رقم ( 4 )
ف 3 : شروط النصر: الإيمان بالله جل وعلا واليوم الآخر: لا مودة ولا موالاة للكافر المعتدى

مقدمة :  نذكّر بما رددناه من قبل لأهميته هنا :

1 ـ الإسلام السلوكى هو السلام ، والايمان السلوكى من الأمن والأمان أي يكون الشخص مأمون الجانب . وهذا في التعامل بين البشر . وفى تعامل العرب دخلوا في الإسلام السلوكى بمعنى السلام ، ورآهم النبى محمد قد دخلوا في دين الله جل وعلا أفواجا كما جاء في سورة النصر ، وكان عليه السلام لا يعلم سرائر القلوب ، إنما كان يرى الظاهر فقط .  كل شخص مسالم هو مسلم ، أما عقيدته فالمرجع فيها هو لرب العزة جل وعلا . في المقابل فهناك كافر بقلبه مسالم في سلوكه ، ولهذا لا يؤذى المخالف له في الدين ، وهناك كافر بقلبه وبسلوكه يعتمد الاكراه واضطهاد  المخالف في الدين والمذهب . هذا هو الأشد كفرا ، هذا هو الذى يحادّ أو يحارب الله جل وعلا ورسوله . 

مقالات متعلقة :

2 ـ الدولة الإسلامية قائمة على السلام أو الإسلام السلوكى ، وهو أساس المواطنة ، ويتفرع منه الحرية المطلقة في الدين للجميع أفرادا وجماعات ، لذا ليس من مسئولية الدولة الإسلامية إدخال الناس الجنة ، لأن الهداية مسئولية شخصية ، ومن اهتدى فلنفسه ومن ضلّ فعلى نفسه ، وهذه هي العلمانية الإسلامية في الدين وفى الدولة حيث لا وجود لمؤسسات دينية رسمية ولا وجود لاضطهاد دينى من أي نوع . تقدّم الغرب بعد أن تخلص من سيطرة الكنيسة وحصر دورها في الحياة الاجتماعية حسب رغبات الناس ، أي أصبحت الكنيسة هي التي تستجدى الناس الذهاب اليها ، هذا بينما لا يزال كوكب المحمديين خاضعا لسيطرة أكابر المجرمين من المستبدين ورجال الدين . المستبد الشرقى يتكىء على مؤسسة دينية يركب بها ظهور شعبه ، والطامح الى منازعته سلطانه يلجأ الى دين أرضى ليصل به الى الحكم . 

3 ـ هنا يكون موضوعنا في موضوع النصر الالهى ، في صراع دينى بين مؤمنين مسالمين سلوكيا وقلبيا ، وقوة مستبدة تحترف الإكراه في الدين ، سواء على الدُّعاة المسالمين أو على الدولة الإسلامية المسالمة ، ولنتذكر قوله جل وعلا عن الهجمات المتكررة لقريش على المؤمنين في المدينة في بداية إقامتهم فيها ، قال جل وعلا : ( وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا ) (217)  البقرة) . ليس موضوعنا ــ كما قلنا من قبل ـ عن الحروب بين البشر صراعا على حُطام الدنيا من أرض وثروات وموارد . موضوعنا هو النصر في صراعات وحرب دينية بين مؤمنين وكافرين معتدين بُغاة . الشرط في نصر المؤمنين أن يكونوا مؤمنين حقيقة بالله جل وعلا وباليوم الآخر . 

4 ـ الملمح الأول في هذا الايمان هو عدم مودة وموالاة الكافر المعتدى . 

5 ـ ونتوقف بالتدبر  في الآيات الكريمة التالية : 

أولا : 

 قال جل وعلا : ( إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ (20) كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21) لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (22) المجادلة ). 

نلاحظ :

  1 :  الآية ( 20 ) عن كافرين معتدين يحادُّون أو يحاربون الله جل وعلا ورسوله ، أي جمعوا بين الكفر القلبى والكفر السلوكى .

  2 :  الآية ( 21 ) هو الرد عليهم بالنصر الإلهى عليهم . 

  3 : الآية ( 22 ) توضح أنه لكى يحدث هذا النصر للمؤمنين لا بد أن يؤمنوا حقا وصدقا بالله جل وعلا واليوم الآخر ، ومن معالم هذا الايمان ألّا تكون هناك مودة بين المؤمنين وأولئك الكافرين المعتدين حتى لو كان أولئك الكافرون أقرب الناس اليهم . مكافأة المؤمنين ليس فقط النصر في الدنيا والذى كتبه الله جل وعلا للرسل ومن يسير على طريقهم في الجهاد بل أيضا النصر في الآخرة ، حيث يدخلهم الجنة ، فقد حازوا الشرف بكونهم عندئذ من ( حزب الله ) جل وعلا ، المفلحين . 

  4 ـ  مصطلح ( حزب الله ) جاء في سياق آخر عن المجاهدين في سبيل الرحمن والذين لا تأخذهم في الحق لومة لائم ولا عتب عاتب ، بل يوالون الله جل وعلا ورسوله والمؤمنين ، وجزاؤهم عند الله جل وعلا أن يجعلهم من حزب الله الغالبين . قال جل وعلا ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54) إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْغَالِبُونَ (56) المائدة ).

  5 :  مفهوم من الآية (22 ) أن ( حزب الله ) هو الفائز بالجنة ، وهذا يؤكّد أنّ من يزعم في الدنيا أنه ( حزب الله ) فقد إفترى على الله جل وعلا كذبا ، خصوصا إذا إفترى هذا في سبيل السُّلطة والصراع حول حُطام الدنيا . هنا يكون الأولى به أن يحمل لافتة ( حزب الشيطان ) طبقا لما يفعله ، هذا إن لم يتُب ، ويكُفّ عن التلاعب بالدين في سبيل الصراع الدنيوى . ولقد ذكر رب العزة جل وعلا ( حزب الشيطان ) في قوله جل وعلا :( إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6) فاطر ). أي يجهزهم ليكونوا يوم القيامة من أصحاب السعير . وهذا تحذير ما بعده .. تحذير .!!  

  6 : منطقى أن يمتنع المؤمن الحقيقى عن مودة وموالاة الذى يحارب ويحادّ الله ورسوله ، فلا يجتمع إيمانه بالله جل وعلا مع مودته وموالاته لمن يحارب الله جل وعلا ورسوله . 

ثانيا : 

  قال جل وعلا : (  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنْ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (1) الممتحنة ) . نلاحظ :

  1 : مصطلح المودة يعنى الموالاة لعدو الله جل وعلا وعدو المؤمنين : ( لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ َأوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ )

  2 : تكرار مصطلح ( المودة ) مرتين في نفس الآية، الأولى عن المودة القولية ( تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ ) والأخرى عن المودة القلبية : ( تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ  ) .

  3 : وجاء مصطلح ( المودة ) مرتين في نفس السورة . قال جل وعلا :

  3 / 1 : ( إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (2) الممتحنة ) . أولئك الصحابة المهاجرون يوادُّون أعداء الله جل وعلا الذين أخرجوهم من ديارهم ، وهؤلاء الأعداء سيعبّرون عن كراهيتهم للمؤمنين بالاعتداء القولى والاعتداء الحربى ، بغرض إرجاعهم للكفر ( وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ ). هنا تناقض هائل بين ( مودة ) المؤمنين للكافرين وما ( يودُّه ) أولئك الكافرون للمؤمنين .  

  3 / 2 : ( عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (7) الممتحنة ) . هنا وعد مُستقبلى تحقق ، وجاءت به سورة النصر حين دخلوا في الإسلام السلوكى بمعنى السلام وتوقفت الحروب وسادت المودة.  

  4 : وجاء مصطلح ( المودة ) في قوله جل وعلا :

4 / 1 :( وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْوَاكُمْ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (25) العنكبوت) . 

هنا ملمح إجتماعى يحدث بين رُوّاد الموالد والأعياد الدينية عند القبور المقدسة ، يتعارفون ويعودون بذكريات وصداقات وتبادل منافع ، كلها تندرج تحت مصطلح ( المودة ) . وهذا في الدنيا . في الآخرة تنقلب تلك المودة الى خصومة وتلاعن بين من كانوا متوادّين من قبل . 

 4 / 2 : ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) النمل ) . الأصل في الحياة الزوجية هي ( السكن ) المعنوى بمعنى أن تسكن اليها وتسكن اليك ، بهذا تتحقق المودة والتي تعنى ليس مجرد الحب ولكن أيضا الرحمة والعطف والمشاركة الوجدانية .  

  5 : المودة مشاعر قلبية في الأساس يعلمها رب العزة جل وعلا ، وجاء التعبير عنها في الآية الأولى من سورة الممتحنة : ( إِنْ كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ ).  الذى يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور أنبأهم بما في قلوبهم ، وجعلهم يحكمون بأنفسهم على أنفسهم ، إن كانوا فعلا قد خرجوا في سبيل الله جل وعلا وإبتغاء مرضاته فكيف يحتفظون في قلوبهم بالمودة لأولئك الكافرين المعتدين ؟ لا يجتمع الإخلاص لله جل وعلا مع مودة  الكافرين المعتدين ، ولا يجتمع الايمان بالله جل وعلا واليوم الآخر مع موالاة الكافرين المعتدين . 

  6 : وجاء التحذير للصحابة المهاجرين صريحا في قوله جل وعلا لهم : ( وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ). يعنى من يرتكب تلك المودة القلبية مع الكافرين المعتدين يكون من الضالين أصحاب الجحيم . 

  7 : نزل هذا التحذير في سورة الممتحنة ، وهى من أوائل ما نزل في المدينة قبل أن يدخل الصحابة في صراع عسكرى دفاعى عبّرت عنه سُورُّ مدنية لاحقة ( آل عمران / النساء / البقرة / الأنفال / الحشر / الأحزاب / المائدة والتوبة ) . ومع هذا التحذير المُبكّر فقد عصاه بعض الصحابة المهاجرين ، بل تعدى العصيان الى ( موالاة ) الكافرين المعتدين وقت الحروب ، فالموالاة تكون في حالة الحرب بأن توالى وتحالف معسكرا ضد الآخر ، وهذا يحدث في الصراعات ، وقد يكون مقبولا سياسيا حسب المصلحة ، ولكنه جُرم عظيم حين تتحالف مع عدو لبلدك ضد قومك. هذه خيانة عُظمى في القوانين الوضعية . وقد وقع فيها بعض الصحابة ممّا إستدعى نزول آيات في سور لاحقة تمنع موالاة الكافرين المترتبة على مودتهم لهم . قال جل وعلا  في خطاب مباشر شديد الوقع : 

  7 / 1 :(  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُبِيناً (144) النساء ) 

  7  / 2 : (  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنْ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (23) قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24) التوبة  ).

أخيرا :

هذا لا ينطبق على : 

1 ـ الكافر بعقيدته المُسالم بسلوكه داخل الدولة الإسلامية وخارجها . قال جل وعلا في نفس سورة الممتحنة : ( لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8). أي يجب البرُّ بهم والتعامل معهم بالقسط . ولكن النهى هو عن موالاة الكافر المعتدى بسلوكه وبغيه وإجرامه ، هذا تحرُمُ موالاته ، قال جل وعلا في الآية التالية : ( إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (9 )). 

2 ـ المؤمن الواقع تحت نير الإضطهاد . عند الاضطرار : 

2 / 1 : يجوز له أن يتلفّظ بالكفر ، قال جل وعلا : ( مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106) النحل ). الله جل وعلا هو وحده الذى يعلم حاله وما في سريرته . 

2 / 2 : التقية : قال جل وعلا : ( لا يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28) قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29) آل عمران ) . حين يعيش في دار عدو يعتدى على دولة إسلامية يجوز له أن يتظاهر بالموالاة للمعتدين خوف الانتقام . وفى هذا لا بد أن يتذكر التحذير بأن الله جل وعلا يعلم ما في قلبه . 

وهذه التقية الإسلامية تتناقض مع التقية الشيعية .



كتاب ( النصر) ف 3 : شروط النصر: الإيمان بالله جل وعلا واليوم الآخر: إرادة الآخرة وليس الدنيا 

أولا : 

أغلبية البشر :

1 ـ يؤثرون الدنيا مع إن الآخرة هي الأبقى :  قال جل وعلا : ( بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17) الأعلى ). 

2 ـ وهذا ينعكس على رؤيتهم لرب العزة جل وعلا : 

2 / 1 : إذا إبتلاهم الله جل وعلا بنعمة إعتبروها إكراما ، وإذا إبتلاهم الله جل وعلا بالفقر إعتبروه إهانة من ربهم جل وعلا ، قال جل وعلا : ( فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) الفجر)، هذا مع إن رب العزة جل وعلا يبتلى الناس بالخير والشّر فتنة وإختبارا ، قال جل وعلا : ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35) الأنبياء )

2 / 2 : بل ربما يصل الى الكفر فيخسر الدنيا والآخرة ، قال جل وعلا : ( وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11)  الحج )

2 / 3 : من إستحبّ الدنيا على الآخرة هو الغافل الخاسر بكل تأكيد  ، قال جل وعلا : (  وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (107) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ (108) لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمْ الْخَاسِرُونَ (109) النحل )

ثانيا : 

الأصل هو إبتلاء وإختيار :

1 ـ هناك من يختار الدنيا ولا يريد الآخرة . هذا يؤتيه الله جل وعلا حظّه المقدر في الدنيا ولكن لا نصيب له في جنّة الآخرة ، قال جل وعلا : 

1 / 1 :( مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (20) الشورى )

1 / 2  :( وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145) آل عمران )  

2 ـ ولكن حظّه في الدنيا ـ التي يريدها ـ لا يكون إلا بتقدير الرحمن جل وعلا ، فهو يسعى ليكون أثرى شخص في العالم ، ولكن ما يحصل عليه هو بالتقدير المحدد له سلفا غنيا او فقيرا . وفى المقابل هناك من يختار الآخرة ويعمل لها صالحا بقلب مؤمن بالله جل وعلا واليوم الآخر ، هذا ينال رزقه المحدد  في الدنيا شأن الشخص الآخر ولكن يكسب الجنة . بهذا يكون في الحال الأفضل ، قال جل وعلا : ( مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً (18) وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً (19) كُلاًّ نُمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً (20) انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً (21)الاسراء ).

3 : هناك من يريد الدنيا وهو غافل عن الآخر كافر بها ، ولكنه يعمل صالحا ، يتبرع للأعمال الخيرية من مال الله جل وعلا الذى خوّله فيه ، هذا ليس من ( الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) الذين سيدخلون الجنة، هو فقط من الذين (عملوا الصالحات ). هذا يعطيه الله جل وعلا مكافأته في الدنيا فقط ، ولكن لا نصيب له في الجنة إذ يحبط الله جل وعلا عمله الصالح ، قال جل وعلا : ( مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ (15) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (16) هود )

4 ـ في كل الأحوال فالذى يختار الحياة الدنيا ويهمل في سبيلها الآخرة مصيره الجحيم ، ولا ينصره رب العزة جل وعلا ، قال جل وعلا :  ( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنصَرُونَ (86) البقرة  )

ثالثا :

الصحابة بين إرادة الدنيا وإرادة الآخرة 

1 ـ نبدأ بأعظم الصحابة : 

1 / 1 : منهم الذين في سبيل رب العزة جل وعلا هاجروا من مكة تاركين بيوتهم وثرواتهم خلفهم فأصبحوا فقراء في المدينة ، ثم وجدوا من أهل المدينة من وقف الى جانبهم ، ومنهم من كان فقيرا ، ولكن لم يتأخر عن مساعدة الهاجرين المحتاجين برغم الفقر والخصاصة ، قال جل وعلا عن بداية الاستقرار في المدينة : ( لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (9) الحشر ).

1 / 2 : قال جل وعلا عنهم وعن النبى محمد عليه السلام في أواخر ما نزل في المدينة : ( لَكِنْ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (88) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (89) التوبة )

2 ـ على النقيض كان من الصحابة :

2 / 1 : منهم منافقون أثرياء ، قال جل وعلا  ينهى النبى محمدا عن الاعجاب بأموالهم وأولادهم : 

2 / 1 / 1 : ( فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55) التوبة ) 

2 / 1 / 2 : (  وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (85)  التوبة ).

2 / 2 : وكانوا يبخلون ويأمرون غيرهم بالبخل ، قال جل وعلا : ( هُمْ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ (7) المنافقون  )

3 ـ وفى محنة القتال في سبيل الله إنفضح بعضهم . 

3 / 1 : كانوا مأمورين في البداية بكفّ اليد وعدم مواجهة الغارات القرشية حتى يتم إستعدادهم القتالى ، وحين أتموا هذا الاستعداد نزل فرض القتال ، وبعضهم ــ حُبّا في الدنيا ـ رفض وطلب مُهلة ، قال جل وعلا :  ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنْ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً (77) النساء ).

3 / 2 : واستمر هذا الى أواخر ما نزل من القرآن الكريم ، تقاعسوا عن القتال إيثارا للحياة الدينية ومتاعها القليل ، قال جل وعلا : (  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ (38) التوبة ).

3 / 3 : وبعض مُحبّى الدنيا من أهل بدر بعد الانتصار تنازع بسبب الغنائم ، فقال جل وعلا : ( يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَنْفَالِ قُلْ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (1) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)الانفال ). فالمؤمنون حقا من ضمن صفاتهم الانفاق في سبيل الله وليس من أهدافهم التكسّب من الحرب الدفاعية . 

3 / 4 : وهؤلاء الصحابة مريدو الدنيا تسببوا في هزيمة المؤمنين في موقعة ( أُحُد ) بعد أن أشرفوا على الانتصار ، قال جل وعلا : ( وَلَقَدْ صَدَقَكُمْ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152) آل عمران ).

3 / 4 : ومنهم صحابة مهاجرون كانوا يوادُّون الكافرين المعتدين أثرياء قريش طمعا في الأموال والتجارة والمساكن الفارهة ، قال جل وعلا  يعظهم ويحذّرهم : ( قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24) التوبة ).

3 / 5 : والصحابة المنافقون بخلوا عن التبرع للمجهود الحربى الدفاعى كما رفضوا الخروج للدفاع عن وطنهم ، عنهم قال جل وعلا : (  فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81) التوبة ). 

أخيرا : المؤمنون بالله جل وعلا واليوم الآخر يريدون اليوم الآخر 

1 ـ الداعية للحق لا يسأل الكافرين أجرا ، وهذا شأن الأنبياء ، وكثيرة هي الآيات في هذا الموضوع . 

2 ـ مريدو اليوم الآخر يؤمنون بما قاله جل وعلا أن : 

2 / 1 : ( وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64) العنكبوت ). مصطلح ( الحيوان ) جاء مرة واحدة في القرآن الكريم في هذه الآية ، ويعنى الحياة الخالدة التي لا موت فيها ، والتي يتعاظم فيها الإحساس بمتاع الجنة أو بعذاب الجحيم . 

2 / 2 : الحياة الدنيا مؤقتة والزينة فيها فانية ، والأعمال الصالحة هي الباقية ، وهى الخير ثوابا والخير أملا ، قال جل وعلا : 

2 / 2 / 1 : ( وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنْ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً (45) الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً (46) الكهف ).

2 / 2 / 2 : ( وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَرَدّاً (76) مريم )

3 ـ وهم يبتغون الأجر من الرحمن جل وعلا في الدنيا وفى الآخرة . قال جل وعلا : 

3 / 1 : عن المهاجرين في سبيل الله جل وعلا المتوكلين الصابرين : ( وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (42) النحل )

3 / 2 : عن المقاتلين في سبيله جل وعلا : ( وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) فَآتَاهُمْ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148) آل عمران )

4 ـ لذا فهم يبيعون الدنيا في سبيل الجنة . قال جل وعلا : 

4 / 1 : (  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ (13) الصف  )  

4 / 2 : قال جل وعلا : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ (15) الحجرات )

4 / 3 : ( فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (74)  النساء ) 

4 / 4 : قال جل وعلا : ( انفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (41) التوبة ) .


كتاب ( النصر) ف 3 : شروط النصر: أن ترجو لقاء الله جل وعلا 

مقدمة 

1 ـ هاجر بحثا عن الرزق الحلال ، وكافح ، وإعتاد أن يودع ماله في البنك الموجود في بلده  ، وهو يكدح في الغُربة كان ينتظر اليوم الذى سيعود فيه الى وطنه ويسحب رصيده . هذا ( يرجو ) أن ينال مكافأة سعيه في الغُربة.

2 ـ طالب يرهق نفسه في المذاكرة والتحصيل ، واستعد تماما وهو ( يرجو) يوم الامتحان ليثبت كفاءته . 

3 ـ  مؤمن مسالم عادى يتقى الله جل وعلا يعيش في حاله بعيدا عن المشاكل ،مستضعف في الأرض ، لا يظلم أحدا ولكنه يتعرّض للظلم ولا يجد من ينصره من الناس ، هذا ( يرجو ) لقاء الله جل وعلا لينتقم له ممّن ظلمه ، لأن يوم لقاء الله جل وعلا هو اليوم الآخر ، هو ( يوم التغابن ) أي رفع الغبن والظلم عن المظلوم . قال جل وعلا : ( يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (10) التغابن ).

