البطر والترف

الخميس ٢١ - نوفمبر - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً


نص السؤال:
السؤال قال صاحبى انه لم يعد يشترى اللحم من شهور لان ابنه خريج كلية الاداب قسم الفلسفة لم يجد عملا الا ان يعمل حارس امن على بوابة احد الكومباوندات ، وسكان هذا الكومباوند ياتى لهم الجزار بالذبيحة كاملة كل يوم ، يختارون منها ما يريدون ، والباقى بدلا من رميه فى الزبالة يوزعونه على الحراس ، وان ابنه اصبح ياتى لهم بلحوم جيدة جدا بالاضافة الى الاجزاء الداخلية من القلب والكبدة والارجل وخلافه . تذكرنا المنشور على الانترنت من اكوام اللحم فى مادب الاثرياء فى دول الخليج وهو لعدد قليل من الحاضرين ، والباقى يلقيه الخدم فى الزبالة ياكل منه الكلاب والقطط والفقراء ، وهو ما يحدث فى القاهرة حيث يلتقط الفقراء الطعام من الزبالة . فى نهاية القعدة اختلفنا فى وصف هذا هل هو ترف او بطر . ننتظر الاجابة منك يا شيخ احمد مع تأصيل قرآنى . وشكرا جزيلا .
آحمد صبحي منصور :

الاجابة

  البطر والترف بمعنى واحد . ولو وُجدت طبقة مترفة متبطرة فهو إرهاص بهلاك قادم ، قد يأكل الأخضر واليابس .  

نبدأ ب ( البطر )

1 ـ بالبطر جاء وصف أكابر قريش فى موضوع موقعة ( بدر ) ، وقد خرجوا غطرسة وأنفة وغضبا حين علموا ان النبى محمدا تعرض لقافلتهم التجارية ، فكيف يجرؤ على هذا . قال جل وعلا : ( وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَراً وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ) (47) الانفال ).

2 ـ كانوا يرتزقون من استغلال البيت الحرام ، يحتفظون فيه بأصنام العرب مقابل ألّا تتعرض قوافلهم للسلب فى رحلتى الشتاء والصيف . لذا رأوا فى القرآن الكريم هدى ولكن هذا الهدى يهدد امنهم ومصالحهم الاقتصادية والتجارية . قال جل وعلا عن منطقهم وردّ عليهم : ( وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعْ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا ) (57) القصص ) بعده جاءهم التهديد بالاهلاك بسبب هذا (البطر ). قال جل وعلا : ( وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ (58) القصص ) .

3 ـ وفى تهديد آخر بالهلاك لا يأتى فيه لفظ ( البطر ) ولا مصطلح ( الترف )، وإنّما المصير الذى يتسببان فيه . قال جل وعلا : ( فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (45) الحج ) الصورة الباقية بعد الإهلاك تدل على نتيجة الترف والبطر ، متمثلة فيما بقى من القرية الظالمة أو الدولة الظالمة : بئر معطلة ، كانت تخدم المستضعفين ، أو بتعبيرنا ( المرافق ) من ماء وكهرباء .. الخ ، وهذه تم تعطيلها لصالح قصر مشيد يرمز الى الأقلية المترفة المتبطرة . وهذا بالضبط ما ينطق به واقع الحال فى مصر الآن ، بيوت المستضعفين مهدمة أو محرومة من المرافق الصحية بتعطيلها او بارتفاع اسعارها ، بينما القصور والمدن الفاخرة يجرى تشييدها ، ومرافقها بالمجان لاسعاد المترفين المتبطرين .  وسينتهى بها الحال الى أن تكون مساكن خالية خاوية . أو كما قال جل وعلا عن قصور قوم ثمود : ( فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52) النمل ) ورأيت هذا فى مكة ، أبراجا عالية مُشرفة على الحرم ويبدو بجانبها الحرم قزما ، ثم حوارى مكة فى حالة بائسة تشبه ( إسطبل عنتر ) فى القاهرة . ثم ما يعرف ب ( نيوم ) والبلايين المرصدة لها من ولى العهد ابن سلمان . بعد الآية ( 45 ) قال جل وعلا يخاطبهم ويخاطبنا : ( أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ (48) الحج ).

الترف والمترفون :

1 ـ عن رفضهم الحق تمسكا بما وجدوا عليه آباءهم والمتوارث و ما يسمّى الآن ب ( الثوابت )  قال جل وعلا عن قريش : ( بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22) الزخرف ). بعدها قال جل وعلا عن الأمم السابقة : ( وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23)  الزخرف ).

2 ـ وعن الأمم السابقة قال جل وعلا عن مترفيها :

2 / 1 : ( فَلَوْلا كَانَ مِنْ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنْ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116) وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117) هود )

2 / 2 : ( وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ (11) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ (12) لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ (13) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (14) فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ (15) الانبياء ).

2 / 3 : ( وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ ( 34 ) سبأ )

2 / 4 : ( وَقَالَ الْمَلأ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (33) وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخَاسِرُونَ (34) المؤمنون ).

 2 / 5 : القاعدة الأساس أن المترفين يأمرهم المصلحون والرسل بالهدى والعدل فيرفضون ، فيتم تدميرهم . قال جل وعلا : ( وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً (16) الاسراء ) .

ثم عن عذابهم فى الآخرة :

1 ـ ( حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِم بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ ( 67 ) المؤمنون )

2 ـ (  إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ ( 45 ) وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ ( 46 ) وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ( 47 ) أَوَ آبَاؤُنَا الأَوَّلُونَ ( 48 ) قُلْ إِنَّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ ( 49 ) لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ ( 50 ) ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ ( 51 ) لَآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ ( 52 ) فَمَالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ ( 53 ) فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ ( 54 ) فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ ( 55 ) هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ ( 56 ) الواقعة )

 



مقالات متعلقة بالفتوى :
اجمالي القراءات 2392
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 5326
اجمالي القراءات : 65,917,853
تعليقات له : 5,522
تعليقات عليه : 14,921
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي


أنزل و ( اوتى ): : ورد في كتاب جل وعلا ( قُولُ وا آمَنّ َا ...

الاستخارة : احببت ان اسئلك عن الاست خاره التي اذا هم...

هذا خطأ: أنا بتابع كورسا ت تنمية بشريه للدكت ور أحمد...

مللنا ومللنا : السلا م عليكم ورحمه الله وبركا ته مما فهمته...

أهل مصر والقرآنيون: ما حكم القرا نين على اهل مصر ؟...

سؤالان: سؤال ان من سيدة قرآني ة فاضلة : الس ال ...

الوعد والوعيد: هل الوعد الاله ى نقيض الوعي د الاله ى؟ اى ان...

لا تجنيد فى الاسلام: ما حكم الإسل ام في التجن يد الإجب اري ...

الولع بالمرأة : هل هي حقيقة الرجا ل التي روّج لها الدين السني...

رسالتان متناقضتان : الرسا لة الأول ى : مرتز قة و حمفي انتم...

إقرأ لنا : بعضهم مثل الشيخ الشعر اوي يرى...

تعليم الاطفال القرآن: هل نحفظ أطفال نا القرآ ن و هم صغار ؟ و في أي سن...

خمسة أسئلة : السؤ ال الأول : ما معنى القصص و ( قصّ...

لن يستنكف المسيح: لا أفهم آية : ( لَنْ يَسْت َنكِف َ ...

داعش والشذوذ: سلام علی ;کم یا دکتر احمد صبح 40; ...

more