أطفال العراق ذوو البشرة السمراء ضحايا التنمر المدرسي

اضيف الخبر في يوم الجمعة ١٢ - ديسمبر - ٢٠٢٥ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: العربى الجديد


أطفال العراق ذوو البشرة السمراء ضحايا التنمر المدرسي

يعتبر العراق من أبرز الدول الغنية بالتنوع العرقي، لكن ظواهر عنصرية، من بينها التنمر بين الأطفال والشبان، باتت تقلق أفراد المجتمع.

يتجذّر التنمّر في مدارس العراق، في وقت لا تتخذ وزارة التربية أي معالجات اجتماعية أو إدارية. ويتأثر به بشكل أكبر الأطفال أصحاب البشرة الداكنة الذين يستمرّون في مواجهته حتى على مستوى الوظيفة لاحقاً. وليست معاناتهم مجرد شكاوى فردية، بل ظاهرة اجتماعية ذات جذور تاريخية وثقافية، إذ يتوزع أصحاب البشرة الداكنة في عموم المناطق، خصوصاً في المدن الجنوبية، وتحديداً البصرة، ويبدو أن صعوبة الحصول على فرص عمل هي أبرز ما يواجه من يتعرضون للتنمر، ويشمل ذلك القطاعين العام أو الخاص، رغم أن العراق اتخذ خطوات رسمية للتمسك بمبادئ المساواة، وصادق عام 1970 على الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري التي تتضمن أحكاماً تؤكد حقوق العيش الكريم للأقليات العرقية.

تقول منى (17 سنة) من مدينة البصرة، لـ"العربي الجديد": "أذهب كل صباح إلى المدرسة في قلق لأنّ بعض زميلاتي يقلن إن بشرتي داكنة جداً، ويصفنني بكلمات مثل سودة، أو أسمر أسمر، أو كاكاو". هذه التعليقات تسبّبت لمنى في حرج كبير أمام زميلاتها، وجعلتها ترفض الذهاب إلى المدرسة، خصوصاً أن المرشدة التربوية لا تفعل شيئاً سوى توبيخ البنات، في حين أن التوعية بآثار التنمّر العنصري أو تقييم لون البشرة مفقودة تقريباً.

وهذه أيضاً حال حوراء (19 سنة) التي عانت في المدرسة من موضوع لون البشرة، وتوضح أن أخواتها وبنات عماتها اللواتي كنّ بعمر قريب منها ومكثن في الدار نفسها لم تكن بشرتهن غامقة بالدرجة نفسها، بل أفتح بكثير وحتى بيضاء، وتقول لـ"العربي الجديد": "لم أستطع التخلص من التنمر حتى اليوم. عندما كنت صغيرة كانوا ينادونني بسودة، وكنت أرى أن الاهتمام ببنات عماتي يختلف تماماً. لم أرغب في الذهاب إلى المدرسة، ثم أصبحت أدرس في البيت فقط. وحالياً تجاوز عمري مرحلة المدرسة، وكان يفترض أن أكون في الجامعة، لكن التنمّر أثّر في نفسيتي ودراستي".من جهتها، تؤكّد الإعلامية رندا عبد العزيز (30 سنة) أنها لم تواجه مشكلة في الحصول على عمل بسبب لون بشرتها، وتقول لـ"العربي الجديد": "لم يكن لون بشرتي عائقاً أمام حصولي على عمل في مجال الإعلام، رغم أنه مجال يصعب أن تخوضه نساء أخريات". تضيف: "التمييز الذي يواجهه أصحاب البشرة السمراء يصادفهم مع فئة من المجتمع وليس كله، وهو صفة موجودة في كل الجماعات، ولا يقتصر على جماعة معينة. نصيحتي للجميع ألا يجعلوا لون البشرة عائقاً أو حاجزاً أمامهم. صحيح أننا في زمن يبحث فيه الناس عن الشكل، لكن شركات ومجالات عمل كثيرة تريد المضمون أكثر من الشكل، مع الحفاظ على النظافة والترتيب والأناقة".

من جهتها، تقول أستاذة علم الاجتماع في جامعة بغداد، أسماء جميل رشيد لـ"العربي الجديد": "ما نراه هو أحد أشكال التمييز على أساس لون البشرة، وهو ليس تمييزاً بين الأعراق فقط، بل في داخل المجتمعات ذاتها. وفي العراق يتجذر هذا التمييز في الموروثات التاريخية والخطاب اليومي. ترتبط البشرة الداكنة في وعي بعض الناس بالفقر، أو بدرجة أدنى من المواطنة، ويؤثر ذلك على نفسيات الفتيات ويضعف ثقتهن بأنفسهن، وقد يدفع بعضهن إلى مغادرة التعليم أو تقليل طموحاتهن". وترى أن "غياب قوانين واضحة لحماية الأشخاص من التمييز بناءً على لون البشرة يُفاقم المشكلة، والتعليم والتربية يجب أن يتضمّنا مناهج حول التعدّد والكرامة".

في السياق، يقول الطبيب محمد الطيب لـ"العربي الجديد": "تلجأ كثير من الفتيات إلى مستحضرات تفتيح الجلد الخطرة بسبب الضغط الاجتماعي والشعور بأن بشرتهن غير مقبولة. وبعض هذه المنتجات تحتوي على مواد مثل "هيدروكينون" أو "ستيرويدات" أو زئبق، وقد تسبّب تهيجات جلدية ومشاكل صحية خطيرة". يتابع: "من الناحية النفسية، يمكن أن يؤدي التنمر العنصري أو بسبب لون البشرة إلى قلق واكتئاب وانزواء اجتماعي. كذلك يجب ملاحظة أطفالنا وشبابنا، وأن ندرك ضرورة التدخل المهني عبر الاستشارات النفسية، مع دعم المدرسة والمجتمع".

الصورة
التوعية بآثار التنمر العنصري مفقودة في مدارس العراق، 14 إبريل 2024 (فرانس برس)
التوعية بآثار التنمّر العنصري مفقودة في مدارس العراق، 14 إبريل 2024 (فرانس برس)
وترى منظمات لحقوق الإنسان في العراق أن التمييز القائم على أساس لون البشرة لا يزال يشكّل مشكلة اجتماعية صامتة، لكنها مؤذية، وتعاني منها فتيات ونساء وشباب في مختلف المحافظات. يقول ياسر إسماعيل، مدير منظمة "نايا" للدفاع عن حقوق الإنسان لـ"العربي الجديد": "يفتقر العراق حالياً إلى تشريعات واضحة تجرّم التمييز المباشر على أساس لون البشرة، سواء داخل المدارس أو الجامعات أو أماكن العمل، أو حتى في سياقات الزواج والاندماج الاجتماعي".

يضيف: "تلقّت المنظمة خلال العامين الأخيرين شكاوى عدة لفتيات تعرّضن لإساءة لفظية وتنمّر بسبب بشرتهن الداكنة، ما انعكس على صحتهن النفسية وثقتهن الذاتية وفرص تقدمهن في الحياة". ويوضح أنه من الصعب أن تتخذ المنظمة إجراءً مباشراً في حق أشخاص متنمرين، وكل ما تستطيع فعله هو التوعية عبر ورش ودورات، والمطالبة بتفعيل قوانين منصفة لهذه الشريحة. ويشير إسماعيل إلى أن "التنمر على أساس اللون ليس مجرد فعل فردي، بل سلوك اجتماعي متوارث يحتاج إلى مواجهة حقيقية من خلال المناهج التعليمية، وبرامج التوعية، وتفعيل دور الرقابة لوزارة العمل ووزارة التربية، إضافة إلى توعية الأسر".وفي حديث سابق لـ"العربي الجديد"، قالت فاطمة مزهر؛ وهي معلمة بمدرسة ابتدائية في بغداد: "ليس التنمّر ظاهرة نادرة، بل يزداد انتشارها. يشتكي الطلاب والطالبات كثيراً من تعرضهم لعنف لفظي، يصل أحياناً إلى العنف الجسدي. ويتلقّى بعض الطلاب إساءات لفظية بسبب أشكالهم، أو أسمائهم أو ملابسهم، أو بسبب ضعف مستواهم العلمي، وبعض من يتعرضون للتنمر يفقدون أعصابهم، ويردون على المتنمرين بالضرب أو بتحطيم الأشياء، ما يجعل الحالة تصل إلى عنفٍ متبادل".

لكن فاطمة تجد أن الأخطر هو انعكاس المواضيع السلبية التي يتناولها المجتمع أو المشاكل التي مرّ بها العراق خلال سنوات ماضية وتركت ترسبات بين التلاميذ الذين يصوغون منها عبارات تنمر، وتقول: "المقلق أن عبارات التنمّر التي يستخدمها بعض الطلاب تحمل ألفاظاً فيها كلمات طائفية انتشرت داخل المجتمع من جراء الخلافات السياسية".
اجمالي القراءات 15
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق