عمر أبو رصاع Ýí 2009-08-17
إن إشكالية النهضة في الذهن السلفوي، ليست إشكالية ثقافية لا من قريب ولا من بعيد، ولا توجد علاقة أصلاً بين ثقافة الإنسان ومستوى تقدمه المادي، بل أن تقدمه المادي، مرهون بتمثله للثقافة الدينية، التي يتصورها ويقدمها حلاً، والتخلف هذا إن وجد، هو تخلف مادي حصراً، والثقافة العربية الإسلامية هي أرقى ثقافة، وأعظم ثقافة، بل هي ثقافة مقدسة، وما بعد تاريخية، ولا يمكن تجاوزها. أما المشكلة المادية فسببها أصلاً، عدم الالتزام بالثقافة العربية الإسلامية، فهذه الثقافة لو ألتزم بها وطبقت نظمها المزعومة، سنتقدم جميع الأمم والثقافات، وتعود مكانة الثقافة العربية الإسلامية التابعة اللامتبوعة، والتي لا يمكن أن تكون إلا كذلك حسب مزاعمهم، والتجديد والاجتهاد كما يرى القرضاوي، ليس إلا عملية ترقيع، أو حسب مصطلحه ترميم لما بلي، لا أكثر ولا أقل.
إن القرضاوي كنموذج سلفي، يقلب كل المعادلات، ويجعل الهرم يقف على رأسه، ويحاول رد المآخذ على قاليها، بقولها لهم!
فيؤلف لنا كتاباً يجعل عنوانه :" التطرف العلماني في مواجهة الإسلام"، وهو من أواخر ما كتب، ليخلص فيه إلى تكفير العلمانية والعلمانيين، وأن العلمانية بكل أشكالها في معركة مع الإسلام اليوم، حتى وإن كانت هذه العلمانية، من ذلك النوع الذي تعلن فيه مسبقاً أن لا موقف لها من الدين؛ وهو يقر لها بذلك قائلاً: "هذه العلمانية من النوع الليبرالي المحايد مع الدين فلا يواليه ولا يعاديه لا يقبله ولا يرفضه" . حتى هذه العمانية المحايدة لا تسلم من تكفيره لها، إذ يرى أن الإسلام في معركة معها، وبالتالي فهو يؤكد عداوة الإسلام الذي يتصوره، لكل ما لا يراه فيه أصلاً، وهذا قمة الإقصاء، والإلغاء، والرفض، والانغلاق، هكذا يكون الحكم الفصل النهائي عنده أن العَلمانية :"بنت حرام....لأنها ليست بنت شرقنا المسلم بل هي بنت الغرب المسيحي" ، فعن أي انفتاح ثقافي، يحدثنا قرضاوي إذن ؟ عن أي قبول للآخر يتكلم، إذا كان القادم من هذا الآخر ابن حرام؛ لأن هذا الآخر مسيحي؟!
إذا كانت الثقافة العربية الإسلامية مقدسة عند القرضاوي، فهي العلة عند محمد عابد الجابري، إذ انطلق الأخير من فكرة مثالية فلسفية، خلاصتها ضرورة تفكيك وإعادة بناء الثقافة العربية، للتحول إلى ثقافة خلاقة ومنتجة ومعاصرة.
في مشروع الجابري الضخم "نقد العقل العربي"، يؤسس الجابري خطابه، على التميز أولاً بين نوعين من العقل، عقل عربي وعقل غربي، ورغم أنه يستبعد التصور الجيني، ويؤكد أنه إنما يعني بالعقل التركيب المفضي إلى التفكير، والحاكم له، بمعنى أن العقل عند الجابري هو الثقافة، أو هو التكوين المعرفي، الذي يتحول بدوره فضاء وحاكم لعملية التفكير، والإنتاج الفكري.
يستند الجابري إلى إشكالية أندريه لالاند "العقل المُكوَّن والعقل المُكوُّن"، ليحكم أولاً بأن هذا العقل غرباً، عقل علمي وفلسفي، أما شرقاً فهو عقل إشراقي، بعيد عن التفكير العلمي والفلسفي، ورغم كم العسف الموجود لنحت هذا الاستخلاص بإقصاء نماذج والاقتصار على أخرى، إلا أن ما يعنينا هنا، هو تأسيس الجابري لأزمة التخلف العربي على أساس ثقافي بحت، ونلمس ذلك بكل وضوح، عندما يتكلم عن كيفية التخلص من هذه الحالة: "كيف نصنع نهضة بدون عقل ناهض؟" إذن الاشتراط الذي يقدمه الجابري للنهضة هو العقل الناهض، والحقيقة أن الإشكالية بهذا الأسلوب، تقف على رأسها تماماً، إذ أن السؤال المنطقي هنا، هو كيف ننتج عقولاً ناهضة إن لم تكن هناك نهضة، إن الجابري يشترط تغيير الثقافة، وتحولها الكلي إلى ثقافة بخصائص متقدمة وعلمية ومنتجة...الخ، دون أن يخبرنا كيف سيتم ذلك؟!
والنتيجة أن مشروع الجابري نفسه، الذي يحاول أن يفكك، ويعيد بناء العقلانية العربية، ينتهي به، إلى محاولة حالية لتقديم قراءة جديدة للنص الديني، تقوم على أساس أسباب النزول!
بمعنى أن الجابري، وبعد كل ما قدمه من نقد لهذه الثقافة وبنيتها، اللاعلمية حسب تصوره بالمطلق، يتوقف بنا وبنفسه ليقدم، أكبر الأدلة على عدم إمكانية الخروج بمنهجيته من أزمة العقلانية، ذلك أنه لم يفعل شيء إطلاقاً إلا العودة وبشكل آلي لتمثل منهاج القراءة التقليدية، المنهاج الذي أنتجته العقلانية التي ينتقد تكوينها ويسمها باللاعلمية، إنه لم يفعل شيء في النهاية، إلا أن اعتمد كلياً، على منهج قرائي سلفي تقليدي بامتياز.
لا نستطيع أن نقف في مسح أولي شامل للمكتبة العربية، على كتب تعالج فعلاً مشكلة التخلف، بإعتبارها مشكلة في الواقع العربي تتمظهر في جزئيات محركة في واقعه، كإشكالية التعليم، وإشكالية الإنتاج، والدخل القومي، والعمل، والبحث العلمي، وقطاعات الطب، والمدن، وإشكالية الزراعة، والصناعة ...الخ، فهذه لا تحظى إلا بأقل القليل من الاهتمام، بينما ينصرف الاهتمام كله عند الحديث عن النهضة أو التخلف، إلى الثقافة، وكيف نتعامل مع الآخر؟ وكل إشكاليات الثقافة العربية، في مواجهة الآخر، وإشكالية التخلف، دون أن تكون إشكالية التخلف نفسها، موضوعاً للدرس وللاهتمام، وللإجابة عن التساؤلات الفاعلة وتقديم الحلول والمخارج.
إن لإشكالية النهضة حضور طاغٍ في الفضاء الثقافي العربي، مختزلة فقط في كونها إشكالية ثقافة، "موضوع النهضة والتقدم في العالم العربي الموضوع الأول والأخير. كل سؤال ينبع منه وكل جواب يطمح أن يصب فيه. أنه في أساس العقل و وعي العالم. ويكاد الرجل العامي يستخدمه أكثر من المثقف والسياسي"
يحدد برهان غليون هدف دراسته "اغتيال العقل"، التي يحاول فيها أن يقارب الإشكالية بأنه : "إنما هدفنا أن ندرس مكانة الثقافة دورها و وظيفتها في هذا الصراع، كخطوة أساسية لفهم علاقتها بمسائل المجتمع والتاريخ الأخرى كالنهضة والهوية والتحديث أو العقلانية...إن هذه الوضعية المتميزة التي أخذتها مسألة الصراع بين المعاصرة والأصالة، هي التي تدفعنا اليوم للبدء في إعادة طرح موضوع النهضة العربية على أساس أو انطلاقاً من مناقشة مسألة الثقافة والتوتر الذاتي الذي تعيشه بين قيم الحاضر المعاصر وقيم الماضي التاريخي."
رغم أن الدكتور غليون يقرر "أن ما تعانيه الثقافة العربية من تمزيق وأزمة، ليس إلا انعكاساً لأزمة المجتمع نفسه" ويؤكد مكوناتها "تشارك في تحديدها عوامل مادية وفكرية متنوعة داخلية وخارجية اقتصادية واجتماعية" وأن هذا "سيساعدنا كثيراً في تحرير مسألة النهضة التاريخية من ملابساتها الإيديولوجية وطرحها بشكلها السليم" إلا أن هذا الإستنتاج العملي، لا يجعل الدكتور غليون، ينتقل بنا إلى مناقشة عملية وعلمية، تعنى بالواقع بجوانبه المادية الاقتصادية والاجتماعية، على أساس أن الحلول الحقيقية هي هنا بالضبط.
لا يفعل ذلك، رغم تأكيده على أن طرح القضية بشكلها السليم، يتم بتحرير مسألة النهضة من ملابساتها الإيديولوجية، وردها إلى محدداتها من عوامل مادية وفكرية داخلية وخارجية اقتصادية واجتماعية.
إن من يقرأ هذا التقييم للدكتور برهان، لا بد وأن يتوقع منه، أن يشرع في قراءة وتحليل المشهد الإجتماعي الإقتصادي، وتحديد مشكلاته القياسية، التي يعول على دراستها في زحزحت هذا الواقع العربي عن مكانته المتخلفة، ودفع عجلة النهضة، لكن ما حدث أن مشروع القراءة الذي قدمه غليون، ما لبث أن ارتد على هذه المنطلقات المؤسسة لخطابه، فأعاد تلخيص الأزمة بأنها أزمة عقل-ثقافة، وأن هدف دراسته هو :"وعي الذات أي فهم القاعدة الروحية والعقلية التي ينطلق منها الوعي العربي الراهن ويتأسس عليه ... إذ ليس للانسان الفرد أو المجتمع أن يحدد أهدافه ويبادر إلى العمل وبذل الجهد ما لم يفهم نفسه ويدرك المشكلات التي تواجهه، ويتعرف على ذاته ويحل أولاً تناقضات وعيه وتمزقاته الذاتية" .
هكذا، ينقلب المشروع النقدي على أسسه عند برهان غليون، فيعود لجعل وعي الذات شرطاً موضوعياً لازماً لإحداث النهضة، تماماً كما اشترط الجابري العقل الناهض لإنتاج النهضة، ولكن السؤال المعلق يظل: من أين ستأتي بهذا العقل الناهض، وكيف؟
أليس علينا أن نبدأ بتحديد آليات خلق أو بعث عقلانية وثقافة منتجة بأن نثورها أولاً في واقعها وليس العكس، بأن نضعها على خارطة التغيير، وفي بيئته، وليس أن نشترط عليها خلق هذه البيئة، فنحن هنا نطالب بالإيجاد من عدم، وإذا كان الجابري من البداية قد أسس قراءته على أساس بنيوي مثالي، فإن غليون رد الإشكالية لأسباب التخلف الاقتصادي والاجتماعي كما ينبغي، ومع ذلك فقد انصب اشتغاله على نقد الثقافة، معتبراً أن وعي الذات هو الخطوة الأولى، والشرط الموضوعي اللازم لحدوث النهضة.
ما فعله الجابري، وغليون كذلك، هو تماماً كمطالبة أمِّي لا يعرف القراءة والكتابة، أن يقرأ، ثم يتمثل، كتاباً في فن الإنشاء والتعبير كي يتعلم هذا الفن!
إن التأسيس السليم لفهم إشكالية التخلف، وتحديد المنطلقات الضرورية في النهضة، يبدأ أساساً من تحديد مفهوم النهضة نفسه، النهضة التي نتطلع إلى حدوثها، فما هي النهضة ابتداء؟
"النهضة هي نقلة نوعية تحوي تغيراً جذرياً في الواقع الاقتصادي الاجتماعي، بحيث تتغير أساليب الإنتاج الاقتصادي، بما تتضمنه من طرائق ومواد وتقنيات وعلاقات إنتاج وأشكال ملكية ……الخ، وكذلك بالضرورة، تغير عالم الأفكار والقيم والعادات والقوانين والأنظمة السياسية……الخ."
كل مجتمع يحكمه شكل عام، هذا الشكل يتضمن جانب مادي وجانب قيمي متداخلين، وفي حالة تفاعل وكل منهما شرط للآخر، وحركة هذا الشكل العام مرهونة بالضرورة بالتحولات التي تطرأ على الجانب المادي المعياري القابل للقياس والدافع للتغيير، وذلك عبر جدلية بين البنيتين المادية والقيمية لهذا المجتمع.
إن هذه الحركة في الشكل العام، تأتي نتيجة التناقضات التي يفرزها تغيير الواقع المادي وحراكه المستمر، وطبيعة الحال، أن الجانب القيمي السائد في مجتمع ما، هو بالضرورة أقل تطوراً دائماً من النموذج المتغيير الإيجابي في واقعه المادي - الجانب الثوري التجديدي أو الأرقى والأطور والتجاوزي إن جاز التعبير في هذا الواقع المادي - وهو يستجيب له بتعديل نفسه خلال تجادله معه، ولا تكون حركة الجانب المادي منه مشروطة بحركة الفكر، بل بالحاجة والدوافع المادية المصلحية البحتة؛ بمعنى أن التغير الذي يطرأ على جانب الحياة المادية لا يأتي نتيجة تغيير البنية القيمية، ولا يدفعه تطور المثل والقيم والعادات والأعراف...الخ، بل العكس تماماً هو الصحيح في هذه العلاقة الجدلية داخل بنية المجتمع الكلية، حيث يمارس الجانب القيمي دائماً بنزوعه للتقنين، نوعاً من القيد على اندفاعات التغيير في الواقع المادي، وكلما اكتملت بنية معينة للمجتمع، استقرت وهيمنت على غيرها، وتشكلت لدى هذا المجتمع ثقافة تحافظ على هذه البنية، وتقنن لهذا الشكل، بحيث تتحول هذه الثقافة بكل مسلماتها إلى قيد على التغيير، وشرط من شروط ديمومة الشكل العام القائم للمجتمع .
بالتالي فإن الغاية الرئيسة لمشروع النهضة هي التثوير، أو إطلاق التغيير في الجوانب المادية القياسية من ناحية، وتحرير الجدلية بينها وبين الجوانب القيمية المعيارية من الناحية أخرى، تحريرٌ يتيح للجوانب القيمية القدرة على الاستجابة للتغير، وبالتالي تجاوز نفسها بحرية وفعالية.
نحن أمام بنية كاملة متماسكة ومتداخلة معاً، وتبدو أجزاءها شروط لازمة لبعضها البعض، لذا فإنه من غير الممكن مقاربة الإشكالية على نحو مجزأ، بحيث يعالج أحد جوانب التخلف دون أخرى. وإذا كان بالإمكان توصيف المجتمع الذي يحتاج لعملية نهضة، فإن الوصف الأمثل هو أن هذا المجتمع يعاني حالة من التخلف، والتخلف بدوره ظاهرة قياسية؛ لأن المتخلف هو متخلف بالنسبة لآخر متقدم عليه، وهذا الهامش قابل للقياس من خلال مظاهر المجتمع المختلفة، سواء كانت اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية، أو في قطاعات كالتعليم والأمن والبنية التحتية...الخ .
إذا كانت الجوانب المادية والقياسية هي المحرك، أو القادح في عملية النهضة، فإنها توجد في حالة تفاعل جدلي بالضرورة مع الثقافة بكل تشكيلاتها وتجلياتها، والفصل الإجرائي بين الاثنين، قد يكون ضرورياً في بعض مستويات التحفيز والتخطيط، إلا أنه يبدو عبثاً في التصور الشامل والنهائي لما هو نهضة فعلاً.
المحرك الحقيقي دائماً في حيوات الشعوب، هو جانب الحياة المادي القابل للقياس المقارن، وما يستطيع فعلاً أن يفسر لنا كيفية توزيع القوى داخل النسيج الاجتماعي، وبالتالي المصالح وارتباطاتها الحقيقية، فضلاً عن قابليته ليكون موضوعاً للقبول العام، ذلك أن النتائج القياسية دائماً ما تمتلك قوة وسطوة الدلالة الدامغة، على عكس المقارنات القيمية التي يصعب ضحدها، خاصة عندما تكون مدعومة بقوة التراث واستقرار العادة، يقول تعالى في التنزيل الحكيم:{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ (170) }(البقرة).
إن كل الظواهر القيمية ترتهن في واقع الأمر للمحركات المصلحية التي توظفها، والقيم والأفكار والقوانين وما تعارف عليه المجتمع، كل هذا ليس كائناً حياً مستقلاً قائماً بذاته ولذاته، بل له ارتباطات حقيقية بالواقع الذي يعيشه المجتمع، وهذا الواقع هو تماماً الذي يتحكم بجدلية هذا الكائن القيمي، ويحدد اتجاه تغيره ونموه وتطوره. فيما تشير الدلائل دائماً إلى ميل القوى المهيمنة والمسيطرة على المنظومة القائمة، إلى الاستفادة من قوة ما استقر وثبت وصارت له سمة القانون العرفي الثقافي، فتعمد إلى توظيفها وجعلها خادمة لمصالحها منسجمة معها، على العكس تماماً من القوى التي تدفع بالاتجاه المغايير، القوى النامية، والتي تعيق القوى المهيمنة تقدمها، بسطوة سيطرتها على المنظومة، وبما توظفه من حشد للقوة الثقافية خلف مصالحها سواء بشكل مباشر أم غير مباشر.
بناء على ذلك فإن المدخل الصحيح لتحديد أين وكيف تبدأ النهضة؟ ينطلق من دراسة هذا الواقع وتحديد قواه الفاعلة سلباً وإيجاباً، داخل نسيجه الاجتماعي الاقتصادي، ومصالحها، وما هو إيجابي منها وما هو سلبي، وما يدفع منها نحو التغيير النهضوي، وما يدفع للمحافظة على التخلف بإدامة سيطرة شروطه؛ أي شروط التخلف.
ليس هذا بحال رفضاً لتطوير الرؤى الاعتقادية والفكرية، بل إننا نعتبرها نتاج طبيعي تطوري لحركة واقع الشعوب، يتفاعل معها ويتبعها ويستجيب لها، ينفعل بها ويفعل على السواء.
السؤال المنطقي إذن: كيف تكون هناك قوة متنامية اجتماعية صاحبة مصلحة حقيقية في التطور والتغيير، ومن هي القوى التي تتصدى لإعاقة التطور؟ تلك هي القضية.
على سبيل المثال لا الحصر نعرف ان المذهب البروتستنتي الذي مثل إصلاحاً دينياً جاء به مارتن لوثر، والذي تبنته ألمانيا مثلاً وشاع في شمال غرب أوربا ، جاء انسجاماً مع الرغبة المتنامية للدولة القومية الأوربية في الفكاك من هيمنة الكنيسة الكاثوليكية، السؤال هنا لو لم تتوفر الظروف الموضوعية التاريخية الحاضنة لهذا المذهب، هل كان من الممكن أن يكتب له النجاح والانتشار؟!
بطريقة أخرى، لو أن المذهب البروتستنتي ظهر في مرحلة تاريخية سابقة، وخرج مارتن لوثر على الناس بأفكاره تلك قبل قرنين من زمن ظهوره، هل كان ليحفى به ويتحول مذهبه إلى مذهب ديني هو الأوسع انتشاراً مسيحياً، كما هو الحال فعلاً؟
المسألة أن الطرح الفكري والديني الجديد، يأتي استجابة لاحتياجات الجماعات البشرية، يحاكي واقعها هي الاقتصادي الاجتماعي، وكذا القانوني وكل مكونات البنية القيمية للمجتمعات .
لا أدري لماذا يكتب على كل تعليق لي (تعديل التعليق) . والأمر الذي يحيرني أنهم لم يعدلوا شيء على التعليق. لهذا أطمئنك أن ما كتبته هو نفسه التعليق المنشور والمعدل.
تحية واحترام وبعد
الأستاذ الفاضل زهير
بداية أنا درست هذه المرحلة بطبيعة الحال دراسة مستفيضة، إلا أني لم أحضرها ذلك أني من مواليد عام 76.
وبعد
اتفق معك كل الاتفاق في أن عامل التوجهات الثورية للمجتمعات النامية، عبر النخب العسكرية كان البوابة التي عبرنا منها، نحو سيطرة طبقة طفيلية، كرست هيمنة الثروة الريعية والفساد وأعدمت مقومات الحراك الجدلي الدافع للتطور، على أي حال ما هو منشور أعلاه هو جزء من الفصل الأول لكتابي: "الخطاب الاقتصادي الإسلامي وإشكالية الربا والمصارف" الذي سيصدر قريباً، لكن إشكالية النهضة ذاتها ستكون موضوعاً مستقلاً لكتاب قادم لازال قيد الإعداد ربما أصدره بعد كتاب "من المعتزلة إلى القراءة المعاصرة - استئناف العقلانية العربية"، وما مقاربة الإشكالية في كتاب الخطاب الاقتصادي…، إلا بهدف البحث في جذور الأزمة المنتجة لظاهرة أسلمة المعرفة في ظل الخطاب الإسلاموي التعبوي المهيمن، وسوف نستفيض إن شاء الله بدراسة إشكالية النهضة على نحو معمق في كتاب قادم كما قلت، إذ لا زالت القراءة العربية في هذا الجانب بنظري قراءة مقطعية، تحلل الأزمة تحليلاً مثالياً، بصفتها أزمة عقل-ثقافة، دون سبر غور الإشكالية في واقها هي، وإذ كنت بدأت رحلة بحثي المتواضعة والتي انفقت فيها عمري كله، ميالاً نحو المادية الجدلية حتى بصيغتها الثورية، إلا أن قراءتي النقدية للماركسية اليوم تستفيد من قوانين الجدل المادي في القراءة دون أن تتفق مع الاستنتاجات، وينطلق نقدي للقراءة الناتجة لماركس (المادية التاريخية) من أكثر من مرتكز على رأسها، تناقض محاولته إعدام الجدلية في التاريخ، رغم إقراره بأنها الثابت الوحيد، وهو إذ يبني قراءته الثورية يبنيها على قسمة المجتمع أفقياً، وأنا اعتقد أن مشروع النهضة ينبغي أن يقسمه عمودياً، بمعنى أن المطلوب أن يعبر مشروع النهضة بشكل أعمق، وأكثر صحة، عن مختلف شرائح وطبقات المجتمع، لا يعني هذا غياب الطليعة الطبقية، لكنه أيضاً لا يلغي أن المشروع، ينبغي أن يعبر بشكل أعمق عن مصالح مختلف طبقات المجتمع، فلا يضع طبقاته وشرائحه في حالة تقابل، طالما بالإمكان أن يحتويها معاً مشروع لمصلحتها جميعاً.
للحديث بقايا بطبيعة الحال وشكرا للمرور الكريم
ملاحظة: عبارة تعديل التعليق لا يراها إلا صاحب التعليق، وإذا ضغط عليها يتمكن من تعديل تعليقه المنشور على الموقع.
ودمت
تاريخية المصحف -3- (في نقد المرجعية التراثية: أ- الأسس العقيدية)
تاريخية المصحف -2- (القطيعة المعرفية وعمى الزمن)
مفهوم الكفر بأستثناء الشرك منه
تعليقاً على سفر الشباب لإسرائيل ...!!!
هل القصد إقامة دولة إسلامية أم السيطرة
تعليق على ما ورد فى برنامج الحقيقة المذاع فى قناة دريم حول القرآنيين
دعوة للتبرع
التحية باالانحناء: بعض الناس عند الملا قاة ( لقاءا لآخر ) يقبل...
ركعة السهو : هل تجوز زيادة ركعة لصلوة المغر ب عمدا...
الدعاء لغير المسلم: هل هو حرام طلب الرحم ة للميت الغير مسلم من قبل...
لجوء سياسى: أريد أن أقدم على لجوء سياسى هنا فى أمريك ا على...
اربعة أسئلة : السؤ ال الأول : عند� �ا ان الشخص الناص ح ...
more
أحيك على هذه المقالة أو هذا البحث القيم تحت عنوان انهضة.أو كيف ننتج عقولاً ناهضة.
لا أدري كم هو عمرك ,؟سؤالي هذا يعديني الى مرحلة هامة جداً من مراحل التطور في بلادنا وأخص سوريا ومصر والعراق .في مرحلة على ما أعتقد الستينات إن كنت تذكر ذلك,حيث تبنت القيادة السوفياتية أنذاك مسألة الوصول الى الأشتراكية في بلدان العالم الثالث دون المرور بمرحلة الرأسمالية ,أي من الأقطاع الى الأشتراكية ,وقد جرى صراع فكري كبير حول صحة هذه الاتجاه ,في الحقيقة كان خرتشوف الأب الروحي لهذا الطرح .حجتهم أن مجتمعات دول العالم الثالث ,يمكنها تخطي مرحلة الرأسمالية ,وذلك من خلال دعم المنظومة الأشتراكية المادي لهذه الدول ,بحيث تساعدها على إيجاد الطبقة العاملة المؤهلة فوراً للدفاع عن مصالحها.وكانت هذه برأي من اكبر الأخطاء النظرية التي أرتكبتها القيادة السوفيتية أنذاك.والسبب ,أنه بتجاوز المرحلة الرأسمالية أو البرجوازية ,خلقت هذه الحالة الظروف المناسبة لظهور البرجوازية الطفيلية ,المدعومة من انظمة الحكم ,والتي في الحقيقة تلونت بمبادئ الآشتراكية في البداية والمدافعة عن حقوق الطبقة العاملة الى أن تمكنت أقتصادياً وسياسياً.وجاء سقوط المعسكر الآشتراكي ,ليترك لها الساحة مفتوحة للتغول في حقوق الناس ونشر الفساد ,وجمدت التطور الاقتصادي الذي من المفروض أن يخلق برجوازية منتجة .هذه ملاحظة بسيطة .والمقالة فعلاً تعتبر دراسة متكاملة. شكراً لك