«حرب الرغيف» تتصاعد.. و«المصرى اليوم» ترصدها ساعة بساعة
كتب منار خاطر ومحمد طلعت الهواري ٢٥/٣/٢٠٠٨
تصوير - حافظ دياب
طوابير طويلة من النساء والرجال وقفوا من الصباح الباكر حول أحد أكشاك توزيع الخبز في قرية «طحا» بالقليوبية
في الوقت الذي واصلت فيه أزمة الخبز تصاعدها في جميع المحافظات، قرر الدكتور عبدالعظيم وزير، محافظ القاهرة، اعتبار العاملين بشركة مخابز القاهرة الكبري بجميع وظائفهم ودرجاتهم، في حكم الموظفين العامين، الذين ورد ذكرهم في المادة ١١٩ مكرر من قانون العقوبات، وبذلك يكون عمال المخابز وأصحابها مهددين بالحبس، ما لا يزيد علي ٣ سنوات، وبالسجن من ٣ إلي ١٥ عاماً في حالة إخلالهم بتوزيع الخبز، باعتباره «سلعة متصلة بقوت الشعب واحتياجاته».
وشدد المحافظ علي ضرورة التزام جهات الرقابة والضبط في أي حلقة من حلقات توريد أو إنتاج أو توزيع أو نقل أو بيع الخبز المدعم.
من جهة أخري، تواصلت معارك الخبز في المحافظات، واستمرت أزمة الطوابير أمام المخابز ومنافذ التوزيع، والمشاحنات بين المواطنين وأصحاب المخابز والعاملين فيها.. وبين المواطنين وبعضهم البعض.
وعاشت «المصري اليوم» ٣ ساعات كاملة في ٤ قري بمحافظة القليوبية، بدأت من الساعة السادسة والنصف صباحاً أمام أحد أكشاك توزيع الخبز بقرية «كفر طحا»، التابعة لمركز شبين القناطر، وانتهت في التاسعة والنصف في قرية كفر شبين، مروراً بقريتي «طحا» و«طحانوب».
ورصدت «المصري اليوم» بالصور، طوابير الخبز في تلك القري، وحجم المعاناة التي يلاقيها المواطن من أجل الحصول عليه، واستمعت إلي مواطنين بسطاء، أقصي أملهم كل صباح، توفير «رغيف العيش»، يدفعون لأجله من كرامتهم ووقتهم وصحتهم ولايزال عزيزاً رغم هذا الثمن.
حــرب العــــــــيش«المصرى اليوم» ترصد رحلة مواطني ٤ قري للوصول إلي الخبز.. والمعركة مستمرة
تحقيق محمد طلعت الهواري ٢٥/٣/٢٠٠٨
تصوير- حافظ دياب
وكأنه سيناريو لفيلم تسجيلي شديد الواقعية، رصدت «المصري اليوم»، رحلة أوقل - إن شئت - معركة الحصول علي رغيف العيش، تلك المعركة التي يخوضها غالبية الشعب المصري كل صباح. وجدت «المصري اليوم» في قري صغيرة بالقليوبية نموذجًا هو أقرب للتعميم، وأجدر بالتفكير في هذا المواطن «الشقيان» في البحث عن ثمن الرغيف، والشقيان أكثر في البحث عن الرغيف ذاته.
(١) «كفر طحا»
الساعة ٦:٣٠ صباحًا
من داخل أحد أكشاك توزيع الخبز بقرية «كفر طحا»، إحدي قري مركز شبين القناطر بمحافظة القليوبية، أخرج الموزع كيس خبز عبر نافذة الكشك الصغيرة، لتلتقطها خمسة أو ستة أياد، وبعد صراع طويل وشد وجذب وصراخ، استطاعت إحدي السيدات الواقفات أمام الكشك الانفراد بالكيس وبه ثمانية «أرغفة خبز». التقينا سيد مختار أحد أهالي القرية وقال: «وفي أعقاب صلاة الفجر، يبدأ الرجال والنساء والأطفال رحلتهم، وحجز أماكنهم في «طوابير العيش»، نبدأ الوقوف أمام الأكشاك والمخابز، في انتظار شراء الخبز، ومع الزحام الشديد، تكثر المشاحنات بين النساء وبعضهن، وبين الرجال وبعضهم، ويصل الأمر لدرجة تبادل السباب والشتائم، وقد يتعدي ذلك إلي الاشتباك بالأيدي و«المشنات».
(٢) «طحا»
الساعة ٧ صباحًا
طوابير ممتدة من الرجال والأطفال، والنساء يحملن «المشنات»، وبمجرد أن يفتح الكشك نوافذه، تتداخل كتل البشر، ويبدأ التدافع، يمكنك رؤية الغبار المتصاعد في الهواء من بعد، كما لو كانت معركة حربية تجري أمام «الكشك الخشبي الأصفر»، ويعطيك صراخ النساء وصياح الرجال وبكاء الأطفال صورة أشمل، تدعم هذا الشعور لديك.
