أسامة قفيشة Ýí 2018-12-02
أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ
تعريف الطمأنينة : هي الأمن و الأمان و الهدوء مع الاستقرار و السلامة و التسليم , مع عدم الشك أو الريب .
لماذا تم الحصر و التأكيد من الله جل وعلا بالإعلان بأن ذكره وحده هو الكفيل بطمأنة القلوب ؟
و ما هو القصد بهذا الذكر كي تتحقق تلك الطمأنينة بمفهومها الشامل كما عرّفناها في بداية المقال ؟ دعونا نرى ذلك من خلال هذا البحث و التعمق في مفهوم الذكر و وظيفته .
مقدمه:
يحاول البعض تثبيت قوله جل وعلا ( الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) و الأخذ ببيانه الظاهري و السطحي دون التطرق للمعنى الحقيقي لهذا القول ,
هذه هي الآية 28 من سورة الرعد , و في هذا البحث أود من بيان هذا الأمر , لعل كلامنا يصل لمن يبتغي العلم و يبحث عن الحق , و تلك الآية ما هي إلا سياقاً للآية 19 و التي تقول ( أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ ) ,
إذاً فالمقصود بذكر الله جل وعلا , و الذي وحده ما يجب للقلوب أن تطمئن به و له , هو ما أنزله الله جل وعلا من عنده , أي الرسالة السماوية , و هو الحق الذي يرفضه و لا يستطيع أن يراه من عمّيت عليه بصيرته و عقله تاركاً هذا الذكر , مبتعداً و متخلياً عنه و رافضاً التسليم به و له , مكتفياً بان يردد لسانه ( للفظ الجلالة ) كي يطمئن قلبه , و ما هو بمطمئن .
و للمزيد من الإيضاح سنتتبع المقاصد لمفهوم الذكر :
التسمية:
ما يتم تكراره و يكثر ترداده يسمى ذكراً ( بالتوالي و التتابع و التعاقب مره تلو أخرى ) , أي يتلو بعضه بعضا .
شمولية الذكر :
لا يقتصر مفهوم الذكر على القرآن الكريم بحد ذاته , بل يتعداه ليشمل جميع الرسالات السماوية السابقة , لذا فكل رسالةٍ من عنده جل وعلا هي ذكر للبشر ترشدهم و تدلهم للخالق جل و علا بأنه لا إله إلا الله و تبين لهم دينهم , إذا هي عملية تكرارٍ تتوالى و تتكرر مرةً تلو مره ,
أولاً : في التأكيد على وحدة الرسالات و مضمونها الواحد :
يقول جل وعلا ( اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ ) 1-2 الأنبياء , و قوله ( وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلاَّ كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ ) 5 الشعراء ,
محدث أي ثابت و راسخ في حدوثه كلما اقتضت الحاجة و دون اختلافٍ على جوهره , أي هو تكريرٌ و ليس تبديل , حيث يقول سبحانه و تعالى ( وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) 115 الأنعام , ( وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا ) 27 الكهف ,
و للتنويه فإن التبديل في آيات الذكر ( القرآن ) هو فقط في المظهر و ليس الجوهر , أي طريقة العرض و السرد , و قد حدث التبديل في بعض الحالات الخاصة كما يفهم من قوله ( وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ) 101 النحل , و يبدو أن هذا الحدث قام به النّبي عليه السلام في عملية جمعه لآيات القرآن و تدوينها , و كل هذا بأمر الله جل وعلا .
ثانياً : في حفظ هذا الذكر :
يقول جل وعلا ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) فالذكر هو كل ما أنزله الخالق جل وعلا من رسالات و كتب سماوية , هذا الذكر هو ذكرٌ واحدٌ في مضمونه ( أي حفظ هذا المضمون ) , و هو كلام الله جل وعلا الذي لا يتبدل و لكن يتكرر كلما اقتضت الحاجة , و كلما تعرض للتحريف و التدليس و الحذف و الإضافة كانت تقتضي الحاجة كما جرت العادة بتكرار هذا الذكر مرةً أخرى , و هذا هو المقصد من حفظ الذكر , و لكن هناك مُعضلة في فهم هذا القول و إسقاطه على القرآن وحده و الزعم بأن الذكر المقصود هنا هو وحده القرآن الكريم , و لكي نعلم حقيقة ذلك نطرح هذه الأسئلة و نجيب عليها :
السؤال الأول : هل تعرض القرآن الكريم للتحريف و التبديل و الهجران كسابق الرسالات ؟
الجواب : نعم ,
فقد تم تحريفه بما يعرف بكتب التفاسير حيث تم إخراج الآيات عن مرادها فتم حرف مسارها ,
كما تعرض للحذف بما يعرف بالناسخ و المنسوخ فتم حذف الكثير من الآيات و تهميشها ,
و تم التدليس حين جعلوا المتشابه فوق المحكم و حين يقتطعون نصف الآية و يستشهدون بها في أحكامهم ,
و تعرض أيضاً للتبديل و الإضافة حيث اخترعوا كتب الأحاديث و مراجع التفاسير و جعلوها حَكماً على القرآن الكريم و فوق آياته البيّنات ,
فمن هنا قد تحقق هجرهم للقرآن الكريم كمن سبقهم , حيث قال عنهم الحق جل وعلا و أخبرنا بما سيقوله محمد عليه السلام يوم يقوم الأشهاد ( وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ) 30 الفرقان , رغم هذا يتبجح البعض و يقول بأنه عليه السلام سيقول يوم القيامة ( أمتي .. أمتي .. ) ,
و هم بذلك قد جعلوا القرآن الكريم خلف ظهورهم فهجروه و اتبعوا أهوائهم و اشتروا بآيته ثمناً قليلاً تماماً كأسلافهم , و قد أخبرنا الله جل وعلا بأمر من قبلهم في قوله ( وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ) 187 آل عمران , و قوله ( وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ) 101 البقرة .
السؤال الثاني : هل تعرض القرآن الكريم لتحريف نصه كسائر الكتب السماوية ؟ و ما هو السبب وراء نفي ذلك ؟
الجواب : لا لم يتعرض نصه للتحريف و السبب يكمن في كونه الرسالة الخاتمة التي يتحتم بقاؤها كما هي , فلا يعقل أن تكون الخاتمة و لا تكن الظروف البشرية مهيأة لحمايتها و حفظ نصها من الاندثار أو الضياع , و أن تكون تلك الظروف مهيأة أيضاً من أجل الإبقاء على نص القرآن الكريم كما هو , و لا ترجع أسباب و أهمية و ضرورة بقاء النص ثابتاً نتيجةً لتحريف الكتب السماوية السابقة بقدر مكانته كونه الرسالة الخاتمة و المستدامة , و بقدر الظروف البشرية في قدرتها على ذلك , لذا كان العجز في تحريف نصه الكريم ,
و الدليل الآخر تأكيد الخالق جل وعلا الوارد في مطلع كتابه الكريم و الذي يؤكد فيه بأن هذا الكتاب ( القرآن ) لا مجال للظن أو الشك فيه حيث يقول ( ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ) 2 البقرة , أما مسألة الطعن و التشكيك بنص القرآن الكريم أو الإيمان به , فمرجعها للإرادة الفردية في حرية الإيمان و الكفر , و سنتعرض لهذا في سياق بحثنا لنرى كيف تم ذلك من اليوم الأول و حتى يومنا هذا , و هنا لا يسعني سوى التذكير بادعائهم حين تسألهم و كيف حفظ الله جل وعلا نص القرآن الكريم ؟ و يأتيك الجواب بثلاثة طرق تثير الجنون :
الأولى من خلال أبو بكر حيث قام بتجميع القرآن في صُحفٍ خوفاُ من ضياعه بسبب مقتل الكثير من حفظته , أفلم يكن يعلم أبو بكر ٍبأن الله قد تعهد بحفظه حسب ادعائهم و استشهادهم بآية ( و إنا له لحافظون ) !
و الثانية من خلال عثمان بن عفان حيث جمع الآيات في مصحف واحد بالتوافق مع جميع الصحابة , و قام بالتخلص من جميع النسخ خوفا من أيةِ نسخٍ محرفه , و هنا أيضاً نجد بأن مخاوفه ليست في محلها حسب ادعائهم المذكور !
أما الثالثة فكانت من خلال حفظه في الصدور و القلوب لدى البشر , و قولهم بأن تلك الوسيلة ساعدت في حفظه من التحريف و الضياع , فعلاً أجوبتهم تثير الضحك و تنسف استشهادهم بتلك الآية ( و إنا له لحافظون ) , و تُرجع حفظه للقدرة و الظروف البشرية و تسندها لها ,
و من هنا نخلص بأن حفظ الذكر بمفهومه يشير إلى استمراره دون انقطاع , و لكونه ذكرٌ واحد و بمضمون ٍ واحد لا يتبدل و لا يستبدل , و هو ثابت لا يتغير و لكن هي عملية تكرارٍ له كلما اقتضت الحاجة , و كذلك جرت العادة ,
و تهيئة الظروف البشرية هي التي تقف خلف حفظ نص القرآن الكريم كما هو .
القرآن الكريم هو امتداد لما سبقه من الذكر :
لا يمكن القول بأن القرآن الكريم قد خالف الرسالات السابقة في مضمونها الواحد و الثابت , بل هو امتدادٌ لها فيما تدعو إليه ( قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ) 9 الأحقاف ,
أولاً : في التأكيد على وحدة الذكر و ثباته :
يقول جل وعلا ( أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُم مُّعْرِضُونَ ) 24 الأنبياء ,
إذا فهذا الذي أتى به محمد عليه السلام , هو ما أتي به من قبله من الرسل عليهم السلام ( ذكر من معي و ذكر من قبلي ) إذا فهو ذكرٌ واحدٌ بمضمونٍ واحد , و لكن أكثر الناس لا يعلمون الحق كونهم معرضون عنه و منكرون له , ثم يأتي التأكيد بأن هذا الوحي القرآني المنزل على محمد عليه السلام هو ذكرٌ كالذكر الذي سبق ( وَهَذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ ) 50 الأنبياء ,
و عن ثبات مضمون هذا الذكر يقول ( يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) 39 الرعد , و يقول أيضاً ( يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاء ) 27 إبراهيم , إذا فهو قولٌ ثابت و راسخ بمضمونه العام .
ثانياً : في التأكيد على أن القرآن الكريم هو ذكرٌ أيضاً :
يقول جل وعلا ( وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ ) 69 يس , كما يدعو سبحانه للتمسك بهذا الذكر كونه امتدادٌ لتلك الصراط المستقيم ( فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ) 42-43 الزخرف .
الذكر هو وحده مصدر البيان و التشريع :
لابد بأن يكون الذكر هو قاعدة البيان و المرجع الوحيد لمن يبحث عن الحق و يسعى من أجل بيانه للناس , و قد بين لنا الحق جل وعلا ذلك و بأسلوبٍ واضح و صريح , ابتداءً بمن تلقى هذا الذكر من الأنبياء و الرسل , و انتهاءً بمن حمل هذا اللواء من بعدهم ,
أولاً : وظيفة الأنبياء و الرسل في تبيان الذكر :
من وظيفة الأنبياء و الرسل تبيان الذكر ( الوحي الإلهي ) لعامة الناس البسطاء , فالرسل السابقون قد بينوا للناس ما نزّل إليهم دون زيادةٍ أو نقصان , و محمد عليه السلام كان مطالباً بأن يبين للناس ما نزّل إليهم دون زيادةٍ أو نقصان , كي لا يحدث أي اختلاف في المعنى و المقصد ( بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) 44 النحل , و قوله ( وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) 64 النحل , فكانت مرجعية الرسل و الأنبياء في تبيان ما أنزل إليهم هي للوحي فقط و هو الذكر , فكان يتوجب عليهم إتباع هذا الذكر حصراً ( إن أتبع إلا ما يوحى إلي ) , و قد تكرر هذا التأكيد بهذا المعنى في كثيرٍ من المواضع لجميع الرسل و حثهم على هذا النهج ,
و هنا نستذكر قوله جل وعلا في منهجية بيان هذا الذكر الذي أنزل على محمد عليه السلام حيث يقول ( لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ) 16-19 القيامة , حيث يأتي هذا البيان بعد عملية الجمع لكل آياته و قراءتها كوحدة واحدة بتتبع الموضوعات المقروءة فيه , فتلك هي الطريقة الوحيدة لبيانه , و ربما نستطيع أن نقول هنا حول قوله سبحانه لمحمد عليه السلام ( لا تحرك به لسانك لتعجل به ) بأنه لربما كان يحاول عليه السلام بيان بعض الآيات في الوقت الذي لم تكتمل فيه عملية التجميع و الجمع , و ربما كان هذا من نفسه أو بناءاً على طلب من حوله في أن يبين لهم ذلك , المهم هنا بأن الأمر قد جاءه بأن لا يتلفظ بلسانه بأي شيء في عملية بيانه حتى يكتمل القرآن بجميع آياته , و تلك هي قاعدة بيانه فقط .
ثانياً : تعدد المسميات و الأسلوب واحد في تبيان الذكر :
ففي ظل غياب الأنبياء و الرسل تنتقل تلك المهمة , و تلقى على كاهل الراسخون في علم الوحي الإلهي ( الذكر ) و هم ما يعرف بأهل العلم أو الذين أوتوا العلم أو أهل الذكر ,
يقول جل وعلا عن السابقين منهم فيسميهم بأهل الذكر ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ) 43 النحل , و نفس المعنى في الآية 7 من سورة الأنبياء , و هنا نلاحظ التركيز في الربط بين الوحي السابق بأهل الذكر , أي أن أهل الذكر يعتمدون على الذكر في بيانهم له , فهو مرجعهم الوحيد دون زادةٍ أو نقصان , و بما أن القرآن الكريم هو الوحي النهائي المستدام و الذكر الخالد ( و هو مطابقٌ في مضمونه لما سبق من وحيٍ أو ذكر ) لذا كان لا بد من الرجوع في بيان آياته لمن هم مختصون في علمه و معتمدون عليه في حكمهم , دون تجاوزه و دون زيادة أو نقصان , بأن يكون هو المرجع الديني الوحيد , فلا بأس في تسميتهم بأهل القرآن تأكيداً على مرجعيتهم للقرآن فقط و الانفراد به ,
كما نستنتج بأنه و مع مجيء محمد عليه السلام , كان و لا يزال هناك أشخاص متمسكون بهذا الذكر رافضون ما هو دونه من تحريف و تزوير و تبديل , لذا كان الطلب بالرجوع إليهم و سؤالهم , كما يستنتج من ذلك بأنهم قلة قليلة كما نحن فيه اليوم ( أهل القرآن ) , و الغالبية العظمى كانت تتبع ما تم تحريفه ,
و قد جاء وصف هؤلاء السابقون بأنهم راسخون في هذا العلم مؤمنون به ( الوحي الإلهي أي الذكر ) فقال جل وعلا عنهم ( لَّكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُوْلَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا ) 162 النساء , فهم فوراً و بسبب تمسكهم بالذكر دون سواه , فقد آمنوا بما نزّل على محمد عليه السلام لأنهم تأكدوا بأن ما جاء به , هو ما جاءهم من قبل بمضمونه العام و الثابت ,
وقال عنهم أيضاً ( بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلاَّ الظَّالِمُونَ ) 49 العنكبوت ,
إذاً فوظيفة تبيان هذا الذكر الذي بين أيدينا اليوم ( القرآن الكريم ) هي من اختصاص من يعتمد على مرجعيته دون سواه , و يكتفون بما جاءهم فيه دون زيادةٍ أو نقصان , شرط امتلاكهم للقدرة و أسس المعرفة و قواعد البيان و مؤهلات البحث .
ثالثاً : أهل القرآن أم أهل السّنة :
لاحظنا بأن موضوع التسمية يعود في الاعتماد على المرجعية ( قاعدة البيانات ) التي ينطلق منها أهل العلم أو أولوا العلم أو أهل الذكر , و هي مرجعية واحده تعتمد على الذكر المنزّل من عند الله جل وعلا فقط دون زيادةٍ أو نقصان , فهو مصدر التشريع الديني و الحكم فيه , و دون إبداءٍ للرأي البشري ,
أهل القرآن هم كذلك الأمر , يعتمدون على الذكر فقط في مرجعيتهم , و تسميتهم تلك تنبع من التأكيد على أن مرجعيتهم هي فقط للقرآن الكريم ( الذكر ) , فهم وحدهم اليوم ما يمكننا تسميتهم بأهل الذكر ,
في حين تأتي تسمية أهل السّنة مشيرةً لمرجعيتهم التي يعتمدون عليها و يرجعون لها في تشريعهم و أحكامهم , و كذلك أهل الشيعة و هكذا سمي ما شئت من أسماءٍ و مرجعيات ,
و كلٌ منهم يعتمد في مصدره على ما كتبوه بأيديهم من تلك الكتب , فهجروا بها الذكر الثابت و الراسخ , مستجيبين في ذلك لرغباتهم و شهواتهم و ما تهوى أنفسهم ,
و من هنا نلاحظ جلياً كل هذا الاختلاف الكبير الحاصل معهم و بينهم , و هذا يؤكد بأن مراجعهم ليست من عند الله جل وعلا ( أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا ) 82 النساء , فرحين بهذا الضلال متمسكين بهذا الخلل و هذا الخبل ( فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ * فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ ) 53-54 المؤمنون ,
فأي الحزبين أهدى ! من يتبع ذكر الله جل وعلا وحده , أم من يتبع ذكر البشر و ذكر الشيطان ؟
المتمسكون بالذكر هم الفائزون :
نلاحظ ارتباط الذكر ( الوحي الإلهي ) مع النسيان , و نسيان الشيء هو تركه و التخلي عنه و الابتعاد عنه أيضاً , كما في قوله جل وعلا ( وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ) 115 طه , حيث أن آدم عليه السلام قد ترك و تخلى و ابتعد عن أمر ربه و اقترب من تلك الشجرة التي أمر بأن لا يقربها .
أولا : الرسل و الأنبياء يتمسكون بالذكر و لا ينسونه :
يبين لنا جل وعلا هذا فيقول ( قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاء وَلَكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا ) 18 الفرقان .
ثانياً : الرسل و معهم من سار على نهجهم يتمسكون بالذكر و لا ينسونه :
يأتي وصف هؤلاء الفائزون بأنهم فريقٌ من الناس ( أي أنهم قله ) حيث يقول جل وعلا ( إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ * إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ ) 109-111 المؤمنون ,
ثالثاً : من لم يتمسك بالذكر و ينساه :
ذِكرُ الله جل وعلا هو وحيه و رسالته ( فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ ) 44 الأنعام .
رابعاً : حزب الشيطان في تناسيهم للذكر :
( اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ) 19 المجادلة , هذا الاستحواذ من الشيطان يدفع بالإنسان إلى ترك الذكر ( الوحي الإلهي ) و الابتعاد عنه , و التمسك بما دونه من وحيٍ شيطاني ,
هذا النسيان للذكر يلازم الأمم منذ سابق عهدها ( فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ ) 165 الأعراف ,
و الذكر هو الوحي الإلهي أي آياته و كلامه سبحانه و تعالى ( قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنسَىٰ ) 126 طه ,
هذا النسيان للذكر أي تركه و الابتعاد عنه يؤدي حتماً للضلال فيقول جل وعلا ( لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولا ) 29 الفرقان .
التكذيب بالذكر :
هذا التكذيب بالذكر قد بدأ منذ اليوم الأول , و هو مستمرٌ دون انقطاع حتى يومنا و حتى قيام الساعة , و استمرار التكذيب بهذا الذكر و ثباته دون انقطاع يشير أيضاً بأن هذا الذكر لم ينقطع و هو مستمرٌ و ثابت ( كفعلٍ و ردّةً للفعل ) ,
أولاً : التكذيب بالذكر سابقاً :
منذ العهد الأول , عهد نوحٍ عليه السلام ( أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُواْ وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) 63 الأعراف , و يأتي التكذيب بهذا الذكر فيقول جل وعلا ( فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمًا عَمِينَ ) 64 الأعراف , و هنا نلاحظ بأن التكذيب بالذكر هو التكذيب بآيات الله أي وحيه جل وعلا ,
ثم تأتي عادٌ من بعدهم ( أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُواْ آلاء اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) 69 الأعراف , و يأتي التكذيب فيقول ( فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَ ) 72 الأعراف , و هنا أيضاً نلاحظ بأن التكذيب بالذكر هو التكذيب بآيات الله جل وعلا ,
و عن ثمود ( أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ ) 25 القمر ,
و هكذا يستمر المشهد , و هكذا جرت العادة .
ثانياً : التكذيب بالذكر الذي جاء به محمد عليه السلام :
( وَقَالُواْ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ ) 6 الحجر ,
( وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ * وَمَا هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ ) 51-52 القلم ,
( أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ ) 8 ص .
ثالثاً : ثبات نهج التكذيب بالذكر متوارث :
يقول جل وعلا مبينناً لنا استمرار حالة التكذيب بالذكر , و ثبات و توارث هذا التكذيب جيلاً بعد جيل ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ * مَا يُقَالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ ) 41-43 فصلت ,
و يقول سبحانه في ذلك ( كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ * أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ ) 52-53 الذاريات .
علاقة الربط بين الذكر و الصلاة:
هناك ثلاثة روابط تجمع ما بين الذكر و الصلاة :
الرابط الأول : هو عامل التكرار و الترديد , فالذكر يسمى ذكراً بسبب كثرة ترديده و تكراره و الصلاة كما نعلم هي أكثر العبادات تكرارا و يرددها الفرد في اليوم خمس مرات .
و الرابط الثاني : هو عامل التقرب و التعبد في الصلاة و الذي يعتمد و يقتصر على تلاوة آيات هذا الذكر و عمليّةِ تكرارها .
و الرابط الثلاث : هو عامل التواصل بين العبد و خالقه جل وعلا , فالذكر هو الرابط الموصل بيننا , و أفضل الطرق للتواصل تكن من خلال حلقة الوصل بين الخالق و عبده , فالذكر هو كلامه سبحانه و تعالى لذا فهو أفضل الطرق للتواصل معه جل وعلا و به يتم الوصل , فالذكر هو وحده الحبل الممدود بين العبد و ربه .
فمن هنا كانت الصلاة ذكراً , و كان الذكر صلاة , و هنا بعض التوضيح :
أولاً : تطابق المعنيين , حيث يفضيان لبعضهم البعض :
يقول جل وعلا ( إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي ) 14 طه , و هنا نفهم بأن ( أقم الصلاة لذكري ) تفضي إلى ( بذكري أقم الصلاة ) , أي حتى تكون صلاتنا خالصة ً لله جل وعلا وجب أن تعتمد على ذكره وحده , و هذا الأمر يبدو أكثر وضوحاً عند قوله جل وعلا ( أقم الصلاة لدلوك الشمس ) أي وجب الاعتماد على دلوك الشمس , فنحن لا نصلي من أجل الشمس و كذلك الأمر فنحن لا نصلي من أجل الله جل وعلا فهو لا يحتاج لهذا , و هو الغني عن كل شيء , بل نصلي من أجل أنفسنا , تقرباً من الخالق جل وعلا كي نصل بأنفسنا لحالة التقوى و تلك هي الغاية , وكذلك سائر العبادات ,
و من هنا أقول بأن ما يجب أن يقال في تأدية الصلاة , هو فقط كلام الذكر أي من آيات الذكر الحكيم , لذا نرفض ما يقال من التحيات و الصلاة الإبراهيمية لأنهما من قول البشر و لم ترد تلك الصيغة في الذكر الحكيم , فالبعض يتهمنا بأننا نرفض ذلك لأننا نرفض ذكر اسم محمد عليه السلام أثناء الصلاة , أو بأننا نعتقد بأن مجرد ذكر محمد عليه السلام في الصلاة يعتبر شركاً بالله جل وعلا , و لكن على العكس تماماً فآيات الذكر ورد فيها اسمه في كثيرٍ من المواضع , عوضاً عن ذلك و في نفس الوقت نردد اسم أبي لهب و حتى أننا نردد اسم إبليس و فرعون و أسماء بعض الآلة المزعومة من دون الله سبحانه و تعالى , كما نردد أسماء الكثير من الأنبياء و الرسل , و لكن رفضنا يكمن في صيغته البشرية , كوننا مطالبون في الصلاة بالالتزام و الاعتماد على نص و صيغة الذكر الإلهي فقط ,
و قوله سبحانه ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) 9 الجمعة , فالسعي إلى الصلاة يفضي إلى السعي لذكر الله جل وعلا و العكس صحيح .
ثانياً : ارتباط المعنيين في النهي عن الفحشاء و المنكر :
حيث يقول جل وعلا ( اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ) 45 العنكبوت , و هنا نفهم بأن الذكر ( الوحي الإلهي ) و إقامة الصلاة ينهيان عن الفحشاء و المنكر ,
و هذا واضح في قوله سبحانه ( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء و المنكر ) ثم يبين لنا بعدها فيقول ( و لذكر الله أكبر ) أي أشمل و أعم .
ثالثاً : ارتباط المعنيين بشكلٍ مترادف :
يقول جل وعلا ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ) 114 هود ,
و يقول جل وعلا بتعبيرٍ آخر ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ) 78 الإسراء .
رابعاً : ارتباط المعنيين في سعي الشيطان لإحباطهما :
فيقول جل وعلا ( إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ ) 91 المائدة .
خامساً : ارتباط المعنيين في فضح المنافقين :
حيث يقول جل وعلا ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً ) 142 النساء .
سادساً : الإستعاض بالمعنى :
يأتي الإستعاض بذكر الله جل وعلا بدلاً عن الصلاة كما في قوله جل وعلا ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ) 9 المنافقون ,
و كما في قوله سبحانه ( قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّيَ آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزًا وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ ) 41 آل عمران ,
و يأتي الإستعاض بالصلاة بدلاً عن الذكر كما في قوله جل وعلا ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) 153 البقرة , فالصلاة هنا تأتي استعاضاً عن الذكر ( الوحي ) و ليست الصلاة بهيئتها , لأن كل من يتمسك بالذكر وحده سيضطهد و سيلاقي الوليات و اللعنات , لذا كانت الدعوة لمن يستمسكون بالذكر وحده و يؤمنون به وحده بالصبر و التحمل و هذا ما يوضحه لنا الحق جل و علا في قوله ( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ) 28 الكهف , و سنتعرض لمزيدٍ من البيان في حديثنا عن التمسك بذكر الله جل وعلا و حده , و في حديث التحذير من ترك الذكر و الإعراض عنه .
الدعوة للتمسك بذكر الله جل و علا وحده:
تحدثنا آنفاً عن الصبر في التمسك بالذكر وحده , و عدم الحياد عنه , و هو مطلبٌ إلهي و حبل النجاة من الشرك , فقد قال جل وعلا لنبيّه محمد عليه السلام , و هو قدوتنا كسائر الأنبياء و المرسلين ( فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ) 43-44 الزخرف ,
و من هنا نلاحظ هذا البيان الساطع بأن هذا الوحي الإلهي ( الذكر ) , ما هو إلا لنا و من أجلنا ( ذكرٌ لك و لقومك ) و به فقط نستطيع أن نصل بأنفسنا لحالة التقوى , و عن مدى الالتزام بهذا الذكر سنسأل يوم الحساب ( و سوف تسألون ) ,
و تأتي الدعوة للتمسك بالذكر الذي به وحده يتحقق الإيمان و الالتزام بالعمل الصالح على لسان ألو العلم بهذا الذكر , كما في قوله سبحانه ( وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الصَّابِرُونَ ) 80 القصص , و هنا نلاحظ جلياً , الرابط بين الصبر و التحمل في سبيل التمسك بذكر الله وحده , الذي يتحقق به الإيمان و العمل الصالح ,
كما يأتي وصف هؤلاء المتمسكون بالذكر وحده بأنهم هم المصلحون كما في قوله ( وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ ) 170 الأعراف ,
إذا فالله جل وعلا يأمر بالتمسك بذكره وحده , و ينهى عن تركه أو اللجوء لغيره من النصوص و الأقاويل , كما بيّن لنا بأن هذا اللجوء لغيره يؤدي إلى كثيرٍ من الاختلاف و الخلاف عوضاً عن انه إشراكٌ بكلامه جل وعلا , و وضح لنا كيفية و منهجية بيانه ,
هذا التمسك بالذكر وحده هو شرط الإيمان , لأن محور الإيمان هو التوحيد , و هذا يستدعي ( إلهٌ واحد و دينٌ واحد وذكرٌ واحد ) , و عناصر هذا الاستدعاء كما نلاحظ بأنها تعتمد على ركيزتين اثنتين ( غيبيةٌ تتمثل بالرب الواحد و ماديةٌ تتمثل بالدين الواحد و الذكر الواحد ) ,
و هذا أدى إلى وحدة الإيمان بركيزتيه ( الإيمان بِ و الإيمان لِ ) و لكن هذا ليس هو موضوعنا الآن و لكن نذكر في هذا المقام المطلب الإلهي بالتمسك بذكره وحده و على عُجالة في قوله جل وعلا ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) 186 البقرة , فالاستجابة لله جل و علا تعتمد على الركيزة المتمثلة بضرورة التمسك بمحور التوحيد المادي و هو الدين الواحد و الذكر الواحد دون غيرهما , و الثانية ليؤمنوا بي تعتمد على محور التوحيد الغيبي و هو الإله الواحد دون غيره ,
فضرورة الإيمان بالإله الواحد الغيبي , تحتم ضرورة الإيمان بالدين الواحد و الذكر الواحد المادي .
و من الأمثلة الحاضرة التي تبين لنا ضرورة التمسك بذكر الله جل وعلا وحده , و تبين انعكاس ذلك على من ينكرون هذا النهج و المنحرفون عنه :
أولاً : في موضوع الآيات المحكمات و المتشابهات :
يقول جل وعلا ( هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ ) 7 آل عمران ,
هنا نلاحظ أهمية و ضرورة التمسك بهذا الذكر في منهجيّة اعتماد المحكم من آياته في بيان الأحكام , حيث أنه لو تم اعتماد المتشابه , فهذا يؤدي إلى التأول بتهميش و تعطيل المحكم أو إلغاءه في بعض الأحيان بما يسمى بالناسخ و المنسوخ , و هذا هو سبيل من زاغ عن منهجيّة هذا الذكر حيث يقوم بإتباع المتشابه مبتغياً بذلك الفتنة و الخلاف و التفرق و التشرذم , أما الراسخون في هذا العلم فهم متمسكون بتلك المنهجيّة , و يصبرون على ذلك .
ثانياً : في موضوع البيان و كيفية الفهم :
يقول جل وعلا ( وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا * وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا * نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَىٰ إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا ) 45-47 الإسراء , هذا مثالٌ حي للأزمنة الثلاث ( في الماضي و الحاضر و المستقبل ) ,
ما يهمّنا هنا هو ما نفهمه بقوله جل وعلا ( وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ ) و ما المقصود بهذا ! و أقول في ذلك :
المقصد هنا هو الاعتماد على الذكر وحده في بيان القرآن , أي الاعتماد على ذكر الله جل و علا وحده في بيانه للناس ,أي أن المعنى هنا ليس مجرد لفظ الجلالة في القرآن , كوننا نعلم بورود كثيرٍ من أسماء الأنبياء و المرسلين في الثناء عليهم و مدحهم أو في تأنيبهم و عتابهم , و بعض أسماء الملائكة , و بعض الأقوام كعادٍ و ثمود , و بعض الكفار كأبي لهب , و بعض أسماء الآلهة المزعومة , و بعض أسماء الحيوانات , حتى أننا نردد فيه اسم زعيم الوحي الشيطاني إبليس , و لمزيدٍ من الإيضاح نضع بعض التساؤلات و نجيب عليها :
هل كان محمد عليه السلام يقرأ عليهم القرآن فقط ؟ و هل كانت دعوته تقتصر على مجرد القراءة ؟ الجواب لا , فقد كان عليه السلام يبيّن لهم هذا القرآن ( و أنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ) , معتمداً في بيانه على الذكر وحده كما تم توضيح ذلك من قبل .
هل كان هؤلاء يستمعون للقرآن في حديثه عن الأنبياء أو الآلهة المزعومة أو حتى حين ياتي الحديث عن إبليس ؟
الجواب لا , فالله جل و علا قد بيّن لنا بأن بينهم و بين هذا القرآن بمجمله حجاباً , أي أنهم محجوبون عنه بإرادتهم و هذا يرجع لرفضهم له وحده , حيث أنهم لا يستمعون لهذا القرآن أو لبيانه , فهم في حالة إنكارٍ لبيانه المعتمد , و على قلوبهم أكنة أي أغطية أن يفقهوا ما جاء فيه , و في آذانهم وقراً أي صمم , إذاً فهم لا يسمعون شيئاً منه و لا يريدونه بمجمله , و لا يريدون بيانه ,
ما هو هدفهم من هذا الرفض ؟
هدفهم يكمن في هذا الذكر و اقتصار بيانه عليه وحده , و تلك هي مشكلتهم , هم يريدون و يسعون إلى تأويله و تحريفه و تبديله بشيءٍ آخر و تهميش بعضه و إلغاؤه , و هذا لا يتحقق إلا من خلال عدم الخضوع لمنهجيةِ بيانه التي تقتصر على محتواه فقط , و يريدون من النّبي أن يتقول في هذا البيان بأقاويل من خارجه كي تتحقق غايتهم , فمشكلتهم تكمن في نهج البيان لا اللفظ ,
لذا فقد قال الله جل وعلا عن نبيّه عليه السلام ( وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ ) 44-46 الحاقة ,
و قال أيضاً في مرادهم و سعيهم ( وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) 15 يونس ,
هم يريدون قولاً آخر يعتمد على التأويل لا البيان , و هذا يتحقق من خلال الاعتماد على نصٍ غيره , فبمجرد ذلك نكن أمام تعدد المرجعيات و اشتراكها معاً في بيان هذا الذكر , فيحدث الخلاف و الاختلاف فوراً , و هذا هو جدالهم فمن هنا نلاحظ أنه بمجرد حدوث هذا نراهم يؤمنون , حيث يقول جل وعلا في هذا ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ * وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ * ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ * انظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ * وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّى إِذَا جَاؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ * وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ) 21-28 الأنعام , فسبحانك رب العزة عما يصفون .
ثالثاً : في موضوع الشفاعة :
ذِكرُ الله جل وعلا لم يتحدث لنا عن إمكانية الشفاعة لغير الله جل وعلا , فهو وحده من يملك هذا الحق , بل هو الشفيع سبحانه و تعالى , و لكن كونهم لا يؤمنون ببيان هذا الذكر , و عملوا على إشراك نصوصٍ من خارجه كي يبدّلوا مفاهيم آياته , فأوجدوا بذلك شفعاء لهم يوم الدين , يفترون بذلك على ما ذكره الله جل وعلا في نص ذكره الكريم وحده , لذا حين نخبرهم بأنه لا شفيع إلا الله ينزعجون من ذلك و لا يتقبلون هذا الأمر , بل و يشمئزون من هذا ,
في حين إن قلت لهم ما يوافق هواهم من خارج نص الذكر الإلهي , بأن محمداً سيشفع لكم أو عيسى أو علي أو فاطمة أو ذاك الولي أو هذا الصالح , تراهم حينها يستبشرون و يفرحون و يهللون ( أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ شُفَعَاء قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلا يَعْقِلُونَ * قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ) 43-45 الزمر ,
على الرغم بأن الله جل وعلا قد أخبرهم عكس ذلك في ذكره الذي هو وحده المرجع للبيان , و هو وحده المرجع الكفيل بتفصيل البيان , و هذا هو وحده الحق الذي جاءت به الرسل , حيث قال سبحانه و تعالى عن هذا الأمر ( وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ) 52-53 الأعراف , و لكنهم أصروا على النسيان و الترك و الهجران .
إذاً فهذا هو نهجهم , و هذا هو جدالهم الذي لا يتركونه أبداً , و يستمسكون به ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ ) 3 الحج , ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُّنِيرٍ ) 8 الحج , ( مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ ) 4 غافر ,
و عن جدلهم هذا يقول ( وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلا ) 54 الكهف .
التحذير من ترك الذكر أو الإعراض عنه :
يقول جل وعلا محذراً من ذلك ( وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ) 124 طه ,
( كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْرًا * مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا ) 99-100 طه ,
( وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ) 36 الزخرف ,
( قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِم مُّعْرِضُونَ ) 42 الأنبياء ,
واقع البشر و الذكر :
ينقسم الناس على أنفسهم بالنسبة لذكر الله جل وعلا إلى قسمين :
القسم الأول من البشر :
و هم من لا يتبع منهاج البيان من داخله و آثر بالخروج عليه بنصوصٍ أخرى , و هذا القسم من البشر هم الأغلبية الساحقة , و الآيات الدالة على ذلك لا حصر لها , و لكن نستشهد هنا ببعضها ,
في الآيات التي تتحدث عن واقعنا اليوم , أي التي تتحدث عن ذكر الله جل وعلا ( القرآن ) , و بيان الأغلبية الخارجة عن نصه , يقول سبحانه ( وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ ) 115-116 الأنعام ,
و قوله ( تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ * لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ) 5-7 يس ,
و قوله ( تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ ) 2-4 فصلت ,
و قوله ( المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِيَ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ ) 1 الرعد ,
و قوله ( وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُورًا ) 89 الإسراء ,
و عن الأغلبية البشرية من الأمم السابقة التي لم تعتمد بيان الذكر السابق من داخله , و آثرت الخروج عنه و اللجوء للنصوص البشرية , يقول جل وعلا ( أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ * وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) 17-18 هود ,
و يقول ( تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَىَ قُلُوبِ الْكَافِرِينَ * وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ ) 101-102 الأعراف , و العهد هو التمسك بآيات ذكره البيّنات ,
و يقول ( وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الأَوَّلِينَ ) 71 الصافات .
هذا هو الواقع الحقيقي لغالبية البشر سابقاً و حاضراً , فهم لا يكتفون بنص الذكر الذي جاءهم و يعرضون عنه , بل يسعون جاهدين في تحريفه و تبديله و استبداله بنصوصٍ توافق أهوائهم ( وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ ) 71 المؤمنون .
القسم الثاني من البشر :
و هم من يتبع منهاج البيان من داخل الذكر نفسه , ملتزمون بنصه دون زيادةٍ أو نقصان , رافضين أي نصوصٍ أخرى في عملية بيانه , و هذا القسم من البشر هم القلة القليلة , و سنستشهد ببعض الآيات الدالة على ذلك ,
في الآيات التي تتحدث عن وقعنا اليوم أي عن الذكر الذي بين أيدينا ( القرآن ) , و القلة القليلة التي تعتمد على نصه فقط في عملية بيانه , يقول سبحانه ( وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلا مَا تُؤْمِنُونَ * وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ ) 41-42 الحاقة ,
و قوله ( وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ اللَّه بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ ) 88 البقرة ,
و عن الأقلية البشرية السابقة التي اتبعت نص الذكر دون غيره يقول جل وعلا ( مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً ) 46 النساء ,
و قوله ( فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) 13 المائدة .
و من هنا و من هذه المعطيات عبر الأكثرية و الأقلية , نفهم قوله جل وعلا ( قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً ) 62 الإسراء , و نفهم قوله سبحانه ( وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ ) 20 سبأ .
صفات البشر الذين يرفضون إشراك أي نصٍ مع ذكر الله جل وعلا :
عن الدعوة في شرط الالتزام بذكر الله وحده و مرجعيته كما فعل الأنبياء و المرسلون ( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ ) 90 الأنعام ,
و البشر الملتزمون بهذه المنهجية و بسعيهم الحثيث و المتواصل في التمسك بالذكر وحده , فهذا وحده لا يمنع الوقوع في الخطأ , و يقول جل وعلا في وصفهم ( إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ ) 11 يس ,
و يقول سبحانه ( إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ ) 15 السجدة ,
و يقول أيضاً في بيان عدم اقتصار هذا الأمر على أنفسنا فقط , بل يتعداها ليشمل الأنبياء و المرسلين ( وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ ) 200-201 الأعراف , تذكروا بعودتهم لآيات الله جل وعلا و تركوا أهوائهم و ما يأمر به الوحي الشيطاني , فبتلك الآيات يستطيعون معرفة الحقائق و يبصرونها , و يتيقنون بأن كل أمرٍ من خارج الذكر ما هو إلا مسٌ من الشيطان .
الذكر صراط مستقيم و الأماني شقاقٌ يبعدك عنه:
الذكر هو الوحي الإلهي من آيات الله جل وعلا التي هي الحق الذي نؤمن به , و نخضع و نسلم له دون مراوغة و دون ريب , و إن تصادم مع أهواؤنا و مصالحنا , فلا نقبل بهوى الأنفس و التّمني , و هذا الذكر موجودٌ و محفوظٌ باستمراره منذ اليوم الأول للبشرية , و دوامه ما دامت السماوات و الأرض ,
في المقابل هناك وحيٌ آخر هو الوحي الشيطاني و الهوى و التّمني , و هو الغرور و الزخرف من القول , أي أنه يلبّي الرغبات و ما تهوى الأنفس , هذا الوحي هو أيضاً موجودٌ و محفوظٌ باستمراره منذ اليوم الأول للبشرية , و دوامه ما دامت السماوات و الأرض ,
و لو تتبعنا جيداً الآيات الواردة في سورة الحج من الآية 51 إلى الآية 55 لفهمنا هذا الصراع المستمر بين الاثنين , و لعلمنا بان الله جل وعلا قد أذن بنسخ الوحي الشيطاني , أي تثبيته في كتبهم حتى يكون مرجعاً و فتنةً لكل من في قلبه مرض و يسعى خلف هواه ,
و لفهمنا أيضاً بأن هذا الإذن بنسخ و تثبيت الوحي الشيطاني , يصب في صالح من اتبع الوحي الإلهي , و يساعدهم في التأكد بأن الوحي الإلهي هو الحق نظراً لتضارب و اختلاف الوحي الشيطاني , فيزداد إيمانهم بالوحي الإلهي و ينصاعون له ,
يقول جل وعلا :
( وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ *
وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ *
لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ *
وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ *
وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ ) 51-55 الحج ,
و يقول سبحانه و تعالى في إذنه لهم بإتباع الوحي الشيطاني ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ ) 112-113 الأنعام ,
و يوم القيامة سيقول الذين أوتوا العلم من الذين اتبعوا الوحي الإلهي و هم الأشهاد , حين يحكم و يفصل الله جل وعلا بينهم و بين من أنكر الحقائق الواردة في الذكر و اعتمد على غيرها من الوحي الشيطاني ( وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ * فَيَوْمَئِذٍ لّا يَنفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ) 56-57 الروم , و هنا ننظر لقوله جل وعلا ( لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث ) فبما أن كتاب الله هو ذكره , و الموضوع يتحدث عن البشرية جمعاء من يومها الأول و إلى يوم البعث , فتلك إشارةٌ أخرى تدلل على أن الذكر بمضمونه العام ثابتٌ لم يتغير , و هذا دليل حفظه حين قال جل وعلا ( إنا نحن نزّلنا الذكر و إنا له لحافظون ) .
وظيفة الذكر و الغاية منه :
يأتي الذكر الكريم بوظيفتين لا ثالث لهما , و كلاهما له نفس الغاية و هي ( الضرورة و المنفعة ) أي من أجل الإنسان نفسه , و تلك الوظيفتان هما :
الإسلام من أجل السلامةِ و السلام , و الإيمان من أجل الأمن و الأمان .
و يتلخص هذا في أربع عناوين رئيسه :
أولاً : الانضباط و الانسجام مع الفطرة و التفاعل معها :
الفطرة هي مكنون الخلق و طبعه , و فطرة الإنسان هي طبيعة خلقه , لهذا فالإنسان السليم يرفض الظلم و لا يقبل به , يحب الخير و يكره الشر , يبحث عن الحقيقة و يترك الوهم , يعلم بأنه مخلوق فيبحث عن الخالق , هذا هو طبعه , و إن خالف الإنسان تلك الطباع , فهو إنسانٌ مريض وجب علاجه , و مرضه هذا قد أصاب فطرته , و من هنا يأتي الذكر بالضوابط كي يعالج تلك الأمراض لينسجم الإنسان مع فطرته و يتفاعل معها بالشكل السليم ,
فيبين لنا جل وعلا سبب تلك الأمراض و رجوعها لهوى النفس ( بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ ) 29 الروم ,
ثم يأتينا التوضيح بأن الفطرة موجودةٌ في هذا الإنسان لا تتبدل و لا تزول , فكان الذكر بمثابة تطهيرٍ للنفس من هواها الذي يعتريها ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) 30 الروم ,
و الغاية من ذلك هو الضرورة و المنفعة لهذا الإنسان .
ثانياً : الهداية إلى الله و تجنب الضلال :
يأتي الذكر كي يرشدك للخالق الذي تبحث عنه بفطرتك التي تؤمن بها بأنك مخلوق , فيخبرك هذا الذكر بأن الخالق هو الله جل وعلا لا إله غيره , و يدعوك للتمسك بذكره و وحيه , و يخبرك بأنه أحسن الحديث حتى تكون على نور الحق , فإن لم تفعل , و قمت بالتمسك بحديثٍ غيره فأنت في ضلال لا تهتدي , و لن تجد غير ذكر الله جل وعلا ليشفيك من هوى النفس و أمراضها , و كل شيءٍ غيره لا يعتبر علاجاً , بل يفاقم حالتك المرضية و يستعصي حينها الشفاء , فيقول جل و علا ( أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ * اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ) 22-23 الزمر ,
و الغاية من ذلك هو الضرورة و المنفعة لهذا الإنسان .
ثالثاً : ضبط و تحديد العلاقات بين البشر :
آيات الذكر الحكيم تمتلئ بتوضيح و رسم تلك العلاقة التي تضبط ألأسس و المبادئ و تحددها , و لا يسعنا سوى ذكر بعضٍ منها ,
يقول جل وعلا ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) 13 الحجرات ,
و قوله ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) 208-209 البقرة ,
و قوله ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النّاسُ بِالْقِسْطِ ) 25 الحديد ,
و قوله ( يَا أَيّهَآ الّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوّامِينَ للّهِ شُهَدَآءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىَ أَلاّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتّقْوَىَ ) 8 المائدة ,
فكانت مكانة الذكر بالرجوع إليه لرفع الفساد المستشري بين الناس ( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الّذِي عَمِلُواْ لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ ) 41 الروم ,
و الكثير من الأوامر التي تدعو الناس و تحثهم على الصدق و الأمانة و الوفاء و التعاون و العلم إلى آخره من الفضائل و الأخلاق , و تنهاهم عن الكذب و الغش و الغدر و الخيانة و الجهل , إلى آخره من الرذائل و السوء ,
و الغاية من ذلك هو الضرورة و المنفعة لهذا الإنسان .
رابعاً : التحريم و الاجتناب :
يأتي الذكر في تشريعه على ما يعرف بالتحريم و الاجتناب , و يقتصر هذا الأمر على الشيء اليسير جداً , فما هو إلا استثناء , و الهدف من ذلك هو الاختبار لمدى الالتزام مع تحقيق الغاية من ذلك و هو الضرورة و المنفعة لهذا الإنسان في خوضه لهذا الاختبار .
خامساً : بيان السبل في الخضوع لله جل وعلا و كيفية التقرب إليه :
يأتي الذكر على توضيح المطالب التعبدية و الواجبات الدينية و الأمور التي نتقرب بها للخالق جل وعلا , فنلاحظ في ذلك بأنها جميعها هي تجربه فردية لا إكراه فيها , و هي علاقة الفرد مع ربه جل وعلا , مع التأكيد بأن الله جل وعلا هو الغنيّ عن كل ذلك , و لا ينفعه ذلك و لا يضره شيء منه , و نلاحظ بأن الهدف من ذلك يرجع للفرد نفسه ( لعلكم تتقون ) , أي يجب أن ينعكس ذلك إيجاباً على سلوكه و أسلوب حياته في هذه الدنيا ,
إذا حتى تلك العبادات فالغاية منها هو الضرورة و المنفعة لهذا الإنسان .
فيخاطبهم الله جل وعلا بضرورة الخشوع و الخضوع لآيات ذكره الحكيم , و التسليم بها كونها هي الحق الواحد الذي نزل من عند الرب الواحد الأحد ( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ) 16 الحديد ,
فهل هم منتهون عن الأخذ بغيره ؟
لا و الله لا ينتهون , فقد تبين لنا هذا الأمر في الأغلبية و الأقلية في التمسك بنص ذكره جل وعلا وحده , لذا فقد قال عنهم الحق ( أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا ) 44 الفرقان .
لماذا ترفض الغالبية من البشر ذكر الله جل وعلا ؟:
هذا التساؤل يحيلونا فوراً إلى السبب الرئيس خلف ذلك , و علمنا بأن السبب يكمن في أهوائهم , فأهوائهم هي أمراضهم النفسية التي أفسدت فطرتهم , و تحدثنا عن الإنسان السليم الذي يعتمد على فطرته بالانسجام و التفاعل معها ,
و سنلاحظ بأن جميع الدوافع التي تدفع بهم نحو رفض هذا الذكر هي أمراضٌ نفسية تصيب فطرتهم , و خللٌ حاصلٌ بسبب انجرارهم خلف أهوائهم , و تركهم لما يزكي أنفسهم و يحفظ فطرتهم دون خللٍ أو عِلل , حيث يقول سبحانه ( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ) 7-10 الشمس ,
و من أهم تلك الأمراض التي تدفع بهم لرفض ذكر الله جل و علا :
حبهم في جمع المال :
و هنا علينا التفريق بين حب المال و جمعه , فكلنا يحب المال , و لكن مشكلتهم تكمن في جمعه و طريقة تحصيله , فهم لا يتورعون في كيفية تحصيلهم للمال , لذا تراهم يستبيحون الغش و التزوير و الخداع و النصب و التحايل , و يجتهدون في إيجاد الطرق الغير قانونية لذلك , فيأكلون مال غيرهم , و يعتدون عليه دون حق , و كل هذا ما هو إلى مرضٌ نفسّيٌ قد أصاب فطرتهم , و يعتقدون في أنفسهم بأن هذا ذكاءٌ و مهارة ,
فيقول جل وعلا ( وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ) 188 البقرة ,
و قوله ( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ) 10 النساء ,
و قوله ( وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ) 161 النساء ,
و قوله ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ) 34 التوبة .
حبهم للجاه و السلطان و الهيمنة و الاستحواذ :
و من الأمراض النفسّية التي تطرأ على الفطرة فتفسد تواضعها هو الترف و التطرف في حب الجاه و التسلط و الهيمنة و الاحتكار , فيظن هؤلاء المرضى بأنهم يمتلكون القوة في ذلك , و ما ذلك إلا نقاط ضعفٍ لهم , فتراهم يمارسون الإذلال و يتلذذون فيه , فيستعبدون فيه البسطاء و الفقراء و المستضعفين الذين لا حول لهم ولا قوه فيقهرونهم , فهم يبحثون دوماً عن حلقات الضعف كي يثبتون عجزهم كتسلط الحكام على الشعوب , أو استضعافهم و تسلطهم على المرأة و إجرامهم في ذلك ,
فيقول جل وعلا ( فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ ) 116 هود ,
و قوله ( وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ * وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالا وَأَوْلادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ) 34-35 سبأ ,
و قوله ( وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ * هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ * أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ ) 10-14 القلم .
حبهم للفواحش :
و الفحش هو البغي و الاعتداء , أي المعنى المعاكس للعدل و الإحسان , و هو مرضٌ نفسّي يطرأ على الفطرة , فيستسيغه هذا المريض إما جهراً و إما في الخفاء نظراً لحالته المرضية تلك ,
فيقول جل وعلا ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) 90 النحل ,
و يقول ( وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) 28 الأعراف ,
و يقول ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) 33 الأعراف , و هنا يجب التنويه بأن ( ما ظهر منها و ما بطن ) أي ما كان في العلن أو ما كان في الخفاء .
التقليد الأعمى و الطاعة العمياء :
و هو أيضاً من مجموعة تلك الأمراض التي تصيب فطرة النفس , فيغرق هؤلاء المرضى بالجهل و التخلف و يتمسكون به ظناً بأنهم مهتدون , أو يحسنون صنعا ,
فيقول جل وعلا ( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ) 103-105 الكهف ,
و يقول ( وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ ) 23 الزخرف ,
و يقول ( وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا ) 67 الأحزاب .
الكبر و الاستعلاء :
و هو من أخطر الأمراض التي تعتري فطرة البشر , و هو مستعصي , فبه ينكر المريض العلاج و يرفضه , و ينصاع لذاته و استعلاءه برغباته و غرائزه , رافضاً للذكر و معانداً له ,
فيقول جل وعلا ( وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ) 14 النمل ,
و يقول ( وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُواْ أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ) 59 هود ,
و يقول ( قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الأَرْذَلُونَ ) 111 الشعراء ,
و يقول ( سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ ) 146 الأعراف .
الذكر و الكهنوت :
قلنا بأن الذكر لا يحتاج سوى للبيان الذي يتفرغ له أهله , و هم أولوا العلم به , و هم في هذا البيان يعتمدون على نصه فقط في استنباط بيانه , وليس لهم سلطان أو نفوذ في فرض بيانه , و هم كما رأينا بأنهم مستضعفون و قله قليله ,
في حين نرى من يعتمد على نصٍ غير الذكر أو معه , نراهم يمتلكون الإمكانات المادية , و لديهم نفوذٌ ضخم و أتباعٌ بالملايين , لأنهم قد نصّبوا أنفسهم بأنهم خلفاء لله جل وعلا على هذه الأرض , و تلك مأساتهم , و خدعوا الناس بذلك , فآمن الناس بهم على أنهم خلفاء الله و هم الأولياء الصالحون , و استغفلوهم بالولاء و البراء , و بدار السلم و دار الحرب , فشكّلوا حلفهم الذي يهيمنون به على البشر , و أصبح هذا الحلف هو الكهنوت و الوسيط الذي يتتبع الناس أقواله دون ريب , و بيده الحل و الربط ,
هذا الكهنوت يريد و يحتاج للمادة التي يدعم به كهنوته و هيمنته , لذا فهم لا يعتمدون على نص الذكر وحده , و لا يؤمنون به وحده , و لا يسلّمون به و له وحده , لأن هذا الذكر يعريهم و يفضح مزاعمهم و أهوائهم , و يزيل هيمنتهم و يحطم آمالهم , و يهدم كيانهم ,
و لكنهم فسقوا عن هذا الذكر , و اتخذوا من هذا الفسق نهجاً و مرجعاً لهم ( كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُواْ أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ) 33 يونس ,
فكذّبوا على الذكر أي على الله جل وعلا , و كذّبوا على لسان النبّي عليه السلام ( إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ ) 105 النحل ,
و هجروا ذكرَ ربهم و همشوه و قيدوه , و جعلوا من أحاديثهم و وحيهم الشيطاني قوالب يغلفون فيها ذكر الله جل وعلا و يكبلوه بها , فقضوا بذلك على حكمه و تفصيله , فأرادوا بذلك إطفاء نور هذا الذكر ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الإِسْلامِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) 7-8 الصف , إطفاء هذا النور جاء التعبير عنه بأفواههم أي بكلامهم المكذوب ,
هم يحاولون جاهدين بأن يجعلوا لذكر الله جل وعلا ظلً يلجئون إليه , و لم يوقنوا بأنه نور من الله جل وعلا , و لا ظل للنور علمياً , ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا ) 174-175 النساء ,
و لكنهم لا يبصرون هذا النور , و لا يستمعون له ( الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَن ذِكْرِي وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا ) 101 الكهف ,
فيا ليتهم قد استمسكوا بتلك النعمة و هذا الفضل الذي فيه صلاحهم و شفائهم من كل مرضٍ يعتري فطرتهم ( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَارًا ) 82 الإسراء ,
و يا ليتهم يوقنون بأن هذا الذكر وحده القادر على تزكية نفوسهم من كل داء ( لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ) 164 آل عمران .
اعتماد الذكر في أسلوبه على السهل الممتنع :
و هو ذلك الأسلوب الذي يمتاز بسهولة و وضوح و سلاسة مفرداته , مع التركيز الكبير على شمول و غزارة و عمق المعنى , و من هنا كان لابد من استنباط عمق المعنى و المغزى منه , و هذا الاستنباط يعتمد على تدبر آيات الذكر بحد ذاتها دون هوى أو رأي , كي لا يحدث أي خلل أو اختلاف في المغزى المطلوب , حيث يقول جل وعلا في ذلك ( أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا * وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً ) 82-83 النساء ,
و هو الأسلوب الذي يعتمد في عظمته على انتقاء المفردات و كيفية صياغتها بحيث تبدو واضحة دون فقدان عمق الدلالة في تركيب و جمع النص , و دون إهمالٍ لشد الانتباه و إثارة الفكر و الأحاسيس و ضبط الوجدان ,
حيث تستشعر بقراءته بأنه غير متكلفٍ فيه , و يبدو لك حين سماعه بأنك قادرٌ على فهمه أو إدراك معناه لسهولته , بينما هو في واقع أمره يعتبر حالة إعجاز ببديهيته و حمله للمعنى الأعمق و الشامل في نفس الوقت , و في كيفيه إيصال المراد بتشابه مفرداته و آياته , فتشعر بأنه بسيط ٌ للغاية و لا تجد فيه أي تعقيد يحتاج إلى البيان ,
و يبدو لك في صياغته بأنه سهلٌ فتظن بأنك قادرٌ على الإتيان بمثله , و لكن سرعان ما يصعب عليك تحقيق ذلك ( وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ ) 23 البقرة , و هذا يدفعك للإيمان المطلق بأنه من عند الله جل وعلا دون ريب , فنقف عاجزين أمامه , فنحن البشر لا نستطيع التعبير عن أفكارنا كي نوصل المغزى معتمدين على مفرداتٍ و عباراتٍ قليلةٍ شديدة التشابه كما هو عليه الذكر الحكيم ,
هذا النشاط الفكري المركز في مضمون محتواه , لا يدركه العامة من الناس فيحملونه على ظاهره , و هذا بسبب تغافلهم و انشغالهم و انغماسهم بأمور الحياة , أو سعيهم للكسب أو الشهرة من وراء ذلك , و تلك المؤثرات تحيلهم إلى حالة التقليد و الانقياد , لذا كان لا بد ممن يمتلك القدرة على إدراك بيانه بالتفرغ لهذا الأمر , و يسخر كل طاقاته و مهاراته المتراكمة عبر الزمن في خدمة هذا البيان ,
هذا الذكر الإلهي يتطلب بالانصياع الكلي له وحده , و التخلي عن المطامع و الشهوات و الأهواء , و ضرورة الاعتماد و الاقتصار على مخزون المعلومات المتراكمة فيه , بأن يكون وحده المنجم و المنبع للتعبير في بيانه , و لا نتخلف عنه في سد الفراغ أو لسد الاحتياجات , أو في تلبية نزوات النفس لأن ذلك سيؤدي إلى الانحراف عن الأولويات الأساسية و الأهداف العامة بحيويتها , و بتجاهل البحث العام و الشامل فيه , فإن ذلك يؤدي إلى التحليل الغير منطقي .
أوصاف الذكر الإلهي و مسمياته :
هذا هو الذكر الإلهي العظيم و الممتد و المهيمن على أي نصٍ آخر , و هذا هو الوحي الربّاني الذي يعلو و يرتفع دائماً و أبداً فوق الوحي الشيطاني , فيقضي عليه و يفضحه و يعريه ,
يأتي وصفه بأنه مِلكٌ لنا في خصوصيته , أي أن أمره و هدايته تعود بالنفع لنا و لمن يتمسك به و يعتمد عليه , تلك الخصوصية جعلت وصفه عائداً على ملكيته , فقال سبحانه و تعالى ( وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ) , أي أنه ذكر محمد عليه السلام الذي اعتمد عليه , و ذكر قومه إن اتبعوه و اعتمدوه , و هو ذكري أنا أيضاً , و ذكرك أنت , و ذكر كل من اتخذه مرجعاً له و اعتمد عليه ,
فيقول جل وعلا في ذلك ( أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) 1-4 الشرح , فقوله سبحانه ( و رفعنا لك ذكرك ) ليس رفعاً لمنزلة محمد عليه السلام أو تعظيماً له كما يعتقد البعض , أو ترديداً لاسمه , بل المقصد هنا هو رفع هذا الوحي الإلهي الذي استمسك به محمد عليه السلام فوق الوحي الشيطاني , بأن جعل الله هذا الذكر الإلهي يرتفع و يعلو و يسمو فوق أي نصٍ أو قولٍ شيطاني ليطغى عليه , فيقضي عليه و يفضحه و يعريه , فكان الوحي الإلهي هو ذكر محمد عليه السلام الذي استمسك به , و ذِكرنا أيضا الذي يتوجب علينا التمسك به ( لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ) ,
فهذا الذكر ليس حكراً لأحدٍ في امتلاكه , بل هو ملكٌ لكل البشر , و ملكيته تقضي إلى إتباعه وحده و الاكتفاء به دون سواه ( أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَيُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَىٰ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) 51 العنكبوت .
كما يأتي و صف الذكر الإلهي بأنه الحكمة التي يتحقق من خلالها الخير الكثير ( يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ ) 269 البقرة , لذا كان الذكر هو الكوثر أي الخير و العطاء المستمر ( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ) 1 الكوثر , فكان كل من لم يأخذ بما أعطيناك إياه هو الأبتر أي منقطع الخير و العطاء .
و كذلك الأمر فهو النعمة أي به الخير كله ( وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ) 11 الضحى , و هنا حيث يبلغ الله جل وعلا محمداً عليه السلام بضرورة الالتزام بهذا الذكر دون غيره من الأحاديث أو الأقاويل .
و هو الوحي الإلهي الوحيد ( قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْيِ ) , و هنا أيضاً شرط اعتمد التبليغ و الإنذار على الذكر وحده .
و هو الموعظة ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ) 57 يونس , فهو بمجمل وعظه يشفي الأنفس من كل الأمراض التي تعتري فطرة تلك النفس , فهو يقدم العلاج النفسي لتلك الأمراض التي أصابت و أدت إلى انحراف الفطرة .
و هو النور و البيان و الصدق و الكتاب و القرآن و الفرقان و الذكرى و البشرى و الرشد و عدة أوصافٍ و مسميات أخرى لهذا الذكر ,
و هو النبأ العظيم , الذي هم فيه مختلفون في الأزمنة الثلاث ( الماضي و الحاضر و المستقبل ) منذ اليوم الأول للبشرية و إلى قيام الساعة ,
فيقول جل و علا ( عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ * الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ ) 1-3 النبأ ,
و يقول ( إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ * وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ ) 87-88 ص ,
حيث سيكون هذا الذكر هو الميزان الحاكم على الجميع , و هو المقياس و المرجع الذي سيقاس عليه مدى الالتزام بما جاء به الرسل لأقوامهم , و لكل ذكرٍ زمنه الخاص , حتى درجة الثواب و منزلته في الجنّة أو العقاب و منزلته في جهنّم مبنيةٌ عليه كذلك .
الذكر ما بين الوعد و الوعيد :
الوعد هو التصريح , و الوعيد هو التلميح ,
يخلط البشر بين هذان المفهومان , و يتكلمون عنهما بأكثر مما يحتملان , و الوعد و الوعيد من أهم الموضوعات في الذكر الحكيم التي اختلف حولها الناس , و لو رجعوا لمفهومهما من الذكر نفسه لما حدث الخلاف , و لكنه الهوى ,
علينا فصل المفاهيم , حيث يختلف مفهوم المعنيين في تعامل البشر فيما بينهم عن مفهومهما في تعامل الخالق مع البشر ,
فليقل البشر فيهما ما يشاءون من مفاهيم بينهم أنفسهم , و لكن حين تكون تلك المفاهيم ما بين الخالق جل وعلا و البشر , فالأمر مختلف , و يجب استنباط تلك المفاهيم من الذكر نفسه ,
لن أتطرق لمعاني الوعد و الوعيد بين البشر و تصنيفات مدلولهما , فالبشر أصلاً ليسوا مقياساً لهذا فبعضهم قد يخلف الوعد و قد يخلف الوعيد , و بعضهم قد ينفذ أمراً منهما أو كليهما ,
ما يهمّنا هو وعد و وعيد الله جل وعلا :
لا يوجد أي اختلاف بين اللفظين في كلام الله جل وعلا , فالأمر سيّان , فالوعد هو الوعيد , و الوعيد هو الوعد ,
و عد الله جل و علا و وعيده متحقق لا لبس فيه , و هو وعدٌ و وعيدٌ صادق لا يُخلف , و كلاهما متحقق و ثابت الحدوث سواء جاءنا بصيغة التصريح أو التلميح ,
و لكن الفارق بينهما في كتاب الله جل وعلا هو في حالة الغيب و الشهادة ( المجهول و المعلوم ) ,
فالوعد يأتي في الحديث عن الغيب المجهول الذي سنعيشه ( عن المستقبل المجهول ) ,
و الوعيد يأتي في حالة الشهادة المعلومة التي نعيشها أو عشناها ( عن الحاضر أو الماضي المعلوم ) ,
و هنا بعض الأمثلة عن الوعيد :
يقول جل وعلا ( وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا ) 113 طه ,
و قوله ( نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ ) 45 ق ,
و قوله ( وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ) 19-22 ق ,
و بعض الأمثلة عن الوعد :
و قوله ( وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُم مَّا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ ) 32 الجاثية ,
و قوله ( وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً ) 122 النساء ,
و قوله ( وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ) 47 الحج .
الاطمئنان بالذكر:
معظم الناس أي غالبيتهم لا يتمسكون بالذكر الإلهي , لأنه لا يطمئن نفوسهم بسبب فطرتهم المريضة , لذا فهم يلجئون لما هو دونه من الوحي الشيطاني , و به تطمئن نفوسهم ,
و الاطمئنان بالذكر هو الرضا و القبول به وحده كما في قوله سبحانه ( لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) 22 المجادلة ,
و قوله ( جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ) 8 البيّنة ,
و هنا ندقق في قوله ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ) فالمقصد ب ( ورضوا عنه ) أي الرضا و القبول بذكر الله جل وعلا و حده , مطمئنين به و له , و هذا لأنهم قد انسجموا مع فطرتهم و تفاعلوا معها فلم يعتريها مرض , فوجدوا بأن هذا الذكر ينسجم مع فطرتهم السليمة , فكانت الطمأنينة و عدم الريب من نصيبهم , و استشعروا بالأمن و الأمان و سلموا به تسليما , فاطمأنت به و له نفوسهم , حيث يقول سبحانه ( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً ) 27-28 الفجر , فمرضيةٌ تعني بأن الله جل وعلا قد رضي عنها , و راضيةٌ تعني بأنها قد رضيت بذكره جل وعلا ,
و الاطمئنان بالذكر هو وَجلُ القلوب , أي خوفها و استشعارها بالمسؤولية تجاهه ( الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ) 35 الحج , و قوله ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) 2 الأنفال ,
و الاطمئنان بالذكر هو المطلب بالخشوع له , أي التسليم المطلق للحق دون ريب مع إذلالٍ لهوى النفس و استصغارها ( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ) 16 الحديد ,
وهذا ما أراه من قوله جل و علا ( أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) , فهذا الذكر هو وحده الكفيل بشفاء الأنفس من أمراضها التي عصفت بفطرتها و أفسدت أخلاقها فانحرفت عن الطريق المستقيم , و هو وحده الذي يهدي تلك الأنفس و يعيدها لفطرتها , و به وحده تتحقق الطمأنينة ,
و لكن الذين كفروا بالذكر بسبب الخلل الطارئ على فطرتهم نراهم منشقين عنه , و أخذتهم العزة بالإثم , فرفضوا الأخذ به وحده و أصروا على الأخذ بغيره ( ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ * بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ ) 1-2 ص .
نهجنا في الرد على من خالفنا:
نهجنا هو التذكير بالذكر وحده , لأنه الذكرى التي تنفع المؤمنين ( فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنتَ بِمَلُومٍ * وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ) 54-55 الذاريات , فغيره لا يجدي نفعاً ,
نهجنا هو إتباع الحق كي نهتدي إلى الصراط المستقيم ( يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيم ) من الآية 30 الأحقاف ,
نهجنا هو نهج القرآن الكريم وحده ( إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ) 9 الإسراء , فنكتفي به ,
نهجنا هو رفض كل ما هو سواه و دونه ( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ * وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِين ) سورة الكافرون ,
نهجنا هو الإعراض عن من يخالفنا , لأنهم يتبعون الظن و هذا هو مبلغ علمهم , و هم بهذا قد ضلوا عن سبيل الحق ( وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا * فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * ذَلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى ) 28-30 النجم ,
نهجنا هو يقيننا بأن ظنهم هذا هو افتراءٌ و كذبٌ على الله جل وعلا , و بأن هذا الذكر جاء ليفصل لنا أمور ديننا , و لا يحتاج لأي تفصيلٍ من خارجه ( وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ * وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللَّهِ وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ) 36-37 يونس ,
نهجنا هو يقيننا بأن الذكر هو الشاهد و الحجة علينا و على الجميع ببيانه لكل أمور الدين ( وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ) 89 النحل ,
نهجنا هو عدم فرض بياننا أو ما نؤمن به على أحدٍ من العالمين ( لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ) 256 البقرة , و إيماننا المطلق بأن الله جل وعلا هو مالك هذا الدين و المحاسب عليه , لا نحن , فهو جل وعلا قد بَيّن للجميع في ذكره طريق الرشد من الغي ,
هذا هو نهجنا و هذا هو دربنا , و الله جل وعلا من سيحكم بيننا .
فسبحانه القائل ( بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ * وَإِذَا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ * وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ * وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ ) 12-15 الصافات .
وماذا لو امتلكت فلسطين قنبلة نووية !
وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً
دعوة للتبرع
النقاب الملعون: فى فترة ضلال تنقبت وادمن ت الزوا ج بأكثر من...
الزكاة عن الربح: سؤال حول قطع غيار السيا رات السلا م عليكم...
صلاة الجمعة فىالمهجر: فأريد أن أستفس ر عن صلاة الجمع ة فهل يجوز...
10 خراف أم ثمنها ؟: حدثت لي مشكلة مالية مع عميل لي ودعوت ربي ونذرت...
حمار الامام الكلينى: لمجرد التسل ية حتى الحمي ر عندها اسناد نعم...
more