تــحــذيــر مــن أجــل مــصــر و .. أقــبــاطــنــا!
لا أدري ما صحة الأنباء المتواترة عن عزم وزارة التربية والتعليم في مصر وضع خطاب الوداع للمستشار عدلي منصور ضمن مناهج الوزارة ليتعلم أبناؤنا الأخلاق والوطنية والتسامح!
كما نعرف جميعاً فإن تسعة من كل عشرة أنباء متواترة ومتناثرة ومتقاذفة وفيسبوكية وتويترية هي كاذبة أو نصف ملفقة أو رُبع مفبركة!
ومع ذلك فسآخذ الأمر مأخذ الجدّ، فالخطاب من الرجل الذي ترك انطباعاً جيداً لدى المصريين، حوىَ في أحشائه، غالبا بحُسْن نية، قنبلة طائفية عنقودية إذا انفجرت في أدمغة أبنائنا أنتجتْ علىَ المدىَ البعيد شبابا مفخخا بمشاعر الاستعلاء.
أقباط مصر مصريون وليسوا ذميين، شركاء في وطن واحد وليسوا أقلية، ليس من حق مسلم أن يزعم نقاء أصوله من خلال دينه، فأصول الأقباط تضرب في جذور وادي النيل وتمتد عمقاً حتى رحلة العائلة المقدسة.
إذا قررت وزارة التربية والتعليم وضع العُهدة العُمرية وغيرها من المفاهيم التراثية، مع فرض صحتها، كأنها واجبات أخلاقية مقدسة، فقد وضعنا بذرة جديدة إذا كبرت، انشق الوطن، وضعفت رابطة ابنائه.
كنا نتطلع لعهد جديد يتمتع فيه أقباطنا بكل الحقوق، الكاملة والمنقوصة، التي للمسلمين.
كنا نأمل أن تتم مسح صفحة من بقايا وتأثير وهوس وخرافات وخزعبلات وهراء وطائفيات وهلوسات التيارات الإسلامية بكافة أنواعها وأشكالها وتطرفها واعتدالها، ليبدأ عهد المساواة في الواقع والمعاملات والمشاعر والأحاسيس واللغة المستخدمة ومناهج الدراسة وايحاءات الإعلام.
لا فائدة من أننا تخلصنا من الاخوان وقريبا بإذن الله من السلفيين، ولن يعود هناك مكان للحماسيين والقاعدة والنصرة والجزيريين، فالقنبلة الموضوعة في بطن خطاب الوداع للرئيس المؤقت والمتسامح ليس فيها من التسامح ذرة واحدة.
ليس هناك ميثاق بين المسلم والقبطي، ولكن هناك ملكية مشتركة لوطن واحد، تلغى فيه كلمة أقلية، وتنهي عصر ( الآخر!)، ولا تطل خرافة الفرقة الناجية برأسها.
في مصر يدخل شريكا في الحُكم حزب النور الظلامي السلفي الذي لا يعترف بالنشيد الوطني ولا بالعــَـلــَـم المصري ويدعو إلى عدم تهنئة أقباطنا في أعيادهم والتي هي أيضا أعيادنا، فتوضع قنبلة التمييز والطائفية بين صفحات كتب التلاميذ.
أيها المسلمون،
لا تجعلوا أحبابنا .. شركاء الوطن يندمون لوقوفهم معكم، يشدّون من أزركم، ويساندون ثورة 25 يناير، ويبتسمون وهم يتألمون لاحراق عشرات الكنائس، وغطت أصواتهم ثلث نجاح الرئيس السيسي، وأعلن رأس الكنيسة بأنه حتى لو أشعل المتطرفون النار في كل كنائس مصر، فإن الوطن سيظل باقيا في الصدور.
أيها المسلمون،
قفوا وقفة أخلاقية، وطنية، أدبية ومتسامحة إنْ كنتم تؤمنون برب واحد للبشر كلهم، ولا تسمحوا بتوريث أدوات تمزيق الوطن لأولادكم وأحفادكم إنطلاقا من مناهج تعليم عمياء، وعرجاء و.. متصلبة.
ايها المسلمون،
أنتم بين خيارين: أنْ تختاروا الله، عز وجل، والتسامح والمحبة والسلام ومصر الآمنة، أو تختاروا الاخوان والسلفيين والنصرة والقاعدة وبرهامي و .. الشيطان!
لا تقتلوا فرحة مصر في حلتها الجديدة، وبهائها الصافي بعدما جاءها رئيس جديد، فدَسُّ التمييز هو الذي سيجعل التلميذ يعود من المدرسة إلى أهله ويستفسر عن زميله القبطي الذي يجلس بالقرب منه، وهل هو مثله أم أنه الآخر(!) الذي تنتظره نار جهنم.
أيها المسلمون،
ارفعوا الرئيس المؤقت السابق المستشار عدلي منصور فوق الرؤوس، إنْ رغبتم، ولا يختلف مصريان على دماثة خُلقه وتحضره، لكن احذفوا من خطابه أي إشارة للأقباط قامت على تراثيات توارثناها، فقرأها المتطرفون بعين واحدة، وقلب صخري، ونفس مهترئة، وإيمان ضعيف.
لا تجعلوا المستشار عدلي منصور يغادرنا وفي قلوبنا غصة، فالرجل حجز مكانا في صدور المصريين، وحديث الأقباط في خطابه التاريخي كان نشازاً اخترق نغماً جميلا. مع المساواة والعدل والمواطنة يظل أقباطنا مسلمي الهوى، فإذا شعروا بشعرة تمييز واحدة فكأننا نُعِيد مشهد احراق الكنائس من جديد.
إذا كان الرباط المقدس بين المسلمين والأقباط في مصر مكتوباً فلن تكون فيه مساواة، وإذا كان شراكة في القلوب التي في الصدور فلن نميــّـز بين الأذان في المسجد وجرس الكنيسة.
لا تستدعوا المواطنة من الماضي فلم يعرفها غيرنا،
أيها المسلمون،
لا تقتلوا فرحة عودة مصر إلى أهلها بعدما أنشبت التيارات الدينية في عنقها أظافرها القذرة، ولا تجعلوا قبطيا واحدا يتوجس خيفة من مستشار أحبّوه، فغادر، وترك، عن غير قصد، شوكة في الحــَـلق، ومن رئيس جديد ساهموا في نجاحه وحمايته، وأعطاهم الأمل في مصر المواطــــــَـــنــَــة.
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 8 يونيو 2014
اجمالي القراءات
9513