دمقرطة الاخوان المسلمين
بسم الله الرحمن الرحيم
د. أحمد صبحى منصور
17 اكتوبر 2007
دمقرطة الاخوان المسلمين
هل يمكن أقلمة الحركات (الإسلامية؟؟) مع التقاليد الديمقراطية؟
أولا
ليست الإجابة على هذا السؤال رجما بالغيب ، مع أن الإجابة تدخل في إطار التكهن بمستقبل الحركات السلفية السياسية ـ والمستقبليات علم قائم بذاته ـ والتكهن بمستقبل الحركات السلفية السياسية يكون سهلا وأقرب للحقيقة عندما تعود للجذور ، أي تفهم المستقبل بالتعمق في فهم الماضي ، ويصدق هذا كثيرا عندما تبحث في جذور حركة ماضوية بطبيعتها مثل الحركة السلفية التي تعيد إنتاج الثقافة السلفية الماضية .
باختصار في إجابتنا على سؤال إمكانية أقلمة هذه الحركات مع التقاليد الديمقراطية نقول أن هذا التأقلم يتوقف على عوامل أساسية وأخرى طارئة ، وتتعلق كلها بالجذور الفكرية والاجتماعية والجغرافية للحركة السلفية المراد بحثها .
ثانيا
ولتبسيط الموضوع نقول إن هذه الحركات السلفية السياسية هى فى الأصل حركات دينية لها مرجعية دينية مذهبية تريد فرضها و الوصول للحكم عن طريقها . هذه الحركة الدينية السياسية تنتمي إلى نوعية من التدين السائد لدى الشعب ، وهذه النوعية من التدين أو الرؤية الدينية للشعب متاثرة بالظروف التى يعيش فيها ذلك الشعب ، فالمنطقة الجغرافية لهذا الشعب أثرت بدورها على تاريخه وعقليته وثقافته وبالتالي على نوعية التدين التي يختارها ، وهنا تتفاعل الجذور الثقافية والتاريخية والفكرية في اختيار نوعية التدين ، نوعية التدين هذه تكون بالتالي دستور الحركة السياسية النابعة من هذا التدين مهما اختلف الزمان .
وهذه هي العوامل الأساسية .
إلا أنه قد يحدث غزو فكرى لأيدلوجية دينية في أحد العصورلأحد الشعوب التى لها تدين مختلف ، ويستطيع هذا الغزو الفكري أن يحدث تغييرا نوعيا في التدين السائد لذلك الشعب ، وتتأثر بذلك الحركة الدينية لهذا الشعب ويتحول خطابها إلى طريق آخر مغاير لما استقرت عليه الثقافة الدينية والفكرية لذلك الشعب .. وهذه هي العوامل الطارئة.
وبعد هذا التقعيد النظري تعالوا بنا إلى الشرح والتمثيل .
ثالثا
إن المناطق الصحراوية القاحلة بطبيعتها القاسية هي مناطق تطرف فكرى وسفك للدماء وانتهاك للحقوق يسرى هذا على منطقة (نجد) التي نبعت منها حركات الردة والفتنة الكبرى والخوارج في القرن الأول الهجري ، ثم حركات الزنج والقرامطة في العصر العباسي ، ثم الفكر الوهابي المتشدد في عصرنا الراهن ، كما يسرى هذا على صحراء شمال أفريقيا في الجزائر ، في الصراع المحتدم بين العرب والبربر في القرن الأول بعد الفتوحات الإسلامية ، إلى الصراع القبلي داخل العرب وداخل البربر بين قبائل زناته وقبائل لمتونه وقبائل صنهاجة. وفى كل الأحوال بين نجد فى الجزيرة العربية وفى الجزائر وشمال أفريقية يستتر الصراع خلف شعارات دينية .
والعلامة عبد الرحمن بن خلدون أستخلص في مقدمته قوانين هذا الصراع ، حين قرر أن العرب لا يحصل لهم الملك إلا بدعوة دينية ، وأنهم إذا وصلوا لحكم بلد ما أسرع فيها الخراب . ويتردد وصفه لهم بالعصبية والتوحش مع أنهم دعاة وخلافة وملك إسلامي يراه ابن خلدون أفضل من الملك الطبيعي القائم على التعقل ( راجع كتابنا : مقدمة ابن خلدون : دراسة تحليلية أصولية تاريخية ـ نشر مركز ابن خلدون ودار الأمين فى القاهرة ).
وما قرره ابن خلدون منذ سبعة قرون يكاد ينطبق على أحوال الحركات السلفية بين نجد (السعودية) والجزائر، فالتدين هنا يقوم على أساس التطرف والتعصب وسفك الدماء والاستحلال ، وكل ذلك تحت غطاء شرعي منسوب زورا للاسلام عبر احاديث ضالة وفتاوى ما انزل الله تعالى بها من سلطان ، ولكنها تحظى بايمان أتباعها لأنها تعبر عن ثقافتهم الدموية المتوارثة و تعطيها غطاء شرعيا يتحول به الارهاب وقتل المدنيين السالمين عشوائيا او تعمدا الى (جهاد ). ولذلك لا نعجب مما يحدث في الصراع الجزائري بين إرهاب السلطة وإرهاب الحركة السلفية ، هذا يذكرنا بالصراع القبلي في القرون الوسطي بين العرب والبربر .
وحتى بعد أن انتشرت الطرق الصوفية هناك منذ القرن السابع الهجري ، إلا أن ثقافة التطرف والعنف الأصيلة في المنطقة حولت التصوف ـ وهو بطبيعته يقوم على المسالمة ـ إلى ما يشبه الحركات المسلحة.
وفى العصر الحديث تم صبغ التعريب في الجزائر بالفقه السلفي الحنبلي الوهابي العنيف عن طرق دعاة السلفية من محمد الغزالى والشعراوى وأئمة الاخوان المسلمين ودعاة الوهابية ، وعليه تمت صياغة العقلية الشبابية الجزائرية في التعليم والأعلام وأصبح من السهل على أبناء هذا الجيل أن يقطع رقاب الأطفال والنساء تقربا لله وبزعم الجهاد في سبيله.
إن جبهة الإنقاذ الجزائرية حين أوشكت على الوصول إلى الحكم بالانتخابات أعلنت الجزائريين بالاستعداد لتغيير سلفى متشدد قادم ، وهذا التطرف السلفى الموعود واجهته السلطة العسكرية بتطرف آخر تمثل في إلغاء الانتخابات أولا ، ثم في المذابح الجماعية المتبادلة بين الفريقين ثانيا ..
وما حدث في الجزائر يحدث نظيره في أفغانستان وكان يحدث من قبل أثناء تأسيس الدولة السعودية الأولى والثانية في غفلة من الإنسانية .
ومن هنا فإن هذه النوعية من الحركات السلفية الوحشية لا يمكن بسهولة ترويضها وأقلمتها مع التقاليد الديمقراطية بسبب هذه الجذور الفكرية والاجتماعية الأساسية المتاصلة فيها.
رابعا
أما المناطق الزراعية الخصبة معتدلة المناخ فلها وضع آخر ، إذ تنعكس ظروفها المعتدلة على ثقافة الإنسان فيها ، إذ يكون أميل إلى الصبر والتسامح والمسالمة والاعتراف بالآخر ، وبالتالي فان نوعية التدين لديه ترتكز على هذه القيم .
ومصر هي النموذج الكلاسيكي لذلك التدين.
وحين كانت العصور الوسطي هي عصور التطرف الديني والحروب الدينية والتعصب الديني ومحاكم التفتيش فان حركات التعصب الديني فى مصر كانت مجرد جمل اعتراضية في التاريخ المصري يقوم بها حاكم أجنبي أو فقيه مغربي ، وبعد هذه الأحداث المتطرفة الاعتراضية يعود التاريخ المصري إلى طبيعته في التسامح .
ولذلك فان المقريزى في "الخطط " يحكى تعجب ابن خلدون حين أتى إلى مصر من المغرب ورأى كيف أن العابد فى مصر مشغول بعبادته والماجن العربيد مشغول بمجونه ، لا ينكر هذا على ذلك ولا يتدخل هذا فى حرية ذاك . وقد تعجب ابن خلدون من تلك الأحوال العادية فى مصر وقتها لأن ذلك مخالف لبيئته المغربية ..
ولكنها مصر التى كانت!!!
ولذلك كان التصوف هو نوعية التدين السائدة في مصر ، والتصوف يقوم أساسا على التفرق والاختلاف ، يقول رويم الصوفي كما جاء في ترجمته في الرسالة القشيرية:( الصوفية بخير ما اختلفوا ، فان اتفقوا فلا خير فيهم )، ويقول الصوفية المصريين : (كل شيخ وله طريقة )، وقد أصبح هذا القول مثلا شعبيا مصريا يبرز دليلا على الاعتراف بالاختلاف و التسامح معه وتقريره أصلا فى الحياة ، لذلك تكاثرت الطرق الصوفية وتشعبت في جو من الحرية الدينية والاجتماعية يتفق مع الطبيعة المصرية.
وكان ذلك واضحا طيلة العصور الوسطي إلى مطلع العصر الراهن حين تغيرت أحوال مصر بسبب الغزو الفكرى الوهابى.
و تركيا ايضا مثال واضح فى تجربة حزب الرفاه واربكان، ثم حزب رجب أردكان و عبد الله جول..
فالثقافة التركية الدينية تقوم أساسا على التصوف ، والحركة الدينية التركية نشأت فى أحضان العلمانية التركية الأتاتوركية، وحين واجهت الحركة الدينية الصوفية تلك العلمانية الأتاتوركية فانها واجهتها بالاعتدال ووضعت نفسها في إطار ديمقراطي رغم أن العلمانية التركية علمانية متطرفة لا تختلف عن العلمانية الجزائرية كثيرا، والسبب أن الثقافة الدينية التركية الصوفية قامت بتلطيف جو الصراع السياسي على الجانبين العلماني والديني ، ومن هنا اختلف اربكان في تركيا عن الطالبان في أفغانستان نظرا لاختلاف الجذور الفكرية و الاجتماعية بين تركيا وأفغانستان .
خامسا
نعود إلى مصر،وقد جاءها وافد سلفي من السعودية فأنشا فيها حركة الإخوان المسلمين. الإخوان ثقافتهم الدينية سلفية وهابية ـ وقد تعرضنا لبحث ذلك فى ابحاث سابقة منها ( شجرة الاخوان المسلمين زرعها السعوديون فى مصر )، و جاء التفصيل فى كتابنا المنشور فى موقعنا عن جذور العنف فى الوهابية و الاخوان المسلمين :
http://www.ahl-alquran.com/arabic/book_main.php?page_id=10
وخلال عشرين عاما "1928-1948" أقام حسن البنا خمسين ألف شعبة للإخوان ، وبهم استطاع أن ينشر دعوته السلفية وان يجعل لحركته موضعا هاما بين الشارع السياسي والشارع الشعبي داخل مصر وخارجها مستغلا الظروف الليبرالية و السياسية و الاجتماعية وقتها . ثم تحالف الإخوان مع الضباط الأحرار وقامت الثورة ، ثم اختلفوا مع عبد الناصر فتآمروا عليه فعصف بهم فهاجر أعمدة الإخوان إلى السعودية موطنهم الفكري .
وحارب عبد الناصر الإخوان سياسيا ولكنه لم يواجههم فكريا ، فظل الفكر السلفي حيا بين جنبات الأزهر وفى المساجد المصرية والجماعات السلفية التى ابتعدت تكتيكيا عن السياسة وتفرغت للدعوة ، مثل ( انصار السنة ) و (الجمعية الشرعية ) و ( الشبان المسلمين ) وبهم استمر السلفيون يصيغون عقلية الشباب حتى إذا جاء السادات وجد الأرضية ممهدة له لكي تتقبل أن الفكر السلفي ليس فقط ممثلا للفكر الإسلامي ، بل للإسلام نفسه . وهكذا تحول التدين المصري من التسامح إلى التعصب ، ومن المسالمة إلى العنف والإرهاب ، ومن الاعتدال إلى التطرف والغلو ، وهذه هي سمات الحركة السلفية السياسية للاخوان المسلمين و ما نشا عنها من تنظيمات علنية و سرية.
ولكن العمل السياسى يستلزم ازدواجية الخطاب أحيانا ، وهذا ما تفوق فيه الاخوان المسلمون على غيرهم .
فبسبب وجود الاخوان المسلمين المصريين فى بيئة ـ كانت ليبرالية استفادوا منها فى تدعيم وجودهم ـ فانهم كانوا يبطّنون ثقافتهم السلفية الارهابية المتشددة بمزاعم الاعتدال.
هذا الاعتدال المزيف يفضحه كتاب (فقه السنة ) لمفتى الاخوان الشيخ سيد سابق ـ هذا الكتاب الذى كتب مقدمته الشيخ حسن البنا بنفسه. والذى يكرر فيه الشيخ سيد سابق آراء ابن تيمية ومتطرفى الحنابلة ، ومنها قتل الزنديق حال العثور عليه وبدون محاكمة و حتى لو تاب . والزنديق هو المسلم المؤمن بالقرآن والسنة و لكن يخالف الحنابلة فى الرأى ، ولديه القدرة على مناقشتهم والتغلب عليهم بالحجة ،ولذلك يجعلونه زنديقا ويحكمون بقتله بدون نقاش وحتى لوتاب .
ومعلوم أنه بعد فضيحة ( العربة الجيب ) واكتشاف التنظيم السرى للاخوان قبيل مقتل حسن البنا ، أن أوامر الاغتيال كان يصدرها حسن البنا سرا فإذا وقع الجناة فى الاعتقال سارع البنا بالتبرؤ منهم قائلا : (ليسوا اخوانا و ليسوا مسلمين ) .
هذه طبيعة الاعتدال المزعوم فى ثقافةالاخوان المسلمين ، والتى اضطروا اليها فى التعامل مع البيئة المصرية القائمة ( وقتها ) على التسامح والاعتراف بالاخر و التعددية . قابلوا هذا التسامح بالتآمر والاغتيالات.
ومعلوم أن أشهر من تعامل مع الاخوان المسلمين أصبح ضحية لهم من الخازندار والنقراشى و ماهر الى السادات ..
سادسا
والسؤال الآن : هل يمكن للحركة السلفية في مصر أن تتأقلم مع التقاليد الديمقراطية ؟
والإجابة : بالنسبة لجيل الشيوخ " فوق الستين عاما" صعب جدا التأقلم...
بالنسبة لأجيال الشباب فانه ممكن بشروط : الإصلاح السياسي والإصلاح الاقتصادي وقبل ذلك الإصلاح الديني ، بفتح الطريق أمام الاجتهاد الديني وكسر الاحتكار السلفي للفكر الديني والتعليم الديني والمساجد .
سابعا
وهناك أسباب تجعل القضاء على نفوذ هذا الفكر أمرا سهلا ميسورا :
1 ـ فالحركة السلفية في مصر ليست متأصلة فكريا في التربة المصرية لأنها تنتمي إلى فكر سلفي وافد من الصحراء ، أي إن التربة المصرية ليست معها في وفاق .وسيقت الاشارة لذلك.
2ـ ثم أنها ليست في وفاق مع الحاضر والمستقبل لأنها حركة ماضوية تدعو للخلف بينما يتقدم العالم إلى الأمام ، انها تعيش غير عصرها ومهما كانت قوتها فلا بد أن تندثر . ولنتذكر ان الديناصور كان مسيطرا على الأرض فلما انتهى عصره وجاء عصر الثدييات اندثر وتحول الى حفريات . ويقال أن الفئران قامت باكل بيض الديناصور فقضت عليه.
3 ـ استحالة أن توفق تلك الحركات بين ثقافة عصرنا القائمة على الديمقراطية وحقوق الانسان والفقه السلفى الدموى المتعصب المتزمت الذى تتمسك به وتعتبره شريعة اسلامية ، مع أنه فقه مذهبى عجز عن اصلاح عصره فكيف يستجيب لمتغيرات عصرنا.
ان الامام الشافعى حين انتقل من العراق الى مصر قام بتغيير مذهبه نظرا لاختلاف المكان فى العصر الواحد ، ثم اختلف مع الشافعى من جاء بعده من الفقهاء الشافعى واولهم تلميذه المزنى ، فكيف يكون الفقه الشافعى أو شريعة الشافعى هى الحل لعصرنا ؟
ولو افترضنا أن الشافعى صحا من قبره وسار فى شوارع القاهرة الان ـ ولا نقول نيويورك ـ لمات ثانية من الصدمة . . فكيف يكون كلامه أوكلام غيره تشريعا لعصرنا. والفقه الشافعى مع تزمته وانغلاقه فانه أفضل كثيرا من الفقه الحنبلى المشهور بتشدده ، والذى نبعت منه الوهابية الحديثة.
هى مشكلة كبرى لتلك الحركات السلفية ان تقدم من تراثها الفقهى شريعة إسلامية مستنيرة لعصرنا ، لأن ثوابتها الشرعية ـ والمخالفة للقرآن الكريم ـ قد تحصنت باحاديث كاذبة منسوبة للنبى محمد عليه السلام. نحن القرآنيين نقول انها أحاديث كاذبة ولكنهم يؤمنون بأنها وحى الاهى ، وحين نثبت لهم تعارضها مع القرآن الكريم يتمسكون بها و يتجاهلون القرآن الكريم . وهذه الأحاديث هى عذابهم فى الدنيا والاخرة ، يحملونها فى قلوبهم وعلى ظهورهم ولا يعرفون المواءمة بينها وبين عصرنا ، و فى نفس الوقت يضطهدون من ينكرها.
وتظهر مشكلتهم التشريعية مع تلك الأحاديث حين نطالبهم بمنهج سياسى فى الحكم وقوانين للشريعة. فقد ملّ الناس من استمرار رفعهم الشعارات الفضفاضة مثل ( الاسلام هو الحل ) و ( تطبيق الشريعة ) وطالبوهم ببرنامج محدد سياسيا و تشريعيا فاضطرواـ أخيرا ـ الى اصطناع برنامج سياسى و تشريعى ، ثم اختلفوا و فشلوا ، وسيظلون فى فشل واختلاف الى أن يحلوا مشكلة ذلك التراث الضال الذى يحملونه اوزارا فى قلوبهم وعلى ظهورهم .
ان المواءمة السياسية تفرض عليهم التسليم بالديمقراطية وحقوق الانسان وحقوق المرأة و حقوق المواطنة و السلام و حرية البشر فى الفكر و العقيدة و الشعائر الدينية ، وكل ذلك يتناقض مع الأحاديث والفقه المتخلف الذى يقدسونه و الذى يحكم بقتل المرتد والزنديق و تارك الصلاة و الزانى المحصن ، والذى يجعل المرأة ناقصة عقل ودين ويمنع المسلمة من الزواج بغير المسلم والذى يجعل المسيحى كافرا ولا بد أن يدفع الجزية و لا بد أن يعيش مواطنا من الدرجة الثالثة ، ويعطيهم حق التفتيش على الضمائر و المعتقدات ومطاردة الناس فى خلواتهم وفى شوارعهم بزعم تغيير المنكر.
وطالما لم يعد هناك مجال للمناورة فهم بين ان يختاروا تلك الأحاديث و يفقدوا موقعهم السياسى ويدخلوا الى متحف التاريخ فى أحضان رفقائهم الديناصورات ، وإما أن يتبرءوا من تلك الأحاديث ويعتبروها ثقافة ماضوية لم تعد صالحة للاستهلاك الادمى انتهى عصرها الافتراضى ، وبذلك ينضمون الينا نحن القرآنيين ، وهم بالطبع لا يرضون أن يكونوا تلامذة لنا بعد طول عداء ، خصوصا وهى حركات لا تعرف الاجتهاد ، وتعادى المجتهدين ، لذلك فانه لا مكان لها في الحاضر أو في المستقبل إذا وجدت من يواجهها بفكر مستنير وإصلاح حقيقي .
امامهم مشوار طويل من الاختلافات و الانشقاقات ، وهذا قد يكون خبرا جميلا لولا أنهم سيشدون معهم الوطن الى مستنقع الشقاق والتنازع الذى ربما يتحول الى حركات ارهابية كالشأن بهم فى اللجوء سريعا الى العنف فى التعامل مع المخالف لهم فى الرأى.
4 ـ تجربة القرآنيين نموذج عملى ناجح فى التعامل مع الفكر السلفى .
ينجح القرآنيون دائما فى مواجهة ثقافة السلف الوهابية الحنبلية بفكر قرآنى لا يستطيع السلفيون الرد عليه إلا باسطوانات مملة مكررة سبق الرد عليها. وحين تم الرد والتوضيح وبعد العجز عن مواجهة الفكر القرآنى الذى يثبت تناقض الوهابية و السلفية مع الاسلام بأدلة مفحمة من القرآن و التراث السنى نفسه فالعادة أن السلفيين لا يجدون من مخرج إلا باضطهاد القرآنيين وتأليب الأمن ضدهم واصدار فتاوى التكفير لتلاحقهم مع اغتيال الشخصية بالأكاذيب والافتراءات . هذا ينهض دليلا على عدم وجود منهج فكرى اصيل مستمد من حقائق الاسلام .
بل إن ذلك يثبت عدم وجود منهج أخلاقى للسلفيين حين يتعاملون فى القضايا الفكرية بالاضطهاد و العنف و النفوذ فى مواجهة خصم مسالم ضعيف ، فالمعروف أن القرآنيين فقراء مستضعفون فى الأرض لا يجدون ما ينفقون وليس لديهم سوى موقع وحيد يواجهون به الآلاف المؤلفة من المساجد و الدعاة و المعاهد و الجامعات و الكليات ومراكز الابحاث و مواقع الانترنت و محطات الاذاعة و التليفزيون.. وأجهزة الاستبداد العربية . فماذا لو كان للقرآنيين واحد على مائة من تلك الامكانات التى للفكر السلفى ؟
هذا يوضح أن هذه الثقافة السلفية لا تستطيع الدفاع عن نفسها فكريا ، وانها لا تستغنى عن السلطة وأجهزتها الأمنية والدعائية و أرصدتها المالية.
وهذا يوضح أنه لو كانت هناك ارادة سياسية أو شعبية لأمكن إعادة الفكر السلفى الاخوانى الوهابى الى الماضى الذى جاء منه..
5 ـ ثم إن هذه الحركة السلفية السياسية ، ليست فاعلا أصيلا وإنما هي رد فعل للاستبداد والظلم الاجتماعى .
فى مصر فى النصف الأول من القرن العشرين ظهر جيل الرفض المتعلم الذى لم يجد له مكانا تحت الشمس فقامت به حركة الاحتجاج ضد الظلم الاجتماعي بعد الحرب العالمية الأولى ، وظهر هذا الاحتجاج دينيا لدى الإخوان وقوميا عنصريا لدى مصر الفتاة وثقافيا لدى الشيوعيين ، ثم حمل الضباط الأحرار قائمة الاحتجاج كلها وفجروا بها الثورة ، وبعد تحقيق عبد الناصر للعدل الاجتماعي نما الاستبداد السياسي مع الهزائم والنكسات ، ثم جاء السادات بالانفتاح والظلم الاجتماعي قرينا للفساد السياسي والاقتصادي فكان من الطبيعي أن يمتد السخط ويتجلى في نمو الحركة السلفية السياسية باعتبارها رد فعل.
وعليه فإذا تم الإصلاح السياسى و الاقتصادى و التشريعى و الاجتماعى و الدينى أمكن القضاء على التطرف ، وبهذا يتم نفى ثقافته السلفية الى العصور الوسطى التى اتت منها. وعندها يعود الاعتدال ويمكن تسكين الحركة السلفية " سابقا " فى الديمقراطية
بشرط أن تكون هناك ديمقراطية فعلية .
وكل ذلك فى إطار التمنى وأحلام اليقظة التى لا نملك غيرها.
اجمالي القراءات
18193