4 ـ مؤمن يتقى الله جل وعلا ويعمل صالحا ، ويدعو الى الله جل وعلا على بصيرة ، ينصر الله جل وعلا  آملا أن يتحقق فيه قوله جل وعلا : 

4 / 1 :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ ) (7) محمد ) 

4 / 2 :( وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الحج ) 

4 / 3 :( إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ (51) غافر) . 

4 / 4 : بسبب وقوفه ضد تقديس البشر والحجر يتعرّض للأذى ويتحمل الاضطهاد قائلا ما قاله الرسل السابقون لأقوامهم : ( وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُتَوَكِّلُونَ (12) إبراهيم ). 

4 / 5 : هذا ( يرجو) لقاء الله جل وعلا لينصره على من ظلمه .

5 ـ في المقابل : هناك شخص فاسد وطالب علم فاشل ومجرمون ظالمون لا ( يرجون لقاء الله ) بل ينكرونه بسلوكياتهم . لا يؤمنون به لأنهم لو آمنوا به لكانوا متقين . 

6 ـ يجمع هذا وذاك قوله جل وعلا :( يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ (6) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً (8) وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً (9) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً (11) وَيَصْلَى سَعِيراً (12) إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً (13) إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (14) بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً (15) الانشقاق  ) . كل شخص يسعى ويكدح ، ويملأ كتاب أعماله بما سعى وبما كدح . ويأتي يوم القيامة ليلقى ربه وليلقى كتاب أعماله . إذا تلقّاه بيمينه فهو من خالد في  الجنة ، وإذا تلقاه بشماله ومن وراء ظهره فهو خالد في النار. 

7 ـ نعطى مزيدا من التفصيل : 

أولا : ماهية يوم لقاء الله جل وعلا :  

هو اليوم الذى : 

1 ـ  يقوم فيه الناس لرب العالمين. هو يوم القيامة ، قال جل وعلا :  ( أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6) المطففين ).

2 ـ يأتي فيه رب العزة والملائكة صفّا صفّا . قال جل وعلا : ( كَلاَّ إِذَا دُكَّتْ الأَرْضُ دَكّاً دَكّاً (21) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً (22) الفجر  )

3 ـ تشرق فيه الأرض بنور ربها. قال عنه جل وعلا : ( وَأَشْرَقَتْ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (69) الزمر ).

4 ـ يجمع فيه رب العزة جميع البشر في وقت واحد مهما إختلفت أزمنة موتهم ، لا فارق بين شخص مات من مليون عام وشخص مات مع قيام الساعة وتدمير الكون . قال جل وعلا :

4 / 1 : ( قُلْ إِنَّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ (49) لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (50) الواقعة )

4 / 2 : ( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7) الشورى ) 

4 / 3 ( يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ ) (9)  التغابن ) 

 4 / 4 : ( فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (25)  آل عمران )

4 / 5 ـ  ( اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ حَدِيثاً (87)  النساء  ) .

   4 / 6 ( كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ ) الانعام 12 ) 

4 / 7 : ( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً (99) الكهف )  .

4 / 8 : ( إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (40) الدخان  )

4 / 9 : ( قُلْ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ )(26) الجاثية )

4 / 10 : ( هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالأَوَّلِينَ (38) المرسلات ). 

5 ـ يبرز الناس لرب العالمين . قال جل وعلا :

5 / 1 :   (  وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً ) ابراهيم21 ) 

5 / 2 ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48) إبراهيم )

6 ـ يتم عرضهم جميعا أمام الله جل وعلا صفّا صفّا . قال جل وعلا :  ( وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفّاً لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً (48) الكهف ) .

ثانيا :

ماهية من يرجو لقاء الله جل وعلا 

هو الذى : 

1 ـ يعمل الصالحات ولا يقع في تقديس مخلوق ، قال جل وعلا : ( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (110) الكهف  ) .

2 ـ يؤمن بلقاء الله حل وعلا وأنه آت لا ريب فيه ، وينعكس هذا على قلبه وسلوكه أيمانا وتقوى ، فالله جل وعلا هو السميع العليم . قال جل وعلا :( مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5) العنكبوت )

3 : بل يبلغ الايمان بلقاء الله جل وعلا عنده مبلغ اليقين  بتفكّره في ألاء الله جل وعلا في خلق السماوات والأرض . قال جل وعلا :  ( اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2) الرعد  )    

4 ـ يتخذ من رسول الله ( أسوة حسنة ) ( ملاحظة / اسوة بمعنى قدوة ، وليس سُنّة فالسُّنّة هي سُنة الله أي شرعه ومنهاجه ). قال جل وعلا :

4 / 1 : (  لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (21) الاحزاب ). هذا تأنيب للمنافقين الجبناء بمدح موقف النبى الصامد والشجاع في موقعة الأحزاب .

4 / 2 : ( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلاَّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5) لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (6)  الممتحنة ). أي امر الله جل وعلا المؤمنين بأن يتخذوا من إبراهيم والذين آمنوا معه أسوة حسنة حين تبرءوا من أهاليهم الكفرة .  

ثالثا :

ماهية من لا يرجو لقاء الله جل وعلا 

هو الذى : 

1 ـ يكذّب ويكفر بلقاء الله جل وعلا ، قال جل وعلا : 

1 / 1 : (  وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِنْ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (45) يونس ). عند الحشر تمرُّ ذكريات الدنيا مثل ساعة من نهار تعارف فيها الناس بعضهم ببعض فيما مضى . عندها يشعر الذين كذبوا بلقاء الله بمدى خسارتهم . 

1 / 2 : ( وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (147) الأعراف ). الذين كذّبوا بلقاء الله جل وعلا لا يخلو كتاب أعمالهم من الصالحات ، ولكن أحبطها الله جل وعلا وأضاع ثمرتها لأنهم كذّبوا بلقائه . 

1 / 3 : ( وَإِنَّ كَثِيراً مِنْ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ (8) الروم ). أكثرية البشر ضالّةّ مُضلّة ، فلا مجال للأكثرية أن تعتبر أكثريتها دليل على صحة دينها، لأنهم يكفرون بلقاء ربهم جل وعلا . 

1 / 4 : ( وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ (10) السجدة ) . إنكار البعث ضمن كفرهم بلقاء الرحمن جل وعلا. 

1 / 5 : ( وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الآخِرَةِ فَأُوْلَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (16) الروم ) هنا يجتمع الكفر والتكذيب بلقاء الرحمن جل وعلا .  

 1 / 6 : ( أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ ) (54) فصلت ). الايمان بلقاء الرحمن يجب أن يكون كاملا وبيقين ثابت بحيث يثمر التقوى ، ولكنهم في شكّ ومرية منه .

1 / 7 : ( وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72) الزمر). عند دخولهم جهنم تذكّرهم خزنتها أن رُسل الله أنذروهم من لقائه جل وعلا ولكن كفروا .

1 / 8 : منهم قوم عاد ، قال جل وعلا : ( وَقَالَ الْمَلأ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (33) المؤمنون ). 

1 / 9 : وهذا يشمل العُصاة من الجن والإنس . قال جل وعلا : (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (130) الانعام )

2 : يكذّب ويكفر بالرسالات الإلهية . قال جل وعلا :

2 / 1 : ( وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) يونس ) . لأنهم كفروا بالقرآن فقد طلبوا من النبى محمد عليه السلام أن يأتيهم بقرآن آخر بديل يتماشى مع أهوائهم . هذا التكذيب بالقرآن صاغه أئمة المحمديين بأكذوبة النسخ بمعنى الإلغاء للآيات القرآنية وأحكامها .  هم لا يؤمنون بلقاء الرحمن جل وعلا. 

 2 / 2 : ( وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدْ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً (21) يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً (22)  الفرقان ). لأنهم كفروا بالقرآن فقد طلبوا من النبى محمد معجزات ( آيات مادية حسية ) بديلا عن القرآن ، هذا التكذيب بالقرآن صاغه أئمة المحمديين في أساطير المعجزات التي نسبوها له كذبا وطغيانا . هم لا يؤمنون بلقاء الرحمن جل وعلا.

2 / 3 : (فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (11) يونس ). كل هذا تكذيب بلقاء الرحمن ، وكفر طاغ يعمى أصحابه . 

3 ـ  إيثار الدنيا على الآخرة أساس في التكذيب بلقاء الرحمن جل وعلا . قال جل وعلا : 

3 / 1 : (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17) إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (19) الأعلى ). جاءت هذه الحقيقة في القرآن وفى صحف إبراهيم وموسى عليهما السلام .

3 / 2 : ( قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (31) وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (32)  الانعام ). عند قيام الساعة يتحسّر الذين كذبوا بلقاء الله جل وعلا ، ويأتون الى لقاء الله جل وعلا وهم يحملون ذنوبهم على ظهورهم ، ويدركون وقتها أن حياتهم الدنيا ما كانت سوى لعب ولهو .

3 / 3 : ( إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ (7) أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (8) يونس ). لا يرجون لقاء الله جل وعلا لأنهم رضوا بالحياة الدنيا واطمأنّوا بها ، ومأواهم النار. 

4 ـ من أجل الدنيا نسوا لقاء الله جل وعلا فنسيهم الله جل وعلا من رحمته. وسيقال لهم  : 

4 / 1 : ( وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمْ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (34) الجاثية ). لا نصير لهم يوم لقاء الرحمن جل وعلا .  

4 / 2 : ( فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (14) السجدة ). نسيان الله جل وعلا لهم يعنى خلودهم في النار جزاء عملهم.  

4 / 3 : ( وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنْ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (50) الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (51) الاعراف ). غرتهم الحياة الدنيا وجعلوا دينهم لهوا ولعبا وجحدوا بالقرآن الكريم ونسوا لقاءه جل وعلا . 

5 ـ الذين يؤمنون بلقاء الرحمن عليهم أن يغفروا لمن لا يرجون لقاء الرحمن ، فيكفى ما ينتظر الكافرين من عذاب الجحيم . قال جل وعلا : ( قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (15) الجاثية )   

شاهد قناة ( أهل القرآن )

https://www.youtube.com/user/ahlalquran1



كتاب ( النصر) ف 3 : شروط النصر: جاءت كورونا ( بغتة )، وستقوم الساعة ( بغتة ) 

مقدمة : 

1 ـ قبل ظهور كورونا فجأة أو بغتة لم يتوقع أحد هذا العذاب . وبعد نزول عذاب كورونا ظل بعض الحكام مستهينين بها مثل البريطاني جونسون والأمريكى ترامب ، حتى أُصيبوا بها . مثلما جاء عذاب كورونا فجأة بغتة فستقوم الساعة بغتة فجأة ، وفى الحالتين فالناس مشغولون لاهون . 

2 ـ المؤمن في هذا الزمان يجب عليه أن يتوقع قيام الساعة ووقوع العذاب ، حتى لا يؤخذ فجأة بغتة ، وأن يتأهب لهذا بالتقوى ومناصرة الحق الالهى حتى يتمتع بنصرة الله جل وعلا له في الدنيا والآخرة. 

3 ـ ونعطى تفصيلا عن ( البغتة ) .

أولا : معنى ( بغتة ) 

تعنى وقوع شيء مُباغت مُفاجى على بشر لا يشعرون بحدوثه وغير متأهبين لحدوثه . أو بالتعبير القرآنى الرئع : ( وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ  ). قال جل وعلا : 

1 ـ عن وقوع العذاب الدنيوى : (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (94) ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (95) الأعراف ). 

2 ـ عن قيام الساعة : ( هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (66) الزخرف )

3 ـ عن قيام الساعة أو وقوع العذاب : 

3 / 1 : ( وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106) أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمْ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (107) يوسف )

3 / 2 : ( كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (200) لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الأَلِيمَ (201) فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (202) الحج )

3 / 3 : ( وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمْ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (53) يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (54) العنكبوت ) .

4 ـ هي بغتة للكافرين وليست بغتة للمؤمنين المتقين الذين يرجون لقاء الله جل وعلا ويتحسّبون لليوم الآخر ويتجهزون له بالقلب السليم والعمل الصالح . 

ثانيا : القرآن الكريم وإقتراب الساعة والعذاب المرتبط بها 

نزلت الرسالة الآلهية الخاتمة دليلا على إقتراب الساعة ، فالقرآن الكريم هو الكلمة الإلهية النهائية للبشر في زمنهم الأخير . وصدر الأمر بقيام الساعة بالزمن الالهى ، ولم يبق سوى التنفيذ الفعلى بالزمن الأرضى ، وهذا هو المفهوم من قوله جل وعلا : 

  1 : ( أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1) النحل ). كانوا يستعجلون الساعة فأنبأ الله جل وعلا بأن الأمر الالهى قد صدر بقيامها ، وهو واقع قريبا فلا داعى لاستعجاله .!

  2 : ( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) مِنْ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3) تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4) فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً (5) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً (6) وَنَرَاهُ قَرِيباً (7) المعارج  ) . سئل النبى محمد عليه السلام عن عذاب قيام الساعة فأخبر رب العزّة جل وعلا إنه واقع ، وليس له دافع ، وأنهم يرونه بعيدا وهو منهم قريب .

  3 : المستفاد هنا وصف قيام الساعة بالعذاب ، وهذا ما جاء في قوله جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2) الحج  ). المستفاد هنا أيضا أن زلزلة وعذاب الساعة سيكون مفاجئا باغتا بحيث تذهل المرضعة عن رضيعها وتُسقط الحامل جنينها ، ومن هول البغتة يصبح الناس سكارى مثل سكرة الموت بسبب وقوع هذا العذاب الشديد . 

  4 : هنا يرتبط قيام الساعة بالمفاجأة المباغتة . وهذه البغتة تتحقق عند وجود الغفلة ، فالغافلون المعرضون عن الحق الكافرون بلقاء الرحمن جل وعلا تفاجئهم الساعة ، قال جل وعلا : ( اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (3) الانبياء ). نلاحظ أن رب العزة قال من أكثر من 14 قرنا إنه إقتربت الساعة . أي إنه في عصرنا إزداد إقترابنا من قيام الساعة . 

  5 : الذين يرجون لقاء الله جل وعلا يشفقون من قيام الساعة  لارتباطها بالعذاب المُشار اليه . قال جل وعلا : 

  5 / 1 : ( الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنْ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (49) وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ (50) الانبياء ) . نلاحظ هنا إرتباط الخشية من الله حل وعلا بالاشفاق من قيام الساعة والاشارة الى القرآن الكريم الكلمة الإلهية الأخيرة للبشر قبيل قيام الساعة . 

  5 / 2 : (  اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17) يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (18) الشورى  ). نلاحظ هنا إرتباط نزول القرآن الكريم ــ الموصوف بأنه الحق والميزان ــ بقرب قيام الساعة وإشفاق المؤمنين بها من أن يكونوا حاضرين لعذابها . 

6  : ( اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) القمر ) . هنا التعبير عن إقتراب الساعة بالزمن الماضى ، والتعبير عن إنشقاق القمر بالفعل الماضى بمعنى تحقق الوقوع ، لأن الأمر الالهى قد صدر فعلا ، ويبقى تحقيقه بالزمن الأرضى ، وعندئذ  سيرى أخر جيل من البشر إنشقاق السماء وتدمير الكون . قال جل وعلا :

6 / 1 :( فَإِذَا انشَقَّتْ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (37)  الرحمن) 

6 / 2 :( فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13) وَحُمِلَتْ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتْ الْوَاقِعَةُ (15) وَانشَقَّتْ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (16) الواقعة ) 

6 / 3 : (إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ (1) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (2) الانشقاق  )

7 : ( حَتَّى إِذَا أَخَذَتْ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24) يونس   ) . هنا معنى البغتة دون ذكرها صراحة ، إذ بينما البشر مشغولون بتقدمهم العلمى يأتيهم الأمر الالهى بقيام الساعة فتصبح الأرض ــ المزينة المزخرفة بالجنات وناطحات السحاب ــ حصيدا خرابا . 

ثانيا :

 قيام الساعة بغتة : الساعة ( تبغت ) الكافرين 

قال جل وعلا عنهم : 

1 ـ ( هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (66) الزخرف )

2 ـ ( يَسْأَلُونَكَ عَنْ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً ) 187) الأعراف )

3 ـ ( فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ (18) محمد  ) . ظهرت أشراط الساعة من 14 قرنا .. فكيف بنا الآن ؟ 

4 ـ (  قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (31) الانعام  ). عن الخاسرين الذين فاجأتهم الساعة وهم يتحسرون يحملون أوزارهم على ظهورهم . 

أين أكابر المجرمين من المستبدين ورجال الدين من هذه الآية الكريمة ؟!!

ثالثا : بغتة العذاب الدنيوى 

قال جل وعلا : 

1 ـ عن إهلاك السابقين بغتة :  

1 / 1 :  ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (45) الانعام ) 

1 / 2 :  (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (94) ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (95) الأعراف ) 

2 ـ عن إهلاك  الظالمين اللاحقين بغتة : ( قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (47) الانعام ) 

 3 ـ بغتة الساعة وبغتة العذاب في الدنيا 

3 / 1 : ( وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106) أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمْ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (107) قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ (108) يوسف ). 

3 / 1 / 1 : نحن على نفس سبيل الرسول ( القرآن الكريم ) ندعو الى الله جل وعلا ( على بصيرة ) . والقرآن الكريم موصوف بأنه ( بصائر ) . قال جل وعلا : 

3 / 1 / 1 / 1 : ( قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104) الانعام ) .

3 / 1 / 1 / 2 : ( قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (203) الأعراف ) 

3 / 1 / 1 / 3 : ( هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (20) الجاثية  )

3 / 2 : ( كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (200) لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الأَلِيمَ (201) فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (202) الحج ). هذا عن كفرهم بالقرآن الكريم .  

3 / 3 : ( وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمْ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (55)  الحج ). هذا عن ريب الكافرين بالقرآن الكريم . 

3 / 4 : ( قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (55) الزمر ). هذا تحذير للمسرفين قبل فوات الأوان . 

رابعا : 

بغتة وقوع التعذيب في النار 

قال جل وعلا :  ( لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمْ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (39) بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلا هُمْ يُنظَرُونَ (40) الانبياء ). سرعة نشوب النار في وجوههم وفى ظهورهم اسرع من محاولتهم الإفلات منها ، في كل مرة يأتيهم بغتة ومفاجئا يبهتهم . والمؤلم أن يستمر هذا أبد الآبدين . متى يتعظ أكابر المجرمين ؟!!     

أخيرا 

1 ـ في عصرنا بلغت الأرض زخرفها وإزّينت وظنّ أهلها أنهم قادرون عليها ، ومع هذا ينتشر الفساد والظلم في الأرض . عاقبهم الله جل وعلا بمخلوق غاية في الضآلة ( فيروس ) ، لا يزال يهزمهم . وهم مع ذلك لا تزال أعينهم في غطاء عن ذكر الرحمن ولا يستطيعون سمعا . لاهون بالفيروس غافلون عن خالقهم وخالق الفيروس . وسيستمرون في غفلتهم حتى تأتيهم الساعة بغتة وهم لا يشعرون كما جاءهم عذاب كورونا غفلة وهم لا يشعرون . 

2 ـ وقد أفردنا عشرات الحلقات من برنامجنا ( لحظات قرآنية ) عن المحمديين بين إهلاك قائم وإهلاك قادم ، نعظ ونحذّر ، بلا فائدة ، بل يواصلون اضطهادنا صدّا عن سبيل الله جل وعلا . رابط قناتنا على اليوتوب : 

https://www.youtube.com/user/ahlalquran1

3 ـ مهما يعانيه الداعى للحق فهو لا شىء مقارنة بالخلود في الجحيم ، ندعو الله جل وعلا أن يزحزحنا عنها . ومهما تمتع الظالمون أكابر المجرمين في حياتهم القصيرة فهو لا شيء مقابل خلودهم في جحيم يأتيهم بغتة وهم لا يشعرون . 



كتاب ( النصر) ف 3 : شروط النصر: التوكل على الله جل وعلا  ( 1 ) 

أولا : ( لا إله إلا الله جل وعلا ) يعنى : ( لا وكيل إلا الله جل وعلا ): 

1 ـ يتبع الايمان بالله جل وعلا وحده لا شريك له أن يكون جل وعلا وحده الوكيل الذى يتوكل عليه المؤمن المتقى المجاهد ، والذى يخاطبه في الصلاة قائلا : ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) ، أي نعبده جل وعلا وحده ، ونستعين به جل وعلا وحده ، أي نتوكل عليه جل وعلا وحده . قال جل وعلا : ( أَلاَّ تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً (2) الاسراء )، أي لا تتخذوا من دونه جل وعلا إلاها ، ولا تتخذوا معه إلاها ، أي  ( لا إله إلا الله )..

2 ـ يتبع الايمان  به جل وعلا وحده إلاها ووكيلا ألّا يتخذ المؤمن حديثا سوى حديثه جل وعلا في القرآن الكريم . قال جل وعلا : 

2 / 1 :( أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (184) أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدْ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185)  الاعراف ) 

2 / 2 : ( وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (49) فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (50) المرسلات ) 

2 / 3 : (  تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6) وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8) الجاثية ) . الاستفهام إنكارى في قوله جل وعلا (  فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ) ( فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ). إنّه إستنكار من رب العزة جل وعلا يجب على المحمديين أن ينتبهوا له .!

ثانيا : وَكَفَى بِاللَّهِ جل وعلا وَكِيلاً : 

المؤمن يكتفى بالله جل وعلا وحده إلاها ، ويكتفى به وحده جل وعلا وكيلا.

1 ـ عن الارتباط بينه وحده إلاها ووكيلا ،  قال جل وعلا :

1 / 1: (  وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً (132) النساء ). من غيره جل وعلا يملك السماوات والأرض ؟  إذن فيكفى جل وعلا وحده وكيلا للمؤمن .

1 / 2 : (  إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً (171) النساء ) من غيره جل وعلا يملك السماوات والأرض ؟  إذن فيكفى جل وعلا وحده وكيلا للمؤمن .

2 ـ وهو جل وحده الوكيل للنبى محمد في حياته . قال له جل وعلا في خطاب مباشر : 

2 / 1 : (  وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً (81)  النساء  )

2 / 2 :(  وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً (3)  الأحزاب ) 

2 / 3 : ( رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً (9) المزمل ) .

2 / 4 : (  وَلا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً (48) الأحزاب ). أي الاعراض عن اذى الكافرين والمنافقين متوكلا على ربه جل وعلا ، وكفى به جل وعلا وكيلا . 

2 / 5 : لذا يأتي تعبير : حسبنا الله أو حسبى الله،  يعنى يكفينى الله . قال جل وعلا عن بعض الصحابة المتقين الشجعان : ( الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) آل عمران  ). وقال جل وعلا :

2 / 5 / 1 : ( فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62)  الانفال  )

2 / 5 / 2 : ( فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِي اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129) التوبة  )

2 / 5 / 3 :( قُلْ حَسْبِي اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38) الزمر )

2 / 5 / 4 : ( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ )  (3) الطلاق  )

 3 ـ  وكما يكتفى المؤمن بالله جل وعلا وكيلا فهو يكتفى بالقرآن الكريم كتابا ، لا كتاب معه في الإسلام ، قال جل وعلا : ( أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51) قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ (52) العنكبوت ). هنا ارتباط بين الاكتفاء بالقرآن الكريم كتابا والاكتفاء به جل وعلا وحده شهيدا يشهد بأن القرآن الكريم كاف للمؤمن . وهذا ما ينكره المحمديون .

ثالثا :الله جل وعلا : ( عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ )

 قال جل وعلا : 

1 ـ ( اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62) الزمر ). لأنه جل وعلا خالق كل شيء فهو على كل شيء وكيل . كل شيء يشمل الجماد والأحياء ، من الذرة الى المجرة. 

2 ـ ( ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102) الانعام ).  لأنه جل وعلا خالق كل شيء فلا إله إلّا هو ، وعلينا أن نعبه وحده ، وأن نؤمن به وكيلا على كل ما حلق ومن خلق . يبدو هذا مفهوما لا يعترض عليه المحمديون  ، ولكن عندما تناقش تعارض هذا مع تقديسهم للبشر والحجر يظهر كفرهم ب ( لا إله إلا الله ). 

3 ـ ( إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (12) هود ). ليس النبى محمد في حياته أو بعد موته وكيلا عن أحد لأن الوكيل على كل شيء هو الله جل وعلا وحده ، وما النبى محمد سوى نذير . يبدو هذا مفهوما لا يعترض عليه المحمديون  ، ولكن يظهر كفرهم برب العزة جل وعلا عندما تناقش تعارض هذا مع إيمانهم بالشفاعة المزعومة للنبى وخرافة حياته في قبره يستغفر لمن يحج اليه . 

رابعا :  النبى محمد عليه السلام ليس وكيلا على أحد 

كانت تكفى الآيات السابقة في تأكيد أنه لا وكيل إلا الله . ولكن الذى يعلم الغيب جل وعلا أنزل تأكيدات أخرى في أن النبى محمدا ليس له من الأمر شيء ، وأنه ليس وكيلا على أحد . وجاء هذا في خطاب مباشر له عليه السلام . قال له جل وعلا : 

1 ـ ( اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنْ الْمُشْرِكِينَ (106) وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (107) الانعام ) .هنا أمر له عليه السلام باتباع القرآن الكريم وبالإعراض عن المشركين ، وأنه جل ووعلا ما جعله عليهم حفيظا أي مسئولا ، وما هو عليهم بوكيل . لذا عليه أن يُعرض عنهم ، وهم مسئولون عن كفرهم . هذا يناقض أكاذيب كثيرة في أديان المحمديين منها : ( حدّ الردة ) و ( شفاعة البشر ) و ( تغيير المنكر باليد ) .

2 ـ ( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (108) يونس ) .هنا أمر له عليه السلام أن يعلن للناس أنه جاءهم القرآن الحقُّ من ربهم ، وهم أصحاب المشيئة في أن يهتدوا أو أن يضلُّوا ، وما هو عليه السلام عليهم بوكيل . 

3 ـ ( إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنْ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (41) الزمر ). تتكرر نفس الحقيقة الإسلامية في الحرية المطلقة للبشر في مشيئة الهداية أو الضلالة ، وأنه عليه السلام ليس بوكيل عليهم . 

4 ـ ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (6) الشورى ). من ملامح الدين الأرضى إتخاذ أولياء من دون الله جل وعلا يقصدونهم بالعبادة متجاهلين أنه جل وعلا هو وحده الولى المعبود ، وقد قال جل وعلا في نفس السورة : (  أَمْ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ المَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (9) الشورى ) . والنبى محمد عليه السلام ليس عليهم بوكيل . 

5 ـ ( أَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً (43) الفرقان ). البشر يصيغون لهم أديانا أرضية حسب أهوائهم ، أي تكون آلهتهم  أهواءهم ، والاستفهام هنا للإستنكار ( أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً ).

6 ـ ( رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (54) الاسراء) . الله جل وعلا وحده هو مالك يوم الدين والذى يملك الحساب والرحمة والعذاب ، أما النبى محمد عليه السلام فليس عليهم بوكيل وليس له من الأمر شيء . 

7 ـ وبدون إستعمال مصطلح ( وكيل ) جاء نفس المعنى في قوله جل وعلا : ( إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ (119) البقرة ). مهمة النبى التبليغ فقط ، وليس مسئولا عمّن يشاء الضلالة وينتهى مصيره الى الجحيم . 

خامسا : التوكل على الله جل وعلا وحده قرين الايمان به جل وعلا وحده 

 لهذا يوصف المؤمنون بأنهم المتوكلون على الله جل وعلا ، ويأتي هذا بأسلوب القصر والحصر ، فلا يُقال  مثلا : ( يتوكل المؤمنون على الله ) أو ( يتوكل المتوكلون على الله ) ، بل بأسلوب القصر: منه : 

(ا ) بالتقديم والتأخير مثل ( إيّاك نعبد ) . قال جل وعلا : 

1 ـ ( وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ (122) آل عمران ) 

2 ـ ( وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ (160) آل عمران )

3 ـ ( وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ (11) المائدة )

4 ـ ( وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (23) المائدة  )

5 ـ  (  وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ (13)  التغابن )

6 ـ ( وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ (51)  التوبة  )

7 ـ  (  وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ (11)  إبراهيم ) 

9 ـ ( وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ (10)  المجادلة )

10 ـ ( وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُتَوَكِّلُونَ (12) ابراهيم )

11 ـ ( إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُتَوَكِّلُونَ (67)  يوسف  )

12 : ( وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (84) فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا ) (85) يونس )

13 ـ (  قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ (30)  الرعد  )

14 ـ ( قُلْ حَسْبِي اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38) الزمر )

15 ـ ( رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) الممتحنة  )  

16 ـ ( قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا  )  (29) الملك )

(ب ) وجاء أسلوب القصر باستعمال ( إنّما ) . قال جل وعلا : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) الانفال  ).

( ج ) وجاء بأساليب أخرى مُضافة ، مثل  : 

1 ـ المقارنة : قال جل وعلا : ( فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100)  النحل ). 

2 ـ ضمن صفات أخرى للمؤمنين ، قال جل وعلا في صفات المجتمع المؤمن ودولته : (  فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37) وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38) وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمْ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39)  الشورى )

3 ـ صفة الرحمن جل وعلا الحى الذى لا يموت والمستحق وحده للتسبيح بحمده ، قال جل وعلا للنبى محمد عليه السلام : ( وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً (58) الفرقان ). الكافرون يقدسون قبورا مات أصحابها ، ويزعمون أنهم أحياء ، ولكن المؤمنين يوقنون أن الله جل وعلا وحده هو الحى الذى لا يموت ، فالتوكل عليه وحده هنا عقيدة إيمانية .  

هذا من حيث التشريع .. فماذا عن التطبيق ؟ 

كتاب ( النصر) ف 3 : شروط النصر: التوكل على الله جل وعلا  ( 2 ) في قصص الأنبياء 

المؤمن المجاهد في سبيل الله جل وعلا يجب أن يلتزم بالتوكل على الله جل وعلا . وفى قصص القرآن الكريم ملامح لهذا . 

عن الأنبياء السابقين :

1 ـ هناك وحدة في القصص القرآنى عن الأنبياء ، كلهم تلقى الوحى بكتاب الاهى واحد مع إختلاف الألسنة والزمان والمكان والظروف ، قال جل وعلا : 

1 /1 :( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ) َ(4)  ابراهيم )

 1 / 2 : ( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً (163) وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً (164) النساء )، فالوحى واحد للجميع في موضوعه مع اختلاف الزمان والمكان واللسان .

1 / 3 ـ ( شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13) الشورى ). أسُس الشرع الالهى واحد في دين الإسلام ، دين الله جل وعلا ، وهو إقامة الدين أي تطبيقه وعدم التفرق الى طوائف وأحزاب وملل ونحل ومذاهب . وهذا حال الأديان الأرضية التي تتأسّس على أنقاض الدين الالهى ، وتفرّق الناس شيعا وأحزابا . 

 1 / 4 ـ ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) الانبياء ). جاء في كل كتاب إلاهى : ( لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ  ) . 

1 / 5 ـ ( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ (65) الزمر) . جاء في كل كتاب إلاهى أن النبى لو أشرك بربه مؤمنا بآلهة أخرى معه فقد أحبط الله جل وعلا عمله وجعله من الخاسرين .

2 ـ وهناك وحدة في اقوال الرسل لأقوامهم مع إختلاف الزمان والمكان واللسان ، وقد جاء التعبير عن هذه الوحدة في القرآن الكريم في جعله حوارا واحدا قاله كل الرسل وقالته أقوامهم ، بما يعنى أن الكفر ملة واحدة  في مقابل دعوة الإسلام وأنبياء الإسلام ودعاة الإسلام . يتضح هذا من قوله جل وعلا : ( أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (9) قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (10)) . جاء موضوع التوكل على الله جل وعلا في الآيتين التاليتين : ( قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ (11) وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُتَوَكِّلُونَ (12) ابراهيم ). تكرر التوكل على الله جل وعلا مرتين مرتبطا في احدهما بالهداية الايمانية والصبر على الأذى . 

ولا يزال الأذى يلحق بدُعاة الحق حتى الآن .

3 ـ وفى تفصيلات القصص القرآنى عن الأنبياء السابقين ورد التوكل على الله جل وعلا : 

3 / 1 ـ كانوا يخوفون الأنبياء بانتقام آلهتهم المزعومة ، ويرد النبى متحديا متوكلا على ربه جل وعلا . قال جل وعلا : 

3 / 1 / 1 : عن نوح عليه السلام قال جل وعلا : ( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ (71) يونس ). الشركاء هنا يعنى الآلهة والأولياء التي زعموا أنها تشارك رب العزة جل وعلا في حكمه وألوهيته ، وكانوا يخوّفون نوحا عليه السلام من إنتقامها . 

وكانوا ـ ولا يزالون ـ يخوفوننا من غضب آلهتهم المزعومة . 

3 / 1 / 2 : قوم عاد قالوا للنبى هود عليه السلام : (  قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (53). ) يعنى مهما قال فليسوا بتاركى آلهتهم ، وهو نفس ما يُقال لنا : مهما تقول فلن نترك البخارى والشفاعة . بعدها قالوا له يهددونه بغضب آلهتهم : ( إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ ) وردّ عليهم بقوة : ( قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ (55) وقال متوكلا على ربه جل وعلا :  ( إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56) هود ). 

وكل منا يقولها لقومه : ( إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56) هود ). 

3 / 1 / 3 : وهددوا إبراهيم عليه السلام بتخويفه من آلهتهم ، وردّ عليهم بقوة دون أن ذكر لفظ التوكل على الله جل وعلا ، ولكن بمعناه . قال جل وعلا : ( وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِي وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (80) وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) الانعام ). 

ندعو الله جل وعلا أن يجعلنا من ( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ )

3 / 1 / 4 : ونفس الحال مع خاتم النبيين عليهم السلام :

3 / 1 / 4 / 1 : قال لهم : ( إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (194) أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلْ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنظِرُونِ (195) إِنَّ وَلِيِّي اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196) الأعراف ). هو نفس التحدى الذى قاله من قبل نوح عليه السلام . 

نحن في مواجهة أوليائهم الخرافية نقول : إِنَّ وَلِيِّي اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ )

3 / 1 / 4 / 2 : وعن تخويفهم له قال له جل وعلا : ( أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (36) الزمر ). الله جل وعلا كفى به وكيلا .

نحن نكتفى به جل وعلا وكيلا ، ونكتفى به جل وعلا إلاها لا شريك له ، ونكتفى بالقرآن الكريم حديثا . 

3 / 2 : وعند وقوع ( الفتنة ) أو الاضطهاد يكون التوكل على الله جل وعلا : 

3 / 2 / 1 : عن إبراهيم عليه السلام قال جل وعلا يخاطب النبى محمدا والمؤمنين :( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلاَّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5) الممتحنة ). تبرءوا من قومهم متوكلين عليه جل وعلا ، داعين ربهم جل وعلا ألّا يجعلهم فتنة للذين كفروا ، أي ينقذهم من الاضطهاد . 

ونحن في معاناة الاضطهاد ندعو الله جل وعلا ، نقول : ( رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5)

3 / 2 / 2 : عن موسى وقومه وفرعون قال جل وعلا : (  فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنْ الْمُسْرِفِينَ (83) وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (84) فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85) وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنْ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (86) يونس ). فرعون كان عاليا من المسرفين ، وإشتدّ عسفه ببنى إسرائيل أو تعاظمت فتنتهم في هذا الوقت وطلب منهم موسى إن كانوا مؤمنين بربهم جل وعلا أن يتوكلوا عليه جل وعلا فاستجابوا متوكلين عليه وداعين أن ينقذهم جل وعلا من فتنة أو اضطهاد القوم الظالمين وأن ينجيهم من ظلم القوم الكافرين .

ونحن في معاناة الاضطهاد ندعو الله جل وعلا ، نقول : ( عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85) وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنْ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (86))

3 / 3 : في قصص شعيب ، جاء قوله جل وعلا :

3 / 3 / 1 : ( قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87) هود ) هذا سخرية وتندر منهم على نبيهم شعيب . ردّ عليهم : ( قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) هود ). هو يريد الإصلاح ما استطاع ، وهم يرفضون هذا الإصلاح ، وهو يطلب التوفيق من الرحمن جل وعلا ، وعليه جل وعلا يتوكل ، واليه جل وعلا ينيب . 

ونحن في دعوتنا الى الإصلاح السلمى ومعاناة الاضطهاد كل منا يقول : ( إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ) . 

3 / 3 / 2 : (  قَالَ الْمَلأ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ (88) قَدْ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (89) الاعراف ). هدّدوه بالإخراج من بلدهم إذا لم يعد الى دينهم ، فدينهم الأرضى هو وطنهم ولا يسع خارجا عن هذا الدين . ردّ عليهم بالرفض والتمسك بالحق ، متوكلا على الله جل وعلا وداعيا أن يفتح الله جل وعلا بينه وبين قومه بالحق وهو جل وعلا خير الفاتحين . طالما وصل الأمر الى التهديد بالطرد فيجب اللجوء الى الله جل وعلا طلبا للنُّصرة . 

ونحن في دعوتنا الى الإصلاح السلمى ومعاناة الاضطهاد نقول : ( عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ ). 

3 / 4 : في قصة يوسف عليه السلام ، قال أبوه يعقوب لبنيه الذاهبين لمصر : (  وَقَالَ يَا بَنِي لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُتَوَكِّلُونَ (67) يوسف ) . كان يعقوب عليه السلام يخشى على بنيه من أجهزة الأمن المصرية المرابطة عند الحدود ، خاف أن يتعرفوا على أولاده إذا دخلوا معا من بوابة واحدة فيتشكك فيهم الأمن ، فطلب منهم الاحتياط بأن يدخلوا من أبواب متفرقة ، وألّا يدخلوا من باب واحد . الخوف من الأمن المصرى قديم بنفس قدم الدولة الفرعونية المصرية التي لا تزال قائمة حتى اليوم بوحشية الأمن فيها . كان الأمن المصرى ـ ولا يزال ـ في خدمة الفرعون ، وليس في خدمة الشعب المصرى . 

ونحن في دعوتنا الى الإصلاح السلمى ومعاناة الاضطهاد من الأمن المصرى ندعو ربنا جل وعلا ونقول : ( عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85) وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنْ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (86) يونس ).

3 / 5 :  نتذكر توكل بنى إسرائيل على ربهم جل وعلا وهم يواجهون الاضطهاد الفرعونى : (  وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (84) فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85) وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنْ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (86) يونس ) . بعدها دعا موسى عليه السلام وأخوه هارون عليهما السلام أن ينتقم الله جل وعلا من فرعون وقومه : (  وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الأَلِيمَ (88) يونس ) واستجاب لهما رب العزة جل وعلا : ( قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (89)  يونس) ، وإنتقم الله جل وعلا من فرعون موسى وجنده ودولته فأغرقهم في البحر الأحمر . ورأى بنو اسرائيل بعد نجاتهم جثة فرعون طافية ، فكانت آية لهم ، قال جل وعلا : ( وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ (90) الآن وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنْ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92) يونس ) . أصبحت مصر خالية من نظام فرعون فرجع اليها بنو اسرائيل يرثون ما تركه فرعون وقومه ، قال جل وعلا : 

3 / 5 / 1 :( فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (136) وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137) الأعراف ) 

3 / 5 / 2 :( فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (58) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (59) الشعراء   )

3 / 5 / 3 :  ( كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ (28) الدخان  ) . بعدها جاءهم الأمر الالهى بالجلاء والذهاب الى الأرض المقدسة التي كتبها الله جل وعلا لهم . في البداية ذكّرهم موسى عليه السلام بما أنعم الله جل وعلا عليهم به حين جعلهم ملوكا : ( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنْ الْعَالَمِينَ (20)  المائدة ). ثم قال لهم : ( يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (21) قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (22) قَالَ رَجُلانِ مِنْ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمْ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (23) المائدة ). الرجلان المؤمنان من قوم موسى نصحا قومها بدخول الأرض المقدسة متوكلين على الله جل وعلا . رفضوا ، فحقت عليهم اللعنة بأن يتوهوا في صحراء الجزيرة العربية أربعين عاما ، تجولوا فيها وتركوا فيها آثارا لا يزال بعضها باقيا ، وهلك هذا الجيل وجاء بعده جيل أفضل . قال جل وعلا : (  قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24) قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (25) قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (26) المائدة ). 


كتاب ( النصر) ف 3 :شروط النصر: التوكل على الله جل وعلا( 3 )عن خاتم النبيين والمؤمنين

مقدمة 

1 ـ دين الله جل وعلا ( الإسلام العظيم ) مستمر الى قيام الساعة .  وبعد موت خاتم النبيين رسول الله محمد عليه السلام فإن الرسول مستمرُّ بمعنى الرسالة وهو القرآن الكريم . الله جل وعلا يقول للمؤمنين : ( وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (101) آل عمران )، فطالما يُتلى القرآن فالرسول قائم بيننا ، محفوظا بقدرة الله جل وعلا، قال جل وعلا عن كتابه العزيز بأسلوب التأكيد : 

1 / 1  :(  إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) الحجر ) 

1 / 2 : ( وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)  فصلت  ).  

2 ـ والقرآن الكريم بصائر للناس ، وكان خاتم النبيين عليهم السلام يدعو الى الله جل وعلا على بصيرة ، وبعد موته يتابع جهاده دُعاةُ الحق على نفس البصيرة . بهذا أمره رب العزة جل وعلا أن يعلن : (  قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ (108) يوسف ) . بهذا ظل التوكل على الله جل وعلا مستمرا في حياة النبى محمد عليه السلام ، ويظل بعد موته في معاناة من يدعو الى الله جل وعلا متمسّكا بالبصيرة القرآنية . ونعطى تفصيلا :

عن خاتم النبيين عليهم السلام : 

في الدعوة الجهاد السلمى : 

قال له ربه جل وعلا في خطاب مباشر : ( وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123) هود ). بأسلوب القصر فله جل وعلا وحده الغيب وله جل وعلا وحده الأمر ، والنبى مأمور بأن يعبد الله جل وعلا وحده وأن يتوكل عليه وحده ، سواء في جهاده السلمى بالدعوة أو في جهاده الحربى قتالا دفاعيا في سبيله جل وعلا. 

ونعطى ملامح للتوكل على الله جل وعلا في جهاد النبى الدعوى . 

قال له رب العزة جل وعلا عن جهاده الكافرين :

1 ـ  (  كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمْ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ (30) الرعد ). لا يتلو عليهم أحاديث وأقاويل من عنده ، إنّما يتلو عليهم قرآنا من عند الله جل وعلا ، وهم يكفرون بالرحمن وقرآنه ، وهو مأمور أن يرد على كفرهم بأن ربه جل وعلا هو الله لا إله إلا هو ، عليه يتوكل واليه يتوب .. ليس هناك أروع من هذا ..

2 ـ ( فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79) إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80) وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (81) النمل ). هنا أمر له بأن يتوكل على الله جل وعلا وأنه على الحق الواضح المبين . ( الحق المبين ) وصف للقرآن الكريم . ومن المستحيل هدايتهم ، فهم موتى الضمير ، لا يسمعون الحق ولا يرونه . الذى يؤمن هو الذى يسمع الحق ويسلم لرب العزة وجهه وقلبه . 

3 ـ ( قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (29) الملك ). هو مأمور أن يعلن إيمانه بالرحمن جل وعلا وتوكله عليه ، وسيأتى الوقت الذى يعلمون فيه أنهم في ضلال مبين ، هذا لأنهم يعتقدون انهم على الحق ، فقد زيّن لهم الشيطان سوء عملهم فرأوه حسنا . قال جل وعلا :

3 / 1 :( وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنْ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37) الزخرف ) 

3 / 2 : ( أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8)  فاطر  )

4 ـ في تقرير الحرية الدينية إنتظارا ليوم الفصل كان النبى محمد عليه السلام مأمورا بأن يرجىء الحكم عليه وعليهم الى رب العزة جل وعلا : (  قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (26) سبأ ) ، لا يهددهم باسطورة ( حد الردة ) ولا يقوم باكراههم في الدين بل تحميلهم مسئوليتهم عن اختيارهم . جاء هذا مقرونا بموضوع التوكل على الله جل وعلا في قوله جل وعلا : 

4 / 1 : ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِي اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِي اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38) الزمر ) بعدها : ( قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (39) مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (40) الزمر )

4 / 2 ـ (  وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ (121) وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ (122) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123) هود )

4 / 3  ـ ( أَمْ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ المَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (9) وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10) الشورى). 

في التعامل مع الصحابة المنافقين 

كان بالاعراض عنهم وعن أذاهم مع انهم في دولة يقودها النبى محمد عليه السلام . ولكنها دولة تقوم على المواطنة لكل المُسالمين مهما تنوعت عقائدهم ، وهذا هو الإسلام السلوكى بمعنى السلام . أما الإسلام القلبى فله جل وعلا وحده الحكم فيه يوم الحساب . لأنهم كانوا مسالمين فقد تمتع المنافقون بحرية المعارضة الدينية والسياسية ، واستخدموا معارضتهم في اعلان الكفر والاستهزاء بالله جل وعلا ورسوله وكتابه . وكان التوكل على الله جل وعلا أحد الأوامر للنبى محمد في مواجهتهم . قال جل وعلا :

1 ـ ( إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49) الانفال ). قالوا هذا حقدا على المؤمنين بعد إنتصار بدر ، وقد إعتبروا أن المؤمنين قد إغتروا ب ( دينهم ) .الرد هو التوكل على رب العزة جل وعلا . 

2 ـ ( إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوا وَهُمْ فَرِحُونَ (50) قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ (51)  التوبة  ). كانوا يفرحون بمصائب المؤمنين ويؤلمهم أن يكسب المؤمنون ، ولا يتورعون من إعلان هذا وذاك . والرد عليهم بالتوكل على الله جل وعلا . 

3 ـ ( وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً (81) النساء ). هم أول من إبتدع الكذب على النبى في حياته ، يدخلون عليه يزعمون الطاعة ، ثم يخرجون من عنده يتآمرون ويتقوّلون ، وينزل الوحى قرآنا يفضحهم ويأمر النبى بالاعراض عنهم متوكلا على ربه جل وعلا . 

4 ـ كانوا أثرياء يثرب ورؤسائها قبل هجرة النبى والمؤمنين ، تغير وضعهم ، وخصوصا بعد تنفيذ الشورى التي تعنى الديمقراطية المباشرة فانتهى نفوذهم . حاولوا التشويش على مجالس الشورى العامة بالتناجى فيما بينهم جماعات ، وكان بعض المؤمنين يشاركهم ، ولم يأبهوا بالنهى فنزل قوله جل وعلا : ( أَلَمْ تَرَ  إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنْ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (8) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (9) الممتحنة ) . كان هذا ضمن حرية المعارضة الدينية والسياسية المُتاحة . الردّ على تناجيهم بالباطل والمعصية ليس باحالتهم الى محاكم أمن الدول والانضمام الى جماعة محظورة وتهديد السلم الاجتماعى...الخ ، ولكن بالنصيحة والتوكل على الله جل وعلا إن كانوا مؤمنين . قال جل وعلا بعدها : ( إِنَّمَا النَّجْوَى مِنْ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئاً إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ (10)  المجادلة ) 

التوكل على الله جل وعلا في علاقة النبى بالمؤمنين : 

1 ـ في الشورى العامة ( الديمقراطية المباشرة ) قال جل وعلا للنبى : ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)  آل عمران  ) . أي بسبب رحمة من الله جل وعلا جعلك لينا معهم ، ولو كنت فظّا غليظ القلب لانفضّوا من حولك . ولو إنفضّوا من حولك أصبحت بلا حول ولا قوة ، لأنك تستمد السُّلطة منهم ، أي إن الأمّة هي مصدر السلطات في الدولة الإسلامية حتى في عصر النبى الذى يتلقّى وحى الرحمن . وإذا وصلت الى قرار بالشورى فتوكّل على الله جل وعلا في التنفيذ . 

2 ـ فماذا إذا عصوه ؟ هل ينهال عليهم ضربا بالجنازير ؟ قال له جل وعلا : 

2 / 1 : (  وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ (215) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (216) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (220) الشعراء ). يرد عليهم بالتبرؤ ليس منهم ولكن من عصيانهم ، وأن يتوكّل على الله جل وعلا المُحيط علما بكل شيء .

2 / 2 : (  فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِي اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129) التوبة ). إن تولوا عنه فليقل : (  حَسْبِي اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ  ). 

الدُّعاة المؤمنون والتوكل على الله جل وعلا 

هم تحت إضطهاد متنوع ، ولا بد لهم من التوكل على الله جل وعلا . قال جل وعلا : 

1 ـ (  وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (42) النحل  ). بعد صبر وتحمّل ومعاناة من الظلم يضطرون للهجرة في سبيل الله جل وعلا توكلا على الله جل وعلا.

2 ـ (  كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (57) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنْ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (59) العنكبوت ) هم يعلمون أنها حياة مؤقتة وقصيرة وبعد الموت يرجعون للرحمن جل وعلا ، وإذا ماتوا مؤمنين صالحين فمثواهم الخلود في الجنة طالما كانوا في حياتهم الدنيا صابرين وعلى ربهم جل وعلا متوكلين . 

3 ـ المؤمن إذا تعرض لاضطهاد فعليه أن يتقى ربه فيجعل له ربه جل وعلا مخرجا وفرجا ، ويرزقه من حيث لا يحتسب ، وإذا توكّل على ربه جل وعلا فسيحقق الله جل وعلا مُنيته حسب القدر المقرر سلفا . قال جل وعلا : (  وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً (3)  الطلاق  )

4 ـ ( فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37) وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38) الشورى ). هذا ضمن صفات المجتمع المؤمن ودولته الإسلامية ، ومنها التوكل على الله جل وعلا وإقامة الشورى في كل أمورهم العامة ، وكلهم جميعا أعضاء في مجالس الشورى.    

 التوكّل على الله جل وعلا في الجهاد الحربى 

1 ـ في البداية : الاستعداد العسكرى قبل القتال الدفاعى ، وهذا لارهاب العدو ، معنى الإرهاب هنا هو الردع . الدولة الإسلامية مُسالمة ، وضعفها يغرى عدوها بالاعتداء ، لذا لا بد ان تكون قوية لتردع من يفكر في الاعتداء عليها. الإرهاب هنا هو لتحقيق السلم وحقن الدماء . وإن جنحوا للسلم فلا بد من الاستجابة للدعوة ، وحتى إن كانوا مخادعين فإن توكلهم على الله جل وعلا كفيل بنجاتهم. قال جل وعلا : (  وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (60) وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61) وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62)  الانفال  )

2 ـ عن موقعة بدر قال جل وعلا :

2 / 1 : ( كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5) يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ (6) الانفال ). كانوا يريدون القافلة وكرهوا المواجهة الحربية الى درجة الجدال مع النبى عليه السلام . في سورة آل عمران قال عنهم جل وعلا :  (  إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ (122) . هنا التوكل على الله جل وعلا. وبالتوكل عليه جل وعلا فازوا . 

2 / 2 :  ( يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَنْفَالِ قُلْ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (1) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)الانفال ). إختلفوا في الأنفال أي الغنائم ، وهنا موضوع حسّاس ، أهم يقاتلون في سبيل المال كما فعل الخلفاء الفاسقون فيما بعد أم هم مؤمنون حقيقيون يقاتلون في سبيل الله جل وعلا ؟. لذا جاءت صفات المؤمنون الحقيقيين ، ومنها أنهم على ربهم يتوكلون . 

3 ـ عن سياق هزيمة المؤمنين في موقعة أحد جاء قوله جل وعلا : 

3 / 1 :(  إِنْ يَنْصُرْكُمْ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ (160) آل عمران ). النصر من عند الله جل وعلا ، ولا بد من التوكل عليه حتى ينتصر المؤمنون .

3 / 2 : ( الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) آل عمران  ). رفض مؤمنون شجعان هزيمة أُحُد التي إقتنصتها قريش وسارعت بالفرار بعدها . صمّم أولئك الشجعان على مطاردتهم برغم محاولات تهدئتهم ، قالوا : ( حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ  ) ، وكافأهم رب العزة جل وعلا : ( فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174). هو درس ـ لو تعلمون ـ عظيم .!

4 ـ (  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ (11) المائدة ) . لآنهم كانوا يتوكلون على الله جل وعلا فقد كفّ رب العزة عنهم أيدى بعض أعدائهم . 


كتاب ( النصر) ف 3 :شروط النصر: الصبر ( 1 ):(  لمحة عامة عن الصبر المصرى ) 

 أولا : الصبر المصرى يبرره المصريون بالقرآن الكريم 

 1 ـ قال جل وعلا : ( إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) البقرة ) . تحولت هذه الآية الكريمة الى مثل شعبى مصري ، دائما يقال في مصر وعظا ونصيحة :  ( إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ). 

2 ـ قصة النبى أيوب عليه السلام تحولت الى قصة شعبية مصرية ، ولها أغان خاصة ، وأطلقوا عليه لقب ( أيوب المصرى ) ذلك الذى ( صبر على حكم الزمان وكانت إمرأته مثله صابرة ). أيوب عليه السلام تحوّل الى اسطورة شعبية مصرية مستوحاة من قصته التي جاءت في قوله جل وعلا :

2 / 1 :(  وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84)  الأنبياء ) 

2 / 2 : ( وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42) وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لأُوْلِي الأَلْبَابِ (43) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44) ص ). 

3 ـ مع هذا فليس الصبر المصرى إسلاميا . هو مناقض للاسلام . الصبر في مصر خنوع وخضوع واستسلام وتواكل ومعايشة للصبر على الظلم ، وتتكاثر الأمثلة الشعبية المعبرة عن هذه النوعية من الصبر ، منها ( الصبر حرق الدكان ) . والمصريون في هذا معذورون ، ففي خلال حكم الفراعنة الممتد من آلاف السنين ـ ولا يزال ـ اصبحوا يقتاتون الصبر ، يتعاملون به مع المستبد الذى يحتكر القوة والثروة ، ويبطش بهم بلا رحمة كما يحدث الآن ، وهو ما يتشابه جزئيا مع قصة فرعون موسى ، والتي تكررت في القرآن مرتبطة بلعن الفرعون  للعظة والاعتبار . 

ثانيا : الصبر المصرى في قصة فرعون موسى 

 فيها يحتكر البطولة فرعون ونظام حكمه بالإضافة الى موسى وبنى إسرائيل الطرف المظلوم . ونلاحظ أن تعداد الشعب المصرى وقتها كان كثيفا ، توزع في أنحاء مصر على أفرع النيل وحول عيون في الصحارى . يبدو هذا من وصف المدن المصرية بالمدائن ، وفي وصف فرعون نهر النيل بالأنهار التي تجرى من تحته ومن الجنات والعيون التي كانت في مصر مزدهرة في الصحارى ، وظلت قائمة بمن عليها من الفلاحين المصريين بعد هلاك فرعون ونظام حكمه وورثها بنو إسرائيل . مع هذا فالشعب المصرى كان يُشار اليه بين السطور ، على أنه أغلبية مأمورة مقهورة . 

ونعطى أدلّة قرآنية . قال جل وعلا : 

  1 : ( وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ (51) الزخرف  ) . هو يملك مصر ونيلها . والنيل وقتها له أفرع كثيرة تجرى من تحته أي تحت سلطانه . وهو يملك المصريين بالتبعية ، وهو يجمع جنده أو قومه ، يحشرهم ليخطب فيهم ، ولو حتى في زعمه الربوبية العظمى . قال جل وعلا : ( فَحَشَرَ فَنَادَى (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى (24) النازعات ) . 

  2 : ( قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (111) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (112)  الأعراف ). هنا وصف للمدن المصرية بأنها مدائن . وللفرعون تمام السيطرة عليها وتمام المعرفة بمن فيها بواسطة الملأ أو الأتباع في كل مدينة ، وهم يعرفون السحرة المهرة في مدينتهم ، ويستطيعون حشرهم ، أي تجميعهم وارسالهم الى فرعونهم . 

  3 : ( قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (36) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (37) فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (38) الشعراء ). تمّ تجميع السحرة من كل المدائن المصرية ، وجىء بهم الى العاصمة في وقت واحد . 

  4 : ( وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ (39) لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمْ الْغَالِبِينَ (40) الشعراء ). قبل عقد المبارة قال أتباع الفرعون ( للناس ) بالحضور لتشجيع السحرة . لاحظ التعبير هنا عن المصريين بالناس . أي مجرد كومبارس يتحركون بالريموت كنترول . 

  5 : ( قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى ) 59 ) طه ). قبلها كان تحديد موعد المباراة ، وإجبار ( الناس ) على الحضور ، أو حشرهم وقت الضحى . الشعب المصرى في العاصمة مجرد ( ناس ). أو قطع شطرنج . 

  6 : ( قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116)  الأعراف ). في المباراة إنبهر ( الناس ) بألاعيب السحرة.( الناس ) هنا هم شعب العاصمة .

   7 : ( إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ (4) القصص ). الأرض هنا هي ( مصر ) . والذى (علا  ) فيها هو فرعون . ؟ ( العلُوُّ ) يجب أن يكون لرب العزة ( جل وعلا ، سبحانه وتعالى ) ولكن فرعون المستبد ( علا ) في مصر بجنده وجيشه وقوات أمنه وباحتكاره السلطة والثروة وسائر أجهزة الدولة. هو كان الدولة . أما الشعب المصرى وقتها فقد كان في قبضته ، مجرد قطع شطرنج . وقد إختار أن يجعل شعب مصر شيعا ، يفرّقهم ليتحكّم فيهم ، و كان من ( اهل مصر ) بنو إسرائيل ، وقد شاء فرعون أن يسلّط عليهم غضبه بأبشع طريق ، قتل مواليدهم في كل أنحاء مصر . ولديه أجهزته التي ترصد الحوامل من بنى إسرائيل وتعرف عناوينهم وتذهب لذبحهم في بيوتهم وسط الصراخ والعويل ، وعلى مرأى ومسمع من بقية أهل مصر ليزدادوا رعبا من الفرعون . بالتالى تزداد سلبيتهم وخضوعهم وخنوعهم وصبرهم ( على المكتوب ) .  

  8 : ( فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (53) إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ (56) الشعراء ). عرف فرعون من جواسيسه موعد هروب بنى إسرائيل ، وهو يرفض هربهم ، يريد إستبقاءهم تحت الاضطهاد ليعزّز بهم سلطانه على بقية الشعب المصرى المذعور . عندما علم بموعد تحرك بنى إسرائيل مع موسى وهارون عليهما السلام أصدر منشورا الى كل جنده وأتباعه وأجهزة أمنه يستنفرهم وليحشرهم جميعا ضد من وصفهم بالشرذمة القليلة والتي تغيظه ( مع هذا ..!! ) . وصل المنشور الى الجميع في كل أنحاء مصر  ، فأتوا الى الفرعون ، وأنطلق بهم يطارد بنى إسرائيل شرقا في طريقهم نحو ما يعرف الآن بخليح السويس . قال جل وعلا : (  فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (60) فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ (64) وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ (66) الشعراء  )

  9  / 1 : ( فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (136) وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137) الأعراف  ). غرق فرعون وجنده وكامل دولته . وأصبحت مصر خالية ، شعب مجرد أصفار على الشمال ، شعب ساكن ساكت مقهور مطأطأ الظهر لمن يركب . رجع بنو إسرائيل، وبدون منازع ملكوا وورثوا مصر كلها ، مشارقها ومغاربها والتي بارك الله جل وعلا في رزقها وخيرها . وكان شُغل بنى إسرائل الشاغل هو نهب وتدمير قصور فرعون وملئه ، وكانت تلك مكافأة لبنى إسرائيل على صبرهم . 

9 / 2 : الذين ينكرون قصة فرعون موسى لآنها ليست موجودة في التاريخ المصرى ولأن لا آثار لفرعون موسى يجهلون أن إكتشافات الآثار الفرعونية عشوائية وأن الفراعنة لا يسجلون سوى إنتصاراتهم ، وأن فرعون موسى تم تدمير قصوره وكل ما ينتمى الى عصره على إتّساع العمران المصرى . 

  10 / 1 :( فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (58) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (59)   الشعراء ) 

  10 / 2 : ( كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ (28) الدخان ). الذى لم يتم تدميره هو حقول مصر على ضفاف النيل وفى الصحارى ، والتي ظلت مزدهرة بالفلاحين المصريين الذين كانوا ــ ولا يزالون ـ يعملون مثل البقرة التي تدور بالساقية دون شكوى . كل الجنات والعيون ورثها ــ بمن عليها ـ بنو إسرائيل ، الى حين .  المصريون القائمون على الزراعة ليسوا مذكورين هنا صراحة ، هم مذكورون بالتبعية للجنات التي كانوا يزرعونها ، وبعيون الماء التي كانوا يقومون عليها .  

  11 : ( وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنْ النَّاصِحِينَ (20) القصص ). شخص واحد في قصص فرعون موسى هو المذكور بالوصف وليس بالاسم ، هو ( رجل ) من الرجولة لأنه تجرّأ وفعل ما فعل . سمع من الملأ عزمهم على قتل موسى فسار الى موسى يخبره ويحذّره . ربما كان من خدم الملأ . ولكنه ليس منهم بدليل أنه ( من أقصى المدينة ) أي من الضواحى أو الأحياء الفقيرة العشوائية ، بينما يعيش السادة على ضفاف النيل وعلى رأسهم فرعون في قصره المُطلُّ على النهر ، ثم إنه الذى بادر بإفشاء سر الملأ . أي هو يكتم كراهية لنظام الحكم شأن المصريين المقهورين ، ولكنه تميّز عنهم بكونه رجلا ( من الرجولة ) . أي هو مصري صابر ولكنه الصبر الايجابى الذى يدفع صاحبه الى إتخاذ موقف . بهذا الصبر الايجابى تميّز هذا الشخص ، وجاء وصفه بالرجل . 

12 ـ يتضح مما سبق أن مصر الفرعونية ( كانت ولا تزال ) تنقسم الى أقلية غاية في الضآلة : ( الأسياد / الجهات السيادية ) : فرعون والملأ المتكون من الكهنوت والجيش والشرطة والأمن والقضاء وسائر المتحكمين في الثروة والسلطة ، ثم الأغلبية السّاحقة ، وهم الشعب المصرى المقهور المطحون الذى يستعين على مرارة القهر بمواويل الصبر ، ويكدُّ في إنتاج الخير.. للغير .!! . في مقابل هذا ( الصبر السلبى ) للمصريين تجد نشاطا وفاعلية لدى الأقلية الحاكمة ، ( طبقة الأسياد / الجهات السيادية ). يتنافسون في طاعة الفرعون وفى السلب والنهب والفساد والظلم . 

ثالثا : إستثناءات من الصبر السلبى في تاريخ المصريين 

  لكل قاعدة إستثناء . الإستثناء في قصة موسى وفرعون كان هو الرجل القادم من أقصى المدينة يسعى لموسى يحذره وينصحه . وهناك إستثناءات في التاريخ المصرى الممتد لآلاف السنين . مثلا : 

  1 : ثورة المصريين على الاحتلال العربى في العصرين الأموى والعباسى ، وعرضنا لهذا في مؤلفاتنا ، وكان يتم إخماد هذه الثورات بمنتهى العُنف والوحشية ، ولعل ابرزها ثورة المصريين في خلافة المأمون العباسى في شمال الدلتا ، والتي أرغمته على المجىء بنفسه لإخمادها ، وبسبب خيانة بطرك الأقباط يوساب وانضمامه للمأمون هزم حركة البشموريين وأوقع بهم القتل والسبى والنهب.

2 : وذكرنا أيضا ثورات المصريين على الحكم المملوكى في بدايته حين رفض المصريون أن يحكمهم المماليك الرقيق ، وتمكن السلطان أيبك من إخمادها ، وأسرف في قتل وصلب الثوار ، وعلّق أجسادهم في الشوارع ، وانتقم من الباقين حتى قيل : لو حكم الصليبيون مصر ما فعلوا بالمصريين ما فعله بهم أيبك ومماليكه . بعدها إستكان المصريون لحكم العسكر المملوكى ، خصوصا مع توالى إنتصاراته على المغول والصليبيين وشدّة قبضته وقسوته ، ومع ذلك حدثت إنتفاضات فردية منها ما حدث في العصر المملوكى الأول ـ المماليك البحرية ) في سلطنة بيبرس الجاشنكير الذى أجبروه على الهرب ، وثاروا بسبب الفساد فى سلطنة إينال في العصر المملوكى البرجى ( الثانى )، وكان شعارهم : ( إذا كان نصفك إينالى لا تقف على دكانى ) ، ذلك أن هذا السلطان الفاسد تلاعب بوزن العملة فأصدر عملة مغشوشة وهو ( النصف الاينالى ) فثاروا عليه وعلى الشيوخ التابعين له . 

 3 ـ ثم ثورة القاهرة مرتين على نابليون ، وثورتهم على جشع المماليك بعد جلاء الحملة الفرنسية وكان شعارهم ( إيش تاخد من تفليسى يا برديسى ) .

4 : الثورة الشعبية المصرية  على الاحتلال البريطاني 1919 ، والتي أتاحت لمصر بعض الاستقلال وتأسيس دستور وحياة نيابية وليبرالية ، ما لبث أن قضى عليها حكم العسكر المصرى الذى إحتل مصر من عام 1952 ، ولا يزال ، وما زال بمصر حتى وصل بها الى أسفل سافلين .

5   : وهذا العسكر المصرى هو الذى أجهض أعظم ثورة قام بها الشعب المصرى عام 2011 وأسقط بها حاكما فاسدا . إضطر العسكر المصرى للتضحية بقائدهم ومحاكمته محاكمة صورية وسجنه صوريا في مستشفى ( 5 نجوم ) وسجن أبنيه وبعض أتباعه في سجون  ( 5 نجوم ) . وأعطوا الفرصة للإخوان ليحكموا فيظهر غباؤهم ، ثم بعد أن حرقوهم سياسيا تخلصوا منهم ، وحكم السيسى بتأييد شعبى كراهية في الاخوان ، ثم إلتفت السيسى لزعماء الثورة فسجنهم ، وإلتفت للشعب المصرى يقهره ، والى مصر يبيع أرضها وما بقى من أنقاضها ، ويُقزّم مكانتها . وعاد المصريون للقهر يمضغون الصبر ..

6 ـ لن ينقذ مصر سوى الصبر الاسلامى . فما هو الصبر في الإسلام ؟ 




كتاب ( النصر) ف 3 :شروط النصر: الصبر ( 2 ) ملامح الصبر في الإسلام 

مقدمة 

1 ـ الصبر في الإسلام ليس خنوعا وتواكلا وخضوعا كالصبر المصرى ، وليس أيضا كالصبر المرتبط بالاعتداء والحروب الشيطانية في سبيل السلطة والثروة صراعا على حُطام الدنيا . الخلفاء الفاسقون أصحاب الفتوحات صبر جنودهم في القتال ، وكذلك فعل جنود من سبقهم من أكابر المجرمين في الأرض ، ليس أولهم الاسكندر وقيصر ، وليس آخرهم نابليون وهتلر .  

2 ـ التقوى هي القاسم الأعظم في موضوعات الصبر . والتقوى هي موجز الإسلام ، هي الايمان بالله جل وعلا وحده لا شريك له وعمل الصالحات من عبادات وفى التعامل مع الناس ، والخشية المستمرة التي تورث المؤمن سلوكا مستقيما . بالتقوى يكون الصبر إبتغاء مرضاة الله جل وعلا ، والمؤمن المتقى لا يهمُّه رضى الناس ، إنّما يهمُّه رضا رب الناس جل وعلا وأن يكون يوم القيامة من الذين رضى الله جل وعلا عنهم ورضوا عنه. ونعطى بعض التفاصيل : 

 قال جل وعلا : عن الصبر عن الأذى : 

1 ـ ( وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُتَوَكِّلُونَ (12) إبراهيم ). كل الأنبياء صبروا على أذى أقوامهم ، وعليه جل وعلا توكلوا.. 2 ـ ( وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ (43) الشورى ) . الصبر هنا مرتبط بالعفو والغفران والصفح عن المسىء .

3 ـ ( إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120) آل عمران )، الصبر على كيد الخصوم مرتبط بالتقوى ، ويكفى أن الله جل وعلا بما يعملون محيط .! .

4 ـ ( لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ (186) آل عمران )، الصبر على البلاء وعلى أذى الخصوم مرتبط بالتقوى ، وهذا من عزم الأمور . 

5 ـ ( قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ (89) قَالُوا أَئِنَّكَ لأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90) يوسف ). يوسف عليه السلام صبر على ما فعله به أُخوته ، وعفا عنهم وصفح ، لأنه من يتق ويصير يكون عند الله جل وعلا مُحسنا .

في الصبر على العبادة :ـ 

1 ـ ( رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً (65)  مريم ). العبادة وخصوصا الصلاة يعتبرها بعض الناس عبئا ثقيلا . ترى بعضهم يضيّع معظم وقته عبثا ، ولكنه يتكاسل على الصلاة ، وهى صلته بربه جل وعلا . المؤمن يصطبر على عبادة ربّه جل وعلا ، وهذا أمر للنبى محمد ولكل مؤمن . 

2 ـ ( وَأَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114) وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (115) هود ). الأمر هنا ليس مجرد تأدية الصلاة في أوقاتها الخمس ، بل هو عن ( إقامة الصلاة ) أي المحافظة على ثمرتها بالتقوى والابتعاد عن المعاصى طيلة اليقظة.  

في العفّة الجنسية : 

( ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25) النساء )، جاء هذا في سياق تشريع الزواج من ملك اليمين تيسيرا على من يعانى العنت والمشقة من شدة الشهوة الجنسية ، وتأتى التوصية بالصبر والتقوى تشجيعا على العفّة الجنسية. 

صبر مع الشكر : 

تكرّر قوله جل وعلا:( إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ )(5)إبراهيم ) ،(31) لقمان )،(19) سبأ )،( 33) الشورى ). جاء الوصف بصيغة المبالغة ( صبّار ) لا ( صابر ) و ( شكور ) لا ( شاكر ). فالصبّار الشكور هو من يعتبر بآيات الرحمن جل وعلا . 

الصبر على البلاء 

1 ـ ( وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً (20) الفرقان )، كثير من الابتلاءات تكون من ظلم البشر بعضهم بعضا . والمؤمن عليه أن يصبر .

2 ـ والاستعانة تكون بالصبر والصلاة ، قال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ (154) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ (157) البقرة )

وجاء الصبر مرتبطا بالتقوى وصفات أخرى :

1 ـ ( قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ (17) آل عمران ) 

(  لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ (177) البقرة )

( أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاماً (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً (76) الفرقان )

( إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ (19) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21) وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) الرعد )

صبر وتوكل على الله 

  ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنْ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (59) وَكَأَيِّن مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (60) العنكبوت )

( رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً (9)  وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً (10) المزمل ) 

في التفاعل الايجابى مع المجتمع 

 ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2) المائدة  ) التعاون على البر والتقوى يستلزم صبرا . 

صبر مع التفاعل بالخير في المجتمع 

( يَا بُنَيَّ أَقِمْ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ (17) لقمان )

( ثُمَّ كَانَ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17) أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (18) البلد )  

( َوالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) العصر )  

صبر مع هجرة واضطهاد 

( ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (110) النحل )

( قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10) الزمر)

( وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (42) النحل )

 ( يَا عِبَادِي الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (57) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنْ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (59) وَكَأَيِّن مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (60) العنكبوت )

( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً (97) إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (98) فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً (99) وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (100)    النساء )

( يَا عِبَادِي الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (57)العنكبوت )

( قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10) الزمر)

 فى الجهاد الحربى الدفاعى :

1 ـ  ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200) آل عمران ) أمر مباشر للمؤمنين بالصبر والمصابرة والمرابطة جهادا وحماية للدولة الإسلامية ، وكل ذلك مرتبط بالتقوى 

 صبر مع الابتلاء والجهاد ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31) محمد )  

( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142) آل عمران )

( وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) آل عمران )

صبر مع القتال 

( الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194) البقرة )

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) الانفال ) 

( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ (64) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (65) الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66)  الانفال )  


كتاب ( النصر) ف 3 :شروط النصر: الصبر ( 3 ) صبر الأنبياء عليهم السلام   

 صبر نوح عليه السلام . قال جل وعلا : 

1 ـ ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً فَأَخَذَهُمْ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (14) العنكبوت ). ظل يدعوهم صابرا طيلة 950 عاما ..

2 ـ ( كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9) فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) القمر ). ظلوا طيلة 950 عاما يتهمونه بالجنون ن ويزجرونه ، في النهاية دعا ربه جل وعلا لينصره عليهم فنصره الله جل وعلا عليهم .!

 صبر إبراهيم عليه السلام :

1 ـ  إبتلى الله جل وعلا إبراهيم بعدة إختبارات فنجح فيها جميعا صابرا محتسبا ، قال جل وعلا عن نجاحاته فيها :

1 / 1   : (وَإِذْ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ) (124) البقرة )

1 / 2 : (وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) النجم  )

2 ـ بين الابتلاءات:

2 / 1 :  أنه دعا ربه جل وعلا أن يهبه ولدا صالحا ، فبشره ربه جل وعلا بغلام حليم ( هو إسماعيل ) عليه السلام الموصوف بالغلام الحليم : ( رَبِّ هَبْ لِي مِنْ الصَّالِحِينَ (100) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ (101) الصافات ) .

2 / 2 : وإبتلاه الله جل وعلا بأن يرسل إبنه الوليد الى حيث البيت الحرام في مكة وأن يفارقه مع أمّه فيها . وأطاع ودعا ربه جل وعلا : ( رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37) ابراهيم ). وعاش إبراهيم مع زوجته العاقر بعيدا عن ابنه الوحيد.  

2 / 3 : ثم دخل في إبتلاء أكبر ، إذ رأى في المنام أنه يذبح إبنه الطفل الوحيد ، فصدّق الرؤيا ، وإعتبرها أمرا إلاهيا ، فسافر من الشام الى مكة لكى يذبح إبنه . وصارح إبنه  الطفل إسماعيل ، فوافق الابن صابرا ، واسلم الأب والابن أمرهما لله جل وعلا : ( قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) الصافات  ).

2 / 4 : وكوفىء على نجاحه . قال جل وعلا : ( وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ (108) سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111) الصافات ) 

2 / 5 : المكافأة الكبرى بعدها قوله جل وعلا : ( وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَقَ نَبِيّاً مِنْ الصَّالِحِينَ (112) الصافات ).

2 / 6 : إسحق هو ( الغلام العليم ) . قال جل وعلا : ( وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (28) الذاريات )

2 / 7 : إسحق هو الغلام الذى جاء من أبو في مرحلة الشيخوخة وأم عجوز عقيم . هو الغلام الذى جاءت الملائكة وقد تجسدت في شكل بشر لتبشر إبراهيم وزوجه . قال جل وعلا : ( وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلاماً قَالَ سَلامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69) فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ (70) وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَقَ يَعْقُوبَ (71) قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73) هود ). عاش إبراهيم حتى أدرك مولد حفيده يعقوب بن أسحاق بن إبراهيم .

2 / 8 ـ لذا قال إبراهيم عليه السلام يحمد ربه جل وعلا : (  الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ (39) ابراهيم ) .

2 / 9 : بسبب هذا الصبر على الابتلاء وصفه ربُّه جل وعلا بأنّه وحده ( أُمّة ) أي مجموعة من الفضائل في شخصيته الفردية . قال جل وعلا : ( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِراً لأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (121) وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنْ الصَّالِحِينَ (122) ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنْ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ (123) النحل )

 صبر يعقوب عليه السلام 

كان إبتلاؤه في بنيه الذين تآمروا على أخيهم الطفل يوسف ، وكذبوا على أبيهم ، وهو يعرف كذبهم ، ولكن لم يملك إلا الصبر. قال جل وعلا : ( وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (18) يوسف ). 

صبر موسى عليه السلام : 

1 ـ نشأ موسى في قصر الفرعون يشعر بغربته ، ويعايش الخطر من حوله ويتوقعه ، لذا فهو أكثر نبى ورد لفظ الخوف في سيرته ، وكان خوفه يجعل ردّ فعله سريعا ، ويجعل صدره ضيقا ، كما نلاحظ في قوله : ( وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ (13) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (14) الشعراء  ). 

2 ـ بعثه الله جل وعلا ليتعلم الصبر من لقائه مع رسول آخر ، ويتضح هذا من قوله جل وعلا : ( فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً (65) قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً (66) قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْراً (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً (69) قَالَ فَإِنْ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً (70) فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً (71) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْراً (72) قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً (73) فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلاماً فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً (74) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْراً (75) قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً (76) فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً (77) قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (78) أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً (79) وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً (80) فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً (81) وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (82) الكهف ).

صبر أنبياء آخرين : قال جل وعلا : 

1 ـ عن أيوب عليه السلام : ( إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44) ص ).

2 ـ وعن بعض الأنبياء عليهم السلام : ( وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنْ الصَّابِرِينَ (85) وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنْ الصَّالِحِينَ (86) الأنبياء )

خاتم النبيين عليهم السلام والصبر 

1 ـ القصص القرآنى كان وعظا للنبى محمد في حياته، قال جل وعلا : 

1 ـ ( وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120) هود ) 

2 ـ (  لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111) يوسف ). 

3 ـ عاش النبى محمد عليه في بيئة عُنف وتقاتل ، ووسط قبيلة قريش أقوى قبائل العرب ثراءا وعبقرية في التآمر ، تعلمت هذا بتوسطها في التجارة العالمية بين الشرق والغرب . ورأت في القرآن الكريم ودعوته تهديدا لمصالحها مع علمهم بأن القرآن هدى ، ولكن مصلحتهم الاقتصادية جعلتهم يكذّبون بالقرآن الكريم . قال جل وعلا : 

3 / 1 :( وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعْ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (57) القصص ) 

3 / 1 : ( أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (81) وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82) الواقعة ) . 

4 ـ من ذكائهم الشيطانى إحراجه بطلب معجزات حسّية بديلا عن القرآن الكريم ، فكان يحزن ويضيق صدره ممّا يقولون ومما يمكرون   قال له ربه جل وعلا : 

4 / 1 : ( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) الحجر ) 

4 / 2 :  ( وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (70) النمل )

5 ـ وفى هذا السياق ينزل عليه الأمر بالصبر . قال جل وعلا : 

5 / 1 : ( وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127)   النحل )

5 / 2 : ( قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33) وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34) الانعام ). 

6 ـ وتوالت الأوامر بالصبر عليه ، ونلاحظ فيها : 

6 / 1 : الصبر الجميل والهجر الجميل . قال له جل وعلا :

6 / 1 / 1 : ( فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً (5)  المعارج )

6 / 1 / 2 : ( وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً (10) وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً (11) المزمل ) .

6 / 2 : الصبر في سبيل الله جل وعلا . قال له جل وعلا : ( وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7) المدثر ) 

6 / 3 ـ التبشير بمكافأة الصبر . قال له جل وعلا :

6 / 3 / 1 : ( فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (49)  هود ) 

6 / 3 / 2 : ( وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (115)  هود ) .

7 ـ الصبر  مع الزّجر . قال له جل وعلا :

7 / 1 : ( فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ (60) الروم )

7 / 2 :  ( فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ (77)غافر)

8 ـ الصبر ضمن أوامر بالتسبيح والذكر وإتّباع القرآن الكريم . قال له جل وعلا : 

8 / 1 :(  وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (109) يونس ) 

8 / 2 : (  فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى (130) طه )

8 / 3 :( فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39) وَمِنْ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ (40) ق )   

8 / 4 : ( وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) وَمِنْ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ (49) الطور )  

8 / 5 : ( فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ (55) غافر)

9 ـ الصبر ضمن أوامر ونواهى . قال له جل وعلا :

9 / 1 :(   فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً (24) وَاذْكُرْ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (25) وَمِنْ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً (26) الانسان )  

9 / 2 :  ( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28) الكهف )

10 ـ الصبر في سياق التأسّى بالسابقين : 

مات الأنبياء السابقون ، وكان خاتمهم حيّا لا يزال كتاب أعماله مفتوحا ، وهو يتعلم من الوحى القرآنى وما فيه من قصص . 

10 / 1 : هناك أنبياء كانوا بصبرهم موصوفين بأنهم ( أولو العزم من الرسل ) ، ونزل الأمر لخاتم النبيين في حياته أن يصبر مثلهم . قال له جل وعلا :( فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنْ الرُّسُلِ ) (35) الاحقاف )

10 / 2 : وهناك النبى يونس عليه السلام الذى لم يصبر وعوقب ، ونزل الأمر للنبى محمد بالصبر والنهى أن لا يكون مثل ( يونس / صاحب الحوت ) . قال له جل وعلا : ( فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ (48) لَوْلا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (49) فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنْ الصَّالِحِينَ (50) القلم ). 




كتاب ( النصر) ف 3 :شروط النصر: الصبر ( 5) بين صبر المؤمنين وصبر الكفار 

للكافرين صبر يتمثل في إصرارهم على الكفر رفضا للحق ، وإصرارهم على الاعتداء والصّدّ عن سبيل الله . ويوم القيامة سيصبرون على العذاب . وللمؤمنين صبر عرضنا لملامحه من قبل ، وفى الآخرة سيكون جزاؤهم بسبب صبرهم . ونعطى تفصيلا :

أولا : صبر المؤمنين 

قال جل وعلا : 

1 ـ ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ (33) وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) فصلت ). الداعية للحق هو الذى يعمل صالحا ويعلن إسلامه لربه جل وعلا وحده رافضا تقديس البشر والحجر ، ومن الطبيعى أن يناله أذى في مجتمع يسيطر عليه الكهنوت الشيطانى ، فيقابل الاضطهاد بالقول الحسن ، أو يدفع السيئة ليس فقط بالحسنة بل بالتى هي أحسن ، أي يخاطب بقايا الخير في قلب من يسىء اليه ، فيشعر المُسىء بالحرج ، ويضطر الى كبت عداوته وأن يتصرف كما لو كان صديقا حميما. هذه درجة عليا في السُّمُوّ الخلقى لم نصل نحن لها ، لذا فلا يصل اليها إلا الصابرون الحقيقيون ، ولا يتحلّى بها إلا ذو الحظّ العظيم . تكرّر هذا المعنى عن الصفح والعفو والغفران في قوله جل وعلا :

1 / 1 : (وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَاصْفَحْ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85)   الحجر)

1 / 2 : ( فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13)  المائدة )

1 / 3 : ( فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) البقرة )

1 / 4 : ( وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22) النور ) 

1 / 5 : ( وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ (88) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (89) الزخرف )

1 / 6 : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) التغابن  )

1 / 7 : ( وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ) (40) الشورى)

1 / 8 : ( وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ) (237) البقرة )

1 / 9 :(إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً(149) النساء )

1 / 10 : (  خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ (199) الأعراف ) 

1 / 11 (  قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ ) (14) الجاثية   )

2 ـ ( وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (9) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (10) إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (11) هود  ). الانسان الذى يعبد الله جل وعلا ( على حرف ) أي مزعزع الايمان مغروسا في الكفر العقيدى إذا مسّته ضرّاء ارتفع صوته ساخطا كافرا . إذا زالت عنه الضراء سار مُنتشيا مغرورا فخورا . المؤمن الذى يعمل الصالحات هو الذى يصبر ويشكر في حالتى الضرّاء والسّرّاء مؤمنا بقضاء الله جل وعلا وقدره . وتكرّر هذا المعنى في قوله جل وعلا :

2/ 1 : ( وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33) يونس  )

2 / 2 : ( وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَاداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (8) الزمر  )

2 / 3 : ( فَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (49) الزمر  )

2 / 4 : ( لا يَسْأَمُ الإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ (49) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (50) وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ (51) فصلت )

2 / 5 :( وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا )(21) يونس )

2 / 6 : ( وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ (36) الروم )

2 / 7 : ( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23)  الحديد ).

الجنة جزاء صبر المؤمنين :  قال جل وعلا :

1 ـ ( مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (96) النحل ). المؤمنون الصابرون يعلمون أن متاع الدنيا زائل ، وما لديهم ينتهى وينفد ، أما نعيم الجنة فهو خالد باق.

2 ـ ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10) الزمر  ). رزقهم لا نهائي في الجنة . لا نهاية له من حيث الكمية ولا نهاية له من حيث المتعة . شيء لا نستطيع تصوره ، هو خارج مداركنا . قال جل وعلا :( فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17) السجدة  )

3 ـ ( وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24)  الرعد ). في الجنة تدخل عليهم الملائكة تحييهم وتذكّرهم بصبرهم فيما مضى من حياتهم الدنيا . 

4 ـ ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنْ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (59) العنكبوت )

5 ـ ( فَوَقَاهُمْ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً (11) وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً (12) الانسان ) .

ثانيا : 

مقارنة مع الكافرين :

قال جل وعلا :

1 ـ ( وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنْ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (104) النساء ). في هذه الدنيا : الكافرون لا يدخرون وسعا في ملاحقة المؤمنين بالاعتداء ، وعلى المؤمنين ألّا يتهاونوا في الدفاع عن أنفسهم . هذا يسبب ألما للفريقين ، ولكن المؤمنين يرجون الأجر من الرحمن جل وعلا. 

2 ـ ( تَلْفَحُ وُجُوهَهُمْ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ (104) أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (105) قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ (106) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (107) قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ (108)  إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110) إِنِّي جَزَيْتُهُمْ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمْ الْفَائِزُونَ (111) المؤمنون ). مقابل عذابهم في الآخرة يكون جزاء الصابرين الفائزين .  

ثالثا :

صبر الكافرين 

الصبر الضمنى بمعنى التصميم :

1 ـ في القتال الباغى جاء في قوله جل وعلا : ( وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا )(217) البقرة ). هنا تصميمهم على متابعة المؤمنين بالقتال بهدف إكراه المؤمنين على الردة عن الإسلام . 

2 ـ في الصّدّ عن سبيل الله : جاء بالفعل الماضى والفعل المضارع بما يؤكّد التصميم والاستمرار . 

2 / 1 : جاء بالتعبير الماضى في قوله جلّ وعلا : 

2 / 1 / 1 : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً (167) النساء )

2 / 1 / 2 :( الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (1) محمد )

2 / 1 / 3 : ( هُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ)(25) الفتح )

2 / 2 : وجاء بالتعبير المضارع بما يفيد الاستمرار والمعاصرة ، قال جل وعلا :

2 / 2 / 1 : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36) الانفال )

2 / 2 / 2 :( وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَراً وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47) الانفال )

2 / 2 / 3 :( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِي) (25) الحج )

2 / 2 / 4 : ( وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمْ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ )(34) الانفال ).

صبر الكافرين صراحة في التمسك والتصميم على عبادة الآلهة . قال جل وعلا :

1 ـ ( إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا ) (42)الفرقان).

2 ـ ( وَانطَلَقَ الْمَلأ مِنْهُمْ أَنْ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6) ص ). 

صبرهم على عذابهم في النار . 

سواء عليهم صبروا أم لم يصبروا . قال جل وعلا : 

1 ـ( اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (16) الطور). 

2 ـ ( وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ (21) إبراهيم )

عن عذاب أصحاب الكهنوت قال جل وعلا : 

1 ـ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنْ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ (35) التوبة ). الخطاب للذين آمنوا تحذيرا من أصحاب الكهنوت ، ولكن المحمديين ما لبث أن خضعوا للكهنوت الشيعي والسُّنّى والصوفى.

2 ـ  ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175) البقرة ). ينطبق هذا على أئمة الأديان الأرضية للمحمديين مثل الشافعى وابن حنبل والبخارى والكلينى والغزالى ..الخ . والله جل وعلا يتعجّب من صبرهم على النار . 


كتاب ( النصر) ف 3 : شروط النصر: الخوف من الله جل وعلا وحده ، ولا خوف من غيره  

أولا : ( شيء من الخوف ) وليس كل الخوف . 

 1 ـ الخوف شعور إنسانى يعترى البشر جميعا، ولا بأس به إذا كان حالة وقتية يتغلب عليها المؤمن الحقيقي الذى يواجه أكابر المجرمين . قد يعتريه الخوف ولكن يتغلب عليه ويحوله الى شجاعة وإقدام ومواصلة في الجهاد توكلا على ربه جل وعلا . هذا المؤمن يتذكر قوله جل وعلا : ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ (157) البقرة ). بدون التقوى يتحول الخوف الى حالة مرض يلازم الانسان ويجعله خانعا خاضعا يحنى ظهره لمن يركبه من أصغر مخبر شرطة الى الفرعون .

ثانيا : المؤمنون والخوف من الله جل وعلا وحده : 

1 ـ الأنبياء كانوا يعلنون خوفهم من الله جل وعلا ، ونعطى أمثلة : 

1 / 1 : الملأ المترفون من قوم نوح عليه السلام إحتقروا المؤمنين حوله ، قالوا له : ( وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِي الرَّأْيِ )(27) هود ) ( قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الأَرْذَلُونَ (111) الشعراء ) وطلبوا منه أن يطردهم من حوله فردّ عليهم معلنا خوفه من ربه جل وعلا : ( وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (29) وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنصُرُنِي مِنْ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (30) هود ). 

1 / 2 : النبى صالح قالها لقومه ثمود : ( فَمَنْ يَنصُرُنِي مِنْ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (63) هود ) . 

1 / 3 : إبراهيم عليه السلام خوّفه قومه بغضب آلهتهم فأعلن لهم إنه لا يخاف آلهتهم الوهمية وإنهم الذين يجب عليهم أن يخافوا رب العزة جل وعلا : (  وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِي وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (80) وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الأنعام ).

1 / 4 : خاتم النبيين عليه وعليهم السلام تكرر الأمر له أن يعلن خوفه من ربه جل وعلا : 

1 / 4 / 1 :   إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) يونس ) ، ( قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) الانعام ) ، (13)  الزمر) 

1 / 4 / 2 :وقال جل وعلا له مؤنّبا :( وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ )(37)الأحزاب)      

2 ـ قال جل وعلا عن المؤمنين في كل زمان ومكان : ( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) الانعام ) . المؤمنون الذين لا يظلمون رب العزة بعبادة غيره ولا يظلمون البشر لهم الأمن في الدنيا وفي الآخرة ، وسيقال لهم في دعوتهم لدخول الجنة : ( ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ (46) الحجر )

3 ـ وقال جل وعلا يؤنّب الصحابة يحثّهم على قتال المعتدين الذين نكثوا العهد بعد فتح مكة سلميا : ( أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (13) التوبة ) .أى يجب أن يخافوا الله جل وعلا وحده . 

4 ـ المؤمنون حقا يؤمنون بقضاء الله جل وعلا وقدره ، أي بالحتميات المقدرة سلفا ولا مهرب منها ، فيما يخصُّ الميلاد والموت والرزق والمصائب . قال جل وعلا :

4 / 1 ( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (11)  التغابن )

4 / 2 : ( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23) الحديد )

4 / 3 : لذا فهم مأمورون أن يقولوا: ( قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ (51)التوبة).هنا يرتبط التوكل على الله جل وعلا بالإيمان بالحتميات . 

ثالثا : الكافرون المشركون والخوف . 

قال جل وعلا عنهم : 

1 ـ ( سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَأْوَاهُمْ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151) آل عمران ). هم يعتقدون أن آلهتهم تنفع وتضُرُّ ، وكلما إزداد إيمانهم بها إزداد رُعبهم منها ومن التجرُّؤ عليها . 

2 ـ ( سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ ) (12) الانفال ). هذا عن الكافرين بالاعتداء.   . 

رابعا : عمليا وواقعيا : الفارق بين المؤمنين المتقين والكافرين المعتدين 

1 : إقتنصت قريش نصرا سريعا في موقعة (أُحُد ) بسبب عصيان بعض الصحابة لأوامر النبى محمد عليه السلام ، واسرع جيشها بالفرار ، وطاردهم بعض شجعان المؤمنين الجرحى ، وقد تغلبوا على الخوف .

1 / 1 : ، قال جل وعلا عنهم :( الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمْ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) ( آل عمران ).

1 / 2 :  جاءت العبرة بعدها في قوله جل وعلا : ( إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175)آل عمران ).إذا إتّقيت الله جل وعلا وخفته لا يمكن أن تخاف من مخلوق . إذا لم تخف الله جل وعلا تولى الشيطان أمرك فجعلك تخاف من أي شيء ومن كل شيء . 

1 / 3 : وهذا من يفعله الشيطان مع المستبدين في كل زمان ومكان ، يزيّن لهم الظلم فيزدادون خوفا ، فيحصنون أنفسهم بمزيد من الظلم فيزدادون رُعبا ، وتتكاثر كوابيسهم وشكوكهم حتى فيمن حولهم . لهذا لا ينبغي للمؤمن أن يخاف من أكابر المجرمين لأنهم الأكثر خوفا ورعبا . خوف المؤمنين وقتى وهم في حماية الرحمن جل وعلا ، أما خوف أكابر المجرمين فهو ملازم لهم حتى الموت . 

2 ـ المؤمنون في موقعة الأحزاب :

2 / 1 : شملهم الخوف في البداية وهم تحت الحصار . قال جل وعلا ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً (9) إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتْ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً (11) الأحزاب ) 

2 / 2 : ولكن سرعان ما غلبوا خوفهم ، وصمدوا . قال جل وعلا : ( مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23) الأحزاب ) 

  3 : المنافقون :

  3 / 1 : إستحوذ عليهم الشيطان فأدمنوا الخوف والحلف بالله كذبا ، قال عنهم جل وعلا : ( وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (56) لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (57) التوبة ) . 

3 / 2 : في محنة الحصار في موقعة الأحزاب تحكم في قلوبهم الخوف ، قال جل وعلا : ( وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً (12) وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً (13) وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلاَّ يَسِيراً (14) وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولاً (15) ..( أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنْ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (19) الأحزاب ) 

4 أهل الكتاب المعتدون 

4 / 1  ـ إعتدوا فحوصروا فأصابهم الرعب فاستسلموا بعد قتال خفيف مع كونهم يتحصّنون في قلاع أو صياصى ، قال جل وعلا : ( وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً (26)  الاحزاب  ) 

4 / 2 : . معتدون آخرون منهم ظنوا أن حصونهم تحميهم ، ولكن عندما حوصروا أصابهم الرعب ، وبادروا بالفرار ، قال جل وعلا : ( هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنْ اللَّهِ فَأَتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ (2) الحشر) . هي عظة للمؤمنين أولى الأبصار ، ليتذكروا قوله جل وعلا : ( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) الانعام ). 

أخيرا : 

المستفاد مما سبق : 

1 ـ الحكومة في الدولة الديمقراطية تخاف من الشعب، لأنه سيدها وهى خادمة له ، فهو  مصدر السلطات . وهذا مبدأ أساس في الديمقراطية المباشرة الإسلامية في قوله جل وعلا للنبى محمد عليه السلام : ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ )(159) آل عمران ). لو عاملهم بغلظة وفظاظة لانفضوا من حوله ، وبالتالي يصبح وحيدا بلا قوة لأنه يستمد قوته منهم ، فهم مصدر السلطة ، لهذا كان عليه السلام مأمورا أن يكون لينا معهم وأن يعفو عنهم إذا أساءوا اليه وأن يغفر لهم إذا تجاوزوا في حقه ، وأن يستشيرهم في الأمر لأنهم أصحاب الأمر . هذا مع كونه عليه السلام نبيا يأتيه الوحى من رب العزة جل وعلا . 

2 ـ وإذا كانت الشورى القرآنية أو ( الديمقراطية المباشرة ) مفروضة على النبى فإن المستبد يرفع نفسه فوق النبى عليه السلام، أي يزعم الألوهية صراحة أو ضمنا .    

3 ـ إذا كانت الحكومة تخاف الشعب في النظم الديمقراطية فإن الشعب هو الذى يرتعب من المستبد لأنه يستخدم التعذيب بأبشع أساليبه ليحمى نفسه ، وكلما إزداد ظلما إزداد رُعبا ، ويظلُّ يدور بين الظلم والرعب الى أن ينتهى . طاحونة الظلم والتعذيب تجعل الشعب مقهورا مستكينا خانعا ذليلا متواكلا . 

4 ـ لا إصلاح إلّا بتغيير النفسية من الخضوع لمخلوق الى الخضوع للخالق جل وعلا وحده . هنا تكون الهداية . وإذا كانت الهداية مسئولية شخصية ، ومن إهتدى فلنفسه ، فإن تغيير ما بالنفس من خضوع للمخلوق الى خضوع للخالق وحده هو أيضا مشيئة شخصية . من شاء لنفسه الخنوع لمخلوق شاء له رب العزة ما شاءه لنفسه ، أي إن هذا التغيير مرجعه الى مشيئة البشر ، وتأتى مشيئة الرحمن جل وعلا تالية مؤيدة لمشيئة البشر . قال جل وعلا :( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ) (11) الرعد).إذا شاء البشر الخنوع لمستبد إعترف رب العزة به ملكا عليهم ، لذا إعتبر رب العزة فرعون ملكا الى مصر ، ولم يرسل موسى الى المصرىين المقهورين بل أرسله الى فرعون، وقال جل وعلا لموسى وهارون :(اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44) طه ) 

4 ـ لأنه مرتبط بالهداية الايمانية فإن هذا التغيير يبدأ بتحرير الناس من الخضوع للكهنوت ، فالفرعون إما أن يكون بنفسه كهنوتا ( مثل الدولة الدينية الشيعية الفاطمية والإيرانية الحالية ) أو أن يحكم راكبا الكهنوت ، ويركب الكهنوت الناس ( مثل فرعون مصر الحالي وأزهره وكنيسته ). إذا تحرّر الناس من تقديس الكهنوت ( الامام الأكبر / شيخ الإسلام ) ( البابا ) سقط الكهنوت وسقط الفرعون راكب الكهنوت ، وتحرّر عقل الناس من الخنوع للمستبد ، وأسرعوا للتضحية في سبيل عزّتهم وكرامتهم وحريتهم . هنا لا يرهبهم التعذيب الذى يؤسس المستبد به سلطانه . بالتقوى وخوف الرحمن وحده يعلمون أن آلام التعذيب الجسدى وقتيه ، أهون كثيرا من آلام خوف مستمر ، وآلام التعذيب ـ إذا حدثت فهى ضمن الآلام المكتوبة سلفا بمرض أو غيره ولا مفر منه ، ثم إنه ألم جسدى مؤقت ، وإذا زاد دخل الانسان في غيبوبة لا يشعر فيها بالألم لأن للنفس حدّا أعلى في تحمل الألم ، إذا زاد الألم غاب عن وعيه . أما عذاب الآخرة فلا حدّ أقصى له ولا تخفيف فيه ولا خروج منه . إذا إستوعب المؤمن التقىُّ هذا تضاءل عنده الخوف من البشر وتحوّل الى دافع للنضال والصبر على ما قد يحدث ، فكل ما يحدث له من مصائب من خير أو شرّ هو حالات مؤقتة وعارضة . 

5 ـ بدون التحرر من سلطة الكهنوت وثقافته لا أمل في التغيير الى الأفضل . وهناك ديمقراطية مضحكة في العراق وأفغانستان وباكستان بسبب تقديس البشر والحجر ، في هذه الديمقراطية الشكلية يتم تداول السًلطة بين فاسدين . 

6 ـ هذا التغيير يستلزم وقتا ، لأنه تغيير للثقافة الشعبية الجمعية ، لذا بدأنا المواجهة نحن أهل القرآن ، ونجحنا في تكسير الأصنام الكهنوتية ،ولا زلنا في الساحة نتعرض للاضطهاد.  وحسبنا الله جل وعلا وهو نعم الوكيل .


من الأكثر رُعبا : الفرعون المستبد أم الشعب الخانع المستضعف ؟  

مقدمة :

1 ـ ( س ) قتل ( ص ) . أهل ( ص ) يحملون ثأرا . ( س ) عليه تُار . ( س ) يسير خائفا يترقب ، ينام في أحضان الكوابيس . هذا عن شخص واحد قتل شخصا واحدا . فماذا عمّن قتل وعذّب وظلم عشرات الملايين !؟ 

2 ـ المستبد يحتكر القوة والسُّلطة والسلاح ، وحوله الجيش والأمن والمخابرات والقضاة والنيابة والاعلام والصحابة وجيوش من البلطجية . ومع هذا فهو خائف . يرتعب من كلمة نقد تبغى الإصلاح ، يسجن قائلها ، وإذا كان القائل يعيش في الخارج يسجن أقاربه . يرتعب من كلمة النقد لأنها قد توقظ الشعب الخانع الخاضع .  المستبد يرتعب أيضا من كبار الملأ المحيطين به ، خشية أن يتآمروا عليه . المستبد لا يثق في أحد . وفى تاريخ المستبدين هناك من قتل إبنه وأخاه وأقرب الناس اليه . 

3 ـ لأن المستبد يسيطر عليه شيطانه فلا بد أن يرتكز المستبد على دين أرضى ، لا بدله من كهنوت يركبه أو أن يكون هو نفسه الكهنوت والإله الذى يرهبه ويعبده شعبه وقومه . إذا كان كهنوت الدين الأرضى السائد عدوا له فهو يؤسس دينا جديدا ، كما فعلت الشيوعية وهى في السُّلطة، إعتبرت الدين الأرضى أفيون الشعوب، وفرضت الإلحاد الشيوعى دينا بديلا . 

4 ـ يظل فرعون موسى اصدق مثل لنفسية المستبد ، ونعرض له هنا في ناحية الخوف . فرعون موسى كان أكثر خوفا من موسى ، هذا مع أن موسى أكثر رسول في القصص القرآنى يتكرر وصفه بالخوف بسبب الإرهاب الفرعونى . ماذا عن فرعون المذعور ؟ 

أولا : دين فرعون 

1 ـ كان هو الاله الأكبر في دينه ، وبه تأسّست رهبته وسيطرته ، وبمقياس التمسك بهذا الدين كانت نظرته الى الولاء السياسى له . سبب وحشيته في ذبح الأطفال الذكور من بنى إسرائيل إنه كان يتشكّك في إيمانهم به وحده إلاها ، إذا كانوا يتوارثون عبادة الله جل وعلا ، فهم أحفاد يعقوب ( إسرائيل ) بن إسحاق بن إبراهيم . وطالما لا يؤمنون بالفرعون إلاها وحده فولاؤهم له مشكوك فيه ، لذا تطرّف في عقابهم ليستأصل نسلهم .

2 ـ جاءته دعوة موسى تحديا للدين الفرعونى أرعب الفرعون :

2 / 1 : في أول لقائه بموسى هدّده بالسجن لو إتّخذ إلاها غيره : ( قَالَ لَئِنْ اتَّخَذْتَ إِلَهَاً غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنْ الْمَسْجُونِينَ (29) الشعراء ). 

2 / 2 : ثم إشتدت سطوته على بنى إسرائيل بعد مجىء موسى ، وقد قال له الملأ : ( وَقَالَ الْمَلأ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ ) ردّ عليهم : ( قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127) الاعراف ). وشكى بنو إسرائيل لموسى فأوصاهم بالصبر والاستعانة بالرحمن جل وعلا : ( قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128)) وردُّوا عليه:( قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا ) وردّ عليهم: ( قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129)الأعراف ) . وتحقّق ما توقّعه موسى عليه السلام . 

2 / 3 ـ ثم نقرأ : (  وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ (26) غافر ) . الغريب هنا أن فرعون الذى يأتمر قومه بأمره ويتخذونه الإله الأعلى ـ يطلب منهم أن يدعوه يقتل موسى ، فهل يحتاج الى إذن منهم ؟!. والسبب الأغرب إنه ( يخاف ) أن ( يبدّل دينهم )، وهذا يعنى من وجهة نظره أن يضيع ( الاستقرار ) ويسود في أرض مصر ( الفساد ). تبديل الدين الفرعونى يعنى الفساد لدى فرعون ، وأيضا لدى قوم فرعون ، نتذكر قولهم لفرعونهم : ( أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ ). 

4 ـ ومع هذا فبسبب خوفه لم يجرؤ على قتل موسى .!!

خوف فرعون دفعه للتطرف الدينى بزعم أنه الاله الوحيد والرب الأعلى 

1 ـ فرعون كانت له آلهة يعبدها، ولكنه زايد على آلهته تلك بأن أعلن نفسه الرب الأعلى ( النازعات 24 ) ، وطلب من هامان أن يبنى له صرحا لكى يطّلع الى إله موسى لأنه لا يعلم لهم إلاها غيره ( القصص  38 غافر  36 : 37). 

2 ـ ودفعه خوفه بعد مجىء موسى الى أن يعقد مؤتمرات يحشر فيها قومه ، يعزّز فيها :

2 / 1 : دعوته الى أنه الإله الوحيد لهم : ( وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنْ الْكَاذِبِينَ (38) القصص )، ( فَحَشَرَ فَنَادَى (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى (24) النازعات   ) 

2 / 2  ـ دعوته أنه وحده الذى يملك مصر وأنهارها التي تجرى من تحته أي تحت سلطانه : ( وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ (51) الزخرف ) . قال هذا مستخفّا بعقولهم ، وأطاعوه لأنه بالنسبة لهم دين واجب الطاعة : ( فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ (54)  الزخرف ) . 

خوف فرعون عندما آمن السحرة . 

1 ـ السحرة لم يكونوا قوة عسكرية يخاف منها الفرعون ، فهو الذى أمر بحشرهم وإحضارهم اليه في موعد محدد ومكان ، وأطاعوا ، وجىء بهم فلم يكونوا يملكون ترف الرفض ، بل طلبوا منه أجرا ووعدهم بأن يكونوا من الملأ المقربين له . إنقلب الحال حين أعلن السحرة جميعا ـ وأمامه ـ إيمانهم : ( وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (120) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (122) الأعراف ) . لم يكن الأمر مجرد إحراج علنى لهيبة الفرعون ، بل كانت كلماتهم تحديا علنيا لقدسيته وألوهيته ، وعبّر فرعون عن رؤيته لألوهيته حين قال لهم : ( قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ) أي يتصور نفسه مالكا لقلوبهم ، فلا تؤمن بغيره إلا باذنه . 

2 ـ وقال : ( إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123) الأعراف ). خوفه الذى بلغ الهوس جعله يتصور أن السحرة قد تآمروا مع موسى ضده ، وتوعّدهم بأبشع عقاب : ( لأقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لأصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124) الأعراف ). كل هذا بسبب كلمات قالوها أرعبت الفرعون ..!!

3 ـ  وأتهمهم أيضا بأن موسى هو الذى علمهم السحر، وهو يعلم إنه إتهام كاذب : ( قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمْ الَّذِي عَلَّمَكُمْ السِّحْرَ) (71) طه ) .( قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمْ الَّذِي عَلَّمَكُمْ السِّحْرَ) (49) الشعراء) . هذا يذكّرنا باتهامات الفرعون المصرى الحالي : ( الإنضمام الى جماعة محظورة )..!! هو أيضا أنها اتهامات كاذبة.

4 ـ والملأ المترفون لفرعون مصر الحالي يعتبرون أنفسهم ( الأسياد ) وأن مصر هي أرضهم وملكية خاصّة لهم ، ومن يجرؤ على إنتقادهم إنما يريد إخراجهم من أرضهم . وهذا ما عبّر الملأ من قوم فرعون موسى ، إذ إعتبروا دعوة موسى تعنى تدمير مُلكهم : ( قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى (57) طه ). فكيف لدعوة سلمية تريد خروج بنى إسرائيل من مصر تعنى إخراج فرعون وقومه من مصر ؟ هو الخوف الذى تملّكهم .! 

فرعون الذى قهر بنى اسرائيل كان الخوف يقهره : 

1 ـ ( وَقَالَ الْمَلأ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127) الأعراف ). هكذا بكل بساطه أعلن إنه وقومه فوقهم قاهرون . 

2 ـ وعظا للملأ المُترف المسيطر على مصر الآن يظن أنه (قاهر للمصرين ) نقول إن وصف ( القاهر ) لا يكون إلا لرب العزة جل وعلا ، فهو جل وعلا :

 2 / 1 :  ( وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (18) الانعام )

2 / 2  :  ( وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ) (61) الانعام) . 

3 ـ والله جل وعلا هو ( وحده ) ( الواحد القهّار ). قال جل وعلا : 

3 /  1 : ( قُلْ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16) الرعد ) 

3 /   2 : ( وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (65) ص )

3 / 3   :  ( سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (4) الزمر )

3 / 3 : وسيرى أكابر المجرمين هذا يوم القيامة . قال جل وعلا : 

3 / 4 : ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48) إبراهيم ) 

3 / 5 : ( يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنْ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (16) غافر ) . وليعتبروا بمصير فرعون موسى وقومه ، فهو عبرة لمن يخشى . 

 4 ـ وهذا الفرعون الذى وصف نفسه بالقاهر قهره خوفه ، بحيث أنه إستدعى كل قواته وقومه وكل أتباعه ليطارد بهم ( شرذمة قليلة ) تهرب من سطوته . قال جل وعلا : ( فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (53) إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ (56)  الشعراء ). إذا كانوا حسب قوله شرذمة قليلة فلماذا يخاف منهم  الى هذا الحدّ ؟ ولماذا لا يتركهم يهربون منه ؟ ويكفيه أنه معه جنده وقومه وسطوته وسيطرته ؟ التفسير الوحيد إنهم كانوا يمثّلون له كابوسا مخيفا ، كان في الحقيقة ـ لا يطارد موسى وهارون وبنى إسرائيل ، كان يطارد خوفا تمكن من قلبه رُعبا . هذا الخوف المُرعب كان يغيظه .!! ( وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55)).!

5 ـ لم يكن الفرعون يخاف من الشعب المصرى الخانع الخاضع الذى يعمل في الحقول ( في الجنات ) حول النيل وفى الصحراء حيث العيون . ترك فرعون المذعور كل هذا وهو يطارد هواجسه . وبغرقه وسائر قومه وجنده أصبحت مصر بجناتها وعيونها بلا مالك يملكها ، فعاد بنو إسرائيل وتملّكوها الى حين . قال جل وعلا : ( فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (58) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (59) الشعراء ).

لمحات سريعة عن الفراعنة بعد فرعون موسى 

1 ـ سار على دينه الخلفاء الفاسقون في فتوحاتهم . كانوا يستأصلون الجيوش التي تدافع عن أوطانها ، وتأسر ذريتهم ونساءهم ، ويستبقون الفلاحين والحرفيين والقائمين بالإدارة والحسابات . 

2 ـ والويل للفلاحين إذا تبرموا. العسكر المملوكى تفنّن في تعذيب الفلاحين المصريين إذا تكاسلوا في عملهم ، والإشارات قليلة عن التعذيب الذى كانه يوقعه بالفلاحين ( الكاشف ) أي ما يعنى الآن ( المحافظ للإقليم ). ومنه أن يأمر برمى الفلاح من فوق نخلة ليسقط فوق خازوق مُعدُّ لاستقباله . وربما كان السلطان المملوكى قايتباى أشهرهم في الورع ، كانت له أوراد ويقوم الليل ، كما يذكر المؤرخ القاضي ابن الصيرفى  في تاريخه ( إنباء الهصر بأبناء العصر ) . مع هذه ( التقوى ) فقد سجن قايتباى جمعا من الفلاحين ممن ( إنكسر عليهم مال للسلطان) على حد قول ابن الصيرفى ،  أي عجزوا ن دفع الضرائب والرشاوى التى يفرضها عليهم أعوان السلطان . وقد جاءوا للقاهرة متشجعين بما يُشاع عن قايتباى من ورع فاشتكوا له ، فأمر بسجنهم وبسلخ أربعة منهم بحضور الباقين فسُلخوا ، وأرسلوا إلى البلاد فاشهروا بها ( ليرتدع بها أمثالهم )، على حد ابن الصيرفي الذى يعلق على هذه المأساة قائلاً عن السلطان " فنصره الله نصراً عزيزاً". أى يدعو له بالنصر ..!!

خوف الفراعنة من كلمة نقد 

1 ـ إرتكب الأمويون جرائم كبرى مثل  مقتل الحسين وآله وانتهاك البيت الحرام وقتل أهل المدينة، وإحتاجوا  لتبرير دينى في تسويغ جرائمهم ، لذا أشاعوا أن الله جلّ وعلا شاء أن يقتل الحسين وآله في كربلاء وأن مشيئته جل وعلا  أقتضت أن تنتهك حرمة البيت الحرام والمدينة المنورة، وأن الاعتراض على ذلك اعتراض على مشيئة الرحمن وخروج على إرادته ، وأنه لا شيئ يخرج عن قدر الله ومشيئته، وأنّ من أنكر ذلك فقد كفر واستحق القتل. وكان  (الأوزاعي ) عالم الشام هو أكبر بوق للدعاية الأموية في هذا الشأن . وعارض ( معبد الجهني )  فأعلن شعار ( لا قدر والأمر أنف ) أي لا دخل للقدر الالهى في جرائم الأمويين ، وأن تلك الجرائم تجري بالإكراه رغم أنوف المسلمين ، أي "والأمر أنف" . وانضم ( معبد الجهنى ) الى ثورة محمد بن الأشعث على الحجاج بن يوسف والأمويين ، وانهزم ابن الأشعث ، وسجن الحجاج (معبد الجهنى ) وكان يتلذذ بتعذيبه  والسخرية منه ، فقد جئ للحجاج بمعبد مقيداً فقال له : ( يا معبد كيف ترى قسم الله لك ) ؟ أي يذكره الحجاج بأن إرادة الله قسمت لمعبد أن يكون أسيراً للحجاج ، فقال له معبد (: يا حجاج خلِّ بيني وبين قسم الله فإن لم يكن لي قسم إلا هذا رضيت به ) ، أى أن إرادة الله لا دخل لها بسجنه وأن الحجاج لو تركه حراً فلن يضع نفسه بمحض اختياره في السجن ، فقال له الحجاج (يا معبد أليس قيدك بقضاء الله ؟) فقال له : ( يا حجاج ما رأيت أحداً قيدني غيرك ، فأطلق قيدي فإن أدخله قضاء الله رضيت به ).وأمر الحجاج بالاستمرار في تعذيبه حتى مات بعد سنة 80 هـ . 

2 ـ ثم ظهر غيلان الدمشقى بنفس الدعوة ، واستجاب له الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز ، وقد عرض عمر بن عبد العزيز للبيع في المزاد ما صادره الأمويون من أموال الناس ومتاعهم ، وأوكل إلى غيلان أن يبيعها لصالح بيت المال ، فوقف غيلان في سوق دمشق يبيع حوائج الأمويين قائلاً : ( تعالوا إلى متاع الخونة، تعالوا إلى متاع الظلمة، تعالوا إلى متاع ما خلف الرسول في أمته بغير سنته وسيرته . ) . ورأى الأمير هشام بن عبدالملك ذلك فنذر إن تولى الخلافة ليقطعن يدي غيلان ورجليه . وتولى هشام الخلافة فهرب غيلان الى  أرمينيا يدعو للثورة على هشام ، فقبض عليه أعوان الأمويين وجئ به إلى هشام فقال لغيلان : ( زعمت أن ما في الدنيا ليس هو عطاء من الله لنا ؟ )، فقال له غيلان : ( أعوذ بجلال الله أن يأتمن خواناً أو أن يستخلف الخلفاء من خلقه فجاراً ).! فسجنه هشام ، وجعل الأوزاعى يناقشه ، وأفحم غيلان الأوزاعى ، فأفتى الأوزاعى بقتله ، وأمر هشام بقطع يدى غيلان ورجليه ،وظل غيلان حياً ، فتوافد عليه الناس ، فاستمر يعظهم ويهاجم الأمويين ، فأمر هشام بقطع لسانه ، فأرسل إليه من يقطع لسانه فقيل له : ( أخرج لسانك )، فقال : ( لا أُعين على نفسي ).! . فكسروا فكيه واستخرجوا لسانه ليقطعوه فمات . !!

3 ـ أبو حنيفة كان عدوا للأمويين وقد ضربوه وهرب منهم الى مكة ، ثم قامت الدولة العباسية فأصبح مقرّبا من أبى جعفر المنصور. ولكن أبا حنيفة لم يؤمن بالأحاديث التي يشيعها فقهاء السلطان مثل الأوزاعى فقيه السلطان الذى علا نجمه في العصر الجديد ، وكان الى جانب أبى جعفر المنصور فقهاء آخرون يفترون له أحاديث ، يعارضها أبو حنيفة وينكر إسنادها للنبى محمد عليه السلام . ثم استمرت معارضة أبى حنيفة لآبى جعفر ، ثم لاحظ أبو جعفر المنصور أن بعض القادة بدأ يقتنع بأبى حنيفة فقتله أبو جعفر بالسُّم عام 150 هجرية . أبو جعفر المنصور أول من زعم الكهنوت السياسى ، وأنه سلطان الله ( جل وعلا ) في أرضه .

أخيرا :

1 ـ ليس هناك جديد في كوكب المحمديين حتى الآن : مستبد مذعور يخاف حتى من كلمة نقد ، مع إنه يحتكر السلطة والسلاح والجيش والشرطة والمخابرات والقضاء والنيابة والإعلام والبلطجية .

2 ـ يموتون كل يوم خوفا ورُعبا ، ثم لا مهرب من الموت ، وسيأتون يوم القيامة يحملون أوزارهم على ظهورهم . قال جل وعلا : ( قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (31) الانعام ) .!!

ودائما : صدق الله العظيم .!! 


(وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (79) الأعراف ) 

مقدمة 

1 ـ قال نوح عليه السلام لقومه : (أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ ) (62) الأعراف ) . ظل ينصحهم 950 عاما بلا فائدة حتى دعا عليهم فأغرقهم الله جل وعلا. وظل النبى صالح ينصح قومه بلا فائدة ، حتى أهلكهم الله جل وعلا فوقف أمام جثثهم يقول : ( يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (79) الأعراف ). ومثله النبى شعيب . قال لقومه : (إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) هود ) . رفضوا الإصلاح والنصيحة فأهلكهم الله جل وعلا. وقف أمام جثثهم يقول ( يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ (93)الاعراف ). 

2 ـ المحمديون وسادتهم المستبدون يكررون جرائم وعصيان كل الأمم السابقة التي أهلكها رب العزة جل وعلا . ننصحهم بالقرآن الكريم فيزدادون بالقرآن الكريم طغيانا وكفرا . 

3 ـ  نصحنا المستبد المصرى وقومه المفسدين ، هم فقط لا يحبون الناصحين بل هم أيضا يسجنون الناصحين وأقارب الناصحين . ندعو الله جل وعلا رب العالمين أن ينتقم من السيسى وأعوانه من أكابر المجرمين .!

نعطى تفصيلا : 

أولا : في عصر حسنى مبارك 

 دخلت السجن مرتين في عصره ( 1987 ) ( 1988 ). هربت من مصر لتفادى دخول السجن للمرة الثالثة . عشت في مصر تحت في حكم مبارك ( 1989 : 2001 ) تحت إستدعاءات متكررة من أمن الدولة ، وترقب وصول إذا عُدتُ الى مصر من سفر للخارج.  برغم هذا لم أتوقف عن مهاجمة الكهنوت السنى والاستبداد والفساد ، مستغلا الهامش الضيق المُتاح الذى سمح به مبارك . في انتقاد حكم مبارك كتبت عشرات المقالات ، أختار منها هنا مقالين ، نشرتهما جريدة ( الأحرار )، أعيد نشرهما هنا : 

المقال الأول بتاريخ  : 12ــ 10ــ 1992

( قال الراوى

ظهر الفساد فى البر والبحر !!

فى طريقى إلى قريتى بمحافظة الشرقية قال أحدهم أنه يعيش فى قرية يسكنها أكثر من خمسين الفا، وبيوتهم عامرة ،وكل المسئولين فى القرية من أبناء القرية ، وجميعهم يصرفون مياه المجارى فى (البحر) الذى يشربون منه ، لا فارق فى ذلك بين مندوب الصحة أو مسئول الوحدة المحلية أو حتى العمدة وشيخ الخفر ، ويطل على البحر مصنع للطوب ، وقد اعتاد صاحب ذلك (التنور) أن يصرف مخلفات  المصنع من السولار والقطران فى مياه النهر، وقال ان أهالى القرية المجاورة لهم اعتادوا غسل براميل المبيدات فى نفس النهر، وعندها كان يحدث تسمم عام للاسماك فى النهر فتطفو على السطح ويصطادها الاهالى ، ويأكلونها ويصاب بعضهم باغماء أو قىء ، ولكن لم تحدث وفيات . وعندها لم  أستطع الصمت فقلت له : " إن الوفيات ربما لم تحدث حتى الآن ، ولكن انتظر بضع سنوات وسنرى نتيجة ذلك الاهمال والتراخى، سنرى كيف سيصاب الجميع بأمراض لا نهاية لها إلا بالموت ، بدءا من الفشل الكلوى إلى السرطان.."  وقلت له : " إن ذلك التلوث الذى نصنعه بأيدينا هو المسئول عن انتشار ظاهرة الفشل الكلوى والسرطان فى شرق الدلتا على وجه الخصوص، واذا ذهبت الى معهد السرطان فى القاهرة وجد ت معظم المرضى من الارياف وقد استدعت هذه الظاهرة المؤلمة إلى انشاء معهد للسرطان فى محافظة الشرقية لكى يخفف العبء عن معهد الاورام في القاهرة ،كما أن ذلك المرض اللعين قد بدأ فى الظهور على أجساد الاطفال الابرياء ،ومعظم المرضى يزدحمون على المعهد فى القاهرة ومن يتمكن من الحصول على سرير فيه سرعان ما يتركه ليكمل العلاج فى بيته ليتيح الفرصة لمريض آخر ينتظر دوره على الرصيف المجاور للمعهد ، كما أن أقسام الكلى فى المستشفيات لم تعد تكفى المترددين عليها فأنشأ أحد أبناء المنصورة العظماء وهو الدكتور غنيم مركزا لعلاج الفشل الكلوى.  ومهما بذل فاعلو الخير فى تدعيم  تلك المعاهد والمراكز فإن جهدهم سيضيع هباء طالما ظل المصرى يعيش هذا التبلد والانانية، بصرف مخلفاته فى النيل، وتحملها مياه النيل الى الآخرين يشربونها، فيتحول الماء الذى هو سبب الحياة الى سبب للموت لأننا لا نجد فارقا بين الكوب الذى نشرب منه والمرحاض الذى  نتبول فيه .!!"

 ماالذى حدث لنا؟ 

أهى الرغبة المصرية الدفينة فى مقاومة السلطة الحاكمة ! فاذا كانت السلطة تعاقب من يلوث النهر فإننا بدافع المقاومة والانتقام نعصى الأوامر، وليس مهما أن كنا نحن الضحايا؟ .. ولكن القرية التى تصرف مخلفاتها فى النيل ليس لديهم ذلك الخوف من المسئولين لأن المسئولين أنفسهم يفعلون ذلك .

 أهى الرغبة فى الانتحار البطىء لدى الفقراء بعد أن يئسوا من العلاج؟  ربما قالوا لأنفسهم إن الحيتان الكبيرة ترتع فى الفساد فى البر فلماذا لا نفسد نحن البحر؟ واذا كنا قد عجزنا عن مقاومة أولئك المفسدين المترفين فلنلوث لهم النهر الذى يشربون منه ليذوقوا بعض ما نعانيه! ربما يفكرون بهذه الطريقة المضحكة، وإن كانوا لا يعلمون أن المترفين لا يشربون من النيل بعد أن اتضح لدى المترفين فى الداخل والخارج أن معدل التلوث فى النيل يفوق المسموح به  ، فأصبحوا يشربون المياه المعدنية، وتركوا النيل للفقراء يشربون منه ويقذفون بفضلاتهم   فيه ..!! 

 أهى العادة السيئة المصرية التى تقول " وانا مالى" ؟ هل هى الانانية  والاهتمام  بالفردية دون النظر للآخرين ؟ ربما.. ففى عصور القهر والاستبداد واتساع الفجوة بين الاثرياء والفقراء ينكبُّ كل انسان على نفسه ولا يعبأ بالآخرين، واذا كان ذلك واضحا بين الصفوة والنخبة فهو أكثر وضوحا بين جموع الشعب ، ونرى ذلك فى حادث فتاة العتبة وفى طريقة الحياة فى اللحظة الحاضرة، أو المهم أن نعيش اليوم ولا داعى لأن نفكر فى الغد أو أن نفكر فى الغير.  

ومهما كان السبب فى ذلك التطور السلبى الذى طرأ على الشخصية المصرية فهو أخطر من تلوث ماء النيل .  إن تلوث النفس يظل أفظع من تلوث النهر . ومن السذاجة أن نطالب  فقط  بتطهير ماء النيل من التلوث ونترك أنفس المصريين مستنقعا لملوثات فكرية ومشاعر سلبية .. صحيح أنه يمكن بالدعاية المكثفة فى التليفزيون وأجهزة الاعلام أن ننبه الغافلين الى خطورة التلوث وفظاعة أن نسمم مياه النيل بأيدينا ، لابد أن تتكاتف أجهزة الدولة لحماية النيل وحماية من يعيشون عليه من أنفسهم ، هذا ممكن ومطلوب بشدة وعلى وجه السرعة .. ولكن الاقتصار على ذلك سيجعل المشكلة أكثر حدة وأكثر تفجرا ، لأن الذى سيحدث أن تثور ضجة اعلامية وتحدث مواكب وتنطلق الزفة وتصدر الشعارات والتصريحات ثم ينفض المولد الى أن تظهر بدعة جديدة ينشغل بها الناس ، ويعود النيل أكثر تلوثا ، ويزداد الفقراء سلبية ويأسا ومرضا وقرفا . 

ان الحل الحقيقى هو علاج النفس المصرية من التلوث الذى يهدد حاضرنا ومستقبلنا ، ان المصرى ليس فاسدا بطبعه ، ولكن حين تنهمك أقلية من المصريين فى النهب والفساد فليس من حقك أن تلوم الأكثرية الضائعة الجائعة إذا سارت فى طريق الانتحار البطىء .. فى مصر بالذا ت يبدأ العلاج من فوق ، من النخبة والصفوة والقدوة ، إن الله تعالى حين أرسل موسى لم يبعثه الى المصريين وإنما أرسله الى فرعون فقط ، بينما كان كل نبى مبعوثا الى القوم أجمعين .. ولأن فرعون وآله كانوا من المفسدين  فقد دفع المصريون جميعا الثمن .. وذلك مانتعلمه من القرآن والتاريخ .

ان الله تعالى يقول "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41) الروم ) . أى أن الفساد نتيجة لما يرتكبه الناس بأيديهم ، وهو أيضا عقوبة لهم.. وبالتالى فانه يمكن أن نحارب الفساد ونمنع أسبابه وظهوره فى البر والبحر ذلك اذا صدقت النوايا وآمنا بأننا جميعا فى مركب واحد يسبح فوق مياه النيل ، وأنه اذا غرق المركب غرقنا جميعا.. لا فارق بين غنى وفقير أ و حاكم ومحكوم ..

إن فساد الأقلية هو سبب شقاء الأكثرية .. وسبب تلوث النيل .. ) إنتهى . 


 ملاحظة : ( حادث فتاة العتبة ) وقعت وقت كتابة المقال . تدافع كثيرون لركوب اتوبيس في محطة العتبة في القاهرة، سقطت فتاة فإنكبوا عليها ، وبعضهم إفتضّ بكارتها ، وقبضوا على شخص مشلول . وكانت فرصة للحكومة لتشغل بها الناس ، بينما كان مبارك منشغلا بسرقة البلايين وتهريبها للخارج ..

المقال الثانى في ( الأحرار )

بتاريخ 26 / 7 / 1993 

 

 قال الراوى

منطق العسكر 

 ( * حدثت هذه القصة في مصر المملوكية في يوم الأربعاء 26 من ذي الحجة سنة 876هـ جاءت البشرى للقاهرة للسلطان قايتباي بالانتصار على سفينة قراصنة أوربية ، وقد غنموا السفينة وقتلوا ركابها وأسروا عشرة من القراصنة. وفي اليوم التالي بعد العصر وصل الأسرى الفرنجة يصحبهم الأمير المملوكي حاكم الإسكندرية ليعرضهم على السلطان ، وحدثت مشكلة، إذ أن أهل ادكو هم الذين انتصروا وأسروا السفينة ، إلا أن الأمير قجماس المملوكي هو الذي وصل للسلطان وادعى الانتصار لنفسه، وجاء وفد من مدينة ادكو بالأدلة الواضحة على أنهم هم الذين حاربوا وهم الذين انتصروا ، واضطر الأمير المملوكي لآن يتهم أهل ادكو بأنهم اعتدوا على اختصاصاته حين قاموا بالهجوم بدلا منه على السفينة التي هاجمت مدينتهم ، كأنه أراد أن ينتظروا إلى أن يأتيهم الأمير المملوكي من الإسكندرية ليدافع عنهم. والسلطان قايتباي المشهور بالتدين وقيام الليل وقراءة الأوراد نسى اللافتة الدينية التي يرفعها وأصدر قرارا عبر فيه عن طبيعة النظام العسكري الذي يقف على قمته، إذ أمر بسجن مجاهدي ادكو في سجن المقشرة الرهيب مع نفس الأسرى القراصنة الذين انتصروا عليهم ، وقد ادعى بعض الأسرى الإسلام فأطلق السلطان سراحهم  ، بينما ظل شجعان ادكو في السجن لأنهم تجرءوا على الدفاع عن بلدهم والاعتداء على تخصص المماليك في استعمال السلاح ..

* إن فلسفة الحكم العسكري المملوكي تقوم على أساس أنهم القوة الوحيدة التي تحكم المصريين والتي يجوز لها استعمال السلاح ، وممنوع على المصريين أن يمسكوا لجام المماليك  ، وذلك هو التعبير السائد عن ضرورة أن يحصر المصريون أنفسهم في دور الرعية أو الخراف التي يسير بها الراعي ويتحكم فيها كيف يشاء .. ولذلك فإن أهل ادكو حين تجرءوا على الدفاع عن أنفسهم كافأهم السلطان بالسجن حتى لا تتحول الشياه والخراف إلى ذئاب تصادر الوجود المملوكي وتلغي أهميته .

* ذلك منطق العسكر السياسي في كل زمان ومكان ، منطق يقوم على احتكار السلطة وتحويل الوطن إلى جبهة داخلية وجبهة خارجية وتحويل المدن إلى معسكرات وتحويل المواطنين إلى موظفين في هرم وظيفي تقوم العلاقات في داخله على أساس إصدار الأوامر وتنفيذها . وحيث تقوم السياسة على أساس الأوامر وتنفذ التوجيهات وإعلانات التأييد فلا يمكن للشعب أن ينتج ولا يمكن للاقتصاد أن يزدهر ، لأن أهل النفاق وأهل الفساد سيأكلون الأخضر واليابس ، وحتى إذا قام المصلحون بإعلان الرأي وتوجيه النصح فلن يسمع لهم أحد ولن يكافئهم السلطان العسكري إلا بالازدراء وربما يضعهم في السجن مثل ما فعل السلطان قايتباي مع مجاهدي ادكو الشجعان..

* إن الحكم العسكري قد أجهض الحياة النيابية الليبرالية في مصر قبل ثورة 1952م ومن وقتها لم نعرف إلا  الاستبداد الفردي والانهيار الاقتصادي ، حتى أن روشتة العلاج الاقتصادي تتطلع لأن ترجع بالاقتصاد المصري لما قبل ثورة 1952م أى أنه اعتراف بفشل العسكر اقتصاديا منذ أن حكموا ، ويضاف إلى ذلك أنواع أخرى من الفشل السياسي والفشل العسكري الذي يرجع أساسا إلى احتكار السلطة واحتقار الشعب .

* ومصر الآن تواجه خطرا يهدد حاضرها ومستقبلها وشعبها، وهو خطر التطرف الديني الذي يتحول إلى إرهاب دموي ، وقد تربى الجناح المدني للتطرف في سراديب السلطة الحاكمة وفي مؤسساتها بينما استشرى الجناح العسكري للتطرف وتغذّى على أخطاء السلطة الحاكمة وفسادها . وكالعادة سار منطق العسكر على أساس الانفراد بعلاج مشكلة التطرف فازداد التطرف انتشارا حيث يستخدمون شيوخ التطرف العاملين لديهم في مواجهة التطرف ،  يتطرفون في عمليات التعذيب والعنف ، فيخسرون هنا وهناك ويكسب التطرف أرضا جديدة على حسابهم ، والنتيجة دمار لمصر وشعبها لأن دولة التطرف الدينية إذا قامت فلن تبقي ولن تذر ..

* ويقال إن السلطة العسكرية تبدو سعيدة بخطر التطرف لأنه سيعطيها الحجة للبقاء في السلطة تبعاً للحكمة العسكرية القائلة  بأنه لا صوت يعلو على صوت المعركة ، وتبعا لما هو معروف من أن النظام العسكري سيئ ولكن الحكم الديني أسوأ... ولكننا نقول أن حكامنا العسكر هم وطنيون مصريون ، وليسوا كعسكر المماليك، ونعتقد أن وطنيتهم تفرض عليهم إيثار مصلحة الوطن فوق كل شيء .. لقد تربى التطرف في أحضان السلطة وعلى سلبياتها ، وقد آن الأوان لتداول السلطة وممارسة الديمقراطية السليمة ولسنا أقل من.. اليمن .. ) إنتهى. 

ملاحظة: ( كان في وقتها بشائر تداول سُلطة في اليمن، وكنت سعيدا بها على أمل أن تحذوه مصر .. كم كنت ساذجا وقتها ) .

أخيرا : 

1 ـ العسكر المصرى يحتلُّ مصر من عام 1952 ، وحتى الآن . عبد الناصر كان مستبدا ولم يكن فاسدا ، وأرسى نوعا من العدل الاجتماعى ، وجعل التعليم سُلّما يصل به أبناء الفلاحين والعمال لأعلى المناصب وحسب الكفاءة وبدون واسطة ، وبرزت به مصر زعيمة على مستوى الإقليم والعالم . جاء السادات فأسّس تبعية مصر للسعودية وأسّس الفساد بالانفتاح الاقتصادى ، وأسّس التطرف الدينى بزعمه أنه رئيس مسلم لدولة إسلامية ، وجعل الشعراوى بوقا للتطرف يغسل به أدمغة المصريين . وقام بتعديل الدستور ليجعل نفسه مستبدا طيلة عمره ، ثم كانت الطّامة الكبرى حين جعل حسنى مبارك نائبا .

2 ـ  تولى حسنى مبارك مستفيدا من دستور السادات ليحكم طيلة عمره ، وتطور الفساد في عهده مصاحبا للتطرف الدينى . الجناح المدنى للتطرف في يد مبارك اليمنى ينتشر بالأزهر والمساجد والتعليم والإعلام ، والجناح العسكرى يواجهه مبارك بالسلاح ، وينشغل الناس بهذا وذاك عنه وهو منهمك في تجريف الثروة المصرية لصالحه ، بينما يقع المصلحون من أمثالى تحت الاضطهاد . بعد هجرتى لأمريكا واصلت الجهاد بموقع أهل القرآن ، إنتقم مبارك بالموجة الثالثة من الهجوم على أهل القرآن عام 2007، وكان معظم الضحايا من أسرتى حيث تعرضوا لتعذيب بشع . ثم جاءت الموجة الرابعة 2008 : 2009 ، وسجنوا وعذبوا رضا عبد الرحمن .

3 ـ  حدثت الموجة الخامسة في عهد السيسى ، وتم سجن رضا عبد الرحمن للمرة الثانية مع بعض أقاربى ، ثم أطلقوا سرحهم . كان واضحا أن العسكر المحتلُّ لمصر يؤكّد لى أن أقاربى رهائن عنده ، وهو يضغط عليهم حتى أتوقف. ولم ــ ولن ــ أتوقف .

4 ـ السيسى لم يسبقه فرعون مصري في الفساد والاستبداد والسرقات . وصلت به مصر الى أسفل سافلين ، كمّم الأفواه ، وسجن الشرفاء ، وأكثر من بناء المدن والقصور له وللفاسدين  كما أكثر من بناء السجون للشرفاء والمصلحين . في مناخ الإرهاب أقلع رضا عبد الرحمن عن الكتابة وابتعد عنى طلبا للسلامة ، ولكن بعض مقالات لى في الهجوم على السيسى جعلته يسجن رضا عبد الرحمن منذ شهر أغسطس العام الماضى ، ولا يزال في السجن . يظن السيسى أننى سأتوقف . وبعون الرحمن جل وعلا سننتصر ولن نتوقف ، وسيدفع السيىسى المذعور الثمن . شأن كل أكابر المجرمين . 

5 ـ سلاحنا هو الدعاء . ندعو الله جل وعلا أن ينتقم منه ومن قومه كما انتقم من فرعون موسى وقومه . فالدعاء من أسلحة النصر .. لو كنتم تعلمون .!    


كتاب ( النصر) ف 3 :شروط النصر: الدُّعاء                                                       

أولا : فريضة الدعاء : 

الدعاء فريضة تعبدية على كل مؤمن . قال جل وعلا : 

1 ـ ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) البقرة ). لم يقل جل وعلا للرسول : ( قل لهم انى اجيب الداعى .. ). بل بدون ( قل ) يتوجه الخطاب الالهى مباشرة لعباده يأمرهم بأن يدعوه إستجابة لأمره جل وعلا ، وتأكيدا على الايمان به جل وعلا وحا إلاها ، يعبدونه وحده ويستعينون به وحده . 

2 ـ ( وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60) غافر ). بمجرد الدعاء تأتى الاستجابة من الرحمن جل وعلا بما هو الأنفع للداعى ، وهو جل وعلا الأعلم بما ينفعه ، فقد يدعو للحصول على شيء ويكون شرا بالنسبة له . الذين يتكبرون عن الدعاء سيدخلون جهنم داخرين مُهانين . 

ثانيا : كيفية الدعاء 

1 ـ لأنه فريضة تعبدية فإن له شريعة خاصة به ، فلا بد أن يكون بتضرع قلبى وبصوت خفىّ ، يدعو ربه جل وعلا خوفا من عقابه وطمعا في ثوابه ، وأن يرتبط بالتقوى فلا يكون الداعى فاسدا ، فرحمته جل وعلا قريبة من المحسنين . قال جل وعلا : ( ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ (56) الأعراف )

2 ـ وعند الظروف الصعبة يلجأ الانسان لربه جل وعلا ، وتُجبره حالته وتضطرُّه للتضرع ، وعندها يستجيب له رب العزة جل وعلا حتى لو كان مشركا . قال جل وعلا :

2 / 1 : ( أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ )  (62)  النمل )

2 / 2 : ( قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنْ الشَّاكِرِينَ (63) قُلْ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (64)الانعام )

 3 ـ وفى نموذج لطريقة الدعوة المُستجابة ذكر جل وعلا حالة زكريا عليه السلام ، وهو لم يكن في حالة إضطرار ، ومع ذلك دعا ربه جل وعلا بصوت خفىّ متضرعا : (  ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً (3) مريم )، وإستجاب له ربه جل وعلا.

4 ـ تحوّل الدعاء في الأديان الأرضية الى غناء ورقص وسخرية من رب العزة جل وعلا . نعطى مثلا : إبنك جاءك يطلب منك شيئا ، المفروض أن يطلبه منك في رجاء ، تخيّل إنه جاءك يطلب شيئا منك ومعه فرقة تغنّى وترقص . ألا تعتبر هذا سخرية منك ؟ كيف ما ترفضه لنفسك تسمح به لربك ؟ .

ثالثا :  الدعاء بالنصر على المعتدين 

دعاء النبيين وأتباعهم عند القتال الدفاعى ، قال جل وعلا :  ( وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) فَآتَاهُمْ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148) آل عمران )

دعاء المؤمنين بالنصر على المعتدين . قال جل وعلا :  

1 ـ عن بنى اسرائيل من بعد موسى  (  وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251) البقرة )

2 ـ عن النبى والصحابة في موقعة بدر : ( إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10) الانفال)   

3 ـ عن عموم المؤمنين حين يتعرضون لاعتداء باغ : ( رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286) البقرة ).

رابعا : دعاء الأنبياء للنجاة من الاضطهاد  

نوح عليه السلام 

1 ـ ظل نوح يدعو قومه (أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً ) (14) العنكبوت )، فاتهموه بالجنون وزجروه وأهانوه ، فدعا نوح ربه يشكو له إنه مغلوب ويطلب نصرته ، قال جل وعلا : ( كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9) فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) القمر) فأغرقهم الرحمن جل وعلا ، وجعلهم رب العزة جل وعلا عبرة لمن يتذكر: (    وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (15) القمر ). 

2 ـ وواضح أن نوحا عليه السلام أكثر من الدعاء عليهم . وكان من دعائه عليهم :

2 / 1 : ( وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنْ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً (27) رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِي مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدْ الظَّالِمِينَ إِلاَّ تَبَاراً (28)  نوح ).

2 / 2 : ( قَالَ رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ (26) المؤمنون ) 

3 ـ إستجاب له الرحمن جل وعلا فنصره وأنجاه وأهله من الكرب العظيم ، قال جل وعلا  : ( وَنُوحاً إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنْ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَنَصَرْنَاهُ مِنْ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ  كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (77) الأنبياء ) 

إبراهيم 

تعرّض إبراهيم عليه السلام لاضطهاد من قومه ، وصل الى محاولة إحراقه حيا فأنجاه الله جل وعلا ، قال جل وعلا : ( قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمْ الأَخْسَرِينَ (70) الأنبياء ). ذلك إنه عليه السلام دعا ربه جل وعلا فقال : ( رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5) الممتحنة ). ( الفتنة هي الاضطهاد الدينى ) .

 لوط 

دعا ربه جل وعلا فقال : ( رَبِّ انصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ (30) العنكبوت )، فانتقم منهم رب العزة جل وعلا .  قال جل وعلا : ( فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنْ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83) هود  )، قوله جل وعلا :( وَمَا هِيَ مِنْ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ ) وعد بهلاك الظالمين اللاحقين . 

دعاء موسى وهارون وأتباعهما على الفرعون.  قال جل وعلا : 

1 ـ ( فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنْ الْمُسْرِفِينَ (83). إشتد الإرهاب الفرعونى حتى قطع كثيرون من بنى إسرائيل صلتهم بموسى ، ولم يعد معه سوى ذرية من قومه خوفا من فتنة أو إضطهاد فرعون وعسكره . 

2 ـ ( وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (84) . قال موسى لمن صمد معه من قومه إن كانوا فعلا مؤمنين بالله جل وعلا فلا بُدّ أن يتوكلوا عليه إن كانوا فعلا مسلمين . نلاحظ هنا أنه في آية واحدة جاء شرط الإيمان :( إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ   ) و شرط الإسلام : ( إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ  )، وهذا حتى يتحقق صدق التوجُّه القلبى بالدعاء للرحمن جاء وعلا . 

3 ـ ( فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85) وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنْ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (86) . ردوا مؤكدين توكلهم على الرحمن جل وعلا ، يدعونه ألّا يجعلهم فتنة للظالمين الكافرين ، أي ينقذهم الرحمن جل وعلا من ظلم الكافرين الظالمين . هذا يعنى إن من حق المظلوم المضطهد أن يصف الظالم بالكفر . 

4 ـ  ( وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّأَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ (87). جاء الأمر الالهى لموسى وهارون أن يختارا بيوتا لقومهم  يقيمون فيها الصلاة ، وفيها يدعون الله جل وعلا أن ينقذهم من فرعون وجنده، وأن يبشرهم بالنجاة من عسف الفرعون وقومه الكافرين الظالمين. نتذكر هنا أن نظام العسكر في عهد حسنى مبارك منع أهل القرآن ( من أسرتى ) من صلاة الجمعة في بيوتهم ، كانوا يتعرضون لسماع ما يكرهون وهم يصلون الجمعة في المساجد ، فكنت آتى لهم لأصلى بهم الجمعة في بيتنا ، فتسلط أمن الدولة على بعض أقاربى بالتعذيب ليخيف الباقين ، فاضطررت لقطع زيارتى لأهلى خوفا عليهم . وصدق الله العظيم القائل : ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114) البقرة  ) . تعرض حسنى مبارك للخزى ، وهو يؤتى به للمحكمة على سرير المرض ، ليكون عبرة .. ولم يعتبر من جاء بعده ،فهم لا يخشون الله جل وعلا القائل عن فرعون موسى : ( فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى (25) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى (26) النازعات )

5 ـ ( وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الأَلِيمَ (88). دعا موسى على فرعون وقومه . وكان أخوه هارون يدعو معه .

6 ـ  ( قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (89). جاءت الاستجابة الإلهية وحيا .  وبعدها تحققت :( يونس 90 : 92 )  

 دعاؤنا على الفرعون الحالي في مصر 

1 ـ يكفى أن يكون الشخص مظلوما يستجير بربه فيجيره ربه الذى ( بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (88) المؤمنون ). وحتى لو كان المستغيث بالله جل وعلا مشركا مؤمنا بآلهة مع الله وبأحاديث شيطانية ، فيكفى كونه مضطرا يستجير بربه ليستجيب له ربه جل وعلا الذى يجيب المضطر إذا دعاه . 

2 ـ ليس لزاما أن تدعو ربك جل وعلا بآيات قرآنية مختارة . المهم أن تكون مظلوما تستجير متضرعا بربك جل وعلا ليرفع عنك الظلم وأن ينتقم ممّن ظلمك في الدنيا والآخرة . ليس مهمّا اللسان الذى تنطق به عربيا أو فرنسيا ..، لأن المدار هنا هو على الخشوع والتضرُّع وأن تكون مظلوما لا مُجير لك إلا الواحد القهّار .

3 ـ الفرعون السيسى ظلم رب العزّة جل وعلا إذ يزعم إنه سيشكو فلانا وفلانا الى رب العزة ، كما لو كان نبيا يتعرض لاضطهاد قومه . هذا مع هذا الفرعون ظلم ويظلم عشرات الملايين من المصريين المستضعفين الذين ليس لهم إلا الواحد القهّار يستغيثون به . لن ينقذ مصر والمصريين المظلومين إلّا الدعاء لرب العالمين أن ينتقم من السيسى وقومه أكابر المجرمين . 

4 ـ معظم ضحايا السيسى يقرأون القرآن الكريم ويؤدون الصلاة . نذكّرهم إنه عند السجود في الصلاة يكون المؤمن أقرب الى ربه جل وعلا ، قال سبحانه وتعالى ( وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19) العلق ). فالسجود فرصة مثالية لأن يدعو المظلوم ربه جل وعلا بتضرع ورجاء وخشوع وخضوع . 

5 ـ هي دعوة للمصريين المستضعفين المظلومين الذين قهرهم السيسى بالفقر والمرض والسجن والتعذيب والإرهاب أن يتخذوا من الدعاء عليه وعلى قومه سبيلا للنجاة منهم جميعا .  ليس معهم القوة التي تحميهم من عسفه وظلمه فعليهم أن يستعينوا عليه بالله جل وعلا الواحد القهّار . مطلوب منهم هذا النوع من المقاومة السلمية مضمون النتيجة ، أن يتضرعوا في صلاتهم لربهم جل وعلا أن ينتقم من السيسى وجُنده ، وان يجعلهم عبرة لمن يخشى . 

 ونعطى لهم نماذج من دعوات قرآنية : 

 1 :( حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ )  ( حَسْبِي اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ )  ( حَسْبِي اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38)   ) ( رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) ( عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85) وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنْ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ )

2 ـ  سبحانك أنت الذى وعدت بالنصر الذين آمنوا ، أنت جل وعلا القائل : ( إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ  ) ربنا أنصرنا على من ظلمنا ، ( رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ. )

3 ـ  رب إنى مغلوب فانتصر . 

4 ـ ( رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ ) سبحانك يا من لا تدركه سنة ولا نوم ، سبحانك  يا من  يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ . إكشف السوء عنا وانتقم ممن ظلمنا . اللهم إجعل من السيسى وقومه عبرة لمن يخشى . اللهم استجب يا رب العالمين . 





مقالات من الارشيف
more