اللقيط.... اليتيم ...العظيم
بسم الله الرحمان الرحيم
اللقيط ، كلمة تقال للولد الذي تم التقاطه من الشارع أو من المستشفى أو من مكان آخر، الذي لا أبوين له ، بمعنى ولد من فعل حرام .
إذن ، جاء إلى الدنيا، ثم كبر و أصبح واعيا ، ثم أخبره الذي رعاه ، من مؤسسة أو أشخاص بأنه لقيط ، فما ذنبه بأن يتم إقصاءه من المجتمع أو التهكم و الازدراء و السخرية منه .
في يوم القيامة كل يجازى و يحاسب و حده
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا ۚ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ )
إذن هو نفس وحدها، و نفخة من روح الله في جسم . و لا يهم شيء آخر
إذا لم يقدّروا ذلك الانسان ، فليقدروا روح الله .
فآدم عليه السلام جاء إلى الدنيا وحده دون الحاجة إلى والدين
فالوالدين هم وسيلة للتكاثر، مثلنا مثل الحيوانات التي تلد و تربي صغارها
النبي عيسى عليه السلام ، الذي هو كذلك جاء إلى الدنيا دون الحاجة إلى أب في نظر قومه لقيط و امه بغيا .
ثم كذلك النبي موسى عليه السلام ( فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا ۗ إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8) نلاحظ : إلتقطه آل فرعون، بمعنى لقيط .
طبعا في نظر الذين كانوا معه ، اما نحن فنعرف قصته .
ثم ننتقل إلى النبي يوسف عليه السلام ( قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ ) نلاحظ : يلتقطه بعض السيارة ، بمعنى لقيط .
الكثير منا يشمئز من كلمة لقيط ، لقيط ليست سبّا و لا شتما و إنما بمعنى إلتقاط أي إلتقط شيئا
و حتى النبي محمد مات أبوه و هو صغير ( أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَىٰ )
و كل الأنبياء بشر مثلنا، بعضهم أرادهم الله، أن يكبروا بتلك الطريقة لحكمة ، ربما من أسبابها :
أن يكون قويا في مواجهة الحياة و تحدياتها ، يتحدى الحياة لوحده دون مساعدة
فيتحدى صعوبات تبليغ الرسالة .
يعوضه الله ذلك الحنان المفقود في صغره ( وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً ۖ وَكَانَ تَقِيًّا ) (13)
يتخذوا الله هو الملجأ للأمن ، فالوالدين يمنحون الأمان للأولاد . ( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ )
يصنعه الله و يلقي عليهم المحبة مثلما يفعل الآباء مع أبنائهم (وألقيت عليك محبة مني ولتصنع على عيني ) (39 ) ( وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي )(41
رسالة اعتزاز و فخر الى اللقيط بأن جعل الله من أمثاله ، عظماء .
إخواننا في الدين .
( ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ ۚ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ ۚ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا )(5
أوصانا الله كثيرا باليتامى و الاعتناء بهم و حفظ أموالهم إلى أن يبلغوا رشدهم ، و عدم اكل أموالهم
(إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا ۖ وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا )(10)
لا يبقى اليتيم يتيما إلى آخر عمره فعندما يكبر و نستأنس منهم رشدا ، تنتهي المسؤولية باعتباره يتيما . و يصبح كغيره من الناس . و ينتهي واجبنا تجاههم .
واجبنا نحو اليتامى أيضا، إصلاحهم ،
( فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۗ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىٰ ۖ قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ ۖ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )(220
نلاحظ : يسألونك ..... قل : إصلاح لهم خير .
الأبحاث العلمية تقول بأننا نولد و منطقة الناصية أي مقدمة الدماغ في الجبهة هي منطقة التحكم في السلوك، تٌنشِأ و تٌكوّن مع التقدّم في العمر روابط بين الخلايا، جيدة أو سيئة و تتقوى تلك الروابط مع التقدم في العمر فتكون صعبة الإزالة عندما تتقوّى إذ من الأحسن إزالتها في الصغر إذا كانت روابط سيئة ، و إنشاء روابط حسنة و حمايتها من الإزالة و الحفاظ عليها و تقويتها .
إذا تكونت عند الولد الصغير روابط سلوكية سيئة مثلا سبّ الخالق ، السرقة ، الكذب ....
و لم يجد شخصا كبيرا راشدا وواعيا يعاتبه و يمنعه و يعظه و يعاقبه ، فتلك الروابط السلوكية السيئة عنده ستتطور و تتقوى و تستمر معه طول حياته و حين يكبر لا ينفع إصلاحه لأن روابطه السلوكية السيئة أصبحت متينة مع مرور الوقت
لذلك إصلاحه و هو صغير أحسن من إصلاحه و هو كبير
نلاحظ وجود مؤسسات تابعة للدولة للإصلاح و إعادة التأهيل و نسبة الذين يتم إصلاحهم ،قليلة
الخلاصة : أمرنا الله تعالى ،إصلاح اليتامى ، يسالونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير
و الإصلاح يكون بالتوجيه لقول الصدق و النهي عن الكذب بالوعظ ، بالنصح ، بالعقاب بالترغيب و بالترهيب...الخ ، كذلك السرقة ، البخل ، الحسد، السب ....الخ من السلوكيات السيئة التي تتحكم فيها مقدمة الدماغ ، الناصية .
و مع التربية الحسنة و التوجيه و الكلام دون تعب او ملل او كلل .
تتلاشى الروابط السيئة و تنشأ و تتكون مع الوقت لدى الطفل، روابط بسلوكيات جيدة تتقوى و تصبح متينة مع التقدم في العمر ، وفرامل قوية في منطقة الناصية تمنعه من الوقوع في الخطيئة، و يصبح فردا صالحا و مصلحا و من الصالحين و ناجحا في المجتمع .
و الله احل الزواج من اثنتين او ثلاث أو اربع نساء مع ايتام، ليس لشهوة و إنما لتربية و إصلاح اليتامى ، ليس ماليا و إنما خُلُقيَا .
حتى نحمي المجتمع من الفساد ، لذلك جعل الله إصلاح اليتامى ، عمل عظيم عند الله وأجر كبير في الآخرة .
و لا يمنع أن نطلب من الله ولدا صالحا
( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ۖ فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ ۖ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189) فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا ۚ فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) (190
رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ )(100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ ) (101 )
طلب الولد الصالح ، لا يعني عدم الجهاد في إصلاحه. إذ لا بد من إصلاحه .
مثل طلب الرزق ، لابد من العمل و السبب .
نلاحظ إصلاح لقمان لابنه : ( يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ ۚ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ )(19
مع الجهاد في إصلاحه و التربية و التوجيه لا يمنع ان يخرج الولد غير صالحا
( وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا ) (81
ابن نوح كان غير صالح .
( وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَىٰ نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ (42) قَالَ سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ ۚ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ ۚ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ ) (43
الخلاصة : يجب تربية الابناء و عدم التعب من التربية لأن التربية متعبة و شاقّة و خاصة الأولاد الذين لا يجدون من يربيهم و يرشدهم أي اليتامى ، و في ذلك خيرا و أجرا عظيما عند الله .
اجمالي القراءات
1515