غزة: القمم والفضائيات العربية والسفوح:
غزة: القمم والفضائيات العربية والسفوح

سعد الدين ابراهيم Ýí 2009-01-24


قمة الجبل هى «أعلى» نقطة فيه، وسفح الجبل هو قاع أو «أدنى» نقطة فيه. وكثيراً ما تُستخدم كلمة «القمة» وجمعها قمم، مجازاً لوصف اجتماعات الرؤساء والزُعماء. ولكن نادراً ما تُستخدم كلمة «سفح»، وجمعها «سفوح» لوصف ما يحدث فى قاع المجتمع، أو القواعد الشعبية. و«الفضائيات»، هى إشارة للقنوات التليفزيونية، التى يُشاهدها الناس عبر الحدود القُطرية، أى التى لا تخضع لسيطرة أو هيمنة الحكومات فى مُختلف الأقطار.

وخلال «حرب الأسابيع الثلاثة&te;» على غزة، كانت دراما المشهد الإقليمى تتجلى بالصوت والصورة على العديد من القنوات التليفزيونية للفضائيات العربية والأجنبية. وكانت عناصر هذه الدراما، كما يلى:

١ـ إسرائيل تُشدّد حصارها على مليون ونصف مليون فلسطينى فى قطاع غزة، وتدك مُقاتلى حركة حماس، التى تُسيطر على القطاع منذ انتخابها، فى فبراير ٢٠٠٦، وتستخدم فى ذلك أحدث ما تُنتجه مصانع السلاح الأمريكية، وأكثرها فتكاً ودماراً.

٢ـ مُقاتلو حماس يُقاومون الهجوم الإسرائيلى ببسالة مُنقطعة النظير، ويستخدمون فى ذلك أسلحة خفيفة ومتوسطة، وصواريخ قصيرة المدى (أقل من خمسين كيلو متراً)، بعضها تم تصنيعه داخل قطاع غزة، ومُعظمه تم تهريبه من مصر وإيران، عن طريق سلسلة مُعقدة من «الأنفاق».

٣ـ شعب غزة من كل الأعمار يتعرض لغارات إسرائيلية مُكثفة من الجو، وقذف بالمدافع من زوارق البحرية الإسرائيلية، التى اشتركت فى الحصار والحرب من البحر. ويفقدون، أكثر من ألف وثلاثمائة قتيل وأكثر من خمسة آلاف جريح، خلال الحرب.

٤ـ الشعوب العربية، عند القاع، تتعاطف مع حماس، وتغضب. وتُعبّر عن هذا التعاطف والغضب، بالمُظاهرات، والتبرعات من أقصى الشرق إلى أدنى الغرب. وشاركهم فى ذلك الجزء الأكبر من الرأى العام فى البُلدان الإسلامية والأوروبية. والشاهد أن جُزءاً من الغضب الشعبى العربى كان موجهاً إلى أنظمتهم الحاكمة، بقدر ما كان موجهاً ضد إسرائيل والولايات المتحدة.

والشاهد التاريخى أيضاً إلى ذلك هو أنه بقدر ما تُحدث إسرائيل من نكبات ومحارق للشعب الفلسطينى، بقدر ما تُحدث المسألة الفسلطينية عموماً من حركة سياسية فى الشارع العربى خارج فلسطين، وبقدر ما تهز الأنظمة العربية الحاكمة، وهو ما ينقلنا إلى العنصر الخامس فى هذه الدراما.

٥ـ القمم العربية. النظام العربى الرسمى هو مُجمل العلاقات والتفاعلات بين الدول والمؤسسات العربية الحكومية وغير الحكومية. ومن أهم مظاهر هذا النظام العربى الرسمى جامعة الدول العربية، التى تأسست عام ١٩٤٥، بعد أن نالت سبعة بُلدان منها استقلالها. وقد وصل عدد أعضائها خلال نصف القرن التالى إلى ٢٢ دولة.

وأعلى مُستوى لهذا النظام العربى الرسمى هو مُستوى الملوك والأمراء ورؤساء الدول الأعضاء. وحينما يجتمعون على هذا المُستوى يُسمى اجتماعهم مجازاً باجتماع «القمة». ولم يحدث خلال الستين عاماً الماضية أن وصل عدد اجتماعات القمة إلى ما وصل إليه فى عام واحد، بل فى شهر واحد، بل فى أسبوع واحد مثلما حدث هذه المرة بسبب حرب غزة.

فقد عُقدت ثلاثة مؤتمرات قمة عربية: أحدها فى الرياض لدول مجلس التعاون الخليجى (١٤-١٥ يناير)، والثانية فى الدوحة لدول عربية خليجية وغير خليجية، بل غير عربية، مثل إيران وتركيا. (١٦-١٧ يناير)، والثالثة فى الكويت (١٩-٢٠ يناير). وكانت الحرب فى غزة هى الموضوع الرئيسى لهذه القمم الثلاث وما كان لذلك أن يحدث لولا مركزية المسألة الفلسطينية من ناحية، وضراوة العدوان الإسرائيلى من ناحية ثانية، وصمود مُقاتلى حماس من ناحية ثالثة، ومُظاهرات الشارع العربى من ناحية رابعة.

ولم ينعقد هذا العدد غير المسبوق من القمم العربية خلال أى حرب سابقة فى تاريخ الصراع الإسرائيلى (١٩٤٨-٢٠٠٩). هذا فضلاً عن قمة رابعة دعا إليها الرئيس المصرى حسنى مُبارك فى شرم الشيخ، وكانت أساساً قمة مصرية أوروبية، حيث شارك فيها رؤساء جمهوريات ورؤساء وزراء من فرنسا وبريطانيا وألمانيا وتشيكيا، (١٧- ١٨ يناير) وركّزت على المُطالبة بوقف إطلاق النار، وإعمار غزة، والمُساهمة فى قوات دولية تتمركز داخل القطاع للمُساهمة فى تثبيت وقف إطلاق النار.

٦ـ الفضائيات العربية. ما كان لحرب غزة أن تُثير ما أثارته من تفاعلات عربية وعالمية، على مُستوى القمم وعلى مُستوى السفوح إلا بسبب لاعب جديد على المسرح، وهو الفضائيات الإعلامية، التى نقلت بشكل غير مسبوق دراما ما يحدث فى غزة، يوماً بعد يوم، وساعة بعد ساعة. وقد كانت قناة الجزيرة فى المُقدمة، حيث استمرت تغطيتها لوقائع تلك الحرب مُستمرة منذ الدقيقة الأولى لإطلاق النار إلى تاريخه.

وهى التى أجبرت الفضائيات العربية والعالمية الأخرى على مواكبتها. وتلتها فى ذلك قناة العربية، والـ (CNN)، و(BBC). وأسهمت هذه التغطية الإعلامية الكثيفة، لا فقط فى تعريف مُشاهديها بما يحدث فى غزة وتداعياته، ولكنها أسهمت أيضاً، ربما بشكل غير مقصود أو محسوب، فى إثارة قطاعات كبيرة من الرأى العام العربى والعالمى ودفعتها للتظاهر والاحتجاج، وبالتالى دفعت الحكومات والمؤسسات العربية والدولية للحركة.

والشاهد هنا أيضاً هو أن الإعلام أصبح أحد الفواعل المُستقلة فى التفاعلات السياسية والإنسانية على كل المُستويات المحلية والوطنية والإقليمية والدولية.

٧ـ تنامى دور المُحيط وتناقص دور المركز. يرتبط بالعنصر السادس، أعلاه، أن خريطة التفاعلات العربية بدأت تشهد تغيراً فى موازين التأثير والقيادة. فلم تعد القاهرة مثلاً هى مركز الحركة الرئيسى فى النظام العربى، ولا دمشق. ولكن دخل الخليج كمُنافس لهما.

فليس صُدفة أن القمم العربية الثلاث حول حرب غزة تمت فى عواصم خليجية (الرياض، الدوحة، الكويت).

وحينما حاولت مصر أن تلحق بمُبادرات القمم، فإنها فعلت ذلك فى شرم الشيخ لقيادات أوروبية أساساً، ولم يحضرها من العرب إلا ملك الأردن (عبد الله الثانى) ورئيس السُلطة الفلسطينية (محمود عباس).

وهو دليل على حيوية أقطار فى المُحيط الخارجى أو هوامش الوطن العربى الكبير، وتناقص حيوية المركز. ويرتبط بذلك، أن مقار الفضائيات العربية هى أيضاً فى الخليج وليس فى القاهرة أو دمشق أو بيروت.

لقد كانت المسألة الفلسطينية دائماً مصدراً رئيسياً فى التفاعلات العربية، بما فى ذلك تغيير الأنظمة الحاكمة. ولم يكن صُدفة أن أحد أسباب ثورة يوليو ١٩٥٢ هو الهزيمة فى فلسطين، وهى التى أودت بالنظام الملكى. وحدث شىء مُشابه فى سوريا من قبل وفى العراق واليمن والسودان وليبيا من بعد.

كما لم يكن صُدفة أن الرحيل المُبكر لعبد الناصر كان بسبب هزيمة ١٩٦٧، التى قال عنها أحد كبار رفاقه إنه مات بسببها فعلياً، رغم أن وفاته الإكلينيكية (١٩٧٠) تأخرت ثلاث سنوات.

كذلك قال من اغتالوا الرئيس أنور السادات (١٩٨١) إن أحد دوافعهم كان توقيعه مُعاهدة سلام مع إسرائيل. والشاهد أن المسألة الفلسطينية ما زال لها تأثير وجدانى هائل فى الشارع العربى، عند السفوح. وكانت الحركة عند السفوح، بسبب حرب غزة، هى التى حرّكت القمم العربية.

فهل ستهتز، ثم يسقط بعض هذه القمم قريباً؟

اللهم فافعل، آمين.

اجمالي القراءات 11169

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (3)
1   تعليق بواسطة   كمال بلبيسي     في   السبت ٢٤ - يناير - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[33384]

آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآمين

أللهم أسقطهم مثل حجارة الدمنو


شكرا دكتور سعد


ونرجوا من الله العلي القدير ان يستجيب لدعئنا


2   تعليق بواسطة   عمار نجم     في   السبت ٢٤ - يناير - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[33385]

صدقت أيها الأستاذ الجليل

نعم كلامك صحيح 100% يا ابن خلدون المعاصر       فلسطين هي أم القضايا و هي قلب الوجدان العربي و الإسلامي           عندما تساءل أحد غير العارفين بالسياسة لماذا فلسطين و ليس  دارفور     كان جوابي        و هل أسرى الله بعبده إلى دارفور يا أستاذ .......     لكنهم حذفوا تعليقي و كأني قلت كفرا أو بهتانا          مع أني لم أقل إلا حقا واقعا        و ها أنت تقول نفس الكلام و تنصفني و تضع علامة إستفهام كبيرة في وجوههم          هم يعتبرونك عالما لا يشق لك غبار في الإجتماع و السياسة          هم يعتبرونك معلما لهم              و لكنهم يعتنقون أفكارا سياسية لا علاقة لها بأفكارك      هم يحملون أفكار الدكتور شاكر النابلسي (غض)        أفكارهم تناقض أفكارك فكيف يكونون تلاميذا لك          ألا تعتقد أنهم جميعا بحاجة إلى إعادة تأهيل سياسي       قد يكون من الملح و العاجل أن تقوم سيادتك بعمل عدة محاضرات تصحح بها عقيدتهم السياسية        محاضرات أون لاين لتعذر جمع شتات الناس المتبعثرين هنا و هناك في مكان واحد          و الله أنا مستغرب جدا و عاوز حد يفهمني إذا كنت أنت المعلم و هم التلاميذ فلماذا لا يأخذون برأيك السياسي         ألست أنت أهل الذكر في مجال السياسة و هم يدعون ليل نهار إلى الأخذ برأي أهل الذكر      و يعرفون أهل الذكر بأنهم العلماء المتخصصون في المجال محل السؤال            لماذا يقولون ما لا يفعلون       قولوا لي لماذا لماذا لماذا


3   تعليق بواسطة   فتحي مرزوق     في   الأربعاء ٠٤ - فبراير - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[33877]

الإعلام سلاح جديد يستخدمه العرب

الإعلام عبر الفضائيات كان سلاحا فعالا استخدمته القوى السياسية في الخليج في حرب الاسابيع الثلاثة , وغير من النتائج على الصعيد الرسمي لبعض الانظمة ومن رد الفعل الصادر منها , ومن بينها مصر  مما سوف يكون لهذا الاعلام في القضايا الإقليمية دور لا يجب التقليل من شأنه , أشكرك دكتور سعد على التحليل العلمي  لموضوع حرب الاسابيع الثلاثة على  (غزة) . 


أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2007-03-23
مقالات منشورة : 217
اجمالي القراءات : 2,327,582
تعليقات له : 0
تعليقات عليه : 410
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt