حكاية أول عيد للفطر فى القاهرة

آحمد صبحي منصور Ýí 2007-10-12


بسم الله الرحمن الرحيم
د . احمد صبحى منصور

حكاية أول عيد للفطر فى القاهرة

أختلف مسلمو مصر السنيون مع الخليفة الفاطمى فصاموا يوم العيد ،وتركوا الأزهر وصلوا العيد فى جامع عمرو.

أولا :
كل عام وانتم بخير ونحن فى أول شوال عام 1428

ثانيا :
مقدمة


1 ـ بنى عمرو بن العاص الفسطاط أول عاصمة إسلامية لمصر ، وأنهى بذلك دور الإسكندرية العاصمة القديمة ، وعندما سقطت الدولة الأموية بنى القائد العباسى مدينة جديدة فى الفضاء الصحراوي بجانب الفسطاط ، وأطلق علي المدينة الجديدة اسم العسكر سنه 132هـ واتصلت مباني المدينتين وصارت مدينة كبيرة فى عهد أحمد بن طولون الذى ما لبث أن أنشأ مدينة جديدة لجنودة هى القطائع .
انتهت الدولة الطولونية ، وأعقبتها الدولة الإخشيدية التي ما لبث أن أنهارت فكان الطريق سهلا أمام الخلافة الفاطمية فى المغرب لكى تفتح مصر لتجعلها مركزا للدولة الفاطمية .

2 ـ وقد بدأت الخلافة الفاطمية فى شمال أفريقيا ، وأسس المهدى أول خلفائها عاصمة له هي المهدية فى تونس سنة303هـ ، وتطلع منذ بداية عهده الى فتح مصر فدأب على إرسال حملات حربية يمهد الطريق لفتحها ، وتم فتح مصر فى عهد المعز لدين الله الفاطمى الخليفة الرابع ، وتم ذلك على يد جوهر الصقلى الذى بدأ بناء عاصمة جديدة للخلافة الفاطمية وسماها القاهرة وذلك 17 شعبان سنة 358هـ. وبعد أن أقام جوهر الصقلى المدينة الجديدة وانشأ لها مسجدا خاصا هو الجامع الأزهر وقصرا للخلافة (قصر الذهب ) وقاعة للخليفة (قاعة الذهب ) وسريرا لجلوسه (سرير الذهب ) بعد ذلك كله أرسل لسيده الخليفة المعز يدعوه للقدوم من شمال أفريقيا .
3 ـ وقدم الخليفة المعز لدين الله الفاطمى إلى مصر ومعه أولاده وآله وكبار أتباعه ، بل وحمل معه توابيت أسلافه الموتى من الخلفاء الفاطميين (المهدى ، القائم ، المنصور ) دليلا على أن الفاطميين حين أقاموا لهم دولتهم فى شمال أفريقيا فإنهم أقاموها مجرد خطوة يصلون بها إلى فتح مصر حين تتهيأ لهم الفرصة السانحة.
4 ـ وكان حرص الفاطميين شديدا على تأكيد سلطانهم السياسي فى مصر واتخاذها قاعدة لنشر نفوذهم السياسي ودعوتهم الشيعية فى الشام والحجاز وبل فى العراق عاصمة الخلافة العباسية نفسها، وهذا ما نجحوا فيه فعلا فيما بعد .

ثالثا :
الأزهر ..وداعى الدعاة
كان العرب المسلمون وقتها أقلية ضئيلة ولكنها هى التى تتحكم فى مصر .
وكان الفاطميون يدركون أن أغلبية العرب فى مصر من السنيين التابعين دينيا وسياسيا للدولة العباسية ، أى يناصبون الدعوة الشيعية العداء ، وفى نفس الوقت فإن أغلب المصريين لم يكونوا اعتنقوا الإسلام بعد، ولذلك تبلورت سياستهم فى اجتذاب الأغلبية فى مصر وهم الأقباط الى الإسلام على الطريقة الشيعية والتغلب بهم على خصومهم من العرب والفقهاء والسنيين ، ولذا كان الفاطميون يقومون بنشر دين التشيع ـ على أنه الاسلام ـ عن طريق المسجد الرسمى الذى أنشأوه فى القاهرة لهذا الغرض ـ وهو الأزهرـ إلى جانب داعي الدعاة وأتباعه من الدعاة السريين والعلنيين فى داخل مصر وخارجها .
وكان من وسائل الفاطميين فى التقرب للمصريين واجتذابهم للتشيع تحويل معظم الشهور إلى مناسبات للاحتفالات الدينية من إسلامية وقبطية و فرعونية وشيعية ، وكان ابرزها عيد الفطر.
وشارك الخلفاء بمواكبهم وزيناتهم وترفهم فى تلك الأحتفالات فسحروا أعين المصريين واسترهبوهم بهذه الفخامة ، وعلى النقيض من ذلك اضطهدوا فقهاء الدين السنى و اتباعه و ألزموهم بطقوس الدين الشيعى .
رابعا
وصول الخليفة الفاطمى الى عاصمته الجديدة : القاهرة :
وصل الخليفة المعز إلى الإسكندرية يوم الجمعة 6 شعبان سنة 362هـ ، ثم وصل إلى الجيزة عن طريق النيل ، ورفض دخول الفسطاط حيث يتركز خصومه السنيون ، مع أنهم قد زينوا الفسطاط لقدومه، ودخل المعز رأسا للقاهرة ـ عاصمته الجديدة ـ فى يوم الثلاثاء 7 رمضان وبذلك أصبحت مصر لأول مرة فى تاريخ المسلمين مركزا لخلافة جديدة بعد أن كانت فيما سبق مجرد ولاية تتبع الخلافة العباسية فى بغداد .
وقبل وصول الخليفة الفاطمى كان أول تصادم بين جوهر الصقلى والدين السنى السائد بين مسلمى مصر .وتركز ذلك فى تحديد أول شوال وعيد الفطر سنة358هـ. فالفاطميون لا يتقيدون برؤية الهلال وإنما يعتمدون على الحساب الفلكى وحساب النجوم ، وعندهم أن الحساب الفلكي هو الباطن ، ورؤية الهلال هي الظاهر وهم أهل الباطن الذين يخضعون الظاهر للباطن ، ورؤية الهلال عندهم لتأكيد الحساب الفلكى وفتوى الإمام الفاطمى التى تزيل الغمة عندهم .
خامسا :
صيام يوم العيد !!
وأول عيد للفطر فى القاهرة الفاطمية أجراه جوهر الصقلى سنة 358هـ على الحساب الفلكي وصلى صلاة عيد الفطر بالقاهرة ، وكان إمام الصلاة على بن وليد الأشبيلي ، وهو الذى خطب لصلاة العيد .
ولم يعترف سنيو مصر بذلك وأعتبروا العيد هو اليوم التالي وصلى أهل الفسطاط العيد فى اليوم التالى فى الجامع العتيق (جامع عمرو).
وكان القاضى أبو طاهر قد صعد على سطح الجامع العتيق لينظر الهلال فلم يره فأكمل عدة الصوم ثلاثين يوما، وصاموا فى أول عيد رسمى للفطر فى القاهرة الفاطمية ، وهدد جوهر الصقلى القاضى أبا طاهر حتى يخضع للطقوس الفاطمية فى تحديد عيد الفطر .
وتكرر نفس الحال فى عيد الفطر سنة 362هـ وهو أول عيد يحضرة الخليفة الفاطمى فى عاصمته الجديدة ، إذا تمسك السنيون بالرؤية القمرية ولم يحفلوا بالحساب الفلكى الفاطمى وصاموا فى اليوم الذى أعتبره الفاطميون عيد الفطر ، وأضطر الخليفة إلى تهديد أولئك الذين صاموا .
اما معظم المصريين فلم يأبهوا وقتها بهذا الخلاف إذ كانوا لا يزالون أقباطا ..
رابعا
البروتوكول الشيعى فى صلاة العيد
وفى عيد الفطر هذا بدأت إرهاصات الدين الشيعي وطقوسه ،
فالخليفة صلى العيد فى الجامع الأزهر ، ويبدو أن هذا الاسم كان غريبا على أسماع المصريين وقتها فالمؤرخ ابن زولاق الذى عاصر هذا الحدث يقول " وركب المعز يوم الفطر لصلاة العيد إلى مصلى القاهرة الذى بناه جوهر " أى كان الأزهر وقتها عند المؤرخ ابن زولاق مجرد مصلى للقاهرة .
وكانت العادة إن من يسبق فى الحضور للصلاة يكون من حقه الجلوس فى الصف الأول ولذلك حرص محمد بن الأدرع الشريف الحسيني على التبكير لصلاة العيد ، وجلس فى المصلى تحت القبة ، ولم يعلم أن الجلوس تحت القبة فى مقدة الصفوف فى المسجد لا يكون الا لرجال الدولة الفاطمية فقط ،ويتصدرهم الخليفة ـ وفقا للبروتوكول الشيعى ، وهكذا فوجىء ابن الأدرع بالخدم يبعدونه عن هذا المكان الذى جلس فيه ويقعدون فيه أبا جعفر مسلم كبير الأشراف الذى جلس خلف المعز الفاطمى فى صلاة العيد .
وفى الموعد المحدد وصل موكب الخليفة إلى الجامع تحيط به الأعلام والقباب والبنود والرايات وصلى بالناس صلاة العيد صلاة تامة أطال فيها .
ولما فرغ المعز من الصلاة صعد المنبر ليخطب ، وسلم على الناس يمينا وشمالا ، ثم نشر الأعلام التي كانت على المنبر فخطب خلفها ، وكان فى أعلى درجة من المنبر وسادة من ديباج ثقيل فجلس عليها بين الخطبتين ، وكان معه على المنبر جوهر الصقلى وعمار بن جعفر وشفيع حامل المظلة ، ولما فرغ من خطبته أنصرف فى عساكرة وخلفه أولاده الأربعة يحملون الدروع والخوذ على الخيل بأحسن زى ، وساروا بين يديه ومعهم أثنان من الأفيال ، ووصل الموكب إلى قصر الخلافة – قصر الذهب – فكانت الموائد عامرة فدخل الناس يأكلون ولكن طبقا للطقوس الفاطمية فى المآدب الرسمية فى قصر الخلافة ... وهذا موضوع آخر .

اجمالي القراءات 9512

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (7)
1   تعليق بواسطة   آية محمد     في   السبت ١٣ - أكتوبر - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[11955]


د. أحمد، السلام عليكم ورحمة والله وبركاته. عيدكم مبارك وتقبل الله طاعتكم، أعلم إنكم إحتفلتم اليوم بالعيد بالولايات المتحدة الأمريكية، كل عام وحضرتك وأسرتكم بخير.

هذا المقال ممتع وفي إنظار البقية بإذن الله.

لي سؤال واحد حول عنوان المقال، فأنا لم أفهم ما المقصود بأول عيد فطر. هل يعني أنا قبل قدوم الفاطميين لم يحتفل المصريين بهذا العيد؟ ولكن حضرتك قلت أن المصريين السنيين خالفوا الفاطميين في موعد الإحتفال وهذا معناه إنهم كانوا معتادين الإحتفال به من قبل قدوم الفاطميين، ولهذا إلتبس على الأمر وطلبت التوضيح.

وشكرا مرة أخرى على المقال التاريخي الممتع وفي إنتظار باقي تاريخ أول عيد بالقاهرة.

آية

2   تعليق بواسطة   AMAL ( HOPE )     في   السبت ١٣ - أكتوبر - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[11961]

هل اختلفت الامور الان ؟؟

من المقالة :

(((ولم يعترف ((سنيو)) مصر بذلك وأعتبروا العيد هو ((اليوم التالي)) وصلى أهل الفسطاط العيد فى اليوم التالى فى الجامع العتيق (جامع عمرو).)))

فهل كان ذاك حالة فردية ام الحالة المتبعة في مصر , بان يحتفل الشيعة بالعيد قبل يوم من احتفال السنة ؟.

والمعروف اليوم , اذا احتفل السنة اليوم بالعيد , احتفل الشيعة في اليوم التالي . (( وهذا على الاقل ما رايته وعايشته في العراق )).


3   تعليق بواسطة   آحمد صبحي منصور     في   الأحد ١٤ - أكتوبر - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[11970]

كل عام وانت بخير ابنتى العزيزة آية

أهلا ابنتى العزيزة
كما هو واضح من عنوان المقال ومقدمته أننى أتحدث عن أول عيد للفطر فى ( القاهرة ) أى بعد إنشائها ، وفى المقدمة أشرت الى بناء الفسطاط ثم العسكر ثم القطائع ، وفى النهاية اقيمت القاهرة بدخول مصر فى الدولة و الخلافة الفاطمية.
معروف أنه كان هناك احتفال بعيدى الفطر و الأضحى قبل قدوم الفاطميين وقبل إنشائهم للقاهرة.
ومعروف أن المبانى اتصلت بين القاهرة و المدن السابقة لها ( الفسطاط و القطائع و العسكر ) وأصبحت مدينة كبرى واحدة يطلق عليها كلها مصر، واحيانا مصر والقاهرة .

4   تعليق بواسطة   آحمد صبحي منصور     في   الأحد ١٤ - أكتوبر - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[11971]

اهلا بالاستاذة امل

كان السنيون يحتفلون بالمناسبات معا ـ ولم يكن فى مصر قبل الفتح الفاطمى وجود علنى للشيعة ، وبمجىء الدولة الفاطمية فرضت طقوسها الشيعية و عاقبت بكل قسوة من يخالفها .. ولا تزال تقاليد الأعياد فى مصر و شمال افريقيا و سوريا متأثرة بلعصر الفاطمى بدءا من الكعك و عاشوراء والعيدية و حلوى مولد النبى و كنافة رمضان ..
وحتى عندما تصرخ المرأة المصرية فى زميلتها فى الحارة الشعبية قائلة ( نعم نعم ياسى عمر ؟؟) فهذا مما ترسب لدى البيئات الشعبية من لعن الخليفةعمربن الخطاب وقت الدولة الفاطمية . ومعروف قيام الدين الشيعى على موالاة وتقديس على بن أبى طالب وذريته ، والبراءة و تكفير خصومه من أبى بكر و عمر و عثمان وطلحة والزبير و معاوية وابى هريرة وعمرو ..الخ ..
وقد دخل المصريون الى الاسلام( اى التشيع ) خلال العصر الفاطمى .. وحين تركوا التشيع فان التشيع لآل الييت لم يتركهم .. تركوا فقط لعن الصحابة المخالفين لعلى ، ولم يتركوا معظم طقوس التشيع الأخرى.
والتفاصيل فى كتابى ( شخصية مصر بعد الفتح الاسلامى ) المنشور عام 1984 .
المهم ان هذا المقال يوضح أن ما يحدث اليوم هوعادة سيئة عمرها أكثر من 13 قرنا

5   تعليق بواسطة   عوني سماقيه     في   الإثنين ١٥ - أكتوبر - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[11980]

1

1


6   تعليق بواسطة   عابد اسير     في   الإثنين ١٥ - أكتوبر - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[11983]

أستاذى الفاضل د/أحمد


كل عام وانت وجميع الاسرة الكريمة بالف خير وامان

يعنى الفاطميين او غيرهم سابو حاجة اظنها مفرحة حتى ولو للاطفال

وأرجوا ألا يستغلها بعض الناس فى اللهو الضار دنيا أو دين


مع خاص تحياتى وحبى وتقديرى وشكرا على تنوير ظلمات جوانب كثيرة مما نجهلة عن تراثنا


7   تعليق بواسطة   آحمد صبحي منصور     في   الثلاثاء ١٦ - أكتوبر - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[12022]

أهلا بالاستاذ عونى

كل عام وانتم بخير استاذ عونى سماقيه .
أنت على صواب ..
الفاطميون فى تقربهم للمصريين الذين كان معظمهم أقباطا مسيحيين حتى ذلك العهد ـ احتفلوا بكل الأعياد القبطية و المسيحية و الفرعونية بالاضافة الى الاعياد الاسلامية و الشيعية.
وحرصوا على إدخال العادات المصرية فى طقوس الاحتفالات الاسلامية ـ فالكعك أصبح علامة على عيد الفطر ، وهو فى الأصل عادة مصرية قديمة ، ولكن تناسى الناس أصله الفرعونى وحل محله دوره ( الاسلامى ) فى الاحتفال بعيد الفطر .. وهكذا ..ومثل ذللك طقوس ومراسيم الدفن و الجنائز واسطورة الثعبان الاقرع وعذاب القبر ..الخ ..
وهذا يفسر لناالسرعة والسهولة التى دخل بهاأجدادنا الأقباط المصريون الى الاسلام أفواجافى العصر الفاطمى. أذ دخلوا (الاسلام الشيعى ) بكل ما عندهم من عقائد وعادات وتقاليد مصرية فرعونية وقبطية .. فقط قاموا بتغيير فى الأسماء .. وتحويلها من اللغة القبطية القديمةواليونانية الى اللغة العربية ..واتاح لهم الخلفاء الفاطميون مواكب و احتفالات رسمية لما اعتادوه من عقائد و شعائر دينية ولكن باسماء مختلفة .
ولا يهم الاسم. المهم المضمون الفرعونى و الانتقال من تقديس آمون الى تقديس الحسين ، ومن تقديس السيدة عزى أو (ايزيس ) أو ( العزى ) الى تقديس السيدة زينب .
وكل عام وانتم بخير ..

أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 5113
اجمالي القراءات : 56,723,039
تعليقات له : 5,447
تعليقات عليه : 14,822
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي