية الأكثر أمانا.. كما كانت تستخدم شبكة اتصالات داخلية تقصرها على كبار رجال الدولة.
 
مثلا.. كان فى بيت عمر سليمان أربعة تليفونات داخلية تفتح مباشرة على رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وجهاز مخابراته وبيت الرئيس.. وعندما رحل مبارك وسيطر المشير حسين طنطاوى على الحكم قطعت الحرارة عن التليفونات الأربعة.. فكان ذلك إشارة لنائب الرئيس إلى أن القائد الأعلى للقوات المسلحة قرر أن ينفرد بالسلطة دون شريك.
 
والخطوط الأرضية فى الرئاسة يصعب التنصت عليها إلا بتعليمات من الرئيس نفسه.. وحسب العرف السائد منذ عصر جمال عبدالناصر فإن تليفونات الرئيس والسكرتارية آمنة.. ولكن.. هناك تليفونات توضع تحت المراقبة.. تلك المستخدمة فى الاتصالات الخارجية.. ويتحكم فيها جهاز مستقل.
 
وعانى مبارك من عقدة التنصت على شبكة اتصالاته.. بسبب واقعتين.. حدثتا فى النصف الأول من سنوات حكمه.
 
الواقعة الأولى حدثت فى 7 أكتوبر 1985.. حين اختطف أربعة فلسطينيين بقيادة أبو العباس السفينة أكيلى لاورو داخل المياه الإقليمية المصرية.. عند بورسعيد.. وقتلوا سائحا قعيدا على ظهرها.. وطلب الخاطفون الإفراج عن 50 معتقلا من زملائهم (يتبعون القوة 17) فى إسرائيل.. لكن.. بعد يومين سلم الخاطفون أنفسهم للسلطات المصرية.
 
فى كتاب «الحجاب» يقول بوب وود ورد: إن مبارك كان يكره نظام تأمين الاتصالات الذى أمدته به الولايات المتحدة.. خشية تسجيل مكالماته.. ولكن.. ذلك لم يمنع الجهاز القومى الأمريكى من التنصت على شبكة اتصالات الرئاسة المصرية.
 
فى صباح يوم 10 أكتوبر التقطت مكالمة لمبارك مع وزير خارجيته عصمت عبد المجيد تثبت أن الخاطفين لم يغادروا مصر على خلاف التصريحات الرسمية.. وبعد نصف ساعة وصلت إلى البيت الأبيض رسالة مشفرة بتفاصيل المكالمة.. كشفت عن خروج الخاطفين على متن رحلة خاصة لمصر للطيران ستقلع من مطار ألماظة.. وحددت موعد الإقلاع.
 
فى نفس اليوم قدمت وكالة الأمن القومى نصوص عشر مكالمات التقطت لمبارك وهو يتكلم عن الخطة النهائية لتهريب الخاطفين ومنها عرفت أن الطائرة ستتجه إلى الجزائر لتسليمهم إلى مكتب منظمة التحرير هناك.
 
كانت هذه المكالمات تكفى لأن تجهز واشنطن خطة مضادة.. فأقلعت طائرات إف 14 من قاعدة سجونيلا فى صقلية واعترضت الطائرة المصرية وأجبرتها على الهبوط فى نفس القاعدة.
 
شك مبارك فى وزير الدفاع المشير أبو غزالة أن يكون هو من سرب المعلومات إلى المخابرات المركزية.. لكن.. مبارك تألم أكثر من وصف الرئيس الأمريكى له بالكذب.. فخرج يقول فى أسى: إنه «حزين على تصرف الصديق الأمريكى».
 
أما المرة الثانية التى وقعت تليفونات مبارك فى شباك التنصت فكانت بعد نجاته من الاغتيال فى أديس ابابا.. فبعد أن استقر على متن الطائرة الرئاسية عائدا إلى القاهرة أجرى اتصالا مع ابنه علاء وطلب منه أن يطمئن والدته التى كانت فى تشيكوسلوفاكيا تعالج من متاعب فى العمود الفقرى وإن عادت على الفور فى طائرة خاصة إلى القاهرة.. وقبل أن تهبط طائرة الرئيس كانت إسرائيل قد التقطت كل مكالماته التى أجراها هو ومستشاره السياسى أسامة الباز بواسطة محطة تنصت أقامتها إسرائيل فى إريتريا.
 
■ ■ ■
 
تملك أجهزة التنصت فى مصر عدة جهات.. المخابرات العامة.. المخابرات الحربية.. هيئة الرقابة الإدارية.. وجهاز الأمن الوطنى الذى عرف من قبل بمباحث أمن الدولة.
 
وفى سنوات حكم مبارك الثلاثين قويت شوكة أمن الدولة ومدت بأحدث الأجهزة المتطورة.. وحسب معلومات محررتنا القضائية أميرة ملش فإن هناك إدارة تحتل طابقا كاملا تتولى مهمة التنصت تسمى إدارة «المساعدة الفنية».. تضم 50 ضابطا.. يتبعهم عشرات من المهندسين والفنيين.. بجانب من يجند من العاملين فى شركات الاتصالات المختلفة.
 
ويختار عملاء الأمن فى هذه الشركات بدقة.. ولا تتوقف التحريات عنهم.. وهم يتقاضون مكافآت مجزية من وزارة الداخلية كل ثلاثة شهور.. بخلاف مرتباتهم.. ويأتى إليهم الأمر: «اركب على تليفون فلان».. ولا يهم أن يكون التليفون مفتوحا او مغلقا.. لكن.. ما يزعج المتنصتون أن يكون التليفون قريبا من تليفزيون فى حالة تشغيل.. وعلى عكس الشائع.. كلما كان صوت التليفون نقيا كان ذلك دليلا على خضوعه للمراقبة.. وترسل الأجهزة الحديثة إشارة قفل تؤكد ركوب التليفون.
 
وأغرب ما كشفته أميرة ملش أن حبيب العادلى كان مغرما بمراقبة تليفونات زوجاته.. ربما بحماس أكبر من غيرهن.
 
ولم ينج مبارك ولا عائلته من تسجيل مكالماتهم.. لكن.. الشرائط لم تكن لتخرج من خزانة سرية فى مكتب العادلى.. ولا يسمعها سواه.. ولكن.. تسجيلات وزير الدفاع ورئيس الأركان وقادة الجيش كانت ترسل إلى رئيس الديوان زكريا عزمى.. وقد صنفت فى أربعة ملفات.. شخصية.. مالية.. عسكرية.. وسياسية.
 
فى عدد 22 مايو من «الفجر» خرجت «الفجر» بقصة تسجيلات المشير ورئيس الأركان.. ونشرت صورة لطنطاوى وهو يصافح الرجل الذى يسجل له مكالماته.. اللواء مرتضى إبراهيم.. وبعد ساعات أجبر الرجل على ترك إدارة المساعدة الفنية.. وتولى إدارة التخطيط فى الداخلية.. وبعد أسبوع سمعت من وزير الداخلية اللواء منصور عيسوى: «إن إبراهيم بلدياتى من اسنا وكان يؤدى عمله بشرف».
 
وحسب ما عرفت أميرة ملش من ضابط أمن دولة سابق فإن الجهاز استورد عام 2005 نوعا جديدا من الكاميرات متناهية الصغر.. سميت «الترمسة».. ثمنها 55 ألف دولار.. شفافة اللون.. تلصق على الزجاج.. ويمكن تركيبها على حامل يرفعها 20 مترا.. لتصل إلى مستوى الطابق السادس.. ويتحكم فيها عن بعد فنى متخصص يجلس فى سيارة نصف نقل.
 
«الترمسة» لها قدرة عالية على الرصد الحرارى فتتحرك فى اتجاه حرارة البشر ولو تواروا خلف ستار.. ويمكنها تتبع أى كائن حى يتحرك فى دائرة قطرها 400 متر.. وتصوره بوضوح.. ولكنها.. تحتاج إلى سيارة دعم فنى لا تبعد عنها أكثر من 200 متر.. لاستقبال الصورة بخاصية البلوتوث.
 
■ ■ ■
 
بعد اقتحام مقار أمن الدولة بتسهيل من القوات المسلحة دخلت مجموعة من العسكريين على رأسهم قائد الشرطة العسكرية حمدى بدين إلى المقر الرئيسى للجهاز فى مدينة نصر بحثا عن الملفات والتسجيلات التى تخص قادتهم.. وتصوروا أن الملفات التى تحمل حرف (ج) تعنى كلمة (الجيش).. وكانت فى الحقيقة تعنى كلمة (جزء).
 
وترتب على الاقتحام المتعمد أمام كاميرات التليفزيون انهيار الجهاز.. وتسريح ضباطه الكبار المتخصصين فى ملفات التنظيمات الدينية المتطرفة.. على رأسها جماعة الإخوان التى زادت بعد حكمها من إضعاف الجهاز بعد أن رفض من فيه الاستجابة لمطالب مكتب الإرشاد غير القانونية.. منها القبض والاعتقال والاستجواب والتنصت على المعارضين وتلفيق الفضائح الجنسية لهم.. واكتفى الجهاز بدوره الأساسى وهو رفع تقارير المعلومات إلى الرئاسة بعيدا عن المؤامرات التى طلب منه تدبيرها.
 
لم يتردد مكتب الإرشاد فى خلق جهاز بديل للمراقبة والتنصت.. فاستورد معدات إسرائيلية من وكيل قبرصى.. ووصلت الشحنة مطار القاهرة ليفاجأ بها مراقبو الجمارك.. فاتصلوا بوزير المالية ممتاز السعيد يسألونه ما الذى يفعلونه بتلك الأجهزة «الغامضة».. فأمر بالإفراج عنها.. وإرسالها إلى رئاسة الجمهورية.
 
وحسب ما عرفت مؤخرا من اللواء رأفت شحاتة المدير السابق للمخابرات العامة والمستشار الأمنى الحالى للرئيس فإن الجماعة استوردت أجهزة من تركيا والصين.. بجانب إرسال بعثات للتدريب على أعمال المخابرات من شباب الإخوان إلى الدوحة وأنقرة.. وإرسال بعثة ثالثة إلى برلين للتدريب على تفكيك الأجهزة الأمنية لتسييل خبراتها.. وإضعاف سيطرتها.
 
وتعد المخابرات الألمانية من أقوى الأجهزة الأمنية الخفية فى العالم.. وفى وقت مبكر من خريف 2010 تنبأت بسقوط مبارك.. وعادة ما تسرب أخبارها وأسرارها إلى وسائل إعلامها.. ومؤخرا سمعت من صحفيين فيها يزورون القاهرة أن هناك احتمالا بانشقاق بعض سفراء مصريين فى الخارج عن حكومتهم الحالية والانضمام لجبهة معارضة يجرى تكوينها.. وهو أمر يحتاج مراجعة من وزارة الخارجية وغيرها.
 
وإثباتا لقوة المخابرات الألمانية قدمت المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل معلومات تلقتها منها إلى محمد مرسى خلال زيارته الرسمية التى جرت إلى برلين فى الشتاء الماضى.. تلخصت هذه المعلومات فى قيام التنظيمات الإرهابية فى سيناء بعمليات فى القاهرة.. ونصحته بنقل المعلومات إلى أجهزته السيادية كى تأخذ حذرها.. لكنه.. اتصل على الفور بقادة هذه التنظيمات وحذرهم من كشف مخططاتهم.. دون أن يدرك أن مكالماته تحت التنصت.. فما كان من ميركل إلا أن قصرت الزيارة من يومين إلى ساعتين.. مدركة أنها أمام رئيس لا يعرف ما يفعل.. وغير أمين على أمن بلاده.. بل أكثر من ذلك دفعت الرئيس الفرنسى فرانسوا اولاند إلى إلغاء زيارة مرسى إلى بلاده.. وما يثير الدهشة أن كل ما شغل الوفد المرافق لمرسى كان التهرب من دفع تكاليف الليلة الأولى فى الفنادق التى حجزوها.. وقيمتها 350 ألف يورو.. بدعوى أنهم لم يستعملوا غرفهم.. لكن.. محاولاتهم فشلت.. فالعرف جرى أن تدفع قيمة الليلة الأولى ولو جرى إلغاء الحجز.
 
■ ■ ■
 
وكان لافتاً للنظر أن زوار وضيوف الأجهزة الأمنية كان يطلب منهم إبعاد تليفوناتهم لمسافة لا تقل عن خمسين مترا ولو كانوا فى مبان تتبع هذه الأجهزة.. مما يعنى أنها كانت عرضة للتنصت على من فيها.. فى عقر دارهم.
 
وفى الوقت نفسه جرى التخلص من قيادات أمنية محترفة وصل عددها إلى رُبع عدد ضباط العمليات فيها.. وكانت الحجة أنهم عُينوا بتوصيات وترشيحات من رجال مبارك.. أما الهدف الحقيقى فكان تصفية الكفاءات أولاً بأول.
 
وحاولت الجماعة اختراق الشركات التجارية التى تعتقد أنها تتبع المخابرات العامة.. وهذه الشركات أسست منذ الستينيات بقرض قدمه الجهاز لها سددته بفوائده بعد فترة من الزمن وراحت بعد ذلك تقدم تبرعا سنويا له.. ويساهم التبرع فى مساندة ميزانية الجهاز المراقب من المحاسبات خاصة أن الميزانية لم تزد طوال الخمس عشرة سنة الأخيرة من حكم مبارك.
 
وحدث أن طلب جمال مبارك استضافة منتدى الاقتصاد العالمى (ديفوس) فى شرم الشيخ فأمر مبارك حسين سالم ببناء قاعة مؤتمرات على أرض يملكها.. ووافق الرجل وإن اشترط إقامة فندق بجانب القاعة.. وفى الوقت نفسه طلب الملك عبد الله عندما كان وليا للعهد بناء قاعة أخرى تعقد فيها مؤتمرات القمة العربية بعيدا عن ليبيا.. واتفق على أن تدفع السعودية ثمن قاعة حسين سالم على أن تؤول ملكيتها للمخابرات.. وقامت المخابرات فيما بعد بتأجيرها إلى حسين سالم مقابل عشرة ملايين جنيه سنويا.. أضيفت إلى إيرادات الجهاز.
 
لكن.. ما إن بدأ مرسى فى التفتيش وراء الجهاز حتى طلب إلغاء شركة الإدارة.. مارتيم.. والتعاقد مع شركة ريكسوس التركية التى اشترت فى شرم الشيخ 25 فندقا بأسعار بخسة مستغلة أزمة السياحة.. والشركة أسست عام 2000 وتملك 22 فندقا فى تركيا وشرق أوروبا وليبيا.. ويساندها أردوغان رغم أنها من أشهر شركات غسيل الأموال فى العالم.
 
على أن الصدام الأكبر بين الجماعة والأجهزة الأمنية المختلفة وصل إلى ذروته عندما رفضت هذه الأجهزة القبض على المعارضين للإخوان من الإعلاميين والسياسيين.. فانتقل التهديد إلى قادة المخابرات أنفسهم.. وهددوا بالاعتقال.. فكان أن قال وزير الدفاع عبد الفتاح السيسى بأن من سيقترب من مبنى المخابرات سأضربه بصاروخ.
 
■ ■ ■
 
لجأت الجماعة إلى الرقابة الإدارية لتجرى تغييرا جذريا فيها.. فتخلصت من رئيسها اللواء محمد التهامى ليخرج الرجل من مكتبه رافضا ما يتمتع به سلفه بعد نهاية خدمته من مميزات.. منها آخر سيارة رسمية كان يستخدمها.
 
كان التهامى رئيسا للمخابرات الحربية وقت أن كان السيسى واحدا من ضباطه ومساعديه.. وعندما ترك التهامى الرقابة سيرا على الأقدام.. تدخل السيسى وقدم إليه سيارة لم يستعملها كثيرا.
 
وفيما بعد اختير التهامى رئيسا للمخابرات العامة وهو الترشيح السابق الذى حاول به طنطاوى إقناع مبارك بعد أن أصبح عمر سليمان نائبا للرئيس.. لكن.. سليمان كان متحمسا أكثر للواء مراد موافى.. ونجح فى أن يصل به إلى المنصب.. وإن كان موافى قد عانى كثيرا عندما أصبح طنطاوى فى مكان ومكانة رئيس الدولة فى الفترة الانتقالية التى أعقبت رحيل مبارك.
 
وراهنت الجماعة على أحد ضباط الرقابة الإدارية وهو بدوى حمودة ليلعب دور حصان طروادة.. فاستغل أجهزة الهيئة التى تراقب الفاسدين فى متابعة المعارضين.. وتملك الهيئة أجهزة حديثة منها كاميرات حرارية يمكنها تصوير الأشخاص بعد تركهم أماكن كانوا فيها.
 
تولى بدوى حمودة منصب نائب رئيس الهيئة تمهيداً للقفز على منصب الرئيس بعد أن فتح أبوابها لمحمد البلتاجى ونفذ كل ما يأمره به.. ولكن.. بعد التخلص من مرسى فى 3 يوليو أوقف بدوى حمودة عن العمل.. فى انتظار قرار جمهورى بإقالته.. ولكن.. لم يفكر أحد فى إحالته إلى النيابة العامة بتهمة انتهاك الحرية الخاصة والتنصت دون إذن على شخصيات لا تخضع لمهام الهيئة.. بجانب استغلال نفوذه فى استخدام معدات حكومية فى غير المجال الذى اشتريت من أجله.. وهى جرائم لا تسقط بالتقادم.
 
■ ■ ■
 
وضعت أجهزة التنصت التى استوردها الإخوان فى الدور الثالث من مقر مكتب الإرشاد فى المقطم وفى الدور الثانى من المقر التبادلى لمكتب الإرشاد فى مدينة نصر.
 
وهنا يثور السؤال: كيف استخدمت الجماعة تلك الأجهزة بحرية وجرأة دون تدخل من المؤسسات الأمنية المسئولة؟
 
وعندما طرحت السؤال على أحد المسئولين فى هذه المؤسسات أجاب ببساطة: «لم يكن بيننا وبين الإخوان شىء من الثقة.. لا أحد منهم كان يطيق وجودنا.. فلم نشأ التدخل كى لا يأخذوا إجراء أكثر حماقة مما فعلوا.. لكننا.. كنا نضعهم تحت المراقبة الكاملة.. وقدمنا للجهات القضائية المسئولة أدلة دامغة على خيانتهم للبلد».
 
وأضاف مسئول آخر: إن هناك مسئولية تقع على وزير الاتصالات.. فهو الذى يمنح الترددات التى تحتاجها الأجهزة.. بحيث لا تتداخل مع بعضها البعض.. فهناك تردد لكل جهة أمنية أو رقابية.. يترك لها.. وحدها.. ولو أضيف تردد لجهة أخرى فهى الوحيدة التى تعرفه.
 
يضاف إلى ذلك مسئولية وزير المالية الذى سمح للجمارك التى تتبعه بدخول هذه الأجهزة الممنوعة إلا بموافقة الجهات السيادية.. لكنه تجاهل ذلك.. وتصرف على مسئوليته.. وعليه الآن أن يكشف حجم التجاوز فى دخول هذه الأجهزة.. ولصالح من دخلت؟
 
أكثر من هذا كانت هناك شركات تهرب هذه الأجهزة وتبيعها خلسة.. وبعضها شركات إخوانية عملت بحرية فى السنة الماضية.
 
■ ■ ■
 
بدأت فضيحة وضع أجهزة تنصت وكاميرات فى مكتب النائب العام من إحدى هذه الشركات التى ذهبت إلى المكتب الفنى وطلبت سداد ما تبقى لها من فواتير ثمنا للأجهزة التى زرعتها.. وأسقط فى يد المستشار عادل السعيد مدير المكتب الفنى.. فلم يكن يعلم شيئا عن هذه الأجهزة.
 
وكان النائب العام هشام بركات قد لاحظ وجود زر أحمر فى مكتبه لم يعرف ما هى وظيفته.. فكلما ضغط عليه لا يجد شيئا واضحا أمامه.
 
قال مندوب الشركة إنهم زرعوا 6 كاميرات بميكروفوناتها فى مكتب النائب ومكتب السكرتارية والمكتب الفنى.. ولكن.. عندما استدعيت الجهات المختصة بفحص المكاتب وجدت أن العدد يقفز إلى ثمانية.
 
واعترف مسئولو الشركة بأن المستشار أيمن الوردانى المحامى العام السابق لنيابات طنطا هو الذى أوصلهم إلى مكتب النائب العام السابق المستشار طلعت عبد الله.
 
وحسب ما ينتهى إليه قاضى التحقيق الذى انتدبه المجلس الأعلى للقضاء مع المستشارين ستتكيف التهمة.. ستكون تخابراً لو كانت معدات التنصت تنقل ما يجرى فى مكتب النائب العام إلى خارج البلاد.. وستكون تسجيلا بدون إذن لو كان ما يجرى ينقل إلى خارج دار القضاء العالى، إلى مكتب الإرشاد مثلا.
 
وأغلب الظن أن ما حدث فى مكتب النائب العام حدث فى أماكن أخرى متعددة ومتنوعة.. منها قصر الاتحادية.. والمحكمة الدستورية العليا.. ومحكمة النقض.. وربما يفسر ذلك ما كانت الجماعة تعرفه مسبقاً من قرارات ستصدر فى جهات رسمية.. وكانت تتصرف على أساس ما يصل إليها من معلومات.
 
وسألت رأفت شحاتة: ألم تكن هناك طريقة لإيقاف مثل هذه التجاوزات الإخوانية غير القانونية؟
 
جاءت إجابته بعيدا عما هو متوقع قائلا: إن الجماعة لم تكن فى حاجة لزرع ميكروفونات فى جهات حكومية وسياسية وأمنية مختلفة ورغم أنها استوردت الكثير منها وحاولت أن تسيطر بها على ما يحدث فإنها فى الواقع لم تكن تملك الخبرات الفنية الكافية.. كما أن الأخطر أنها كانت تعتمد على العناصر البشرية الموجودة فى كل مكان.. كانت هذه العناصر تنقل إليها كل ما يجرى.. وربما كان تسجيلاً لنفس ما تراه وما تسمعه.
 
وأضاف: لقد كان حجم الخلايا الإخوانية النائمة حجما سرطانيا.. لم نعرفه.. ولم نشعر به.. ولم ينكشف أمامنا إلا بعد أن وصلت الجماعة إلى الحكم.. فوجئنا بشخصيات لا يشك فيها إنها جزء من التنظيم أو على الأقل متعاطفة معه.
 
تأكيدا لهذا الكلام.. نجح الإخوان فى سنوات مبارك الأخيرة فى أن يزرعوا 500 عضو فى الحزب الوطنى بعضهم وصل إلى مناصب قيادية فرعية.. وكانت أمانة تنظيم الحزب تكاد تصاب بالجنون من تسريب المعلومات الداخلية والسرية إلى الإخوان.
 
إن أجهزة الكشف عن معدات التنصت وحدها لا تكفى.. نحن نحتاج إلى أجهزة أهم.. أجهزة الكشف عن الخلايا التى لا تزال نائمة.. أو عادت إلى النوم من جديد.. ما تحت السطح لا يزال أخطر بكثير مما ظهر فوقه.
 
طنطاوى يصافح مرتضى إبراهيم المسئول عن التنصت فى وزارة الداخلية
 
■ مكتب الإرشاد أنشأ جهازاً بديلاً للتنصت.. واستورد معدات إسرائيلية أمرت الرئاسة بالإفراج عنها من جمارك المطار دون تفتيشها ■ الجماعة استوردت أجهزة من تركيا والصين وأرسلت بعثات للتدريب على أعمال المخابرات إلى الدوحة وأنقرة ■ المخابرات الألمانية: هناك احتمال بانشقاق سفراء مصريين فى الخارج والانضمام لجبهة موالية للإخوان ■ ميركل تخبر مرسى بقيام تنظيمات إرهابية بنقل عملياتها إلى القاهرة.. فاتصل بقادة التنظيمات وحذرهم من كشف مخططهم


 
اجمالي القراءات 3196
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق