آحمد صبحي منصور Ýí 2013-12-26
النبى لا يشفع يوم الدين :( كتاب الشفاعة بين الاسلام والمسلمين )
الباب الخامس : الشفاعة وتطبيق الشريعة الحنبلية
الفصل الثانى عشر: الحنابلة وإضطهاد الشيعة ب 5 ف 11 / ج 3 ( ابن الجوزى الحنبلى مؤرخا فوضويا ).
أولا : ابن الجوزى مؤرخ فاشل بين كوكبة من المؤرخين العظام
1 ـ التأريخ من العلوم التى نبغ فيها المسلمون فى العصور الوسطى ، وقد تفوقوا فى التأريخ من حيث تعدد أنواع المادة التاريخية فى التأريخ للأشخاص والمدن والأسرات الحاكمة والفقهاء والأطباء و والطوائف والتاريخ المحلى والعالمى والتاريخ الحولى حسب السنين والشهور والتاريخ الموضوعى. وتفوقوا فى المناهج التاريخية وتحليل الأحداث . ويتجلى هذا النبوغ فى تراكم الخبرة لدى المؤرخين المسلمين ، إذ كان التالى يتفوّق على من سبقه . بدأ الطبرى فى التأريخ الحولى يؤرخ للسيرة وعصر الخلفاء ينقل عن السابقين كل الروايات الشفهية المتاحة بأمانة ، الى أن وصل الى عصره فكان ينقل الأحداث شاهدا على العصر. وتوقف قبل موته بثمانى سنوات ( 302 ) فقام آخرون بتكملة تاريخه وكان أبرزهم ابن الأثير فى (الكامل ) وابن الجوزى فى (المنتظم ) ، وكالعادة يأتى اللاحق فينقل عن السابق ، ثم يؤرخ أحداث عصره ، ويتوقف قبيل موته ، ابن الجوزى توقف عند عام 574 ومات عام 597 ،وابن الأثير توقف حتى عام 628 ومات عام 630 . واستمرت مسيرة التأريخ بالنويرى ( 667 : 733 ) فى موسوعته ( نهاية الأرب ) وقد أفرد منها القسم الأخير رقم 5 للتاريخ خلال 21 مجلدا . والصفدى ( 696 : 764 ) والذهبى ( 673 : 748 ) و ابن كثير ( 700 : 774 ) ثم يتفوق ابن خلدون بتاريخه وبالمقدمة ، وتتأسس بعده المدرسة المصرية المملوكية فى القرن التاسع الهجرى بزعامة المقريزى ( 764 : 845 ) وابن حجر ( 773 : 852 ) والعينى ( 762 : 855 ) ثم ابن تغرى بردى ( 813 : 873 ) والسخاوى ( 831 : 902 ) إنتهاءا بابن إياس ( 852 : 930 ) فى العصرين المملوكى والعثمانى ، ثم الجبرتى (1167 : 1240 ) الذى شهد العصر الغثمانى والحملة الفرنسية وعصر محمد على . تطور تراكمى هائل يتفوق فيه اللاحق على السابق من الطبرى الى المقريزى . وبرزت فيه عبقريات النويرى والصفدى والذهبى وابن خلدون والمقريزى.
2 ـ هذا التطور الهائل غاب عنه ابن الجوزى الذى كان ضحية للحنبلية ، فقعدت به برغم كثرة مؤلفاته التى وصلت حسبما قيل الى 300 . وسقوط ابن الجوزى يتضخ بمقارنته بالطبرى الذى سبقه وابن الأثير الذى عاصره . كان الطبرى أمينا فى عرض الروايات التاريخية ، ولم يسمح لدينه السّنى بالتأثير على موضوعيته التاريخية . كان يركّز على العراق فى العصر العباسى لأنه وقتها كان فعلا مركز الأحداث. سار على طريقته ابن الأثير فى ( الكامل ) الذى نقل عن الطبرى رواياته بدون إسناد ، مع نقد موضوعى حينا ، وإختيار رواية واحدة للحدث الواحد بعد تمحيص . كما كان أمينا موضوعيا فى توزيع إهتمامه للأماكن حسب درجة الأهمية فى صناعتها للأحداث التاريخية . فالخلافة العباسية فقدت دورها تماما بتحكم البويهيين ثم السلاجقة فى خلفائها ، وانتقل التأثير الى الشرق والى مصر وشمال افريقيا والمغرب ، والى الدول المؤثرة كالصليبيين والفاطميين والأيوبيين والمرابطين والموحدين . وقد وازن ابن الأثير فى تاريخه بحيث قلّل من أحداث بغداد فى الفترة الى أرّخ فيها معاصرا للأحداث لأن ما يجرى فيها لا يستحق الاهتمام فى المنهج الحولى التاريخى العام .
3 ـ كان ابن الأثير فى الثانية والاربعين من عمره حين مات ابن الجوزى ، وقد ترجم له سنة وفاته عام 597 فقال : ( وفي هذه السنة، في شهر رمضان، توفي أبو الفرج عبد الرحمن بن علي ابن الجوزي الحنبلي الواعظ ببغداد، وتصانيفه مشهورة، وكان كثير الوقيعة في الناس لا سيما في العلماء المخالفين لمذهبه والموافقين له. ). قلنا من تحليل كتابات ابن الجوزى إنه كان متعصبا للحنبلية ، ومن ملامح هذا النعصب ما قاله فيه ابن الأثير أنه كان كثير الوقيعة فى الناس لاسيما فى العلماء المخالفين له والموافقين له أيضا . ويذكر ابن الأثير تحامل ابن الجوزى على الفقية الشافعى السمعانى المروزى ت 563 ، يقول ( وقد ذكره أبو الفرج ابن الجوزي فقطعه.. وإنما ذنبه عند ابن الجوزي أنه شافعي، وله أسوة بغيره، فإن ابن الجوزي لم يبق على أحد إلا مكسري الحنابلة.).
4 ـ بسبب حنبليته وتخصصه فى الكذب طبقا لعمله قصّاصا ومُحدّثا فلم يكن ابن الجوزى أمينا فى تأريخه لعصره أو فيما نقله برغم ترصيع رواياته الكاذبة بالاسناد والعنعنة . وهو بهذا يعطى نموذجا للإنحياز الحنبلى والمؤرخ الحنبلى الذى يُلوّن التاريخ برؤيته الدينية المذهبية . وايضا فإن ابن الجوزى قام بالتركيز على بغداد فى الجزاء الأخيرة من تاريخه ، مع أنها لم تكن فاعلة فى الأحداث ، فالخليفة العباسى مقهور تحت سلطة البويهيين ثم السلاجقة ، ونفوذه قد لا يشمل بغداد نفسها ، ولذلك اسرف ابن الجوزى فى رصد ما يحدث فى بغداد من نشاط العوام سواء كانوا من قطاع الطرق ( العيارين ) أومن الحنابلة فى الوقت الذى كانت مصر والشام تموج بالصراع مع الصليبيين برا وبحرا . ولكن لهذا جانب إيجابى هو التأريخ الاجتماعى لبغداد ، فلولا تسجيل ابن الجوزى للصراع بين الشيعة والسنة وأحياء بغداد من الكرخ الى غيره لضاع هذا التاريخ الذى يمثل حلقات مستمرة فى المأساة العراقية التى لا تزال مسلسلا دمويا حتى اليوم . ولكن مع هذا المزية فى التأريخ الاجتماعى للمجتمع البغدادى فى القرن السادس الهجرى إلّا أن ابن الجوزى الحنبلى لم يكن أمينا فى تسجيله ، لذا أفردنا هذا للمقال لمراجعة تاريخ ابن الأثير المعاصر لابن الجوزى لتقديم الصورة كاملة ، وللتأكيد على أن دين الحنبلية لا يعرف العدل والقسط ، خلافا لقوله جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ )(135) النساء ) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8) المائدة ). ويستحيل على دين يقوم على الكذب على رب الناس أن يصدق أربابه فى الكلام على الناس.
ثانيا : نماذج لما نقله ومالم ينقله ابن الأثير عن ابن الجوزى :
1 ـ كالعادة ينقل اللاحق أحداث الماضى عن المؤرخ السابق ، وهكذا نقل ابن الأثير ( بعض ) الأحداث البغدادية الهامة فى الصراع الحنبلى الشيعى كما فعل فى أعوام 416 ، 417 ، 444 ، 445 تحت عنوان ( ذكر الفتنة بين السنة والشيعة ببغداد ) و 470 ، 478 .وعام 481 تحت عنوان ( ذكر الفتنة ببغداد ) ، و 482 تحت عنوان: ( ذكر الفتنة ببغداد بين العامة) ، ثم عنوان ( ذكر الفتنة بين أهل بغداد ثانية). وبعض الأخبار ذكرها ابن الأثير نقلا عن آخرين بينما لم ينقلها ابن الجوزى كما حدث عام 502 عن ( صلح السنة والشيعة ببغداد) يقول ابن الأثير : ( في هذه السنة، في شعبان، اصطلح عامة بغداد السنة والشيعة، وكان الشر بينهم على طول الزمان، وقد اجتهد الخلفاء، والسلاطين، والشحن في إصلاح الحال، فتعذر عليهم ذلك، إلى أن أذن الله تعالى فيه، وكان بغير واسطة.) ثم يشرح ابن الأثير السبب .
ثالثا : تحامل إبن الجوزى على خصومه
1 ـ وابن الجوزى يُغلّف الخبر برأيه ، يقول فى البكرى الأشعرى وخصومته للحنابلة فى بغداد فى أحداث 475 : (وفي يوم الجمعة لخميس بقين من شوال: عبر قاص من الأشعرية يقال له: البكري إلى جامع المنصور ومعه الفضولي الشحنة و الأتراك والعجم بالسلاح فوعظ . وكان هذا البكري فيه حدة وطيش .) ( وكان النظام قد أنفذ ابن القشيري فتلقاه الحنابلة بالسب وكان له عرض فائق من هذا ، فأخـذه النظـام إليـه وبعـث إليهـم هـذا الرجـل وكـان ممن لا خلاق له فأخذ يسب الحنابلة ويستخف بهم وكان معه كتاب من النظام يتضمن الإذن له في الجلوس في المدرسة والتكلم بمذهب الأشعرية. فجلس في الأماكن كلها، وقال: لابد من جامع المنصور.فقيل لنقيب النقباء فقال لا طاقة لي بأهل باب البصرة فقيل: لابد مـن مـداراة هـذا الأمـر.....وكـان الحنابلـة يكتبـون إليـه العجائب فيستخف بهم في جواباتها .. قال المصنف: قرأت بخط ابن عقيل: أنه لما أنفذ نظام الملك بأبي نصر ابن القشيري تكلـم بمذهب أبي الحسن فقابلوه بأسخف كلام على السن العوام فصبر لهم هنيئة ثم أنفذ البكري سفيهـًا طرقيـًا شاهد أحواله الإلحاد فحكى عن الحنابلة ما لايليق بالله سبحانه فأعزى بشتمهم وقال: هؤلاء يقولون الله ذكر فرماه الله في ذلك العضو بالخبيث فمات.) .
بينما يذكر ابن الأثير نفس الخبر بطريقة مختلفة يقول فى أحداث نفس العام : ( ورد إلى بغداد، هذه السنة، الشريف أبو القاسم البكري، المغربي، الواعظ، وكان أشعري المذهب، وكان قد قصد نظام الملك، فأحبه ومال إليه، وسيره إلى بغداد، وأجرى عليه الجراية الوافرة، فوعظ بالمدرسة النظامية..وكان يذكر الحنابلة ويعيبهم،.. ثم إنه قصد يوماً دار قاضي القضاة أبي عبد الله الدامغاني بنهر القلائين، فجرى بين بعض أصحابه وبين قوم من الحنابلة مشاجرة أدت إلى الفتنة، وكثر جمعه، فكبس دور بني الفراء، وأخذ كتبهم، وأخذ منها كتاب الصفات لأبي يعلى، فكان يُقرأ بين يديه وهو جالس على الكرسي للوعظ، فيشنع به عليهم، وجرى له معهم خصومات وفتن. ).
2 ـ ويقول ابن الجوزى فى شيخ المعتزلة أبى على المتكلم المتوفى 478 : ( كان أحد رؤساء المعتزلة وأئمتهم، ولزم بيته خمسين سنة لم يقدر على أن يخرج منه من عامة بغداد. ) أى إعتكف خمسن عاما فى بيته خوفا من حنابلة بغداد ، وهذه مأساة ( تاريخية ) لم يتحرك لها قلب ابن الجوزى الذى يذكر نفس الحقيقة عنه فيقول : ( محمد بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن الوليد أبو علي المعتزلي، من الدعاة ، كان يدرس علم الاعتزال وعلم الفلسفة و المنطق فاضطره أهل السنة إلى لزم بيته خمسيـن سنـة لا يتجاسـر أن يظهـر. ولـم يكـن عنـده مـن الحديـث إلا حديث واحد لم يرو غيره ، سمعه من شيخه أبي الحسينبن البصري ولم يروا أبو الحسين غيره.وهو قوله عليه السلام: " إذا لم تستحي فاصنع ماشئت " فكأنهما خوطبا بهذا الحديث لأنهما لم يستحييا من بدعتهما التي خالفا بها السنة.وعارضاها بها ومن فعل ذلك فما استحيا.....وقال شيخنا ابن ناصر: كان ابن الوليد داعية إلى الاعتزال لاتحل الرواية عنه.).
ثالثا : ابن الأثير يكتب ما تجاهله ابن الجوزى :
تجاهل ابن الجوزى الصراع الذى كان يحدث بين الحنابلة والشافعية . ففى عام 447 ، يقول ابن الأثير ( في هذه السنة وقعت الفتنة بين الفقهاء الشافعية والحنابلة ببغداد، ومقدم الحنابلة أبو علي بن الفراء، وابن التميمي، وتبعهم من العامة الجم الغفير، وأنكروا الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، ومنعوا من الترجيع في الأذان، والقنوت في الفجر، ووصلوا إلى ديوان الخليفة، ولم ينفصل حال، وأتى الحنابلة إلى مسجد بباب الشعير، فنهوا إمامه عن الجهر بالبسملة، فأخرج مصحفاً وقال: أزيلوها من المصحف حتى لا أتلوها.).
رابعا : ابن الأثير شاهدا على العصر
1 ـ وبعد توقف ابن الجوزى عن التأريخ وبعد موته كان ابن الأثير هو العمدة حيث يؤرخ شاهدا على العصر . وننقل عنه بعض ما يختص بموضوعنا : عام 581 ( وفيها كان بنين أهل الكرخ ببغداد وبين أهل باب البصرة فتنة عظيمة جرح فيها كثير منهم وقتل، ثم أصلح النقيب الظاهر بينهم.).
2 ـ وفى وفيات عام 601 يقول عن الأمير ( ركن الدين بن قلج أرسلان ) إنه كان متهما بفساد الاعتقاد؛ وإنه يعتقد أن مذهبه مذهب الفلاسفة، وكان كل من يرمى بهذا المذهب يأوي إليه، ولهذه الطائفة منه إحسان كثير، إلا أنه كان عاقلاً يحب ستر هذا المذهب لئلا ينفر الناس عنه.) ويحكى ابن الأثير : ( حكي لي أنه كان عنده إنسان، وكان يرمى بالزندقة ومذهب الفلاسفة، وهو قريب منه، فحضر يوماً عنده فقيه، فتناظرا، فأظهر شيئاً من اعتقاد الفلاسفة، فقام الفقيه إليه ولطمه وشتمه بحضرة ركن الدين، وركن الدين ساكت، وخرج الفقيه فقال لركن الدين: يجري علي مثل هذا في حضرتك ولا تنكره؟ فقال: لو تكلمت لقتلنا جميعاً، ولا يمكن إظهار ما تريده أنت؛ ففارقه.). وهذا يوضح غلبة الحنبلية وتحريمها للفلسفة باعتبارها كفرا وزندقة .
3 ـ وفى عام 614 : ( ذكر عدة حوادث:في هذه السنة في المحرم، كانت ببغداد فتنة بين أهل المأمونية وبني أهل باب الأزج بسبب قتل سبع؛ وزاد الشر بينهم، واقتتلوا، فجرح بينهم كثير، فحضر نائب الباب وكفهم عن ذلك، فلم يقبلوا ذلك، وأسمعوه ما يكره، فأرسل من الديوان أمير من مماليك الخليفة، فرد أهل كل محلة إلى محلتهم، وسكنت الفتنة.).
وفى عام 416 ، وتحت عنوان ( ذكر قتل الباطنية بواسط ) والباطنية طائفة من الشيعة ، يقول : ( في هذه السنة قتل الباطنية بواسط، وسبب كونهم بها وقتلهم أنه ورد إليها رجل يعرف بالزكم محمد بن طالب بن عصية، وأصله من القارب، من قرى واسط، وكان باطنياً ملحداً، ونزل مجاوراً لدور بني الهروي، وغشيه الناس، وكثر أتباعه.وكان ممن يغشاه رجل يعرف بحسن الصابوني، فاتفق أنه اجتاز بالسويقة، فكلمه رجل نجار في مذهبهم، فرد عليه الصابوني رداً غليظاً، فقام إليه النجار وقتله، وتسامع الناس بذلك، فوثبوا وقتلوا من وجدوا ممن ينتسب إلى هذا المذهب، وقصدوا دار ابن عصية وقد اجتمع إليه خلق من أصحابه، وأغلقوا الباب، وصعدوا إلى سطحها، ومنعوا الناس عنهم، فصعدوا إليهم من بعض الدور من على السطح، وتحصن من بقي في الدار بإغلاق الأبواب والممارق، فكسروها، ونزلوا فقتلوا من وجدوا في الدار وأحرقوا، وقتل ابن عصية، وفتح الباب، وهرب منهم جماعة فقتلوا؛ وبلغ الخبر إلى بغداد، وانحدر فخر الدين أبو البدر بن أمسينا الواسطي لإصلاح الحال، وتسكين الفتنة.).
كان ابن الأثير فى الثانية والاربعين من عمره حين مات ابن الجوزى ، وقد ترجم له سنة وفاته عام 597 فقال : ( وفي هذه السنة، في شهر رمضان، توفي أبو الفرج عبد الرحمن بن علي ابن الجوزي الحنبلي الواعظ ببغداد، وتصانيفه مشهورة، وكان كثير الوقيعة في الناس لا سيما في العلماء المخالفين لمذهبه والموافقين له. ). قلنا من تحليل كتابات ابن الجوزى إنه كان متعصبا للحنبلية ، ومن ملامح هذا النعصب ما قاله فيه ابن الأثير أنه كان كثير الوقيعة فى الناس لاسيما فى العلماء المخالفين له والموافقين له أيضا . ويذكر ابن الأثير تحامل ابن الجوزى على الفقية الشافعى السمعانى المروزى ت 563 ، يقول ( وقد ذكره أبو الفرج ابن الجوزي فقطعه.. وإنما ذنبه عند ابن الجوزي أنه شافعي، وله أسوة بغيره، فإن ابن الجوزي لم يبق على أحد إلا مكسري الحنابلة.).ـ بسبب حنبليته وتخصصه فى الكذب طبقا لعمله قصّاصا ومُحدّثا فلم يكن ابن الجوزى أمينا فى تأريخه لعصره أو فيما نقله برغم ترصيع رواياته الكاذبة بالاسناد والعنعنة . وهو بهذا يعطى نموذجا للإنحياز الحنبلى والمؤرخ الحنبلى الذى يُلوّن التاريخ برؤيته الدينية المذهبية . وايضا فإن ابن الجوزى قام بالتركيز على بغداد فى الجزاء الأخيرة من تاريخه ، مع أنها لم تكن فاعلة فى الأحداث ، فالخليفة العباسى مقهور تحت سلطة البويهيين ثم السلاجقة ، ونفوذه قد لا يشمل بغداد نفسها ، ولذلك اسرف ابن الجوزى فى رصد ما يحدث فى بغداد من نشاط العوام سواء كانوا من قطاع الطرق ( العيارين ) أومن الحنابلة فى الوقت الذى كانت مصر والشام تموج بالصراع مع الصليبيين برا وبحرا . ولكن لهذا جانب إيجابى هو التأريخ الاجتماعى لبغداد ، فلولا تسجيل ابن الجوزى للصراع بين الشيعة والسنة وأحياء بغداد من الكرخ الى غيره لضاع هذا التاريخ الذى يمثل حلقات مستمرة فى المأساة العراقية التى لا تزال مسلسلا دمويا حتى اليوم . ولكن مع هذا المزية فى التأريخ الاجتماعى للمجتمع البغدادى فى القرن السادس الهجرى إلّا أن ابن الجوزى الحنبلى لم يكن أمينا فى تسجيله ، لذا أفردنا هذا للمقال لمراجعة تاريخ ابن الأثير المعاصر لابن الجوزى لتقديم الصورة كاملة ، وللتأكيد على أن دين الحنبلية لا يعرف العدل والقسط ، خلافا لقوله جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ )(135) النساء ) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8) المائدة ). ويستحيل على دين يقوم على الكذب على رب الناس أن يصدق أربابه فى الكلام على الناس.
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5117 |
اجمالي القراءات | : | 56,872,103 |
تعليقات له | : | 5,451 |
تعليقات عليه | : | 14,828 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
جريمة الإبادة الجماعية بين ( إسرائيل ) والعرب والمحمديين
القاموس القرآنى : ( البشر والانسان )
( من مات قامت قيامته ) تلك الأُكذوبة السلفية الكافرة بالقرآن الكريم
دعوة للتبرع
لا تقديس للمصحف : سلام علی ;کم. دائما ً ...
لبن الحمير والخيول : هل حلال شرب لبن الحمي ر والخي ول ؟ وهل حلال...
التواتر فى العبادات: ارجو الافا ده لموضو ع التوا تر أو التوا رث ...
المس الشيطانى: هل المسّ موجود في القرآ ن؟ إذا نعم ماهو...
إبن القحبة : آسف . شتمته بالشت يمة المعت ادة ( يا ابن...
more
التأريخ من العلوم التى نبغ فيها المسلمون فى العصور الوسطى ، وقد تفوقوا فى التأريخ من حيث تعدد أنواع المادة التاريخية فى التأريخ للأشخاص والمدن والأسرات الحاكمة والفقهاء والأطباء و والطوائف والتاريخ المحلى والعالمى والتاريخ الحولى حسب السنين والشهور والتاريخ الموضوعى. وتفوقوا فى المناهج التاريخية وتحليل الأحداث . ويتجلى هذا النبوغ فى تراكم الخبرة لدى المؤرخين المسلمين ، إذ كان التالى يتفوّق على من سبقه . بدأ الطبرى فى التأريخ الحولى يؤرخ للسيرة وعصر الخلفاء ينقل عن السابقين كل الروايات الشفهية المتاحة بأمانة ، الى أن وصل الى عصره فكان ينقل الأحداث شاهدا على العصر. وتوقف قبل موته بثمانى سنوات ( 302 ) فقام آخرون بتكملة تاريخه وكان أبرزهم ابن الأثير فى (الكامل ) وابن الجوزى فى (المنتظم ) ، وكالعادة يأتى اللاحق فينقل عن السابق ، ثم يؤرخ أحداث عصره ، ويتوقف قبيل موته ، ابن الجوزى توقف عند عام 574 ومات عام 597 ،وابن الأثير توقف حتى عام 628 ومات عام 630 . واستمرت مسيرة التأريخ بالنويرى ( 667 : 733 ) فى موسوعته ( نهاية الأرب ) وقد أفرد منها القسم الأخير رقم 5 للتاريخ خلال 21 مجلدا . والصفدى ( 696 : 764 ) والذهبى ( 673 : 748 ) و ابن كثير ( 700 : 774 ) ثم يتفوق ابن خلدون بتاريخه وبالمقدمة ، وتتأسس بعده المدرسة المصرية المملوكية فى القرن التاسع الهجرى بزعامة المقريزى ( 764 : 845 ) وابن حجر ( 773 : 852 ) والعينى ( 762 : 855 ) ثم ابن تغرى بردى ( 813 : 873 ) والسخاوى ( 831 : 902 ) إنتهاءا بابن إياس ( 852 : 930 ) فى العصرين المملوكى والعثمانى ، ثم الجبرتى (1167 : 1240 ) الذى شهد العصر الغثمانى والحملة الفرنسية وعصر محمد على . تطور تراكمى هائل يتفوق فيه اللاحق على السابق من الطبرى الى المقريزى . وبرزت فيه عبقريات النويرى والصفدى والذهبى وابن خلدون والمقريزى.
2 ـ هذا التطور الهائل غاب عنه ابن الجوزى الذى كان ضحية للحنبلية ، فقعدت به برغم كثرة مؤلفاته التى وصلت حسبما قيل الى 300 . وسقوط ابن الجوزى يتضخ بمقارنته بالطبرى الذى سبقه وابن الأثير الذى عاصره . كان الطبرى أمينا فى عرض الروايات التاريخية ، ولم يسمح لدينه السّنى بالتأثير على موضوعيته التاريخية . كان يركّز على العراق فى العصر العباسى لأنه وقتها كان فعلا مركز الأحداث. سار على طريقته ابن الأثير فى ( الكامل ) الذى نقل عن الطبرى رواياته بدون إسناد ، مع نقد موضوعى حينا ، وإختيار رواية واحدة للحدث الواحد بعد تمحيص . كما كان أمينا موضوعيا فى توزيع إهتمامه للأماكن حسب درجة الأهمية فى صناعتها للأحداث التاريخية . فالخلافة العباسية فقدت دورها تماما بتحكم البويهيين ثم السلاجقة فى خلفائها ، وانتقل التأثير الى الشرق والى مصر وشمال افريقيا والمغرب ، والى الدول المؤثرة كالصليبيين والفاطميين والأيوبيين والمرابطين والموحدين . وقد وازن ابن الأثير فى تاريخه بحيث قلّل من أحداث بغداد فى الفترة الى أرّخ فيها معاصرا للأحداث لأن ما يجرى فيها لا يستحق الاهتمام فى المنهج الحولى التاريخى العام .