أثناء الزواج : حل الخلافات الزوجية
أثناء الزواج : حل الخلافات الزوجية
إسلاميا من وجهة نظر قرآنية
1 ـ مع تقرير ما ينبغى فى معاملة الزوجة ـ وقد أشرنا لذلك آنفا ــ فقد جاء فى تشريع الاسلام حلولا للخلافات الزوجية لأنها أمر واقعى وطبيعي ، ولكن قد تتحول الخلافات إلى شقاق يستعصي على الحل ، والقرآن الكريم يسمى هذا الشقاق نشوزاً .
والنشوز كلمة موحية ، لأن عكسها هو الانسجام والتناسق (والهارموني) ، أي أن الله جل وعلا يعتبر الحياة الزوجية موسيقى سلسلة متناغمة ويسمى الشقاق الطاريء نشازاً في هذه السيمفونية المتناسقة ، وذلك النشاز يذهب سلاسة الموسيقى وعذوبتها ويحولها لصراخ .
2 ـ وحتى لا يصل الشقاق والنشوز الى الطلاق والانفصال وتحطيم بيت الزوجية فقد وضع رب العزة جل وعلا تدابير مسبقة لمنع ذلك النشوز او ذلك الشقاق ؛ فالنشوز قد يكون من الزوجة ، وقد يكون من الزوج ، وقد يكون منهما معاً ، ولكل حالة أسلوب في الحل .
نشوز الزوج
1 ـ بأن تشكو الزوجة من مجرد إعراضه عنها أو انشغاله عنها لا يعطيها إهتمامه ، أو بالتعبير المصرى شديد الدلالة :" مش بيديها وشه " ، فعليها وعليه معا أن يعقدا بينهما صلحا يقوم على أساس التخلى عن الأنانية وشح النفس لأن الأنانية أو الشُّح اساس المشاكل فى العلاقات الزوجية والانسانية عموما .
قال جل وعلا : (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ) النساء 128). أى إن مجرد خوف الزوجة من إعراض أو نشوز زوجها يفرض عليهما عقد جلسة مصالحة ومصارحة ، تنتهى بترك الأنانية ، فالأنانية عدو لدود للحياة الزوجية ، حيث يسعى كل من الزوج والزوجة لامتلاك الآخر وإحتكاره . والزوجة هنا أكثر ، فهى التى تشعر بالغيرة من إهتمام زوجها بغيرها ، حتى لو كان ابنها أو بنتها . وهذا قد يكون سببا فى إعراض زوجها عنها .
2 ـ الملاحظ هنا أن اعراض الزوجة عن زوجها لا يعتبره القرآن الكريم نشوزا ، لأن نشوز الزوجة هى أن تحيل حياته الى خلافات مستمرة تستدعى ان يتدخل لاصلاحها . نشوز الزوج هو مجرد اعراضه عن زوجته ، لأن من حق الزوجة على زوجها ان يقبل عليها بوجهه ويوليها اهتمامها، فاذا تجاهلها أو أهملها أو فقد اهتمامه بها كان ذلك نشوزا منه لا بد من علاجه بجلسة مصارحة حميمة يتعهد فيها الطرفان بالتخلى عن الأنانية أو بالتعبير القرآنى ( شح النفس )، وهما اذ يفعلان ذلك لا بد أن يتذكرا أن رب العزة جل وعلا شاهد عليهما باعتبارهما مسئولين أمامه على حفظ بيتهما ورعايته.
نشوز الزوجين
1 ـ إذا تحول النشوز الى شقاق بينهما معا أصبح على المجتمع أن يتدخل فى صورة القضاء ؛ بإنتخاب ممثل عن الزوج وممثل عن الزوجة يريدان الإصلاح بين الزوجين والتوفيق بينهما . قال جل وعلا :(وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا ) النساء 35) .
2 ـ الله سبحانه وتعالى هنا وضع مسئولية الاصلاح على الحكمين، مؤكدا انهما معا اذا أرادا باخلاص صلح الزوجين جاء توفيق الله جل وعلا مؤكدا على صدق نيتهما فى الصلح. والمعنى ان ارادتهما الاصلاح يتبعها توفيق الله جل وعلا فى عقد الصلح ، والمعنى أيضا أن الفشل هو مسئولية الحكمين.
نشوز الزوجة
1 ـ هو تحويلها انسجام العلاقة الزوجية الى نشاز ونكد ونغص ومغص .وهذا يحدث اذا لم تكن الزوجة أمينة على نفسها وبيتها وزوجها، هنا تبدأ المشاكل وتتكاثرلتحول البيت الهادىء الساكن الى اصوات نشاز.
فى آية القوامة ( مسئولية الرجل عن زوجته ) يقول سبحانه وتعالى فى وصف الزوجات الفاضلات والزوجات النواشز المستحقات للتهذيب : (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ) النساء 34 )
2 ـ إذا خاف الزوج ـ القائم على رعاية زوجته ــ نشوز زوجته عليه فعليه ـ فى ضوء مسئوليته عنها ومعاملته لها بالمعروف وحرصه على دوام العلاقة الزوجية واستقرار البيت ـ بأن يعالج ذلك النشوز بالوعظ أولا ، ثم ثانيا بالهجر فى المضاجع، وأخيرا بالضرب. وهو هنا يتعامل أساسا بتقوى الله تعالى لأنه إذا ظلمها كان الله تعالى خصما له (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ) النساء 34).
3 ـ بامكانها اذا كانت تكرهه وتريد أن تتركه أن تفتدى منه بأن ترد اليه المهر أو جزءا منه حسبما يقع عليه الاتفاق ، وهو ما يعرف عند الفقهاء بالخلع. فكما أن الطلاق من حق الرجل فان الافتداء ( بالمصطلح القرآنى ) أو الخلع ( بالمفهوم الفقهى ) من حق المرأة . لكننا هنا مع زوجة ينفق عليها زوجها ويرعاها ويتقى الله تعالى فى معاملتها وهى لا تريد الانفصال عنه ، وبدلا من ان ترد له حسن المعاملة والرعاية بالمثل فانها تنشز عليه وتحيل حياته الى موسيقى نشاز من الشجاروالمشاكل. فى هذه الحال عليه اصلاحها بالطرق الثلاثة المشار اليها. هذا كله فى حالة الزوجة التى دفع زوجها صداقها وله عليها القوامة بإنفاقه عليها .
4 ـ وهناك حالة أخرى للزوجة التى تشترط أن تكون العصمة بيدها أو تشترط أن تكون لها القوامة بأموالها وجاهها ، وتصيغ عقد الزوجية على هذا الأساس فيصبح هذا لازما لأن المؤمنين مطالبون بالوفاء بالعقود قال جل وعلا لهم فى خطاب مباشر : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) المائدة:1) ، كما ان هناك حالة اخرى للزوجة التى تنفر من زوجها وتريد الإنفصال عنه وهذا ميسور لها إذا افتدت نفسها منه بأن تدفع له ما أخذته منه من مهر أو بما يتفقان عليه من فدية تدفعها مقابل الإنفصال ( البقرة:229) .
5 ـ جاء ضرب الزوجة مرة وحيدة فى القرآن الكريم . اثارت هذه المرة الوحيدة إحتجاجا من الذين أسميهم ضحايا ثقافة العار .
هؤلاء المحتجون على ( ضرب الزوجة ) تناسوا :
5 / 1 ـ أن الضرب "أمر" يخضع لمقصد تشريعى أساس ، هو تحريم الظلم . والآيات فى ذلك كثيرة ، ويخضع لمقصد تشريعى آخر هو العدل والقسط . وأيضا فالآيات فى هذا كثيرة .
5 / 2 : أن الضرب "أمر" جاء فى سياق الاصلاح – وهو "أمر" استثنائى مرتبط بظروفه اذ يخضع لقاعدة تشريعية واجبة ومستمرة تؤكد على معاملة الزوجة بالمعروف حتى لو كان الزوج كارها لها.
5 / 3 : وتجاهلوا ما جاء فى عشرات الآيات الأخرى من حفظ لحقوق المرأة ورعاية لها ، وأن هذا الحفظ والرعاية لا تعنى الحصانة المطلقة للمرأة من التوجيه والتهذيب اذا كانت محتاجة لذلك ، ومتجاهلين أن الحقوق لا بد أن تقابلها واجبات ، فاذا تمتعت المرأة بحقوقها واكلت حقوق الزوج وسممت حياته فلا بد من علاجها .
5 / 4 ـ أن الضرب هنا وسيلة للتأديب ونوع من الرعاية والاهتمام وليس للكراهية أو الانتقام لأن الحياة الزوجية فى الاسلام لا مجال فيها للكراهية والانتقام .
5 / 5 ـ أن الضرب هنا محاط بتشريعات قبله وبعده تجعله استثناءا للضرورة لمن يستحق فى ظرف من الظروف ، وليس قاعدة مستمرة.
5 / 6 ـ وأن أحدهم اذا رزق بزوجة من النوع الناشز المستحق للضرب وفق تشريعات القرآن فانه لن يكتفى بضربها بل ربما يرتكب فى حقها جريمة .
5 / 7 ـ ومتناسين ما يحدث الآن من انتهاك لحقوق المرأة وضرب لها فى أرقى المجتمعات الغربية سواء كانت زوجة شرعية أو فى ظل معاشرة مستمرة بدون سقف الزواج الشرعى الذى يحمى المرأة ويصون كرامتها وآدميتها فى شبابها وشيخوختها.
5 / 8 ـ ومتناسين أن هذه التشريعات القرآنية المتقدمة فى رعاية المرأة سبقت العصر الذى نزلت فيه ، وكانت ثورة تشريعية فى المجتمع البدوى العربى الذى لا يرى فى المرأة الا مجرد متاع مملوك للرجل، والدليل ان الفقه السنى نفسه جاء فى معظمه متسقا مع ثقافة العصور الوسطى فى ظلم المرأة وانتهاك حقوقها فاتيح له التطبيق بينما تجاهل معظم المسلمين تشريعات القرآن عن المرأة لأنها تتناقض مع ثقافة العصور الوسطى السائدة .
5 / 9 : وهم أيضا تجاهلوا أن الفقه السنى ذاته مع قسوته على المرأة فقد كان أرحم بها من ثقافة الأروربيين فى العصور الوسطى ، وأن المرأة الغربية حتى فى عصرنا لا تزال اقل حقوقا مما يتيحه لها القرآن الكريم.
فى الدين السُّنّى
لم يتعرض لموضوع حلّ الخلافات الزوجية . ركّز على نشوز الزوجة .
1 ـ الشافعي يرى أنه لا يجوز الهجر في المضجع أو الضرب إلا إذا نشزت بقول او فعل ، ولا يجب للرجل ان يضرب امرأته إذا انطلق لسانها فيه ، ولا يكون الضرب مبرحاً ولا دامياً ولا يضرب وجهها ، ولابد ان يقترن العقاب بتوضيح أسبابه ، فإذا تركت النشوز لا يحل له عقابها ..
2 ـ وأصحاب الحديث صنعوا أقاويل في هذا :
2 / 1 : فى عدم المبالغة في ضرب النساء، صنع البخاري حديثا تحت عنوان (باب ما يُكره من ضرب النساء) يقول ( لا يجلد احدكم امرأته جلد العبد ، ثم يجامعها في آخر اليوم ) وكان أفضل لو اقتصر على الجزء الأول من الحديث لأن الصلة بالجزء الثاني بعيدة عن السياق .
2 / 2 : وصنع مسلم حديثا زعم فيه أن النبي قال في خطبة الوداع ( فاتقوا الله في النساء .. وقال عن واجبات الزوجة نحو زوجها ( ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم احداً تكرهون) وهي كناية عن الزنا ، فماذا إذا فعلن ..؟ يقول مسلم في ذلك الحديث (فإن فعلن فاضربوهن ضربا غير مبرح ..)..!! أي أن الضرب غير المبرح عقوبة كافية لجريمة الزنا إذا وقعت فيها الزوجة مع رجل يكرهه الزوج ، وهذه نكتة رائعة . الأروع منها أنه يتحدثون عن الرجم ...!!
2 / 3 : وقبلهم صنع ابن سعد رواية تقول إن النبي محمدا عليه السلام ما ضرب أحداً قط من نسائه او خدمه أو مواليه ، وأنه كان ينهى عن ضرب النساء حتى اشتكى له الرجال فأذن لهم في ضربهن لإصلاح حالهن فجئن إليه يشتكين .
3 ـ ويكاد يكون هنا إجماع بين فقهاء الدين السُّنّى على ان يكون ضرب الزوجة غير مبرح وبهدف إصلاحها ، وهم بذلك أقرب ما يكون للفهم القرآني الصحيح . وإذا تذكرنا انهم كانوا يعيشون القرون الوسطى حيث كانت أوروبا تتساءل عن المرأة هل هي إنسان أم لا ، أدركنا كيف ارتفع بهم القرآن الكرين إلى سمة التحضر ( نسبيا )! .
اخيرا :
ولكن ما هو موقع ضرب الزوجة فى عصرنا الراهن ؟
هذا موضوعنا القادم .
اجمالي القراءات
2489
وجهة نظر
أولًا بالنسبة للآية: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا ﴿النساء: ٣﴾. إذا افترضنا وجود مشكلة ما، يجب أن يكون التعامل معها يراعي طبيعة المشكلة وله علاقة بها ويكون حلًا لها. لغويًا، إذا كان هناك جملية شرطية، يجب أن يتبعها جواب الشرط. على هذا فما العلاقة بين الشرط ",وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى" وبين الجواب "فأنكحوا ما طاب لكم..."؟ ما هو مذكور في كتاب التفسير للطبري لا يقنع به عقل، والطبري يذكر اختلاف "الفقهاء" في "تأويل" الآية. ما أراه، ولقد ذكرته في تعليق سابق، أن لللآية علاقة بقلة الرجال في ذلك الوقت (بسبب الحروب) وكثرة النساء، ومن هؤلاء النساء يتامى، وللتخفيف من هذه المشكلة أُبيح تعدد الزوجات. اليوم وخاصة في العالم الأسلامي، عدد الرجال يفوق عدد النساء، وهذه الظاهرة في الصين تعتبر مصيبة، يجري حلها أحيانًا بتعدد الرجال (في العائلة الواحدة مثلًا).
ثانيًا عما جاء في الآية 34 من سورة النساء عن ضرب النساء: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ ... وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ ... ﴿النساء: ٣٤﴾. كما ذكرت في تعليق سابق، القوامة هي فقط عند تحقق الشرطين "بما فضل الله وبما أنفقوا"، وعندما يغيب أحد الشرطين أو كلاهما، فلا قوامة – وفي زمننا الحالي لا مجال للقوامة. أما عن الضرب، فقد ذكرته الآية في نهاية المطاف وكآخر الحلول (Ultima Ratio, last resort)، ليس في رأيي كحل معتمد، وإنما لتذكر الرجل بأن القوة التي منحها الله إياه هي لوظائف إخرى، ولتنذره بعدم استعمال سلاحه المتاح لما يخالف ذلك. من الطبائع السيئة للإنسان أن يستعمل القوة لأتفه الأسباب أحيانًا (استعمال غير مبرر للقوة أو بما لايتناسب مع السبب). هذا المرض موجود في كل المجتمعات. من المؤسف والمحزن أن ذوي العمائم عندنا قد جعلوا من الاسلام مضحكة للناس.