أولا :
نرجو ان يحقق هذا البحث الأهداف التالية :
1 ـ التعريف بالسلطان المملوكى برسباى ، وهو ليس معروفا ، بل كان بعض أتباعه أكثر شهرة منه ، مع انهم كانوا يسجدون له يقبلون الأرض بين يديه ، ومنهم ابن حجر العسقلانى وبدر الدين العينى ( العينتابى ). هذا السلطان المملوكى برسباى هو الذى احتل قبرص ، وهو الذى حمى دولته ووصل بنفوذه الى ما يعرف الآن ب ( أنقره ) ، وهو السبب المباشر في الكشوف الجغرافية ، إذ أن إحتكاره للتجارة الهندية الشرقية وفرض هذا الاحتكار على أوربا جعلهم ـ في سياق الحرب بين معسكرى المحمديين والصليبيين ـ يحاولون الوصول الى الهند بعيدا عن البحر الأحمر الذى يسيطر عليه المماليك ، فاتجه كولومبوس غربا ليصل الى الهند فاكتشف العالم الجديد ، وتتابعت الكشوف الجغرافية التي غيّرت تاريخ العالم . والسلطان برسباى هو السبب .
2 ـ التعريف بالشريعة السنية الحقيقية. انها ليست الكتابات الفقهية النظرية البعيدة عن الواقع والتي يختلف فيها الفقهاء في كل صغيرة وكبيرة ، بل هي ما يتم تطبيقه تحت إسم ( الشرع ) على يد السلطان ومعه قُضاة القضاة من المذاهب الأربعة . وقلنا إن اشهر فقيه في العصر المملوكى كان ابن حجر العسقلانى ، والذى كان يؤيد السلاطين المماليك الذين عاصرهم في كل جرائمهم ، والذى كان ـ كالآخرين ــ يتولى منصبه بالرشوة ،وبالرشوة يحكم هو أتباعه من القضاة على نحو ما كان سائدا ، ومعلوما لديهم من شريعتهم السنية بالضرورة . ومع ذلك فقد كتب عشرات الكتب في الفقه والحديث في كلام نظرى ، لا صلة له اطلاقا بالواقع .
3 ـ التعريف بالتناقض الهائل بين الإسلام الحقيقى ، وما كان ـ ولا يزال ـ يمارسه أكابر المجرمين من المستبدين وأعوانهم من رجال الدين . وكان اختيار عصر السلطان برسباى والفقيه السُّنّى ابن حجر العسقلانى مقصودا ، فابن حجر هو المشهور بأنه ( امير المؤمنين في الحديث ) ، وهو صاحب الكتاب المشهور ( في شرح البخارى ) ، وفى هذا العصر كان تقديس البخارى على أشُدّه ، فكان يُقام له ميعاد سنوي طيلة شهر رمضان يحضره السلطان ، أي هو دين البخارى وليس دين الإسلام .
4 ـ التأكيد على أن سوء الأحوال تحت حكم الاستبداد لا ينجو منه الحاكم والمحكوم ، فالظالم يدفع نتيجة ظلمه ، وأكابر المجرمين يمكرون بأنفسهم وما يشعرون ، ويحيق بهم مكرهم ، وتظل مسيرة المكر مستمرة . ونريد أن تنتهى هذه الدائرة الجهنمية بدون سفك دماء حرصا منا على المستضعفين في الأرض ، وهم الذين نحملهم في قلوبنا جُرحا داميا . ونحن نؤمن أن تسريع الإصلاح ممكن إذا جاء من الحاكم ، إذا أراد مخلصا الإصلاح ، لأن الله جل وعلا لا يُصلح عمل المفسدين ، أي لا بد أن يصل الحاكم المستبد الى توافق مع الشعب ، ولو بخروج آمن .
5 ـ تشجيع الباحثين في التاريخ على التعامل المباشر مع المصادر التاريخية الأصيلة ، وفهم مصطلحاتها وكيفية تحليل المادة التاريخية .
ثانيا :
أما هدفنا فليس حُطام الدنيا ومناصبها وغرورها . هدفنا هو رضا ربنا جل وعلا ورحمته وجنته . ولهذا فنحن نعمل على نشر الوعى بالآتى :
1 ـ التعريف بالتناقض بين دين الإسلام وأديان المحمديين الأرضية .
2 ـ التعريف بالتناقض بين الدولة الإسلامية الحقيقية التي أقامها خاتم النبيين عليه وعليهم السلام وبين دول المحمديين وحكامها من أكابر المجرمين من الخلفاء والسلاطين وأعوانهم من رجال الدين .
3 ـ الدولة الإسلامية مؤسّسة على :
3 / 1 : الحرية الدينية المطلقة في الدين وفى الرأي والفكر ، وتأجيل الحكم على البشر في اختلافاتهم الدينية لرب العزة جل وعلا يوم الدين . الحرية الدينية المطلقة هي التي تدمر تقديس الكهنوت ، وبالتالي يتدمر الاستبداد . الاستبداد يركب الكهنوت والكهنوت يركب الشعب . بممارسة الحرية الدينية المطلقة تتأسّس الديمقراطية النيابية التمثيلية ( بمجالس نيابية وتمثيلية تمثّل الشعب وتنوب عنه ) ثم تزدهر فتتطور الى الديمقراطية المباشرة .
3 / 2 : الديمقراطية المباشرة هي أساس الدولة الإسلامية التي أقامها النبى محمد عليه السلام . انها التي تعبّر عن ( لا اله إلا الله ) ، والذى يعنى أنه لا يعلو في قلوب الناس الا الله جل وعلا ، لأن العُلُوّ هو لله جل وعلا الكبير المتعال . بالديمقراطية المباشرة يكون البشر سواسية ، وتكون الأمّة مصدر السُّلُطات ، ومن يقودها من الخبراء يكونون فيها خدما للأمة وليسوا حُكاما لها . الديمقراطية المباشرة تطبقها بعض الدول في الغرب الآن . وتحقيقها ليس مستحيلا ، يمكن تحقيقها بالوعى الذى نعمل فيه ، تدبرا للقرآن الكريم وبحثا في تاريخ المحمديين وشرائعهم وأديانهم الأرضية إثباتا لتناقضها مع الإسلام العظيم ، وتبرئة لدين الله جل وعلا من أديان المحمديين الشيطانية.
3 / 3 : العدل الاجتماعى بكفالة حقوق الفقراء ، والعدل القضائى في الحكم بين الناس ، والعدل الأمني الذى يتولى حماية الناس جميعا على قدم المساواة . بالعدل ( القسط ) السياسى والاجتماعى والقضائى والأمنى يكون ضمان كرامة الانسان الذى كرّمه رب العزّة جل وعلا : ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً (70) الاسراء )
ثالثا :
كيف نقيم القسط ؟ الذى جاء في قوله جل وعلا : (لقد أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25) الحديد ).
1 : أرسل الله جل وعلا كل الأنبياء بالكتاب لكى يقوم الناس ــ معا وجميعا ــ بتأسيس القسط أي العدل ، لأن بديل القسط هو الظلم ، والظلم يعنى الحرب وأسلحة الحرب حديد ، وبدون القسط والعدل يكون اللجوء للقتال والحرب واستعمال الحديد ، وكما أنزل الله جل وعلا الكتاب ميزانا للعدل فقد أنزل الله جل وعلا الحديد ـ وهو وافد الى الكوكب الأرضى ، وهذا يعنى أن القسط أساس كل الرسالات الإلهية واساس للسلام فلا يتحقق مع الظلم سلام ، ولا سلام بدون عدل .
2 : قيام الناس جميعا بالقسط يعنى أن يتأسّس فيهم وعى يتحقق به تغيير ما بأنفسهم من خنوع وخضوع ورضى بالذل الى قيم إيجابية من العزة والشهامة والنخوة والكرم والشجاعة والمبادرة للخير ومناصرة الحق والمظلوم ، والاستعداد بالتضحية بالنفس والمال في سبيل هدف أسمى هو إقامة القسط .
3 : الله جل وعلا لا يغيّر ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ، أي تأتى إرادة الله جل وعلا تالية ومؤكدة لإرادة البشر . قال جل وعلا : ( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ) (11) الرعد ) . إذا رضى الناس بالظلم وارتضوا حكم أكابر المجرمين رضى الله جل وعلا ما إرتضوه لأنفسهم . إذا قاموا بتغيير ما بأنفسهم من رضى بالهوان جاءت مشيئة الرحمن جل وعلا مؤيد ومؤكدة لمشيئتهم .
4 : هذا التغيير الى القيم الإيجابية له أساس في دين الإسلام العظيم . هناك حتميات لا مهرب منها ولن يحاسبنا رب العزة جل وعلا عليها ، وهى مايخصُّ:
4 / 1 : الميلاد . فليس لأحد خيار في موعد ميلاده أو والديه أو ملامحه .
4 / 2 : موعد ومكان الموت ؛ فلا توجد قوة في العالم تُميت إنسانا قبل موعد موته ، أو تمنع موته عند الأجل المحدد له سلفا ، فالله جل وعلا هو وحده الذى حدّد مكان الموت وموعده لكل نفس . وحين إعترض المنافقون بعد هزيمة موقعة أحد وقالوا: ( لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا ) جاءهم الرد : ( قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمْ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (168) آل عمران ) وقالوا : ( لَوْ كَانَ لَنَا مِنْ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا ) وجاء الرد الالهى عليهم : ( قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ ) (154) فالذى مُقدّر عليه القتل في مكان لا بد أن يذهب اليه . فهذا حتمى لا مفر ولا مهرب منه .
4 / 3 : الرزق الأساس الذى تقوم به حياة كل كائن حى . قال جل وعلا : ( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (6) هود) ( وَكَأَيِّن مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ )(60) العنكبوت). والرزق الوهمى فيما يملكه الانسان من أموال وعقارات وغيرها ، وفيه يتفاضل الناس في الرزق ، وهذا أيضا بيد الرحمن ، قال جل وعلا : ( اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (62) العنكبوت )
4 / 4 : المصائب الطارئة .قال جل وعلا :( قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا )(51) التوبة ) ( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ )(23) الحديد ) .
5 ـ لن يحاسبنا الله جل وعلا على هذه الحتميات ، ولكن سيحاسبنا على حريتنا في الطاعة أو المعصية في الايمان أو الكفر ، في الرضى بالهوان أو في رفضه . للبشر الحرية في الرضى بالظلم أو برفضه . ولكن الذى يرضى بالظلم يكون شريكا لمن يظلمه. ما صار الحاكم مستبدا إلا لأنه ( إستضعف قومه ). رآهم أنعاما خاضعين ينتظرون من يركبهم فركبهم . لو كانوا أعزّاء أقوياء مرفوعى الهامة ما جرؤ على ركوب ظهورهم . إن القوة في النفس المؤمنة ، وليس في الجسد المادى .
6 ـ لهذا أوجب الله جل وعلا الهجرة على المستضعفين في بلادهم . وتوعّد ــ بالعذاب ــ المستضعفين القادرين على الهجرة ولم يهاجروا ، جعلهم ظالمين لأنفسهم ، قال جل وعلا : ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً (97) إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (98) فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً (99) النساء). عسى الله جل وعلا أن يعفو ويغفر للعاجز عن الهجرة لأنه ليس ظالما لنفسه . إن لم تستطع الصمود أمام جبروت أكابر المجرمين فعليك بالهجرة ، وأمامك أرض الله واسعة . لقد قال جل وعلا : ( يَا عِبَادِي الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (57) العنكبوت ) هذه الكرة الأرضية لا نهاية لها لأنها كروية . تخيل نملة تدب على سطح برتقالة ، هل تصل الى نهاية هذه البرتقالة ؟ كذلك الكرة الأرضية ، هي لا نهائية . ولكن الذى له نهاية هو العمر الذى يعيشه الانسان على هذه الأرض ، فكل نفس ذائقة الموت . العمر محدد ويقترب الانسان من الموت بسرعة 24 ساعة ، فمن الظلم لنفسه أن يضيع عمره راضيا بالذل في وطن يملكه المستبد وأكبر المجرمين ، فيخسر الدنيا والآخرة معا .
7 ـ هناك من يتصدى في ( وطنه ) لأكابر المجرمين فيه ، عالما أنه شريك في هذا الوطن ، وأنه ليس مملوكا للمستبد ، هذا عليه :
7 / 1 : ألا يقع في ظلم الآخرين إيمانا بقوله جل وعلا : ( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) الانعام ) فالذى لا يظلم الناس متقيا الله جل وعلا يعيش في أمن نفسى وهدى من ربه جل وعلا مؤمنا بقضاء الله جل وعلا وقدره.
7 / 2 : يعلم ويتعلم أن يخاف الله جل وعلا وحده ، فالعادة أن الشيطان يخيف أولياءه أكابر المجرمين الظالمين . قال جل وعلا : ( إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175) آل عمران )
7 / 2 : يعلم ويتعلم أن المستبد يعيش في رعب قائم ومستمر. قال جل وعلا عن أكابر المجرمين : ( سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَأْوَاهُمْ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151)) آل عمران ). هم في رعب مستمر يتوقعون سقوطهم في أي وقت ، فيلجأون الى حماية أنفسهم بالمزيد من الظلم ، وبمزيد الظلم يزدادون رعبا ، فيدفعهم الرعب المتزايد الى ظلم متزايد طلبا للحماية ، وهكذا يدورون في دورة جهنمية من الرعب والظلم الى السقوط اللعين .
8 : بالإصلاح السلمى ينجو الظالم والمظلوم لو تأسّس لهم هذا الوعى . من الخير للحاكم أن يعيش آمنا بين قومه يأكل الطعام ويمشى في الأسواق ويركب مثلهم وسائل المواصلات ، وبعد انتهاء فترته يعيش هانئا في شيخوخته ، وهذا ما يحدث في دول الديمقراطية . أما في نُظم الاستبداد فالشعب يخاف المستبد والمستبد يخاف الشعب ، ولا أمن ولا أمان ، بل شقاء وتعاسة للجميع .
9 ـ يمكن الخلاص من هذه التعاسة بأن يبادر المستبد الى أن يُقلع عن الفساد ، ويبدأ في الإصلاح ، ويتحول فيه من مفسد الى مصلح فالله جل وعلا ( لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (81) يونس ) ويبدأ في إصلاح تشريعى ( دستورى وقانونى ) مع اصلاح تعليمى وثقافى يتم به تحول ديمقراطى . هذا التحول الديمقراطى يحتاج وقتا طويلا ينتج جيلا يكتمل لديه الوعى فيحقق ما قاله رب العزة جل وعلا : ( لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ). لو تأكد المستبد أن جموع الشعب عازمة على التضحية في سبيل العدل فلن يخاطر بحياته ، ويرى من الأفضل أن يخرج آمنا .
10 ـ هذه هي دعوة الإسلام السلمية للوعى بالقسط ، وبه يدعو من ينصر الله جل وعلا ورسله ، ورب العزة يعلم من ينصره ورسله بالغيب ، وهذا مفهوم من قوله جل وعلا : ( لقد أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25) الحديد ).
11 : الذين كفروا بآيات الله وكتابه كانوا يقتل النبيين الآمرين بالقسط ، ويقتلون من يسير على طريقهم في أمر الناس بالقسط ، وقد توعدهم رب العزة جل وعلا بعذاب أليم . قال جل وعلا : ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنْ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (21) آل عمران ). مفهوم من الآية الكريمة أنه بعد انتهاء عصور الأنبياء فهناك من يدعو بدعوتهم للقسط ، وأن أكابر المجرمين لا يتورعون عن قتل دُعاة العدل والقسط المسالمين . لا بد من تبشير أولئك المجرمين السفاحين الظالمين بعذاب أليم ( فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ) .
12 ـ وهنا نعيد التذكير بإنّ للمستبد أعوانه من أكابر المجرمين من رجال الدين ، الذين يؤيدونه بمفتريات أديانهم الأرضية تزين له الجريمة فريضة دينية ومعلوما عندهم من الدين بالضرورة ، وهذا هو أساس الشريعة السنية كما طبقها برسباى وقضاة شرعه . لذا يجب تبشير المستبد وكهنوته وأتباعه بعذاب أليم ، ويكون وعظهم بقوله جل وعلا : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (123) الانعام ). لعل الوعظ يجعلهم يفيقون من غرور السُّلطة الذى يجعلهم لا يشعرون . ولقد ظل كثيرون من أكابر المجرمين في عصرنا ينكرون الواقع لا يشعرون به حتى انتهوا الى السقوط المُهين .
أخيرا :
( فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44) غافر ).
ودائما : صدق الله العظيم .!!
الفهرس التفصيلي
المقدمة
الباب التمهيدى : عن الدولة المملوكية ومؤرخيها وما قبل ا
الباب الأساس : عن تطبيق الشريعة السنية لأكابر المجرمين
الخاتمة
دعوة للتبرع
سلاما / سلام: فى الآية 69 من سورة هود ( وَلَق َدْ جَاءَ تْ ...
مدد ..!!: من عادات المحم ديين فى التوس ل بقبور...
المعاندون : اول ا -كل عام وانت واهلك بخير بمناس بة عيد...
الغرض من الزواج : ذكرت ان النكا ح في القرا ن يعني "كتب الكتا ب" ...
الدعاء والاسباب: دكتور حياك الله لدي سؤال من فضلك أتمنى أن...
more