قضاة ورجال قانون يجيبون عن السؤال.. من هو رأس السلطة القضائية؟
أثار مشروع القانون الخاص بمجلس الهيئات القضائية، الذي أعدته وزارة العدل في الفترة الأخيرة وتسبب في غضب العديد من القضاة، ضجة كبري والعديد من التساؤلات، خاصة بعد أن وصفه بعض القضاة بـ«الخطير وغير المسبوق» ويمهد إلي مذبحة جديدة للقضاة ويحد من استقلال القضاء وميزانيته العامة فقد أعلن مجلس القضاء الأعلي رفضه معظم مواد المشروع الجديد، وكذلك مجلس الدولة، بينما أيدت هيئتا النيابة الإدارية وقضايا الدولة المشروع، ووافقتا عليه بالإجماع، ووزاة العدل سحبت المشروع المقترح لتعديله، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: من هو رئيس السلطة القضائية في مصر؟ وكيف يجلس رئيس السلطة القضائية تحت رئاسة أحد أفراد السلطة التنفيذية وهو وزير العدل؟!
«المصري اليوم» طرحت السؤال علي رجال القضاء والقانون وكانت هذه إجاباتهم:
في البداية قال الدكتور يحيي الجمل، أستاذ القانون الدستوري، إن القاضي هو سلطان نفسه، وتلك هي قمة السلطة القضائية، وإن كان مجلس القضاء الأعلي يشرف علي السلطة القضائية، والمجلس مكون من شيوخ القضاء، وهو مختص بالإشراف علي أحوال القضاء ويعتبر رئيسه هو ممثل السلطة القضائية، وأن القانون الجديد المقترح جعل هناك خلطًا بين القضاء العادي، ومجلس الدولة والمحكمة الدستورية، بحيث أدخل محامي الحكومة ممثلاً في هيئة قضايا الدولة والنيابة الإدارية في القضاء، مع كل الاحترام لجميع أعضائها، وشدد الجمل علي أن أعضاء هيئتي قضايا الدولة والنيابة الإدارية ليسوا قضاة، وهذا ليس نقصانًا من حقهم، لأن أستاذ القانون الذي يتخرج من تحت يديه القضاة لا يتمتع بحصانة القاضي.
وأضاف أن مفهوم الهيئة القضائية يقصد به الهيئة التي تتكون من قضاة يجلسون للفصل في المنازعات بين الناس، وفقًا للقانون، وأعتبر جلوس رئيس السلطة القضائية تحت رئاسة أحد أفراد السلطة التنفيذية، وهو وزير العدل، خطأ كبيرًا وإهدارًا لاستقلال القضاء، ورفض الجمل استخدام جملة أن القانون الجديد يمهد لمذبحة للقضاة، وقال: «أنا لا أحب استعمال الألفاظ في غير موضعها، وإن مجلس الهيئات ممكن أن يكون له دور تنسيقي في المسائل الإدارية فقط، وليست له علاقة بالقضاء والأعمال الإدارية هي أبنية المحاكم والهيئات والاستراحات وبدلات الانتقال، مشيرًا إلي أن المجلس المقترح لا دخل له بالعمل بالقضائي من قريب أو من بعيد، ويقتصر دوره علي الجوانب الإدارية، ولا يجوز الخلط بين الألفاظ في ظل المشروع الجديد.
وأبدي الدكتور الجمل، استغرابه من أن يصدر مثل هذا القانون من قاض عاش طوال حياته في العمل القضائي وتدرج في المناصب القضائية، ثم أصبح وزيرًا للعدل، واقترح الجمل ضرورة دفن مشروع مرعي الجديد هذا بجميع مواده دون أن يبكي عليه أحد.
وأكد المستشار أحمد مكي، نائب رئيس محكمة النقض، أنه لا يوجد رئيس للسلطة القضائية في مصر، لأن طبيعة العمل القضائي تتنافي مع وجود شخص له سلطان علي آخرين، مؤكدًا أنه لا يجوز التبعية بين القضاة، ولا يوجد تنظيم يجعل قاضيا رئيسًا علي قاض آخر، مشيرًا إلي أن كل قاض مستقل عن زميله، وعندما يكون هناك اشتراك في دائرة من الدوائر يكون كل قاض مستقل بفهمه للقضية وتطبيقه للقانون، وتنتهي هيئة المحكمة إلي المداولة وتبدأ بأخذ رأي القاضي الأحدث حتي لا يتأثر برأي من أقدم منه في السن، وهذه هي قمة الديمقراطية التي تجعل القضاة متميزين عن غيرهم.
وبمراجعة نصوص الدستور، وقانون السلطة القضائية المنظم لشؤون القضاء، لا نجد نصًا واحدًا يقول إن القضاء هيئة، بل إن النصوص التي تنظم شؤون القضاء تكاد تحظر جمع القضاة في صورة هيئة، بالمعني المقصود، ذلك أن الدستور لم يكتف بالنص في المادة ١٦٥ علي أن: السلطة القضائية مستقلة وتتولاها المحاكم علي اختلاف أنواعها ودرجاتها، بل حرص علي أن ينص في المادة ١٦٦ علي أن القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون، ولكل قاض بمفرده الاستقلال في إطار الجماعة القضائية،
ولا يستقيم فهم نص المادة ١٦٧ من الدستور، علي أن يحدد القانون الهيئات القضائية واختصاصاتها في شأن رجال القضاء، إلا بمعني وحيد لا يستقيم غيره، وهو تحديد المحاكم المشار إليها بالمادة ١٦٥، ولا يمكن أن ينظم كل القضاة في هيئة بالمعني المستعمل في هيئة قضايا الدولة أو النيابة الإدارية، وذلك بإجماع الآراء في العالم كله.
وضرب المستشار مكي مثالاً قائلاً: عندما أنشئت محكمة النقض عام ١٩٣٠ دعا مؤسسها عبدالعزيز باشا فهمي، الجمعية العمومية، وطلب منها أن يترأس الدائرة الأولي، فرفضت الجمعية رغبة مؤسسها، وأسندت إليه الدائرة الثانية، ووزعت الجمعية غرف المحكمة علي الرؤساء، ومن هنا لا يوجد أي سلطان علي قاض، وأن السلطة القضائية للجمعية العمومية، وإن وجود هيئة ورئيس يتنافي مع طبيعة العمل القضائي.
وقال: إن الدكتور أحمد فتحي سرور، في كتابه الوسيط في قانون الإجراءات الجنائية، طبعة نادي القضاة، سنة ١٩٨٠، من ٨٦٩ قال: «لا يجوز أن ينشأ بين القضاة نوع من التبعية الإدارية مهما اختلفت درجاتهم أو مستويات محاكمهم، فكلهم جميعًا قضاة مستقلون، لا يتبع أحد منهم أحدًا، مهما علت درجته أو ارتفع مقامه، بل يجب أن يكون الخضوع لجمعيات القضاة بالمحاكم، وإن فكرة التبعية الرئاسية تتضمن بالضرورة قدرًا من القهر والإخضاع التي تتجافي مع طبيعة العمل القضائي التي تقوم علي أن كل قاض بنفسه مستقل حتي لو كانوا يشتركون في عمل واحد.
وأضاف: مكي أن المشروع المقترح قام بإقحام وزير العدل في تشكيل المجلس، بل أسند الرئاسة إليه عند غياب رئيس الجمهورية، رغم أن نص المادة «١٧٣» من الدستور، لم يطلق سلطة مجلس الشعب في تشكيله، بل اشترط أن يرأسه رئيس الجمهورية، وأن يضم رؤساء الهيئات القضائية، ورئيس الجمهورية هو رئيس الدولة بسلطاتها الثلاث، عملاً بنص المادة «٧٣» من الدستور، فلا تثريب عليه، إن هو تولي رئاسة المجلس،
أما إشراك وزير العدل، وهو أحد أفراد السلطة التنفيذية، ليشارك في إدارة الشؤون القضائية، ناهيك عن رئاسة المجلس، بمخالفة صريحة لنص المادة «١٦٦» من الدستور، التي تقول صراحة: «لا يجوز لأي سلطة التدخل في القضايا أو في شؤون العدالة، ومهمة المجلس المقترح هي رعاية شؤون العدالة. بل لا أحسب أن الذوق القانوني يسمح بأن يترأس وزير العدل، الذي هو أحد أفراد مجلس الوزراء، مجلساً يضم رئيس المحكمة الدستورية العليا، ورئيس مجلس النقض ورئيس مجلس الدولة».
في الوقت الذي تنص فيه المادة «٨٤» من الدستور علي أنه: «في حالة خلو منصب رئيس الجمهورية، يتولي رئاسة البلاد رئيس مجلس الشعب، فإذا كان المجلس منحلاً حل محله رئيس المحكمة الدستورية، ورئيس المحكمة الدستورية، بمقتضي نص المادة «٧٦» من الدستور بعد تعديلها في ٢٦/٣/٢٠٠٧، هو الذي يعلن نتيجة انتخاب رئيس الجمهورية نفسه».
وتساءل مكي: كيف يستقيم بعد ذلك أن نتصور أن يكون عضواً في مجلس يرأسه وزير أو حتي رئيس الوزراء؟ ألم تنص المادة «٧٣» من الدستور علي واجب رئيس الجمهورية في أن يرعي الحدود بين السلطات لضمان دورها الوطني، فإذا رأس وزير العدل مجلساً يضم رؤساء محاكمنا العليا، مؤكداً أن السلطة التنفيذية قد تغولت علي السلطة القضائية علي نحو يؤدي إلي ضياع حقوق المواطنين، وحرياتهم بضياع استقلال القضاء، الذي هو الضمان الأخير الأساسي لحماية الحقوق والحريات، عملاً بنص المادة «٦٥» من الدستور، وتقول المحكمة الدستورية: «إن السلطة القضائية سلطة أصيلة، تقف علي قدم المساواة مع السلطتين التشريعية والتنفيذية، وتستمد وجودها وكيانها من الدستور ذاته لا من التشريع».
وأكد الدكتور ثروت بدوي، الفقيه الدستوري، أن السلطة القضائية مخترقة بنصوص عديدة في القوانين، ومنها قانون السلطة القضائية الذي يعطي وزير العدل ورئيس الجمهورية سلطات رهيبة في التعيينات والترقيات والإعارات والانتدابات والرعاية الصحية، وندب أفراد من السلطة القضائية إلي العمل في السلطة التنفيذية مع احتفاظهم بصفتهم وكله هذا يعتبر اختراقاً للسلطة القضائية، وأن جميع المبادئ القانونية ترفض ذلك وتعتبره نوعاً من المط، لا يمكن أن يحقق العدالة، وأن القضاء يعتبر رمانة الميزان لأي نظام قضائي، وهو الحارس الأمين علي سلطان الحكام وسيادة القانون، وهو الذي يلزم الجميع باحترام أحكام القانون».
وأشار إلي أنه طوال ٥٠ عاماً مضت يقاوم بكل السبل جميع أنواع التداخل في شؤون أعضاء السلطة القضائية، وأن النظام لا يستقيم بغير وجود سلطة قضائية حرة، وبالتالي لا يجوز ندب رجال القضاء في أي عمل تنفيذي، سواء لبعض أو كل الوقت، وعلي الجهات التنفيذية التي تريد الاستعانة بخبرات رجال القضاء وتعيينهم في السلطة التنفيذية، أن يتخلوا عن مقاعدهم في السلطة القضائية، لأن الجمع بين السلطة التنفيذية والقضائية فيه إهدار للعدالة ونقصان لما يتمتع به القاضي من حياد واستقلال، وأن إنشاء ما يسمي بالمجلس الأعلي للهيئات القضائية، الذي يضم هيئتي النيابة الإدارية وقضايا الدولة فيه هدم لاستقلال القضاء وهيمنة من السلطة التنفيذية علي القضائية.
وشدد الدكتور بدوي علي ألا يكون الفرد قاضياً، إلا إذا كان يعمل بالقضاء، وتكون الصفة القضائية مقصورة علي من يفصل في منازعة بين طرفين، ويصدر فيها حكماً ملزماً للطرفين والكافة، ويتمتع هذا الحكم بالحجية والقوة، وبالتالي لا يجوز أن تمنح الصفة القضائية لأي جهة ليس مخولاً لها الفصل في المنازعات مثل هيئة قضايا الدولة التي تنوب عن الحكومة بجميع هيئاتها أمام القضاء، ولا يجوز منح الصفة القضائية لأعضاء النيابة الإدارية التي تكون طرفاً في المنازعات التأديبية التي يفصل فيها مجلس الدولة. وأضاف أن إنشاء المجلس الأعلي للهيئات المسماة «القضائية» هو إحدي بصمات مذبحة ١٩٦٩.
إن الجدوي من هذا القانون في الوقت الحالي هو الرغبة في تشكيل مجلس جديد بتسمية جديدة، تكون العضوية فيه إلي الهيئات المنعوتة بالصفة القضائية، وهي النيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة، وهما هيئتان تتبعان وزير العدل، وهما جزء من السلطة التنفيذية التي لا يجوز لها التدخل في العمل القضائي.
وقال المستشار عادل فرغلي، رئيس قسم التشريع بمجلس الدولة، إن السلطة القضائية يحددها الدستور في بابه الرابع، ابتداء من المادة ١٦٥ التي تنص علي أن «السلطة القضائية مستقلة وتتولاها المحاكم علي اختلاف أنواعها ودرجاتها وتصدر أحكامها، وفقاً للقانون، كما أن المادة ١٧٢ من الدستور تنص علي أن مجلس الدولة هيئة قضائية مستقلة،
ويختص بالفصل في المنازعات الإدارية مثل الدعاوي التأديبية، ويحدد القانون اختصاصاته الأخري، مؤكداً أن كلاً من القضاءين العادي والإداري سلطة قضائية يقوم كل منهما بواجبه، وأن رئيس السلطة غير موجود، مشيراً إلي أن القضاء الإداري يختص بالفصل في المنازعات الإدارية، أما القضاء العادي فمسؤوليته تحقيق العدالة.
اجمالي القراءات
4499