آحمد صبحي منصور Ýí 2012-06-19
كتاب (الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بين الاسلام والمسلمين ).
الجزء الأول : (الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى الاسلام )
الفصل السابع : ( حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ ) 5ـ الوعى وموضوعاته العقيدية
السريرة مسرح التغيير :
1 ـ من نعم الرحمن على الانسان هى تلك السريرة الخاصة به ، والتى لا يعلم بها بشر غيره ، ولا يعلم خطراتها إلّا الذى يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور. فى تلك السريرة يخاطب الانسان نفسه ويعيش أحلام يقظتة ، وتراوده غرائزه وينهاه ضميره ، ويحتفظ فى هذه السريرة بمشاعره الحقيقية التى قد يخفيها عن كل العالم ، ويستودع فيها أسراره وفضائحه . وهذه السريرة مسرح تغيير النفس .
2 ـ فيها يستطيع الانسان أن يواجه نفسه ويسائلها ليعلو ويسمو بها . ويستطيع الانسان أن ينجح فى تغيير ما بنفسه من نواقص وأن يقمع شهواته وغرائزه فلا تكون له سريرة ، أى لا يكون فى داخله أسرار يخجل منها بأن يتوب عما فات ، ويبدأ صفحة جديدة بيضاء نقية ، ويكون سرّه مثل علانيته شفافا نقيا ، فلا يشعر بالخزى والعار يوم القيامة إذا تم فضح وكشف المخبوء فى السرائر : (يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ(9)( الطارق )، هو يوم عرض أعمال البشر علانية بأسرارهم وخباياهم المستورة ( يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ (18) ( الحاقة ) ، (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه (8) (الزلزلة ).
الحرية الحقيقية هى التحرر من سيطرة الهوى والغرائز
1 ـ حين تصل الشفافية بالانسان الى أن لا تكون له سريرة وأن تتفق علانيته مه سريرته ولا يكون هناك ما يخجل منه فقد أصبح مسيطرا على نفسه، وبسيطرته على نفسه يملك تمام حريته ، فالحرية المطلقة أن تتحرر من غرائزك فتكون أقوى إنسان فى العالم ، ولا يستطيع العالم كله أن يهزمك ، لأنه ليس لديك ما تفقده ، ولأنك تتمتع بفضيلة القدرة على الاستغناء .
2 ـ والقدرة علا الاستغناء من أهم ملامح الحرية الحقيقية للإنسان ، فبمقدار ما تتكاثر رغباتك وبقدر ما تلهث فى تلبيتها يكون احتياجك للغير أكبر ويكون ضعفك أمام نفسك أكثر وأمام الغير أكثر وأكثر . فالمدمن للسيجارة فما فوقها يفقد من حريته ـ وربما من كرامته ـ بمقدار حاجته وبقدر إدمانه . فأقوى البشر هو من لا إدمان عنده ، ولا يحتاج إلا لضرورات الحياة من تنفس وطعام وشراب ومسكن مع قناعة وزهد واستعداد للتحمل ورغبة عما فى يد الناس ، فمن لا يكون عبدا لنفسه لا يكون عبدا لغيره. وبالتالى فلا تستطيع قوة بشرية أن تقهره ، لأنه ببساطة لا يحتاج للغير ولا مطمع له فى الغير .
الحرية الحقيقية هى التقوى الحقيقية وهى قمّة التغيير الايجابى للنفس
1 ـ الوصول الى هذه الحالة من السموّ والرقىّ هو قمة التغيير للنفس ، وهذا لا يتحقق إلا بالتقوى الحقيقية لأنّ بهذه التقوى تقتنع النفس بأن لها هدفا أسمى يستحق التضحية من أجله ، وفى سبيله تهون هذه الدنيا وزخرفها الزائل أمام خلود فى الجنة ونجاة من الخلود فى النار . وهنا تتعرف النفس على التقوى بالايمان الحقيقى بالله جل وعلا لا شريك له وبالايمان بيوم الحساب . عندها يسهل تغيير ما بالنفس ويسهل للإرادة العليا للإنسان السيطرة على النفس وتطويعها نحو هدف أعظم يتخطى هذه الدنيا وزخرفها ومتاعها القليل . 2 ـ بل تسعد النفس بتحالفها مع الخالق جل وعلا ونصرتها له مقابل أن ينصر الله هذه النفس : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7)( محمد ) (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38)) (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)( الحج) (وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47) ( الروم ).
3 ـ وكفى بالنفس البشرية فخرا أن توالى الله جل وعلا وأن تنصره فى مواجهة ظلم المشركين لله جل وعلا (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (68) وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)العنكبوت ) (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13)( لقمان ). 4 ـ بإيجاز : لا بد لهذا التغيير أن يتأسس على إيمان بالله جلّ وعلا وحده الاها ، والايمان بأن هذه الدنيا هو مساحة زمنية للإختبار ، وأن موعد الاختبار هو يوم الحساب .
من السهل الزعم بالايمان بالله واليوم الآخر :
1 ـ مع التسليم ظاهريا وقوليا بلا اله إلا الله والايمان باليوم الآخر فإنه غير مؤثر فى الحياة الواقعية .
2 ـ كل المسلمين يقولون ( لا اله إلا الله ) ولكن الأغلبية الساحقة منهم تقدس البشر والحجر . كل المسلمين يزعمون الايمان باليوم الآخر ، ولكن الأغلبية الساحقة منهم يؤمنون بشفاعة النبى والأولياء ويحوّلون اليوم الآخر الى مهرجان مضحك للشفاعات والوساطات وضياع العدل وسيادة الظلم ، فيجعلون النبى محمدا مالك يوم الدين دون رب العالمين ،فيدخل الظالم الجنة مهما أجرم بمجرد كلمة يقولها .
3 ـ ويعرف الناس جميعا حتمية الموت حتى لو أنكروا البعث والقيامة . وفكرة الموت ـ فى حد ذاتها ـ لو آمن بها الانسان فعلا ـ فلن يجد مبررا للنزاع والصراع مع اخيه الانسان طالما أنه ـ حتما ـ سيموت ويترك كل شىء خلفه . فالخلود فى الدنيا دون موت هو المبرر للصراع حول حطامها ، وطالما أنه لا خلود فى الدنيا وأن مصير كل منا الموت فلماذا لا نعيش فى أمن وتصالح ومشاركة وسعادة . هذا الكلام المنطقى العاقل لا وجود له فى الواقع ، لأن كل فرد فينا يرى الناس تموت من حوله ولكن لا يتعظ ، ولو إتّعظ فهى فترة عند تشييع جنازة صديق أو صاحب ثم تستغرقه صراعات الحياة ،ويخوضها كأنه لا يموت ابدا ، ويظل هكذا حتى يستيقظ من غفلته وغفوته عند الاحتضار فيهتف يطلب فرصة أخرى جون جدوى ( حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100)( المؤمنون) .
4 ـ المقصود أنه بالرغم من تكرار تلك المسلمات باللسان إلّا أنه لا تأثير لها فى الواقع إلّا برغبة قاهرة حاكمة تجعل الايمان بالله وباليوم الآخر فاعلا حقيقيا فى تغيير النفس .
ضرورة الوعى بالايمان الحقيقى بالله جل وعلا بلا شريك لإحداث التغيير الايجابى
1 ـ لا بد فى البداية من تخيل عظمة الخالق جل وعلا بالتفكير فى عظمة خلق السماوات والأرض .
فهذا الكون العظيم ( السماوات والأرض وما بينهما من مجرات ونجوم ) يعجز الانسان عن تصور مسافاته وأبعاده ، ومع ذلك فهو مؤقت ومخلوق لهدف هو إختبار الانسان ، وليس مخلوقا عبثا ، بل ليس الانسان مخلوقا عبثا بل لاختبار قادم فى يوم يأتى فيه كون أعظم ويظل خالدا بجنته وناره .
2 ـ وينتج عن هذا التفكير فى عظمة الخلق من السماوات والأرض وما بينهما ـ أن ينبهر المؤمن بالعظمة الأكبر للخالق جل وعلا ، فالخالق لهذا الكون يستحيل وجود شريك له فى ألوهيته وربوبيته لأنه لا خالق غيره لهذا الكون ولهذا الانسان ، وأنه من التخلف العقلى أن يوضع الى جانب رب العزة مخلوق من صنع الله جل وعلا . وبالتالى فكلنا نحن البشر سواسية من حيث الخلق والاحتياج للخالق ، كلنا من تراب ، وكلنا نسكن نفس الجسد السوأة بقذاراته وشهواته وضعف إمكاناته ،لا فارق فى هذا بين نبى عظيم ومجرم آثيم . الفارق هو فى إختيار الهداية ومدى الخضوع الارادى للخالق جلّ وعلا ، فأكرمنا عند الله جل وعلا هو أتقانا وأكثرنا عبودية لله جل وعلا .
3 ـ ينعكس هذا على نظرتك للبشر ، فالله جل وعلا وحده هو خالقك وهو المتكفل برزقك وهم الآخذ وحده بناصيتك فى الدنيا ( إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا (56) ( هود )، وهو الأقرب اليك فى هذه الدنيا (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16)( ق) (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)( البقرة ) وهو الأقرب اليك عند الاحتضار: (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ (85) الواقعة ) ، وهو المتحكم فى اليوم الأخر وهو وحده مالك يوم الدين ،ولن يحاسبك غيره ، وكل الأئمة والرسل والعظماء وغيرهم سيؤتى بهم أفرادا مثلك يوم الحساب :(إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً (95)( مريم )و ستحاول كل نفس أن تدافع عن نفسها أمام الواحد القهار:( يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (111)( النحل ) .هذا الإيمان إذا تحقّق فعلا لدى المؤمن فيستحيل أن يخضع لغيرالله جلّ وعلا ، أو أن يخشى غيره جلّ وعلا ، فهو وحده مالك الملك النافع الضار القاهر فوق عباده .
4 ـ بل حين يتجذّر هذا الايمان فى داخلك فسيكفيك عزّا أن تكون للخالق جلّ وعلا عبدا ، وأن تكون له وحده عبدا ، ولست عبدا لغيره . ويكفيك فخرا أن يكون خضوعك وعبوديتك للخالق جلّ وعلا وحده ، لأنّه جل وعلا هو وحده المستحقّ للتقديس والعبادة .
5 ـ ومن هنا يكون الأساس العقيدى لمقاومة الاستبداد ، فالمستبد مدع للألوهية لأنه يريد أن يعلو على الناس ، والعلو على الناس ليس إلّا لله جلّ وعلا ، لذا يقال لله ( جلّ وعلا ـ سبحانه وتعالى ) وأنه وحده ( القاهر فوق عباده )، والمستبد الذى يقهر شعبه هو مدع للألوهية صراحة أو ضمنا ، وهو يتألّه على شعبه وهم بشر مثله ، يستنكف أن يكون مساءلا أمام شعبه ، والله جل وعلا وحده هو الذى لا يمكن لأحد من خلقه أن يسائله عما يفعل ، وما عداه جل وعلا يتعرضون للمسائلة حتى لو كانوا أنبياء أو ملائكة (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23)( الأنبياء ) ، بل إن المستبد هو الذى يسلط كلاب حراسته يلفق التهم لأفراد شعبه الأحرار ويحكم عليهم ظلما بالسجن والقتل . وهذا الشعب الخانع الخاضع المستحق للذل قد ظلم نفسه حين رضى بالخضوع لمستبد وجعله شريكا للخالق جل وعلا فى الوهيته . وبالتالى فإن تحرره من عبوديته للإستبداد مقترن بتصحيح عقيدته الايمانية لتؤمن بالله جل وعلا وحده ،وأن يجاهد الناس ضد ذلك الذى يفرض عليهم سلطانه بالقوة والقهر.
ضرورة الوعى بالايمان الحقيقى بالله جل وعلا وحده مالك يوم الدين لإحداث التغيير الايجابى
1 ـ الايمان باليوم الآخر هو الفارق بين المؤمن الحقيقى والمؤمن المزيف ، وهو أيضا الفارق الحقيقى بين الشخص الايجابى الفعّال للخير بهدف النفع الدنيوى والمؤمن الايجابى الفعّال للخير عن إيمان باليوم الآخر وأملا فى الخلود فى الجنة والنجاة من الخلود فى النار .
2 ـ هذا المؤمن باليوم الآخر يتقى الله جلّ وعلا فى تعامله مع البشر فلا يظلم أحدا ، ويحاسب نفسه قبل يوم الحساب ، ولا يهتم برأى الناس فيه طالما هو فى تصالح مع ربّه ، وطالما هو يفعل ما بوسعه ليرضى عنه ربه جل وعلا فى سريرته وفى علانيته . وهو فى تفاعله الايجابى مع المجتمع لإصلاح هذا المجتمع لا يبغى نفعا دنيويا إذ يكفيه الأجر يوم القيامة ، وهو يتقبل الأذى فى سبيل إعلان الحق ، ويتواصى بالحق والصبر. وهو يدرك إن الله جل وعلا قد أعطاه مساحة زمنية ضئيلة فى هذه الدنيا ، وهذا العمر يتناقص باستمرار وينتهى بالموت ، ولكنه خلال فترة عمره قد خلق الله جلّ وعلا له هذا الكرة الأرضية المستديرة التى لا نهاية للسعى فيها ، إذن هو مطالب بالهجرة إذا يأس من الاصلاح فأرض الله واسعة أمامه ، بينما عمره قصير والموت يقترب منه فى موعد محدد سلفا ، وهذا معنى قوله جل وعلا لعباده : ( يَا عِبَادِي الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (57)( العنكبوت ).
3 ـ لذا فهذا المؤمن موطنه الحقيقى هو حريته الدينية وكرامته الشخصية ، فإذا تعرّض للقهر ظلما وعدوانا ولم يستطع المقاومة فلا بد من ترك هذا الوطن الى وطن آخر ينعم فيه بحريته وكرامته أثناء عمره القصير ، فأرض الله واسعوة ولكن العمر قصير ، ولا يجوز أن نضيّع العمر الثمين فى ذلة واستكانة لمخلوق مثلنا نرضى بظلمه ونركع لسلطانه فى خمول وخضوع . وقد يكون هذا المهاجر مجاهدا ، وهذا المهاجر فى سبيل الله بعد نضال وتحمل للأذى فى سبيل الحق يعده ربه بأجر حسن فى الدنيا وفى الآخرة :
( فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195)( آل عمران )، وحتى لو كان مهاجرا بعد صبر على الأذى فإن ثوابه فى الدنيا ينتظره مع غفران يوم القيامة ورزق حسن فى الجنة:( وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (42)( النحل )( ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (110)( النحل )( وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمْ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (58)( الحج ).
4 ـ ولأن الايمان الحق يعنى تفاعلا بالخير وحركة إيجابية لا ترضى بالظلم فإن المؤمن المستكين للظلم والرافض للهجرة بحريته بعيدا عن الظلم هو ظالم لنفسه ومصيره الجحيم ، إلا إذا كان عاجزا عن الهجرة :(إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً (97) إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (98) فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً (99) ( النساء ) .
5 ـ وبإيجاز فإن من يؤمن باليوم الآخر فعلا لن يتردد فى الهجرة فرارا من الظلم طالما يعجز عن مقاومة الظالم ، فالعمر محدد ومحدود، فأرض الله واسعة . وبعد الموت سنلقى الله جل وعلا يوم الحساب .
6 ـ ولكن يبقى الخوف عائقا يمنع التغيير الايجابى للنفس . ونتعرض له فى المقال التالى .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يادكتور أحمد
لي سؤال هنا على نقطة أظنها هامة قد وردت في مقالكم القيم
"لذا فهذا المؤمن موطنه الحقيقى هو حريته الدينية وكرامته الشخصية ، فإذا تعرّض للقهر ظلما وعدوانا ولم يستطع المقاومة فلا بد من ترك هذا الوطن الى وطن آخر ينعم فيه بحريته وكرامته أثناء عمره القصير "
دكتورنا العزيز. كما تعلم فان لنا في قصص القرآن العظيم و الأنبياء الكرام عليهم أجمعين السلام لعبرة.
فهذا شعيب عليه السلام المؤمن سليم الايمان و المصلح ينذر من قبل قومه عاقبة اصرارة على جهادهم بدعوتهم للسراط المستقيم وعدم الافساد في الأرض بالرجم ولولا رهطه لرجموه وانه فيهم لضعيف وقد حاولوا النيل من "كرامته" حين قالوا له "وما أنت علينا بعزيز" هود. ومع ذلك قال لهم أن يعملوا على مكانتهم وسيعمل على مكانته وسيعلمون من يأتيه عذابا يخزيه ومن هو كاذب وكل فريق مرتقب (أي لم يهاجر بالرغم من التهديد والوعيد والازدراء وقد يكون نال المؤمنين الذين كانوا معه جانب من هذا ! ).
قد نفهم من سياق القصة العظيمة في القرآن العظيم في سورة عظيمة " سورة هود" بأن شعيبا عليه السلام كان مرتقب مع قومه وجاهدهم جهادا سلميا ولم يهاجر الى أن بطش ربي بطشته الكبرى بهم وأخذهم بالصيحة ونجاه والمؤمنين الذين كانوا معه من خزي عذاب الدنيا. نعم من سورة هود قد نفهم أن سيدنا شعيبا كان من المستضعفين الذين قد يعفوا الله عنهم لو استكان للظلم ولكنه جاهد في الله خير جهاد بقول الحق ولكن رب العزة لم يصرح بحال المؤمنين الذين مع شعيب عليه السلام كما صرح جل وعلا بحال المؤمنين مع نبي الله نوح عليه السلام بأنهم أراذل القوم "كما يراهم الظالمون المتكبرون" فؤالك من جاء في ذكرهم بأنهم المستضعفين الذين لايستطيعون حيلة. لكن قد يكون من المؤمنين الذين آمنوا بشعيب من مكن الله له ويستطيع الحيله ان أراد الهجرة ولكن آثر المكوث ومع ذلك نجاهم الله.
أيضا سيدنا صالح عليه السلام كان مرجوا في قومه ولم يكن مستضعفا وتعرفون القصة ونجاه الله والذين آمنوا معه وكذلك نفس الأمر لم تأتي في سورة هود تلميحات عن حال المؤمنين الذين آمنوا بصالح عليه السلام كما أتت على ذكر حال المؤمنين الذين أمنوا بسيدنا نوح عليه السلام.
فهل نستطيع الجزم و بأن نأسس قاعدة عامة تسري على كل المؤمنين الذين نجاهم الله مع سيدنا شعيب وسيدنا صالح انهم من المستضعفين الذين لا يستطيعون حيلة بالهجرة وعفى الله عنهم؟ أم أن بعضهم من هو بخير وقوة ولكن آثر الصبر والتحمل في سبيل الدعوة للحق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟ فبالتالي كلا الفريقين استحق النجاة من عذاب الخزي في الدنيا ولا توجد حالات أخرى ؟
شكرا ودمتم
السلام عليكم ، جاء في المقال :الحرية الحقيقية هى التقوى الحقيقية وهى قمّة التغيير الايجابى للنفس
بالرغم من أن المسلم يعرف المسلمات ويرددها ، إلا انها لم تدخل قلبه ، فهل هذا يشبه ما تقوله هذه الآية : {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }الحجرات14
تسجل الآية الكريمة اعترضا على موقف الأعراب الذين يقولون : "آمنا " وتذكر لهم ما ينبغي قوله كوصف دقيق لمستوى ما وصلوا إليه في قوله تعالى : " ولما يدخل الإيمان في قلوبكم " فأين دور العمل الصالح الذي يأتي بعد الإيمان ويكون غالبا دليل عليه . ؟
شكرا . والسلام عليكم
فى الأمم السابقة حيث كانت البشرية جزرا منعزلة متفرقة متباعدة كان الرسول يأتى لقومه ، فيحاربه الملأ المتحكم ويأتى الاهلاك وينجى الله جل وعلا النبى والذين آمنوا معه . كان الاهلاك الكامل للقوم مع المعجزة الحسية أهم سمات تلك الحقبة فى تاريخ الأنبياء .
ثم دخلت البشرية فى عهد جديد بفرعون وموسى والتوراة ، وحدث تحول أصبحت فيه الهجرة واجبة مع الجهاد والقتال ، والله جل وعلا يقول عن وجوب القتال الدفاعى فى هذه الحقبة والتى لا تزال سارية من التوراة الى القرآن : ( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ) ( التوبة 111) . وألايات التى تحثّ على الهجرة والقتال الدفاعى فى القرآن تخاطب المؤمنين وقت وبعد نزول القرآن . ولا شأن لها بالأمم السابقة البائدة قبل القرآن .
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5117 |
اجمالي القراءات | : | 56,871,472 |
تعليقات له | : | 5,451 |
تعليقات عليه | : | 14,828 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
جريمة الإبادة الجماعية بين ( إسرائيل ) والعرب والمحمديين
القاموس القرآنى : ( البشر والانسان )
( من مات قامت قيامته ) تلك الأُكذوبة السلفية الكافرة بالقرآن الكريم
كليوباترا السابعة (إيزيس الجديدة)
ثقافة الاعتماد على الغير عند معظم المسلمين
دعوة للتبرع
لا عمامة ولا لحية : هل اللحي ة والعم امة من شعائر الاسل ام ؟ وهل...
العدة وإختبار الحمل: العدة للتثب ت من خلو الرحم من الحمل . هذا ممكن...
ثلاثة أسئلة: السؤا ل الأول : قرأت لك إن الكفر يعنى...
عقويةعلى غير المسلم : لو فيه تطبيق للعقو بات في الاسل ام مثل فرضا...
هل هناك جنة و نار ..: هل هناك جنة و نار الآن ؟ وهل يوجد الآن...
more
السلام عليكم ورحمة الله أستاذنا الكريم / أحمد صبحي منصور . شكرا لك على هذه المقالات الوعظية التي نستفيد منها بحق .
إن مجاهدة النفس ومقاومة غرائزها ومحاولة السمو بها فوق النقائص التي تجعلها ذليلة رهينة لتلك الغرائز هو أمر ضروري لكل مؤمن وغاية في الأهمية لتحديد هدفه الذي يبغى منه رضا الله تبارك وتعالى .
عندما يتمكن الإنسان المؤمن من التحكم في غرائزه وقمعها ويحاول الهجرة من البلد الظالم أهلها ، وعندما يستطيع الهجرة وتتوفر له سبلها لابد من أن يذكر نفسه باستمرار بالهدف الذي خلقه الله لآجله {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }الذاريات56.
ويجعلها نصب عينيه ويتذكر أن مجيئه للدنيا للاختبار، ومهما طال عمره فمصيره الموت .