آحمد صبحي منصور
:
أولا : تأكيد موت النبى محمد عليه السلام وعدم حياته فى قبره
كان النبي محمد عليه السلام حيا يسعى في نشر الدعوة بمكة حين نزل عليه قوله تعالي "( إنك ميت وإنهم ميتون ):39/30 أي كان حيا يرزق حين أخبره ربه تعالي بحتمية موته وموت خصومه الذين كانوا أحياء يناصبونه العداء . والمستفاد من الآية الكريمة تأكيد الموت بالنسبة للنبي وبالنسبة لخصومه المشركين وأن موعدهم يوم القيامة عند الله حين يختصمون لديه " إنك ميت وإنهم ميتون، ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون " أي أن النبي سيموت ونفس الموت سيلحق بخصومه ، والموت يعني طلوع النفس إلي البرزخ وفناء الجسد وعودة عناصره إلي الأرض ، يقول تعالي ( منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخري ): 20/ 55".ولكن التعبير القرآني يجعل تأكيد الموت بالنسبة للنبي أكثر منه بالنسبة لأعدائه المشركين ، ويبدو ذلك من التدبر في الآية الكريمة ، فالله تعالي يقول للنبي يخاطبه مباشرة " إنك ميت " بينما يقول عن خصوم النبي بضمير الغيبة " وإنهم ميتون " وضمير المخاطب في التأكيد أشد هنا من ضمير الغائب .
وكأن الله تعالي حين يؤكد مسبقا علي موت النبي إنما يلمح إلي أنه سيأتي في عصور الخرافة من يدعي أن النبي حي في قبره يمارس سلطات إلهية حيث تعرض عليه أعمال البشر ، ويرد السلام علي كل من صلي عليه وسلم لذلك كان تأكيد القرآن علي موت النبي ، بل يأتي التأكيد علي موته أكثر من التأكيد علي موت خصومه .
وحتى لو افترضنا تساوي النبي وخصومه في استحقاق الموت فإن ذلك يضع أصحاب الخرافات في مأزق مع القرآن ، فإذا كانوا يزعمون أن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء فإن القرآن يؤكد أن الموت هو فناء الجسد الإنساني للجميع من أنبياء وصالحين وغيرهم ، لأن الموت هو إعادة الجسد للتراب الذي جاء منه " منها خلقناكم وفيها نعيدكم .." والموت هو تحول عكسي لعملية الخلق وتلك سنة الله تعالي في الخلق والموت الذي يسري علي الجميع ..
ثانيا :الذين يزعمون أن النبي حي في قبره يسيئون إليه
إذا أنهم يحكمون عليه بأن يظل سجينا تحت الأرض في تلك الحفرة الضيقة التي يتخيلون أن النبي قد وضعوه فيها، ويحكمون عليه أن يظل مسجونا فيها إلي يوم القيامة ، وتلك إساءة هائلة للنبي لا نرضاها له.
والذين يزعمون أن النبي حي في قبره يسيئون إليه أيضا حين يتخيلونه تحت الأرض وهم فوقها ، أي يكون ــ بزعمهم ــ مسجي برأسه تحت الأرض ، وهم بأقدامهم فوقه.. إذن يضعون من شأنه الكريم بتلك الخرافة وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ..
وأولئك يسيئون إليه أيضا حين يزعمون أن الأرض لم تأكل جسده .. لأن من تكريم الله تعالي للإنسان أن علم الإنسان كيف يواري جثة الميت ، وسمي تلك الجثة " سوأة" أي يسوء النظر إليها والاقتراب منها والأفضل دفنها ، وبذلك تعلم ابن آدم القاتل لأخيه كيف يواري سوأة أخيه بعد أن قتله. وحين أراد الله معاقبة فرعون لأنه تطرف في الكفر والفساد حكم بأن تظل جثته أو بدنه عبرة فقال "( فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية) 10/92" فالأرض لم تأكل جسد فرعون وليس ذلك تكريما لفرعون بل هو تحقير له .
والذين يزعمون أن الأرض لم تأكل جسد النبي إنما يجعلونه في موضع لا يليق إلا بفرعون .. أعوذ بالله من الضلال ...!!
إننا حين نخرج بالنبي عن طبيعته البشرية فإننا نسيء إليه دون أن ندري .. نسيء إليه كإنسان وبشر ونسيء إليه كنبي صاحب رسالة تنهي عن تأليه البشر فتكون النتيجة أن يخدع الشيطان بعضنا فيبالغ في حب النبي إلي درجة الإساءة إليه في شخصه وفي دعوته ..
والعادة أن النبي له نوعان من الخصوم ، خصوم كرهوه في حياته واتهموه وكذبوه وخصوم آخرون جاءوا بعد موته يبالغون في حبه إلي درجة التأليه والوقوع في الشرك .. ويتفق الجميع في أنهم لم يتلفتوا إلي القرآن بل اتخذوه مهجورا ، لذا سيأتي النبي يوم القيامة يتبرأ منهم جميعا " و قال الرسول يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا ، وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين وكفي بربك هاديا ونصيرا" 25/30:31.
ثالثا : الله تعالى أشار تلميحا الى أن محمدا عليه السلام سيموت موتا عاديا دون قتل:
لقد تولى الله تعالى حفظ خاتم النبيين عليه و عليهم السلام الى أن يتم ابلاغ الرسالة وهى القرآن ، وجاءه الأمر بالتبليغ مقترنا بالوعد الالهى بأن يحفظه الله تعالى و يعصمه من الناس ، قال تعالى (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) ( المائدة 76 ) . وحين اضطرب المؤمنون فى غزوة أحد عندما أشيع أن المشركين قتلوا النبى فيها نزل قوله تعالى (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلاً) ( آل عمران 144 ـ 145 )أى أنه لن يموت إلا بإذن الله ، اى سيظل الله تعالى يعصمه من الناس الى أن يموت ميتة طبيعية بعد أن ينتهى من مهمة التبليغ للقرآن . وهذا فعلا ما حدث. مات النبى محمد عليه السلام على فراشه، ولم يقتله أحد ، وقد كان المطلوب رقم واحد للقتل فى عصره. ولو قتله المشركون ـ كما كان يحدث من قبل ـ لكان ممن قال تعالى فيهم (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ) ( آل عمران 169 ـ 170 )
رابعا : هل نؤمن بالقرآن أم نكفر به ؟
اذن لدينا أيات واضحة تؤكد أن النبى ميت ، وقد قيلت له فى حياته ، و هو على الأرض يسعى حيا . فما البال بعد أن مات فعلا.
ولدينا آيات واضحة تنهى عن اعتبار المقتول فى سبيل الله تعالى أمواتا . وتقول بصيغة النهى الجازم (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ ) ( البقرة 154 )
وبالتالى لا بد لمن يؤمن بالقرآن ان يطيع. فيقول عن النبى محمد إنه ( ميت ) ولكن لا يقول عن المقتول فى سبيل الله إنه ( ميت ) بل يقول إنه ( حى )
اذا خلط بين هذا وذاك فقد كفر بالقرآن. أو على الأقل اتخذ القرآن مهجورا و صار من أعداء رسول الله الذين سيتبرأ منهم يوم القيامة.
وكل انسان له تمام الحرية فيما يختار.
وموعدنا يوم الحساب.
مقالات متعلقة
بالفتوى
: