كمال رمزي يكتب:خميس والبقرى.. الفيلم الغائب
سواء قبل أو بعد إعدام «ساكو وفانزيتى» ارتفعت أصوات تطالب بتبرئتهما، ورفضت السلطات الأمريكية إعادة المحاكمة. لكن فاعلية قوة المثقفين، والفنانين، والمجتمع المدنى، لم تتوقف عن إدانة كل من تواطأ فى الجريمة. وبعد نصف قرن من العمل الدءوب، عقب إعدام المهاجرين الإيطاليين، اضطر حاكم ولاية ماساتشوستس عام 1977 إلى الإعلان فى تصريح رسمى أن «ساكو وفانزيتى» بريئان.. ومع هذا واصلت السينما، خاصة التسجيلية، كشفها للمزيد من الحقائق، سياسيا وإنسانيا، حول وعن الشهيدين.
فى مصر، برغم عشرات المفارقات والدروس المتعقلة بإعدام «خميس والبقرى» 1952، فإن الشرفاء بيننا لم يلتفتوا بما فيه الكفاية، لقصتهما الفاجعة. صحيح حاولت أسرة «خميس»، عن طريق المحامى محمد شوكت التونى، عام 1977، إعادة فتح التحقيق فى الجريمة، بلا فائدة.. ثم تكررت المحاولة عام 1990، بواسطة المحامى النبيل، نبيل الهلالى، من دون جدوى. وربما يصبح هذا الفشل دافعا لمبدعى السينما كى ينصفوا الشهيدين، سواء روائيا أو تسجيليا، خاصة أن الشذرات المكتوبة عنهما، تثير اهتمام من يتأملها. وتقدم مادة «درامية» بالغة الثراء، لكل من يطلع عليها.
المفارقة الأولى فى هذا الشأن تتمثل فى تلك الإشادة الممتزجة بالشعور بالذنب، عند معظم المشاركين فى الحكم الظالم على المغدورين، فها هو الرئيس الأسبق محمد نجيب يكتب عن «خميس» فى «كلمتى للتاريخ» دخل على ثابتا رافع الرأس.. وعندما رجوته أن يذكر لى ما إذا كان قد حرضه أحد لأجد مبررا لتخفيف الحكم عليه أجاب فى شجاعة بأنه لا هيئة ولا أحد من الممكن أن يفرض عليه ما يفعله.. كان صاحب مبدأ لم يخنه حتى فى الفرصة الأخيرة لنجاته. وخرج مصطفى خميس من مكتبى وقد أثقل الحزن قلبى بعد أن صدقت على الحكم والواضح أن مصطفى خميس، العامل، الفلاح أصلا، من فصيلة «زهران» بطل دنشواى، و«ياسين» بطل بهوت، و«محمد أبوسويلم» بطل «الأرض»، فالحاكم العسكرى لمنطقة إسكندرية ودمنهور البكباشى عاطف نصار، يعترف فى مقابلته التى أجراها معه صلاح عيسى ووردت فى «شخصيات لها العجب» أبديت استعدادى لإعطائه جميع الضمانات لتبرئته إذا ما اعترف باسم من حرضه.. ولكنه أصر على أنه لا يوجد من دفعه إلى ما قام به وقد أعجبت بشخصيته وبصلابته.. أما رئيس المحكمة التى أصدرت الحكم، عبدالمنعم أمين، فإنه يعلن أكثر من مرة: «ظللت بعد تنفيذ الإعدام ــ 15 يوما ــ لا أنام. وإذا نمت أصحو من النوم مفزوعا».
أما عن وقائع ما جرى، فإنها تكاد تجمع على قيام عمال شركة مصر للغزل والنسيج فى كفر الدوار بمظاهرة احتجاج من أجل تحسين معيشتهم خلال يومى 12، 13 أغسطس، وعندما سرت إشاعة قدوم محمد نجيب إلى المدينة، خرج العمال لاستقباله، وانطلقت رصاصة مريبة المصدر لتصيب أحد العساكر. وحينها، فتحت أبواب الجحيم، وتوالت أحداث تحتاج لمن يحققها، ويقدمها فنيا.. ومن محطاتها، قيادة العاملين إلى حبلى المشنقة: البقرى وخميس الذى صاح قائلا «أنا برىء ومظلوم. أريد إعادة محاكمته».. وهذا ما يجب أن يحققه الفيلم الغائب.
اجمالي القراءات
2439