إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ
إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ
الأخلاق ٌقبل العبادة أو بمعنى آخر قبل إفعل ولا تفعل ، وذلك حسب تسلسل نزول الوحى. فخاطب الله سبحانه النفوس الذى خلقت قبل الأجساد ووضع فيها حاسية التعرف على الفجور أو التقوى وهذا دليل على أن الله سبحانه أودع فى النفس أخلاقيات ومبادئ يريدها سبحانه من عباده حتى يمكنهم تنفيذ أوامر وأحكام الهدى الذى جاء بعد ذلك ليستحقوا الفوز بالجنة.
نتيجة لذلك فعلينا " الخطوة التالية " أن نقوم بعملية تغير فى حياتنا العامة والخاصة ونعود إلى أخلاقيات القرءآن الكريم لعل وعسي أن نصل إلى مرحلة التقوى ثم الفلاح. لذلك وضع الله سبحانه تعاليم وإرشادات ونصائح لهذا التغير.
فكيف يتم التغييرعلى ارض الواقع:
على المجتمع تقع مسؤولية تغيير ما بأنفسهم من معتقدات وافكار تتلوها مواقف وسلوكيات . فكلمة المجتمع تبدأ من قمة الهرم - أولى الأمر - إلى قاعدة الهرم - عامة الناس - فاذا اردنا ان يُحسِّن اولو الامر اداءَهم فلا بديل إلاّ ان يلتزم عامة الناس بسُنَّة الله في التغيير فيُحسّنوا همْ أداءَهم اوّلا بتغيير ما بأنفسهم من فكر وسلوك فيتبعها أخلاقيات لا إله إلا الله التى تنعكس على التصرفات وترتقى المعاملات ويعُم السلام والأمان، حينئذ على الله سبحانه تغيير اوضاع هذا المجتمع.
فإن لم يغيروا ما بأنفسهم فتظل حالتهم كما هى وربما إلى الأسوأ وعلى ذلك لم يغير الله ما هم عليه ويظل السواد الأعظم يعيش فى جاهلية القرن الواحد وعشرون وتكون النهاية سيئة ومحزنة... فهل من مستمع ... ! وإذا بقى الناس على ما هم علية بالرغم من تغيير أولى الأمر لن يفيد وربما يكون الضرر أكبر.
فعلى كل مؤمن مسلم أن يتذكر قول الله سبحانه " إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ " على وجه العموم إلا " إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ " تواصوا بالحق - كتاب الله وبه تطبيقا فكان عملهم من الصالحات ومن بعدها تواصوا بالصبر على النتائج وإعطاء كل شيئ حقه من الوقت لأن الصبر نحتاجه فى الأعمال الصالحات.
إن العمل بالقرءآن الكريم - الدستور الربانى - هو اقصر طريق إلى الفلاح والنجاح الذى يسعى إليه كل مؤمن مسلم قبل فوات الآوان. لذلك قرن الله سبحانه أجر المصلحين بالذين يُمَسِّكون بالكتاب - القرءآن الكريم الذى أنزله رب السماوات والأرض فى ليلة خير من ألف شهر.
وَالَّذِينَ يُمَسَّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ " الأعراف170 "
"وَالَّذِينَ يُمَسَّكُونَ بِالْكِتَاب" فإذا علم هؤلاء المتمسكين بكتاب الله سنة الله فى الخلق وأنهم دائما فى فتنة مهما طال الأجل وأنهم على عهد وميثاق مع الله وأنهم ملاقوا ربهم طال الأمد أو قصر ، فإذا علموا ذلك يقينا فلا بد أن يكون عملهم فى التغيير يكون بالحكمة والموعظة الحسنة.
إن لم نتمسك بكتاب الله دستور البشرية ونظل نمرح فى الإنحطاط والجهل الذى ترسخ طيلة قرون وعشش فى اذهان الناس - التدين الخرافى الناتج عن الدين الأرضى وسننه البشرية الفاشلة والخطاب الدينى الذى يدعوا إلى الفساد والكراهية والعنف وخطب الجمعة الواهية التى لا تجدى ولا تنفع. ولمن يدعى إن الأُمة أجمعت على صلاة الجماعة فإن الله يقول"أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ"العنكبوت 67
الذين يمارسون شعارات الدين الأرضى والمعوقين عن كتاب الله سبحانه يفرضون على الناس أنْ تتأذى آذانُهم وقلوبهم صباحا ومساءا بالميكروفونات وهي تصرخ بأشعارٍ وكلامٍ يسمونه تسبيحا ودعاءا وصلاة على النبي ، وقرءآنٍ لا يستمع إليه أحد مخالفا لأمر الله "وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ " الأعراف204
يعتبرون ذلك تسبيحا وتنزيها ودعاءا ، ومن يخالفهم فهو منكر لرأى الجماعة وتركوا سنة الله فى الذكر والتسبيح علما أنهم يقرؤن فى كتاب الله " وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ" 7:205
العدل الإلهى والرحمة فى التغييريقول سبحانه وتعالى:
وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ " التوبة 115
" حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ" كيف بين الله للناس حتى ينالوا التقوى فقال سبحانه:
وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ، لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ " الأنعام 155
فاتبِعوه.. لأن البديل هو اتباع السبل التي تُفــرَّقُ :
وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ " الأَنعام 153
نلاحظ فى هذه الآية الكريمة لفظ " لعلكم " من اسلوب القرءآن أن يأتى بلام العِلَّة مثل لعلكم فما يأتى قبلها فهو الوسيلة وما يأتى بعدها فهو الهدف والغاية. فهنا الوسيلة إتباع الصراط المستقيم والغاية من ذلك هو التقوى.
"حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم" ... فزيادة فى التبيين فحذرنا من عدم إتباع الصراط المستقيم وعواقب ذلك أن الله سبحانه وصف هؤلاء الذين لا يتبعون ما بينه الله سابقا واصروا على الخرافات وإتباع غير سبيل الله فقال سبحانه واصفا هؤلاء بالمشركين:
وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ{31} مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ {32} الروم
نزل القرءآن الكريم على قلب رسول الله عليه السلام منذ 1437 سنة نزل فى عصر قمة الجاهلية مبشرا ومنذرا ، ونحن الآن بعد 1437 سنة ما زلنا نعانى من الجهل والمرض والتفرقة والإنحطاط الخلقى والدينى فى معظم الأمة الإسلامية على مسمع ومرئا جميع دول العالم. نزل هذا الكتاب المبين بلسان عربى لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين.
طريقة التدين اليوم لم تؤدى إلى النتائج المرجوة والتى وصى بها رب العالمين فأصبحنا فى آخر ذيل الأمم والشعوب وبدلا من التمسك بكتاب الله المبين، كذبنا بآيات الله ونبذنا كلماته وراء ظهورنا وتمسكنا بتراث مزيف وسنن لم ينزل بها الله وإفترينا على الله ورسوله فكانت النتيجة :
سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ (177) مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (178) وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179) (سورة الأَعراف
فى خلال 1437 سنة كان تديننا على وتيرة واحدة فلم تأتى بالثمار المطلوبة، فهل من المعقول نظل على هذه الطريقة الفاشلة ونعاند ونكابر وما زلنا فى الحضيض، فلماذا لا نقوم بعملية تغيير ولو مرة واحدة وإن لم تنجح فعودوا إلى ماكنتم عليه والله سبحانه أوضح لنا الطريق إلى الهداية ونحن فعلا على شفا حفرة من نار فقال سبحانه:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِفَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) (سورة آل عمران 102 - 103)
معظم الأمة الإسلامية اليوم على شفا حفرة من النار فجاء رب العباد بالحل الأزلى الذى لا بديل له فقال " وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا "و " وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُوا" فإن لم نفعل فأرجو أن كل منا يحاول الإجابة على السؤال الذى سنواجهه يوم ما ولعله قريبا:
السؤال: " أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْماً أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ؟"النمل 84
وفى الختام :
" فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ " سورة غافر 44
اجمالي القراءات
3960
اكرمك الله استاذ محمد صادق - مقال رائع وجميل وفيه اشارات نحتاجها لتلمس طريق العودة والنجاة والتغيير إلأى حيث طريق الصراط المستقيم .وأهمها العودة إلى كتاب الله وحده والتمسك بهديه ورشاده فى الإيمان والمعاملات .وهذا هو منهج (القرءان وكفى ) . وأن آيات الحث على المعاملة الحسنة والأخلاقيات السامية والرحمة والإخاء والإيثار والإحسان لم يُضاههيها أى دستور بشرى أو ينبغيات بشرية حتى الآن ..... وليتنا وليت حُكامنا يؤمنون بأن الإصلاح عملية مُستمرة فى كل وقت وفى كل زمان من خلال قول الله جل جلاله ( وتواصوا بالحق ) ...ومن خلال قوله سبحانه (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض ولكن الله ذو فضل على العالمين )) . ويتركوا المُصلحين ولا يضطهدوهم .