آحمد صبحي منصور
:
حين كتبت فى الأخبار عام 1990 ضد شركات توظيف الأموال لأثبت أن التعامل مع البنوك حلال ، وأن الربا المحرم هو ربا الصدقة ـ لم أكن قد قرأت شيئا للشيخ شلتوت ـ أحد كبار شيوخ الأزهر ـ و آخر عالم مجتهد من مدرسة الامام محمد عبده فى القرن العشرين.
وفى ردود الفعل لمقالاتى سنة 1990 أيدنى بعض المستنيرين ضد حملة التكفير التى أثارها الشيوخ ضدى خصوصا الدكتور عبد المعطى بيومى.
كأن أهم دفاع عنى وقتها أن الشيخ شلتوت قال ذلك وقت أن كان شيخا للأزهر فى عهد عبد الناصر. وأن فتواه موجودة فى كتابه ( الفتاوى). ونشروا فتواه .
ورجعت لكتاب الفتاوى ورايت أتفاق وجهات النظر بيننا.
وأحاول هنا تلخيص ما قاله الشيخ شلتوت رحمه الله جل وعلا:
بدأ الشيخ شلتوت بأرباح "صندوق التوفير" فأفتى بأنها حلال ولا حرمة فيها، لأن المال المودع في الصندوق ليس ديناً ولم يقترضه منه صندوق التوفير وإنما تقدم صاحب المال إلى صندوق التوفير بنفسه طائعاً مختاراً ملتمساً قبول إيداع ماله عنده وهو يعرف أن مصلحة التوفير تستغل الأموال المودعة لديها في مشروعات تجارية تحقق فيها ربحاً وهى تعطيه الفوائد من خلال تلك الأرباح، وصاحب المال يقصد بإيداع ماله حفظ ذلك المال من الضياع وتعويد نفسه على التوفير والاقتصاد ثم إمداد المصلحة الحكومية بزيادة رأس مالها ليتسع نطاق معاملاتها وتكثر أرباحها فينتفع العمال والموظفون وتتسع مجالات العمل وينتفع الجميع بفوائض الأرباح، ويقول الشيخ شلتوت ولا شك أن تعويد النفس على الاقتصاد في النفقة والتوفير مع مساعدة الدولة على إنجاز مشروعاتها غرضان شريفان كلاهما خير وبركة ولذلك فإن من يودع أمواله بقصد النفع لنفسه وللآخرين إنما يستحق التشجيع وليس في هذا النفع المشترك شائبة ظلم لأحد ..
ـ ويستطرد الشيخ شلتوت قائلاً إن التعامل مع صندوق التوفير بتلك الكيفية وبالأرباح المضمونة الثابتة لم تكن معروفة للفقهاء السابقين حين أفتوا بما كان سائدا في عصرهم ، ثم استحدث التقدم البشري أنواعا من التعامل الاقتصادي قامت على أسس صحيحة إلا أنها لم تكن معروفة من قبل ، ولكن ما دام الميزان الشرعي قائما على قوله تعالى :" والله يعلم المفسد من المصلح " وفي قوله تعالى " :" لا تَظلِمون ولا تُظلَمون " فلابد أن نسير على مقتضاه ، ولذلك فإن الربح المذكور لا يدخل في نطاق الربا وإنما هو تشجيعٌ على التوفير والتعاون .
ـ ثم يلتفت الشيخ شلتوت إلى التعامل مع البنوك فيفتي بأنه حلال ويضع ذلك تحت عنوان " الأسهم والسندات ضرورة الأفراد وضرورة الأمة" ويقول "من المشاريع الهامة التي تعود بالخير على المسلمين ما يحتاج إلى قرض من المصرف يتقاضى عنه المصرف ربحا ، فهل يحجم المسلمون عن ذلك على أنه ربا ويترك المجال لغير المسلمين ؟ وما حكم الشرع في الأسهم والسندات ؟ .
ـ ويبدأ الشيخ بتوضيح معنى الربا الذي نزل القرآن بتحريمه فهو القرض الذي يأخذه المحتاج الجائع المعدم من الثري المرابي الذي يستغل جوع المحتاج ليعطيه قرضاً بربا ، وهو ما لا ينطبق على التعامل مع المصارف والبنوك لأنها لا تتعامل مع الجوعى والمعدمين وإنما تتعامل مع أصحاب مشاريع تجارية وصناعية يفتحون أسواقاً للعمل والوظائف والرواج وبذلك يكون التعامل معها حلال .
ويبقى أن أتوقف مع الفارق بين منهجى و منهجه فى الفتوى ـ وهو ما يظهر هنا. ويمكن الرجوع الى مقالى المنشورة عن ( معركة الربا ) لتوازن بين المنهجين.
منهجى هو تتبع الرأى القرآنى بفهم القرآن بالقرآن ـ ثم تحليل الحديث المخالف و إثبات تناقضه مه القرآن الكريم.
منهج الشيخ شلتوت منهج عقلى مقاصدى فى الأساس ثم يستدل بالقرآن ـوأحيانا بما يراه موافقا له من الأحاديث.
المنهج المقاصدى يعنى أن ينظر الى مقاصد التشريع الكلية ثم يحكم من خلالها على ما يراه من التفريعات الجزئية. ويتجلى هذا فى فتواه هنا إذ أنه يستدل على مشروعية فوائد البنوك بالضرورة للفرد والأمة، مع الاستدلال ببعض الآيات القرآنية التى تفيد مقصده و لو من بعيد.
وفى النهاية فمع اختلاف المنهجين فالنتيجة و احدة هنا..
مقالات متعلقة
بالفتوى
: