آحمد صبحي منصور Ýí 2015-10-06
كتاب مقدمة إبن خلدون: دراسة تحليلية
القسم الثاني : قراءة في مقدمة إبن خلدون
الفصل الرابع : كان إبن خلدون في مصر، فهل كانت مصر في إبن خلـدون ؟
ظواهر غريبة فى علاقة ابن خلدون بمصر
في البداية نسترجع بعض الخلفيات الضرورية :
فقد ولد إبن خلدون في تونس سنة 732 هـ من أسرة حضرموتية ، هاجرت إلى الأندلس بعد الفتوحات ، وأسهمت في سياستها ، واستقرت في أشبيلية ، ثم اضطر جده إلى الهجرة إلى تونس بعد سقوط إشبيلية وشارك في سياسة المنطقة ، وورثإبن خلدون شهرة هذه الأسرة وطموحها السياسي ، وقضى الفترة الأولى من حياته (21) عاما في التعليم والتنشئة على يد أبيه ورفاق أبيه من العلماء ، وهذه هي الفترة الأولي من حياته ( 732- 753) . وبدأت الفترة الثانية بعمله كاتبا للتوقيع لدى سلطان تونس سنة( 753 ) ، ثم خدمته لأبي عنان سلطان المغرب ، وتقلبه في فترة قلقه من حياته السياسية بين المغرب وتلمسان وبسكرة والأندلس وتونس ، وفيها تعرض للمطاردة والسجن ، وشارك في إقامة دول وفي إسقاط أخرى ، واسترق من هذه الفترة بضع سنوات من العزلة كتب فيها المقدمة ومعظم تاريخه "العبر.." وهذه هي فترة الفشل السياسي في حياته، والتي انتهت بهربه إلى مصر (753- 784) واستمرت فترة القلق هذه 31 عاما .
2 ــ ثم كانت فترة الإستقرار والهدوء في حياته في مصر من سنة 784 إلى سنة 808 أي حوالى 24 عاما إلى أن مات بالقاهرة يوم الأربعاء 26 رمضان 808هـ . وهنا تتجلى الغرائب فى علاقته بمصر :
أولى الغرائب :
1 ــ وفي مصر عمل بالتدريس في الأزهر وبعض المدارس والخوانق . وتخلل ذلك عمله بالقضاء المرة الأولى كانت فيما بين ( 19 جمادي الآخرة 786 إلى جمادي الأولى 787) والثانية كانت فيما بين ( الخميس 15 رمضان 801 إلى الخميس 12 محرم 803) والثالثة ( 3 رمضان 803 إلى 24 رجب 804 ) والرابعة ( 26 ذو الحجة 804 إلى 7 ربيع الأول 806) والخامسة ( شعبان 807 إلى 16 ذي القعدة 807 ) والسادسة ( في شعبان أو رمضان 808 إلى أن مات في 26 رمضان 808 ). والمحصلة النهائية أن عمله بالقضاء في تلك الفترات المتقطعة لا يكمل خمس سنوات فقط من حياته بالقاهرة ومصر التي استمرت 24 عاما .
2 ــ مع ملاحظة أنه تخلل هذه الفترة حوالى خمسة عشر عاما بين عزله عن القضاء سنة 787 إلى أن تولاه في المرة الثانية سنة 801 ، وملاحظة أخرى أن زملاءه من القضاة أنتجوا أروع أعمالهم التاريخية والفقهية ، ومنهمإبن حجر العسقلاني والعيني في فترة توليهم للقضاء ، أي أن العمل بالقضاء لم يكن أبدا عائقا دون التأليف .
3 ــ كما أنه في هذه الفترة لم يترك مصر إلا لأداء فريضة الحج ، واستغرقت الرحلة أقل من عام فيما بين منتصف رمضان 789 إلى وصوله للقاهرة عائدا من الحج في جمادي الأولى 790 . وكان ذلك في فترة عزله الطويلة عن القضاء التي استمرت حوالى خمسة عشر عاما (787 : 801) وفيها تمّ تنقيح المقدمة والتاريخ سنة 797 ، أي كان أمامه عشر سنوات في إتمام ذلك التنقيح لكي يعدل من نظرياته في المقدمة ، ولكي يكمل التأريخ لمصر في عهده كما فعل مع المغرب ، أو حتى يؤرخ لسيرة حياته بالتفصيل في مصر كما فعل في ختام تأريخه للمغرب ، ولكنه لم يفعل ، سواء في فترة فراغه الطويل أو في فترة انشغاله الجزئي بالقضاء .
4 ــ والخلاصة أنه أنهى حياته العلمية بمجيئه إلى مصر ، والتنقيح الذي أضافه للمقدمة والتاريخ كان شكليا بعد كتابتهما في قلعة إبن سلامة لأولاد عريف بالجزائر فيما بين ( 776: 780)، وأنه حينما جاء لمصر في عصر نضجه الفكري واستقراره النفسي والبيئة التي تساعد على الإبداع ، فلم يكن منه إلا أن كف عن الإبداع . وهذه إحدى الغرائب .ولكن تضاف غرائب أخرى .
ثانية الغرائب :
ففي المقدمة تردد بين سطورها أكثر من مرة ما يبلغه – حين كان يكتبها قبل مجيئه لمصر – عما في مصر من ثراء وعمران وتقدم بحيث يتقاطر إليها المغاربة حتى من الشحاذين . مما يؤكد تشوقه لزيارة مصر . وفي نهاية تاريخه ( العبر ) ذكر أنه كان يسائل القادمين من مصر قبل أن يأتي لها عن أحوال مصر ، وخصوصا عندما أقام في المغرب ، وقد ذكر إجابات بعضهم ، قال له أبو عبد الله المقري: من لم يرها لم يعرف عز الإسلام ، وقال له إبن ادريس كبير العلماء في بجاية ( تونس ): ( كأنما انطلق أهلها من السحاب ، يشير إلى كثرة سكانها وأمنهم من العواقب )، وقال له عنها أبو القاسم البرجي :( إن الذي يتخيله الإنسان فإنما يراه دون الصورة التي تخيلها . . إلا القاهرة فإنها أوسع من كل ما يتخيل فيها .! ). أي أنه كان يتساءل عن مصر متشوقا إلى أن يرى مصر ، ويتمنى بطبيعة الحال أن يستقر فيها ويستريح من قلاقل وطنه وحياته السياسية ، حيث كان يعبر في التأريخ لسيرته الذاتية عن أمنيته في أن ينقطع معتزلا للتأليف والتدريس . .
فلماذا نسى ذلك كله حين جاء لمصر ؟ .
ثالثة الغرائب
أنه ذكر في سيرته الذاتية وحياته السياسية القلقة – في نهاية تاريخه – كل أسماء السلاطين والقواد والعلماء وزعماء القبائل الذين تعامل معهم ، وحسبما قرر – وهو الشاهد الوحيد – فأنهم كانوا لا يلبثون أن يضيقوا بمقامه معهم ، والسمة الواضحة أنه كان لا يلبث طويلا مع أحد الحكام ، إذ سرعان ما ينتهي أمره بالإخفاق أو الطرد أو السجن ، وربما يهرب إلى حاكم فيطارده حاكم آخر . ولم تقتصر هذه المعاناة عليه ، وإنما أصابت أسرته في محاولتها اللحاق به . وكان ذلك من عناصر الضغط عليه في حله وترحاله .
ومع هذا كان يتبادل رسائل الحب أو النفاق مع أولئك الفرقاء ، ويحرص على تسجيل تلك الرسائل والأشعار والقصائد . وكل ذلك شئ عادي .
أما الغريب فهو أنه بعد هذه الثرثرة نراه يقتضب التاريخ لحياته حين قدم لمصر فلم تشغل في كتابه سوى حوالى عشر صفحات ( من ص 451: ص462) في مقابل أكثر من سبعين صفحة عن حياته في المغرب ( 379: 451) .
رابعة الغرائب
بل الأكثر من ذلك ، أن حديثه عن حياته في مصر إنصب أساسا ليس على مصر ، بل على لقائه في موسم الحج مع رفاقه المغاربة ومراسلاته معهم ، بحيث إستغرق ذلك سبع صفحات ( من ص 455: إلى ص 462) أي أنه لم يتحدث عن مصر في تاريخه وحياته سوى أربع صفحات تقريبا .. وهذه ملاحظة غريبة .
خامسة الغرائب : غريبة الغرائب
ولكن الأغرب منها أنه مع حرصه على تسجيل أسماء رفاقه وفرقائه في المغرب ، برغم ما عاناه منهم . فإنه تجاهل ــ وهو مؤرخ وفيلسوف فى التأريخ ــ أن يذكر إسم السلطان المملوكيبرقوق وسائر من ساعده ووقف إلى جانبه في مصر من الأمراء وأهمهم الأميرالطنبغا الجوياني ، ومن العلماء ،وأهمهم المقريزي الذي ملأ الدنيا إشادة به ومدحا له .
1 : لم يرد على الإطلاق في تاريخه اسم برقوق مع إشاراته الموجزة لأفضال برقوق عليه ، وفيها أضفي ابن خلدون على نفسه ما يشاء من عزة ، متجاهلا اصحاب الفضل عليه وأولهم السلطان برقوق ، يقول بعد قدومه للقاهرة " ثم كان الإتصال بالسلطان فأبرّ مقامي وأنس الغربة ووفر الجراية ( أي المرتب ) من صدقاته شأنه مع أهل العمل ، وانتظرت لحاق أهلى وولدي من تونس ، وقد صدهم السلطان هنالك عن السفر إغتباطا بعودتي ، فطلبت من السلطان صاحب مصر الشفاعة إليه لتخلية سبيلهم ، فخاطبه في ذلك ".
2 ــ والذي لم يذكره إبن خلدون أن السلطانبرقوق أرسل مبعوثا من لدنه إلى سلطان تونس ، وجعل ذلك السلطان أبا العباسي التونسي يرسل أولاد إبن خلدون في سفينة مع مبعوث تونسي وغرقت السفينة . 9
3 : ونعود إلى إبن خلدون في تأريخه لنقتطف منه بعض الشواهد على تجاهله للسلطانبرقوق والشخصيات المصرية ، يقول دون ذكر اسم السلطان برقوق ". . ثم هلك بعض المدرسين بمدرسة القمحة ( المدرسة القمحية ) بمصر من وقف صلاح الدين الأيوبي فولاني تدريسها مكانه " . ويقول دون ذكر اسم القاضى : " وبينما أنا في ذلك إذ سخط السلطان (على) قاضي المالكية في دولته لبعض النزعات فعزله .. فلما عزل هذا القاضي المالكي سنة 786 إختصني السلطان بهذه الولاية تأهيلا لمكاني وتنويها بذكري ، وشافهته بالتفادي من ذلك فأبى إلا الإمضاء " أي حاول رفض الوظيفة ولكن صمم برقوق على تعيينه قاضيا للقضاة المالكية .
والذي لم يذكره إبن خلدون أنبرقوق خرج عن عاداته إكراما لإبن خلدون ، إذ كان تعيين القضاة وباقي الوظائف يتم بالشراء والرشوة، ولكن برقوق " أنعم " على إبن خلدون بهذا المنصب بدون مقابل ، مع حرصه على المال وشهرته بأخذ " البراطيل " على حد قول المقريزي.
4: والذي لم يذكره أيضا إبن خلدون أنه عندما وصل القاهرة حرص على الإتصال بالأميرالطنبغا الجوياني " أمير مجلس " ، وكان رجلا شهما أمينا مستقيما – خلال ما يبدو من تاريخه – وهو الذي تولى مهمة توصيلإبن خلدون بالسلطانبرقوق ، وكان له الفضل فى تعيين ابن خلدون مدرسا في الجامع الأزهر وفي المدرسة القمحية ، ثم كان ذلك الأمير ( الطنبغا الجوياني ) هو الساعي لدى السلطان برقوق في تولية إبن خلدون للقضاء المالكي [1]، وربما كان لهذا الأمير دور في عزل القاضي المالكي عبدالرحمن بن خير ليتولى إبن خلدون مكانه . هذا الأمير المملوكى الشهم (الطنبغا الجوياني ) صاحب الفضل على ابن خلدون لم يذكره ابن خلدون فى تاريخه ، الذى كتبه وهو شاهد على عصره يروى قصة حياته .
5 ـ ونعود إلى إبن خلدون وهو يتحدث عن إكرام السلطان ( المجهول الذي لا إسم له ) ، وكيف أنه عندما عزم على الحج سنة 789 ، أعانه السلطان والأمراء ، وبعد عودته من الحج سنة 790 قابل السلطان بعد عودته وكيف تمتع بعناية السلطان . ثم أشار إلى نكبة برقوق وخلعه عن السلطنة في فتنةيلبغا ومنطاش ، ولم يذكر بالطبع كيف خان ( إبن خلدون ) السلطان برقوق أثناء محنته وأفتى (إبن خلدون ) بتكفيربرقوق ليرضى منطاش ، ومع ذلك فإنبرقوق حين عاد للسلطنة لم يعاقبإبن خلدون ، بل عندما مات القاضي إبن التنسي المالكي ، رفض رشوة من الدماميني الراغب في الوظيفة واستدعى إبن خلدون من قريته بالفيوم ليتولى القضاء سنة 801 . !!.
6 ــ ماذا قال ابن خلدون وهو يختم كتابه قبل هذا التاريخ ، أي سنة 797 ؟ قال " وبعد قضاء الفريضة رجعت إلى القاهرة محفوفا بستر الله ولطفه ، ولقيت السلطان فتلقاني أيده الله بمعهود عبرته وعنايته ، ولحقت السلطان النكبة التي محّصه الله فيها . . ثم أعاده إلى كرسيه للنظر في مصالح عباده . . أعاد لي ما كان أجراه من نعمته ولزمت كسر البيت ممتعا بالعافية لابسا برد العزلة عاكفا على قراءة العلم وتدريسه لهذا العهد فاتح سبع وتسعين . . وهذا آخر ما انتهيت إليه وقد نجز الغرض مما أردت إيراده في هذا الكتاب والله الموفق برحمته للصواب . . الخ ".
تجاهل ابن خلدون نذالته مع السلطان برقوق فى محنة السلطان برقوق ، ولم يتوقف بالتقدير لبرقوق حين عفا عنه وولاه القضاء . بل إستمر على تجاهل إسم برقوق ، وهو الذى كان يحرص فى تأريخه لحياته فى شمال افريقيا والمغرب والاندلس على تسجيل أسماء شتى المتغلبين من الحكام ، مع كثرتهم وصغارهم وتفاهتهم وتصارعهم فى زقاق التاريخ فى العصر الوسيط .
والمهم أنإبن خلدون إحتفل بالتأريخ لخصومه من موطنه بينما تجاهل أعلام الدنيا في مصر ، وهم أشهر الساسة والعلماء في ذلك العصر ، ولم يذكر أسماءهم ، مع عظيم فضلهم عليه . . وتلك أيضا إحدى الغرائب .
التحس بعد الاستغراب
1 ــ وبعد هذه الغرائب نصل إلى مرحلة التحسر؛ التحسر العلمي ، وذلك حين نقرأ صفحتين فقط من صفحاته القليلة عن حياته في مصر المملوكية ، وفي الصفحتين أشار إلى أن معاناته في توليته الأولى للقضاء (786 : 787) وكشف عما كان مستورا في الوسط القضائي ، من فساد الهيئة المعاونة للقضاة ، أي الموقعون والشهود وفساد هيئة الإفتاء من العلماء ، وما يسود القضاء من وساطة في الأحكام ، وإصدار الفتاوي مدفوعة الأجر في صدور الأحكام القضائية وفي تعديلها ، وتدخل الأمراء وأصحاب النفوذ في مسيرة العدالة كي تتحول إلى مسيرة للظلم.
2 ــ وهذا الجانب مسكوت عنه من معظم المؤرخين المعاصرين لهذه الفترة ، وهم الذين يسجلون أحداثها باليوم والشهر ، ويؤرخون لأعيانها من السلاطين والأمراء والعلماء ، والمؤسف أن أولئك المؤرخين كانوا من السلك القضائي كإبن حجر والعيني ، إلا أنهم سكتوا عما أشار إليه إبن خلدون في صفحتيه ، ولولا هاتين الصفحتين ما علمنا ذلك المسكوت عنه ، وهنا موطن الحسرة .
3 ــ فماذا لو ركز إبن خلدون بقلمه وعبقريته على أحوال مصر ؟ إن لديه مع عقليته النافذة الناقدة فراغا طويلا وتجربة حافلة بين مصر وموطنه الأصلي وحياته قبل وأثناء وجوده بمصر ، ويستطيع أن يفيد من هذه الحياة الزاخرة بالخبرات في التأريخ والتقعيد وعقد المقارنات ، بالإضافة إلى كشف المستور والأمور العادية من تفصيلات الحياة الإجتماعية التي لا يهتم بإبرازها المؤرخ من أبناء البلد ، أو يتحرج من الخوض فيها ، إذن يحق لنا أن نتحسر . .
ثم يحق لنا بعدها أن نتساءل لماذا ؟ .
لماذا كان ابن خلدون فى مصر ولم تكن مصر فى ابن خلدون ؟!.
[1]- المقريزي : السلوك 3/517 ، ابن حجر : أنباء الغمر 2/158. السخاوي : الضوء اللامع 4/146 ، أبوالمحاسن : المنهل الصافي : الجزء المخطوط : ترجمة ابن خلدون.
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5109 |
اجمالي القراءات | : | 56,631,924 |
تعليقات له | : | 5,442 |
تعليقات عليه | : | 14,814 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
دعوة للتبرع
الترادف فى القرآن: هل يوجد ترادف بين ألفاظ القرآ ن أم أن لكل تغير...
عصيان الملائكة : هل ابليس هو الملا ك الوحي د الذي عصي الله...
كل في فلك يسبحون: لم اجد في القرآ ن أية تذكر بوضوح وصراح ة بأن...
كتابة السيرة: لقد كتب كثير عن سيرة النبي عليه و على أنبيا ء ...
ضرب الزوجة : ( هل هو ضرب الزوج ة أم ضرب شيخ الأزه ر ...
more
سبب تجاهل بن خلدون لمصر في مقدمته بالتحليل والدراسة والإستقراء هو تمسكه بنظرياته في علم العمران كقوانين متناغمه غير متناقضة .
بن خلدون متمسك بهذه القوانين .
أهمها نظرية العصبية , التي بنى فصول مقدمته في علم العمران عليها .
مصر كانت محكومة من قبل المماليك وهي حالة نادرة وغير مألوفه تتناقض مع نظرياته في المقدمة خصوصا العصبية .
حكم الممالك يتناقض مع العصبية
المقدمة فيها أمور جوهرية هي نظرياته في علم العمران خصوصا (العصبية ) وفيها أمور هامشية حشاها حشو في المقدمة ببراعة متناهية ..
التناقض في الأمور الهامشية غير مؤثر ولم يتحوط كثيرا لذلك بن خلدون بل إجتهد بقدر ما إستطاع .
أما الأمور الجوهرية فحرص على أن لا يكون فيها تناقض أي نظرياته الجوهرية والقوانين التي بنى عليها المقدمة في علم العمران أهمها (العصبية ) .وشرح هذا الأمر يحتاج الكثير.
لو أن العلامه بن خلدون حلل أوضاع مصر كما هو معتاد في مقدمته في التعامل مع باقي الدول لتناقضت قوانينه الأساسية الجوهرية التي بنى عليها مقدمته فسيكون كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا..
فرأى أن حكم المماليك الذي يتناقض مع نظريته في العصبية أمر عارض وأن العصبية هي (القانون العام ) وفق ثقافة عصره لهذا فضل تجاهل تحليل الأوضاع في مصر ..
لو أن بن خلدون تطرق لتحليل الأوضاع في مصر لإحتاج لنقض المقدمة (الأمور الجوهرية ) ولإحتاج لإعادة توبيب وتقسيم فصول المقدمة من جديد ويرى أنه بعد كل هذا العناء ستتناقض المقدمة وتفقد قيمتها وثقلها كمنظومة نظرية متماسكه . لهذا فضل السكوت.
المقدمة كما يرى بن خلدون كاملة وما بعد الكمال إلا النقص لهذا تجاهل تحليل الأوضاع في مصر ..
بن خلدون كتب مقدمته خلال فترة طويلة من حياته العملية قبل قدومه لمصر وكان يضم فصولها فصلا بعد أخر وكان يحرص أن تمضي في نسق واحد وفق قوانينه التي إستنبطها من التحليل والإستقراء .
لا يوجد شئ في مصريستحق الذكر وفق طريقة تفكير بن خلدون دون المساس بجوهر المقدمة إلا الصفحات التي ذكرها بشأن القضاء فقط ..
بن خلدون إلتبس عليه الأمر في مصر ولم يستطيع تفسير الظواهر بما يوصل إلى قوانين متماسكة كالبنيان لا يناقض بعضها بعضا ففضل التجاهل . وحافظ على مؤلفة من التناقض كما رأى ..
لقد أمضى سنوات طويلة من الخبرة العملية وكذلك تأليف المقدمة وتنقيحها وتعديلها وكان من الخطاء أن ينقض هذا كله .. السكوت أفضل .