(٣) «طحا»
الساعة ٧:٣٠ صباحًا
من بين كتل البشر المتلاحمة، خرجت «سنية محمود» وهي تحتضن كيس الخبز كطفل صغير تخشي عليه من الذئاب قائلة: يا ساتر يارب كل ده علشان كام رغيف «الكلاب تهرب منهم»، في حين خرج طفل صغير من بين أرجل الحشود الواقفة أمام الكشك، حاملاً في يده كيس الخبز، وارتسمت علي وجهه علامات الانتصار،لا أن «حسنة السيد»، وقفت حاملة طفلتها الرضيعة، وفي يدها ابنها الصغير، بعد أن فشلت في اختراق الحشود للوصول إلي الكشك، وقالت: «أولادي يتامي، وكل يوم أحاول أجيب لهم عيش، ومش بعرف من الزحمة والضرب والبهدلة»، وانسحبت من معركة الخبز باكية وهي تردد «لاحول ولا قوة إلا بالله».
(٤) «طحانوب»
الساعة ٨ صباحًا
كانت الساعة الثامنة صباحًا عندما صاح أحد أهالي قرية «طحانوب» مؤكدًا أن الخبز متوفر في كشك المخبز المجاور لـ«ترعة الشرقاوية»، حينها ركض الأهالي باتجاه الكشك، وبدأ التدافع والزحام والمشاجرات المصحوبة بالصياح والصراخ، تبادلت النساء الشتائم، وتعدي بعضهن علي بعض بالضرب، كادت حشود الرجال والنساء تدهس الأطفال الصغار والعجائز، وبحلول الثامنة والنصف، بدأ الخبز ينفد من الكشك، في الوقت الذي استمرت فيه الحشود تتوافد علي الكشك، وازداد الصراع ضراوة،
ومن شدة التدافع علي الكشك المطل علي ترعة الشرقاوية، كاد الكشك يسقط بمن داخله في الترعة، لولا تدخل رجال القرية. أخذ الرجال يدفعون الكشك في الاتجاه المعاكس، وظل موزع الخبز محبوسًا بين نساء وأطفال يتقاتلون للحصول علي الخبز، وبين رجال يدفعونه من الخلف قبل أن يسقط في الترعة، واضطر صاحب المخبز إلي ضرب الحشود بعصا لتفريقهم من أمام الكشك، ثم فتح بابه الخلفي، وأخذ يبيع الخبز بعيدًا عن أنظار الحشود الواقفة أمام الكشك.
(٥) «كفر شبين»
الساعة ٨،٣٠ صباحًا
«علي الرغم من حصول المخبز علي ثمانية أجولة من الدقيق المدعم، فإن أصحاب المخابز يستخدمون ثلاثة أو أربعة أجولة فقط، ويبيعون باقي الأجولة في السوق السوداء»، كما يقول خالد عبدالعليم، أحد أهالي كفر شبين، ويضيف علي الرغم من أن عدد المخابز في القرية نصف عدد مخابز قرية كفر طحا، وطحانوب، و«طحا»، إلا أن إنتاجها لا يكفي، ويقوم بعضها باستغلال الظروف، وطرح خبز بسعر ٢٠ قرشًا للرغيف.
ومع نفاد الخبز من الأكشاك، وبعيدًا عن المشاجرات و«قلة القيمة»، قررت «أم محمود» وغيرها من نساء القرية، خبز «العيش البلدي»، في الفرن البلدي، وتكثرن منه، حيث يشتري الخبز بعض أصحال محال «الفول والطعمية» ويبيعون «الساندوتش بـ«٧٥ قرشًا»، بعد أن كان سعره «٢٥ و٣٥ قرشًا»، «يعني اللي بناخده من أصحاب المحال باليمين، بياخدوه مننا بالشمال»، وأكتر شوية «كما تقول زينب سرور».
(٦) كفر شبين
الساعة ٩ صباحًا
اختفي الخبز من الأكشاك، وانطلق أهالي قري مركز «شبين القناطر» إلي أعمالهم، منهم من ذهب إلي عمله في إحدي المصالح الحكومية، أو أحد المصانع، أو إلي أرضه، إلا أنهم كانوا مهمومين، فإذا صبر أبناؤهم علي عدم تناول وجبة الإفطار الأساسية للغاية بالنسبة لهم، لن يصبروا علي وجبتي الغداء والعشاء، وسيخرج والدهم أو والدتهم في الفجر لحجز مكان في «طابور العيش»، ولا يعلم، هل سيتلقي ضربًا مبرحًا، أم يتعرض للسب، أم تحصل علي الغنيمة «كيس عيش وبه ثمانية أرغفة».
اجمالي القراءات
3867