أثناء الزواج : حق الزوجة فى المتعة الجنسية
أثناء الزواج : حق الزوجة فى المتعة الجنسية
أولا :
فى الاسلام من وجهة نظر قرآنية
مع قلة التشريعات القرآنية عموما فإن الحياة الزوجية احتلت القسط الأكبر منها ، ومن خلالها تعرض القرآن للحياة الجنسية ضمن سياق التشريع ليحفظ للمرأة حقوقها ، ولكي ينفي الفكرة المسيطرة التي تصادر حق المرأة في المتعة الجنسية الحلال والتي تجعلها حقاً للرجل وحده . ونعطى لمحة فى هذا الموضوع :
1 ـ يقول جل وعلا : (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ) البقرة:223 ..
1 / 1 : الآية الكريمة تشبه المرأة بالأرض التي ينزل فيها الماء فتنبت الذرية ، وهو تشبيه بليغ يربط بين المرأة والأرض ، وكلتاهما أم للرجل ، يتنقل بين أحضان هذه وتلك ، والسياق القرآني دائما يعبر عن العلاقة الجنسية بإشارات رمزية مُوحية رفيعة المستوى ، ومن هنا يقول تعالى (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) والخطاب هنا للرجل في أن يأتي زوجته متى شاء ــ بعد استبعاد وقت المحيض ــ وكيف شاء في موضع الحرث ، أي موضع الولادة ، وإذا كان الرجل هو المخاطب فلا ينبغي ذلك أن يضيع حق المرأة في الاستمتاع ، وحتى لا يظن الرجل أنه طالما شبّه القرآن المرأة بالأرض وأن مهمتها هي الانجاب فليس من حقها المتعة ، لذلك قال جل وعلا فى خطاب مباشر للرجال الأزواج : (وَقَدِّمُوا لأَنفُسِكُمْ ) فإذا كان الرجل هو الذي يبدأ ، فلا يبدأ بوضع البذرة في الحرث ، ولكن عليه بأن يعد الزوجة للقاء الجنسي حتى يصلا معاً لقمة الارتواء الجنسي ، وهو إذا فعل ذلك ازدادت سعادته ، أي أنه حين يقدم للمباشرة الجنسية بالتهيئة النفسية والعاطفية والجسدية فإن ما يفعله ليس لمتعة المرأة وحدها ولكن لمتعته هو أيضاً ، وذلك معنى قوله تعالى (وَقَدِّمُوا لأَنفُسِكُمْ) فهذا التقديم لأنفسكم ، وليس فقط لاكتمال المتعة الجنسية للرجل فقط . والتعبير بأنفسكم يوحى بالتوحد بين الزوجين فى هذا الوصال الجنسى ولاكتمال السعادة الزوجية. ولأهمية الموضوع تنتهى الآية الكريمة بقوله جل وعلا للمؤمنين فى خطاب مباشر لا يخلو من تهديد : ( وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ) . ليس مثل هذا حرص على حق الزوجة فى الارتواء الجنسى ، وهو موضوع حسّاس ، ومهم جدا ، ولكن الروعة هنا فى الاسلوب القرآنى الراقى الفصيح . فسبحان من كان هذا كلامه .!.
1 / 2 : إن الجنس هو الحاضر الغائب في الحياة الزوجية المستقرة والبائسة أيضاً ، وكثير من أسباب الخلافات الزوجية ترجع في الأصل لعد الوفاق الجنسي ولشعور أحد الطرفين ببرودة الآخر وعدم تجاوبه ، أو بأنانيته أو بعجزه ، ثم يبدأ افتعال الأسباب الظاهرية واختلاق المشاكل الوهمية . والارتواء الجنسي الذي يبدأ الرجل بتمهيد الزوجة له ويحاول أن يقتسم معها المتعة ، لا يفيد السعادة الجنسية وحدها وإنما يقيم قواعد ثابتة للحياة الزوجية المستقرة ، فطالما يشعر الزوجان بعمق الاتحاد العاطفي في المخدع وفي العناق ، فإن ذلك الاتحاد لن يزداد عند افتراقهما إلا شوقاً .
1 / 3 : والرؤية الذكورية للمرأة تعتبرها سلعة جنسية ، وليس من حق هذه ( البضاعة ) أن تحظى بالمتعة ، إنما ينال الرجل منها متعته ، ثم يتركها متقززا . وهكذا كانت حقوق المرأة الجنسية تتعرض للمصادرة بمختلف الطرق ، ونزلت تشريعات القرآن تحفظ هذه الحقوق .
2 ـ بعضهم تكون له أكثر من زوجة ، فيهمل إحداهن ويمنعها حقها في الفراش حتى تصبح كالمعلقة ، ليست زوجة وليست مطلقة ، وفي هذه الحالة ينصح رب العزة جل وعلا بالطلاق والمفارقة حتى تعثر المرأة على زوج يعطيها حقها . يقول جل وعلا : (َ وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً (129) وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعاً حَكِيماً (130) النساء ) فالأمر جاء بالإصلاح والتقوى حتى يعطيها حقها ، وإلا فالفراق ، وحينئذ يغني الله تعالى كلا منهما من فضله.
3 ـ بعضهم يدفعه الغضب على زوجته بأن يُظاهر ، أي يحرمها عليه جنسيا مثل حُرمة أمّه عليه ، كأن يقول ما اعتاده الجاهليون ( أنت علىَّ كظهر أمي ) وكانت تلك إحدى الطرق في عقاب المرأة ومصادرة حقها في الحياة الجنسية ، ونزل التشريع الاسلامى فأوجب على الرجل أن يدفع كفّارة ، هي عتق رقبة ، وان لم يجد فصيام شهرين متتابعين ، فإن لم يستطع فليطعم ستين مسكيناً .
3 / 1 : قال الحق جل وعلا : (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنْ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) فالخطاب هنا بكلمة ( منكم ) جاء ردا على من كانت تسأل النبى محمدا عليه السلام ، واعتبر الله جل وعلا هذا زوراً وقولاً منكراً .
3 / 2 : ثم نزل التشريع العام يوجب على الرجل إذا أراد أن يعود إلى زوجته أن يقدم الكفارة ، يقول جل وعلا بدون كلمة ( منكم ) : (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) ( فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ) المجادلة : 2 : 4 ،.
3 / 3 : والمفهوم من قوله تعالى (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا) انه لا يعود إليها إلا بدفع الفدية ، أي انها أصبحت محرمة عليه وعليه أن يدخل في إجراءات الطلاق منها ، وإن أراد إرجاعها فلابد من الفدية ، وتلك هي حدود الله ، وهذه الصيغة عن إجراءات الطلاق والانفصال تكررت في القرآن في أكثر من موضع (البقرة : 229 ، 230 ، الطلاق :1) ..ولكن هنا يأتى الربط بين حدود الله جل وعلا والايمان بالله جل وعلا ورسله ، وتهديد الكافرين بعذاب أليم : ( ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ) .
3 / 4 : والواضح من النسق القرآني أن شرع الله جل وعلا يضع حدّا لمصادرة حقوق المرأة في المعاشرة الزوجية الجنسية عن طريق الظهار ، ويصبح امام الرجل أن يختار إذا وقع في يمين الظهار بين امرين : إما أن يفترق عنها ويدخل في إجراءات الطلاق ومستلزماته من عدة ونفقة ومتعة ، وإما ان يقدم الفدية ويتخلص من اليمين ، ولا يكون طلاقاً . فإذا عرف هذا الحكم مسبقاً وأدرك عاقبته فلن تكون المرأة تحت رحمته يحرِّمها على نفسه إذا شاء ويجعلها حلالاً إذا أراد .
ثانيا :
فى الدين السنى :
1 ـ فى موضوع الظهار صنعوا روايات وأحاديث ذكورية ، تفصح عن شبق الرجل الجنسى ، وتناسوا فيها حق الزوجة .
2 ـ فى موضوع الظهار إعتبروها حراماً عليه وفي عصمته في نفس الوقت إلى أن يوفى الفدية ، ورجعوا إليه الأمر في هذا ، إذا شاء أوفي بالفدية وباشرها جنسياً ، وإلا فهي معه أسيرة وممنوعة عليه ، يستطيع أن يستمتع بالزوجات الأخريات ، وهي إلى جانبهن محرومة من حقوقها . والفارق هائل بين تشريع القرآن الكريم الذي يجعلها مطلقة تخرج عن عصمته بعد العدة إن لم يقدم الكفارة ، وبين ذلك التشريع السنى الذي يعطي للرجل حق معاقبة المرأة جنسياً بتحريمها عليه مع احتفاظه بها رهينة في عصمته .
3 ـ ( الايلاء ) : وبعضهم اعتاد أن يقسم بألا يقترب من إمرأته جنسياً ، ونزل التشريع القرآنى بنفس الطريقة ليحفظ حقوق الزوجة ، ويعطي الزوج مهلة ، إذا لم يرجع إلى زوجته في خلالها أصبحت طالقاً منه ، وتدخل بعدها في إجراءات الطلاق ، وهذا ما يعرف بالإيلاء .
3 / 1 : والنسق القرآني تحدث عن المباشرة الجنسية في قوله تعالى (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لأَنفُسِكُمْ ... ) وبعدها جاءت آيتان عن النهي عن الأيْمان أو الحلف بالله تعالى بدون داع (وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ ....) وبعدهما كان تشريع الإيلاء ، عندما يقسم احدهم بالله أنه لن يقرب امرأته ، فقال سبحانه وتعالى (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) ( وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) البقرة :226 : 227 ، وبعدها تحدثت الآيات عن الطلاق.. والطلاق ـ كما سنعرف ـ هو مرحلة وسطى ، تنتهى بالفراق والسراح والانفصال الكامل . وقبله الايلاء ، وإن فاء الرجل وعاد لزوجته جنسيا غفر الله جل وعلا له ذلك اليمين ، وإلا كان العزم على الطلاق هو الحل الوحيد ، وذلك حتى لا تكون الزوجة رهينة عند زوجها يمنعها حقها المشروع في الحياة الجنسية بكلمة منه ، حسبما اعتاد الجاهليون .
2 / 2 : موقف بعض الفقهاء في موضوع الإيلاء كان أقرب إلى التشريع القرآني . ولكن أجاز بعضهم الإيلاء سلاحا فى يد الزوج يعاقب به زوجته ، وبعضهم اعتبر الزوج موالياً من زوجته إذا هجرها جنسياً أربعة أشهر دون ان يحلف ، وفي كل الأحوال فإنه إذا مضت المدة المحددة دون أن يباشرها جنسياً كان من حقها ان ترفع امره للقاضي ليخيّره بين أن يعود إليها ويدفع كفارة اليمين ، او أن يطلقها . وهذا شىء جيّد .
اجمالي القراءات
2750