رقم ( 2 ) : : أولا : لمحة عن الوعد
ف1 : الوعد بالنصر


 

( إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ (51) غافر ) 

مقدمة : 

1 ـ ( الوعد ) أساس في موضوع ( نُصرة الله جل وعلا للرسل والمتقين )، حيث يدور صراع ، وقد وعد الله جل وعلا أولياءه الذين ينصرونه بأن ينصرهم . 

2 ـ الوعد  قد يكون صريحا ، وقد يأتي ضمنيا . 

3 ـ الوعد الضمنى قد يأتي حتميا لا بد من وقوعه ، ومنه قوله جل وعلا : 

3 / 1 : ( إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ (51) غافر ) .

3 / 2 : ( سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَأْوَاهُمْ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151) آل عمران ) 

3 ـ وقد يأتي الوعد الضمنى محتملا وقوعه مرتبطا بتصرف البشر ، مثل قوله جل وعلا :

3 / 1 : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) محمد )   

3 / 2 :  ( فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً (84) النساء ) 

3 / 3 : ( فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52)  المائدة ) 

3 / 4 : ( عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (7) الممتحنة )

3 / 5 : ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً (97) إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (98) فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً (99) النساء ) 

3 / 6 : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً (19) النساء   ) .

4 ـ الوعد الصريح هو الأكثر ورودا في القرآن الكريم ،  ونتعرض له هنا فيما يخصُّ موضوعنا عن الصراع بين الحق والباطل . وفيه دور الشيطان . ونعطى بعض تفصيلات :

 بين الوعد الشيطانى المُخادع ، والوعد الإلهى الصادق المتحقق .

الوعد الشيطانى المُخادع الغرور:

1 ـ في البداية حين رفض إبليس السجود لآدم عصيانا لأمر الله جل وعلا ، جاء هذا في :

1 / 2 : سورة النساء وقد قال متحديا ربّ العزة جل وعلا : ( وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (118) وَلأضِلَّنَّهُمْ وَلأمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ  ) إبليس يلخّص مهمته في إقتران الإضلال  بالتمنى ، أي يُمنّى أولياءه بوعود خادعة ، فيقعون في الضلال ويستمرون فيه منخدعين بأمانى الشفاعات . وجاء الردُّ من الله جل وعلا : ( وَمَنْ يَتَّخِذْ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُبِيناً (119) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً (120) النساء ) . بعدها قال جل وعلا عن أولياء الشيطان : ( أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصاً (121) النساء ) ، وعن المتقين الناجين من الايمان بوعود الشيطان الكاذبة قال جل وعلا : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَار خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَعْدَ اللَّهِ حَقّاً وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ قِيلاً (122) النساء )

1 / 2 : في سورة الاسراء : ( وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا )الاسراء 64 ).

2 ـ وقد دعا ربُّ العزة  جل وعلا الناس جميعا الى الايمان بوعده الحق وعدم الانخداع بوعد الشيطان وإغراءاته . قال جل وعلا : 

2 / 1 : (  يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ ) لقمان 33 )

2 / 2 : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ ) ( إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا من يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ) فاطر 5 : 6  ).

4 ـ كما أخبر رب العزة جل وعلا إغواء الشيطان لقريش بالخروج الى معركة بدر ووعوده لهم ، ثم تخلّى عنهم : (  وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لا غَالِبَ لَكُمْ الْيَوْمَ مِنْ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتْ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (48)  الانفال  ) 

5 ـ  ومثل هذا قوله جل وعلا : ( كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (16) فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (17) الحشر )

6 ـ  وعن عموم وعد الشيطان ووعد الرحمن ، قال جل وعلا للناس : ( الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) البقرة : 268 ). الفقر هنا ليس عن المال ولكن عن الجشع الذى يجعل الانسان لا يقنع مهما بلغت ممتلكاته وأرصدته ، أي هو فقر في النفس ، لا دواء له إلا بالموت . وهذه حالة مرضية ( من المرض ) نراها في كوكب المحمديين بين أكابر المجرمين الذين سوّل لهم الشيطان وأملى لهم .

7 ـ وأنبأ رب العزة مقدما إعتراف الشيطان لأوليائه وأتباعه وهم في النار بخديعته لهم ، وإنه لم يُرغمهم على قبول خداعه ، فهم الذين إرتضوا لأنفسهم هذا الخداع ، فلا يحٌقُّ لهم أن يلوموه ، بل يلومون أنفسهم : ( وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) إبراهيم  22 ).

صفات الوعد الالهى : 

 وعد الله جل وعلا مسئول ، وكفى بهذا دلالة . قال جل وعلا : ( قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاء وَمَصِيرًا ) ( لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاؤُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْؤُولا ) الفرقان 15 : 16 )

 وعد الله جل وعلا آت لا ريب فيه ، قال جل وعلا : ( جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا  ) مريم 61 )

 وعد الله جل وعلا واقع حتمى ، قال جل وعلا : :(  إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ  ) المرسلات 7 )

وعد الله جل وعلا صادق . قال جل وعلا : 

1 ـ  (  إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ ) الذاريات 5 )

2 ـ عن الوعد للمرسلين : ( وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ) ( وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لّا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ ) ( ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنجَيْنَاهُمْ وَمَن نَّشَاء وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ ) ( الأنبياء 7 : 9 ) 

3 ـ عن الوعد بالجنة للمتقين : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَار خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَعْدَ اللَّهِ حَقّاً وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ قِيلاً (122) النساء ) : ( وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ قِيلاً  ) كقوله جل وعلا : ( وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ  ) التوبة 111 )  ) 

 وعد الله جل وعلا  هو الوعد الحق : . قال جل وعلا : 

1 ـ عموما : (  أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَلاَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ) يونس 55 ).

2 ـ  في القتال الدفاعى : ( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) التوبة 111 )

3 ـ عن يأجوج ومأجوج قبيل قيام الساعة : وقد عرضنا لهم بالتفصيل في مقال  منشور هنا ، عن : ( (2 )علامات اقتراب الساعة واقتراب الفزع الأكبر  ) ،وفيه  إنّ خروجهم من باطن الأرض مرتبط بوعد إلاهى موصوف بأنه ( وعد حق ) : 

3 / 1 :(  قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا ) ( وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا )  الكهف 98 : 99 ) 

3 / 2 : (  وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ ) ( حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ )( وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ )  الأنبياء 95 : 97 )

4 ـ البعث : ( وَأَقْسَمُواْ بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللَّهُ مَن يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ) النحل 38  ) 

5 ـ عن الجنة والنار :

5 / 1 : (  إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ ) ( خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ  ) لقمان 8 : 9 )

5 / 2 : (  إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ ) يونس 4 ). 

6 ـ وتكرّر تذكير النبى محمد عليه السلام بالصبر لأن ( وعد الله حق ُّ ) . قال جل وعلا له :

6 / 1 :( فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ  ) الروم 60 )

6 / 2 : ( فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ ) غافر 55 )

6 / 3 : (  فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ ) غافر 77 ).

أخيرا : الله جل وعلا لا يخلف وعده وميعاده . قال جل وعلا : 

1 ـ في سياق الحديث عن انتصار الروم: ( وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) الروم 2 : 6 )

2 ـ عن إستعجال الكافرين للعذاب : ( وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ  ) الحج 47 )

3 ـ عن حتمية وقوع اليوم الآخر : 

3 / 1 :( رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (9) آل عمران ) 

3 / 2 : (  وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَل لِّلَّهِ الأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَن لَّوْ يَشَاء اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ) الرعد 31 )

4 ـ عن نعيم المتقين (  لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ ) الزمر 20 )

5 ـ عن مثوبة المهاجرين المجاهدين المقاتلين في سبيل الرحمن جل وعلا : (  رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194) فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195) آل عمران  )  

6 ـ ردا على مزاعم الخروج من النار عند الكافرين من أهل الكتاب والمحمديين : ( وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَاتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (80) بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (82) البقرة ).

7 ـ عن العذاب الحتمى للمجرمين : ( فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ ) ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ) ( وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ ) ( سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ ) ( لِيَجْزِي اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) ( هَذَا بَلاغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ  ) إبراهيم 47 ـ  ).


كتاب ( النصر ) ف1 : الوعد بالنصر: التأكيد على وقوع الوعد والوعيد 

جاء التأكيد على تحقيق الوعد والوعيد بأساليب متعددة : 

1 ـ حروف التأكيد مثل ( نون ) التوكيد و ( لام ) التوكيد في قوله جل وعلا :

1 / 1 : ( إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ (51) غافر ) . هنا  نون التوكيد  في البداية ( إنّا ) ثم اللام في ( لننصر ) 

1 / 2 : ( وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الحج  )، هنا جاء معا في كلمة واحدة : ( لام ) التوكيد و ( نون ) التوكيد الثقيلة : ( وَلَيَنصُرَنَّ )، ثم : ( نون ) التأكيد في و ( لام ) التوكيد في نهاية الآية : ( إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ) 

1 / 3 : (  ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (60) الحج ). نفس الحال في هذه الآية وهى من نفس السورة السابقة ( الحج ) ؛ فيها ( لام ) التوكيد و ( نون ) التوكيد في كلمة واحدة ( لَيَنصُرَنَّهُ ) ، ثم : ( نون ) التأكيد و ( لام ) التوكيد في نهاية الآية : ( إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ). 

1 / 4 : (  إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ) الانعام 134 )، هنا توكيد على الوعيد ، وبدأ التأكيد بحرف ( إنّ ) ثم ( لام ) التأكيد ( لَآتٍ ) .

1 / 5 : ( إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (87) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88)  ص )، يعنى ما جاء في القرآن الكريم من وعد ووعيد سيتحقق تأكيدا ، والتأكيد جاء في كلمة ( وَلَتَعْلَمُنَّ ) ، وفيها ( لام ) التوكيد ، و ( نون ) التوكيد .

2 ـ استعمال كلمة ( َلا تَحْسَبَنَّ ) نهيا معزّزا ب ( نون ) التوكيد الثقيلة ، في قوله جل وعلا : 

2 / 1 : ( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمْ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) آل عمران ) 

2 / 2 : ( وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (43) إبراهيم  ) 

2 / 3 : ( فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ (47) يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ (49) سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ (50) لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (51) هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ (52)  إبراهيم )

3 ـ في الآية الكريمة السابقة ( 43 من سورة إبراهيم ) تعبير يرتعش منه قلب المؤمن ، وهو قوله جل وعلا عن ذاته العليّة : ( وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ )، هذا يأخذنا الى التأكيد باستعمال كلمات عميقة الدلالة يرتعش قلب المؤمن من تدبرها ، مثل قوله جل وعلا : 

3 / 1 (  وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنْ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47)  الروم  ). الشاهد في الآية الكريمة قوله جل وعلا  عن ذاته العليّة : ( وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ  ) !.

3 / 2 : ( قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيراً (15) لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْداً مَسْئُولاً (16) الفرقان ) . الشاهد هنا قوله جل وعلا عن ذاته العليّة : ( كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْداً مَسْئُولاً  ).!

4 ـ ومنه الى التأكيد بالأسلوب الساخر في قوله جل وعلا : ( مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (15)  الحج  )

5 : ومنه ضرب المثل ، كقوله جل وعلا : ( قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12) قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأَبْصَارِ (13)  آل عمران ) 

6 ـ باستعمال كلمات تفيد تأكيدا في حدّ ذاتها مثل : ( الٍسُّنّة ). و هذا المصطلح يأتي في القرآن الكريم منسوبا لرب العزة جل وعلا وحده ، وله معنيان فقط : الشرع الالهى ، والمنهاج الإلهي الذى لا يتبدّل في التعامل مع الكافرين . وهذا خاص بموضوعنا هنا حيث تؤكد على منهاج إلاهى لا يتبدل . قال جل وعلا : 

6 / 1  : (  وَلَوْ قَاتَلَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوْا الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً (22) سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً (23) الفتح ).

6 / 2 : ( قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ (38)الانفال )

6 / 3 : (  اسْتِكْبَاراً فِي الأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً (43) فاطر ) 

6 / 4 : ( فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ (85) غافر )  

7 ـ باستعمال مصطلح ( غلب ) مقترنا بوعد ضمنى ، في قوله جل وعلا في قصة يوسف : ( وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (21) يوسف ). هذا الوعد الضمنى جاءت اليه إشارات في :

7 / 1 : بداية القصة : ( إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4) قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (5) وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6) يوسف ) 

7 / 2 : وفى منتصف القصة جاء قوله جل وعلا : ( وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (21) يوسف  ) .

7 / 3 : وفى نهايتها : ( فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ (99) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَاي مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنْ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنْ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100) رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنْ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101) يوسف  ) 

8 ـ وجاء مصطلح ( غلب ) وعدا صريحا مثقلا بأدوات التوكيد ، في قوله جل وعلا :

8 / 1 : ( كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21) المجادلة )، هنا كلمة ( كتب ) وهى بالغة الدلالة في التأكيد ، ثم  ( لام ) التوكيد و ( نون ) التوكيد ( لأَغْلِبَنَّ )، و ( نون ) التوكيد في ( إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ) والأشد دلالة في التوكيد هو حديثه جل وعلا عن ذاته بلفظ الجلالة ( كَتَبَ اللَّهُ )، ( إِنَّ اللَّهَ)، وضمير المتكلم ( أنا ) وضمير الملكية ( وَرُسُلِي ). 

8 / 2 : ( وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمْ الْمَنصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُندَنَا لَهُم الْغَالِبُونَ (173) الصافات ). هنا أسلوب التوكيد بالنصر والغلبة في ( إِنَّهُمْ لَهُمْ الْمَنصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُندَنَا لَهُم الْغَالِبُونَ ). 

أخيرا : تدبر في قوله جل وعلا : ( إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ (51) غافر ): 

1 ـ يلاحظ وجود شرط للنصرة الإلهية للمؤمنين في قوله جل وعلا : 

1 / 1 : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) محمد  )

1 / 2 : ( وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الحج  ). 

2 ـ لأنّ سياق الآيتين جاء تعليقا على أحداث معاصرة وقتها . قال جل وعلا : 

2 / 1 (  فَإِذا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (9) محمد  )

2 / 2 : ( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الحج ) . لأن نزول الآيتين كان معاصرا فلا بدّ من التحريض والوعظ  للمؤمنين الأحياء ، إن نصروا الله جل وعلا نصرهم الله جل وعلا . 

2 ـ  يختلف الحال مع الوعد بالنصر بدون شرط في قوله جل وعلا : ( إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ (51) غافر ). لأن سياق الآية الكريمة جاء عن المستقبل في أحوال الكافرين في النار وهم يتحاجُّون ويتلاومون ، قال جل وعلا : ( وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنْ النَّارِ (47) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ (48) وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنْ الْعَذَابِ (49) قَالُوا أَوَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (50) غافر ) جاء بعده التعليق والتعقيب شاملا الدنيا والآخرة  في قوله جل وعلا : ( إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ (51) يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمْ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (52) غافر ).

مجرد ملاحظة : 

علماء البلاغة في العصور الوسطى لم يستفيدوا كما ينبغي من الفصاحة القرآنية في موضوع التوكيد . 


كتاب  ( النصر ) ف1 : أمثلة لتحقق الوعد الإلهى ( 1 : 2 )

مقدمة : تحقيق الوعد يأتي بعد صدور الوعد ، أي يكون الوعد في الماضى بينما يأتي تحقيقه في المستقبل . وبهذا فالوعد الإلهى الذى جاء في القرآن الكريم ينقسم الى : 

1 ـ وعد في الماضى قبل نزول القرآن وتم تحقيقه قبل نزول القرآن .

2 ـ  وعد قبل نزول القرآن وتم تحقيقه بنزول القرآن 

3 ـ وعد في وقت نزول القرآن وتم تحقيقه وقت نزول القرآن .

4 ـ وعد وقت نزول القرآن وتم تحقيقه بعد نزول القرآن بزمن قليل أو طويل .

5 ـ وعد وقت نزول القرآن ولم يتم تحقيقه بعد ، وسيتحقق في هذه الدنيا في آخر الزمان .

6 ـ وعد وقت نزول القرآن ولم يتم تحقيقه بعد ، وسيتحقق في اليوم الآخر . 

ونعطى تفصيلا : 

أولا :  وعد في الماضى قبل نزول القرآن وتم تحقيقه قبل نزول القرآن . 

وهو عن إهلاك السابقين إنتصارا للرسل. كانوا يكذبون النبى فيتوعدهم بعذاب الله جل وعلا ، فيتحدُّونه يطلبون العذاب ، فيدعو الله جل وعلا أن ينصره عليهم ، ويتحقق وعد الله جل وعلا بالنصر ، وعندها لا ينصرهم أحد. نعطى أمثلة : 

1 ـ نوح عليه السلام:

1 / 1 :  ( قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنْ الصَّادِقِينَ (32) هود )

1 / 2 : ( كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9) فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (14) القمر)

1 / 3 : ( وَنُوحاً إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنْ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَنَصَرْنَاهُ مِنْ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (77)الانبياء  )

1 / 4 : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (23) فَقَالَ الْمَلأ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأَنزَلَ مَلائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأَوَّلِينَ (24) إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ (25) قَالَ رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ (26) فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنْ اصْنَعْ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا ...) المؤمنون  )

2 ـ ( هود ) عليه السلام وقومه ( عاد)

2 / 1 : قالوا عنه:( إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ (38) المؤمنون ) 

2 / 2 :وقالوا له :

2 / 2 / 1 : ( قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنْ الصَّادِقِينَ (70) الأعراف )

2 / 2 / 2 : ( قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنْ الصَّادِقِينَ (22) الاحقاف )

2 / 3 : فدعا ربه جل وعلا :  ( قَالَ رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ (39) المؤمنون  )

2 / 4 : وكانت عقوبتهم : ( فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ (16) فصلت ). 

3 : ( صالح ) عليه السلام وقومه ( ثمود ) : 

طلبوا آية فخلق الله جل وعلا لهم نأقة من الصخر ، يشربون ألبانها ، وخوّفهم صالح عليه السلام من عذاب الله جل وعلا ، فعقروا الناقة وطلبوا العذاب تحديا . قال جل وعلا :

3 / 1 : ( فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنْ الْمُرْسَلِينَ (77) فَأَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (78) الأعراف )

3 / 2 :(  وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (43) فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمْ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنظُرُونَ (44) فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنتَصِرِينَ (45) الذاريات ) 

3 / 3 ( وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ ) ( فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ   )هود 64 : 65 ) .

4 ـ ( لوط ) عليه السلام وقومه : 

4 / 1 : ( وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْعَالَمِينَ (28) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمْ الْمُنكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنتَ مِنْ الصَّادِقِينَ (29) قَالَ رَبِّ انصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ (30) العنكبوت  ) 

4 / 2 : ( قَالُواْ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ ) ( فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ ) ( مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ ) هود 81 : 83  )، الآية الأخيرة فيها تهديد مُبطّن تحقق ويتحقق في مدمنى الشذوذ الجنسى . 

5 ـ وتحققت وعود في قصة موسى عليه السلام : 

5 / 1 وعد الله جل وعلا أم موسى عندما ولدته أن يرده اليها وأن يجعله رسولا . قال جل وعلا : ( وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ) ( فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ ) ( وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ) ( وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) ( وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ ) ( وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ ) ( فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ  ) القصص 7 : 13 )

5 / 2 : الوعد لقوم موسى : ( قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129) الأعراف ) ، وقد تحقق هذا في قوله جل وعلا : (  فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (136) وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137)  الأعراف ) 

5 / 3 : الوعد بالنصر : ( وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (114) وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنْ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (115) وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمْ الْغَالِبِينَ (116)  الصافات )

6 ـ وعن الأنبياء السابقين قال جل وعلا : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنْ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47) الروم )

7: وسارت على قريش نفس مسيرة التكذيب وطلب العذاب ، قال جل وعلا :

7 / 1 : ( فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنْ الْمُنْتَظِرِينَ (102) ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقّاً عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ(103) يونس )

7 / 2 : (  كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ ) ( أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ أَمْ لَكُم بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ ) ( أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ ) ( سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ) ( بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ) القمر 43 : 46 ) 

 ثانيا  ـ وعد قبل نزول القرآن وتم تحقيقه بنزول القرآن : 

1 ـ في لقاء موسى بربه جل وعلا في جبل الطور ومعه سبعون رجلا من قومه كان الوعد بخاتم النبيين محمد عليه السلام ونزول خاتم الكتب الإلهية القرآن الكريم . قال جل وعلا : 

( وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155) وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (157) قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِ وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158) الاعراف  ).

2 ـ وتوارثت بعدها الأجيال البشارة بخاتم النبيين ، حتى لقد بشّر بهذا عيسى عليه السلام ، قال جل وعلا : ( وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (6) الصف ).

3 ـ وعاش بعضهم في يثرب انتظارا لمبعث النبى الخاتم وهجرته ، وكانوا يتوعدون الأوس والخزرج إن النبى الخاتم قادم وأنهم سيتبعونه ويستقوون به عليهم ، فلما تحقق الوعد وهاجر خاتم النبيين الى يثرب ( المدينة ) كفروا به بينما آمن به معظم الأوس والخزرج . قال جل وعلا : (  وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (90) البقرة ). 

4 ـ منهم من إزداد بتحقيق الوعد إيمانا وعندما سمع القرآن أيقن تحقق الوعد الالهى ، وتذكر وقت نزول الوعد حينما رفع الله جل وعلا جبل الطور فوقهم فسجدوا على أذقانهم وهم ينظرون الى الجبل المرفوع فوقهم ( وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (171) الاعراف ) ، هؤلاء عاصروا نزول القرآن الكريم وسمعوه فسجدوا يخرون للأذقان خشوعا ، قال جل وعلا عنهم لمن كفر بالقرآن من العرب:( قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا)( وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً ) الاسراء 107 : 108 )

5 ـ ومنهم علماء إتّخذ الله جل وعلا من إيمانهم بالقرآن حُجّة على كفار العرب ، قال جل وعلا : ( أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (197) الشعراء  ). 

6 ـ ومنهم مؤمنون قال جل وعلا عنهم ( وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنْ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنْ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84) فَأَثَابَهُمْ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (85) المائدة ) 

7 ـ ومنهم من إزداد بنزول القرآن طغيانا وكفرا : (   وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً )   (64)  المائدة  ( وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (68)  المائدة  ).

8 ـ ومع إختلاف المواقف فقد تحقّق الوعد بنزول القرآن ، وكانوا يعرفونه كما يعرفون أبناءهم . قال جل وعلا :

8 / 1 : ( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146) البقرة ) 

8 / 2 : ( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (20) الانعام ) . 

كتاب  ( النصر ) ف1 : أمثلة لتحقق الوعد الإلهى ( 3 )

ثالثا :  وعد في وقت نزول القرآن وتم تحقيقه وقت نزول القرآن : ( النصر في المعارك )

 الحرب والنصر في الإسلام 

1 ـ السلام أحد أعمدة الشريعة الإسلامية ، لذا فالحرب فيها إستثناء ومُقيد بشرطين : أن يكون دفاعيا فقط ، وأن يكون الجيش قد وصل الى مرحلة الاستعداد العسكرى ، وقد فارق المؤمنون مرحلة الاستضعاف وليس قبل ذلك .

2 ـ  بعد أن أرغمت قريش النبى والمؤمنين على الهجرة من مكة الى المدينة تابعوهم بحملات هجومية وقت أن كان المؤمنين في المدينة مأمورين بكفّ اليد وعدم الرّد ، إستمرت قريش في هجومها ، قال جل وعلا عنهم في هذه الحالة : ( وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا ) (217) البقرة ) ، بعد أن أتمّ المؤمنون إستعدادهم الحربى نزل لهم الإذن بالقتال الدفاعى وفيه الحيثيات التشريعية ، أنهم  يتعرضون لقتال هجومى من الذين أخرجوهم من ديارهم ظلما وعدوانا ، ولهذا فهم يستحقون أن يدافع عنهم رب العزة جل وعلا ، قال جل وعلا : ( إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38) أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الحج  ) . 

3 ـ قوله جل وعلا : ( إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38) الحج ) يفسره قوله جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) محمد ) . فالاعتداء من الكافرين وحده لا يكفى لنصر المؤمنين ، لا بد من شرط آخر هو أن يكون المؤمنون ينصرون الله جل وعلا جهادا وقتالا في سبيله وليس لغرض دنيوى كالغنائم والأموال والأنفال .  حينئذ ينصرهم الله جل وعلا ويتحقق فيهم وعده ، ومتى نصرهم الله جل وعلا فلا غالب لهم ، وإن خذلهم الله جل وعلا فلا ناصر لهم ، قال جل وعلا : ( إِنْ يَنْصُرْكُمْ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ (160) آل عمران ).

3 ـ وقت تعرض المؤمنين في المدينة الى موجات الهجوم من قريش كانوا يعيشون في خوف يخافون ملاحقة قريش وأن تتخطفهم غاراتهم الحربية ، حينها نزل لهم الوعد بالاستخلاف في الأرض ، وأن يتبدل حالهم من الخوف الى الأمن طالما ينصرون الله جل وعلا بأن يؤمنوا به جل وعلا وحده ، قال جل وعلا : ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ )النور 55 ). 

4 ـ كانوا بالتعبير القرآنى ( أذلّة ) ، إختلف الأمر بعد إنتصارهم في موقعة ( بدر ). قال جل وعلا : ( وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) آل عمران ). بعد هذا الإنتصار لم يعودوا ( أذلّة ) ، وقد ذكّرهم رب العزة جل وعلا بتحقيق وعده فيهم ، قال جل وعلا : (  وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمْ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26) الانفال ).

 فى موقعة ( بدر ) 

1 ـ فيها تحقق الوعد الالهى بالنصر برغم صعوبات وقتها. 

2 ـ كانت أول مواجهة حربية بين مؤمنين تعودوا السلام والخنوع أمام جبروت قريش . كانوا مستضعفين في مكة ، وهاجروا منها يحملون الرّهبة من قريش وسطوتها ، خصوصا وحملاتها كانت تتابع الهجوم على المدينة . كانت قريش تتاجر في قوافلها بأموال المؤمنين بعد طردهم من مكة ، وتمرُّ بالقرب منهم تذكّرهم بما حدث لهم ولأموالهم وديارهم التي صادرتها قريش . كان للمؤمنين حق في تلك القافلة التي تتربّح من أموالهم . 

3 ـ بعد الاستعداد الحربى نزل لهم الإذن بالقتال ، وبعض الذين تعودوا المسالمة واستراحوا للأمر بكف اليد عن القتال الدفاعى أزعجهم هذا التشريع الجديد بالقتال ، قال جل وعلا : (  أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنْ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً (77) النساء  ). وقال لهم جل وعلا في خطاب مباشر : (  كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (216) البقرة) . القتال الدفاعى خير لهم لأنهم لو ظلوا على حالهم لأبادتهم قريش قتلا . 

4 ـ نزل لهم الوعد إما بالنصر وإما بالحصول على القافلة التي تتاجر بأموالهم . وخرجوا لقطع الطريق على القافلة وهم يودون أن يقتصر الأمر على تحقيق الوعد بالحصول على القافلة دون الوعد بالحصول على النصر الذى يعنى القتال ، ولكن الله جل وعلا أراد أن تكون المواجهة الحربية والنصر فيها ليُحقّ الحق بكلماته ويحقق وعده ويهزم الكافرين المعتدين . عندما أفلتت منهم القافلة وتحتّم عليهم أن يواجهوا جيش قريش الذى يفوقهم عددا وقوة إرتعب فريق منهم وأخذوا يجادلون النبى محمد عليه السلام ، وحين إضطروا للمواجهة كانوا كأنما يواجهون الموت . قال جل وعلا : ( كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5) يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ (6) وَإِذْ يَعِدُكُمْ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8) الأنفال ). 

5 ـ وصف الله جل وعلا تحقق الوعد بالانتصار في بدر بالأمر المفعول ، وهذا الأمر المفعول يشمل تحديد مكان المواجهة وتحديد رؤية جيش المؤمنين لجيش الكافرين ورؤية جيش الكافرين للمؤمنين ، إذ أرى الله جل وعلا الجيش الكبير لقريش قليلا في أعين المؤمنين ليشجعهم على الاشتباك الحربى ومنعا للفشل والتنازع بينهم ، وأرى الله جل وعلا جيش المؤمنين القليل قليلا جدا في أعين جيش قريش ليشجعهم على القتال غرورا واستسهالا ، قال جل وعلا : ( إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42) إِذْ يُرِيكَهُمْ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (43) وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذْ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ (44) الانفال )

في موقعة أُحُد : 

1 ـ فيها تحقق قوله جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) محمد ). الخروج الى ( بدر ) كان للحصول على القافلة وكان الوعد كان إما الانتصار أو الغنائم ، لذا أصبح توزيع الغنائم ( الأنفال ) مشكلة بعد الانتصار ، هل هي من حق المقاتلين فقط أم من حق المهاجرين أصحاب الأموال التي صودرت في مكة وتاجرت بها قريش وهذا يعنى حرمان المقاتلين من الأنصار . إختلفوا في التوزيع ، وسألوا النبى محمدا عليه السلام ، وكالعادة فإنه عليه السلام ليس له أن يجيب من عنده ، بل لا بد أن ينتظر نزول الوحى بالاجابة ، ونزلت الإجابة في قوله جل وعلا : ( يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَنْفَالِ قُلْ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (1) الانفال ) . 

2 ـ ظلت ( الغنائم ) مشكلة لدى بعض المؤمنين ، وتسببت في هزيمتهم في موقعة ( أُحُد )، هذا لأن الله جل وعلا ينصر المؤمنين إذا نصروه ، أي أن يكون قتالهم في سبيل الله جل وعلا وحده وليس في سبيل الغنائم وحُطام الدنيا . صدقهم الله جل وعلا في أول المعركة حين نصروه جل وعلا ، وهرب جيش قريش ، عندها برز الطمع في الغنائم عند البعض فالتفتوا الى جمع الغنائم عصيانا لأوامر الله جل وعلا وإرادة للدنيا وليس لنعيم الجنة ، لذا حلت الهزيمة ، قال جل وعلا : ( وَلَقَدْ صَدَقَكُمْ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152) آل عمران ).  

في موقعة الأحزاب 

1 ـ جمعت قريش أحلافها وأحزابها وتحركت جيوشهم نحو المدينة لتدميرها ، كان أمرا مُرعبا حتى على المؤمنين ، وقد جاء النصر من عند الله جل وعلا حسب وعده ، قال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً (9) إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتْ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً (11) الاحزاب ). 

2 ـ قبل النصر ورجوع الأحزاب فاشلين كان وعد الله جل وعلا بالنصر للمؤمنين ، وعند حصار الأحزاب إختلفت مواقف المؤمنين والمنافقين . إعتبر المنافقون وعد الله جل وعلا غرورا ، قال عنهم جل وعلا : ( وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُورًا  ) الأحزاب 12 ). أما المؤمنون فقد قال عنهم جل وعلا : ( وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ) الأحزاب 22 ). 

3 ـ وفى النهاية رجعوا فاشلين وتحقق وعد الرحمن ، قال جل وعلا : ( وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً (25) الاحزاب ) 

في مواقع أخرى 

ليس القرآن الكريم كتابا في التاريخ ، والقصص القرآنى له منهجه القائم على العبرة والهداية ، لذا لا إهتمام بأسماء الأشخاص وتحديد المكان والزمان ، وبالنسبة للمعارك التي خاضها النبى محمد عليه السلام فهى كثيرة إنتصر فيها المؤمنون ، ومع هذا فليست كلها مذكورة في القرآن الكريم،قال جل وعلا : ( لَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ )(25) التوبة ). المواقع الحربية التي انتصر فيها النبى والمؤمنون تحقق فيها وعد الله جل وعلا ، وقام فيها المؤمنون بنُصرة الله جل وعلا فنصرهم الله جل وعلا .

ختاما : فتح مكة 

1 ـ أول إشارات لفتح مكة جاءت في سورة ( الفتح ) والتي بدأت بقوله جل وعلا : ( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً (2) وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً (3) الفتح ). هنا تأكيد على حدوث الفتح بالحديث عنه بصيغة الماضى ، أي المتحقق الحدوث . 

2 ـ كانت قريش تصُدُّ النبى والمؤمنين عن الحج ، ورأى النبى في المنام أنه يحج ، فأعلن عزمه على الحج مسالما ومعه المؤمنون ، فحشدت لهم قريش جيشا ليصدهم عن دخول مكة ، قال جل وعلا : ( هُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً (25) إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمْ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (26) الفتح ) 

3 ـ وكان الأمر حرجا للمؤمنين فهم لم يأتوا مستعدين للحرب ، ومع ذلك فقد بايعوا النبى بالدفاع ، فحازوا رضى الله جل وعلا ، قال جل وعلا يعدهم بالنصر وبالغنائم : (  لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ) ( وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ) ( وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا  ) الفتح 18 : 20 ). 

3 ـ أي هنا وعدان ، وقد تحققا . وعد بالظفر أو النصر ، قال جل وعلا :  ( وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً (24) الفتح ) ، ووعد بدخول النبى والمؤمنين المسجد الحرام آمنين ، قال جل وعلا : ( لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً (27) الفتح) .

4 ـ هذا الفتح القريب ( زمنيا ) تحقق عندما دخل العرب أفواجا في الإسلام السلوكى ( بمعنى السلام ) ، جاءوا اليه في المدينة أفواجا يعلنون دخولهم في دين الله ، قال جل وعلا له :( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً (3) النصر ). هو عليه السلام لم ير مكنون قلوبهم ، ولكنه رأى الإسلام الظاهرى بمعنى السلام . 





كتاب : ( النصر ) ف1 : أمثلة لتحقق الوعد الإلهى : وعد آخر في وقت نزول القرآن وتم تحقيقه وقت نزول القرآن :

 ( غُلِبَتِ الرُّومُ ﴿٢﴾) 

أما أهم وأخطر ما أنبأ به القرآن الكريم فى مكة ثم تحقق في حياة النبى محمد عليه السلام فهو ذلك الحدث (العالمى ) فى صراع القوتين العظميين ( الفرس والروم ) وقتها :( غُلِبَتِ الرُّومُ ﴿٢﴾)، وجاء هذا وعدا ربانيا من رب العزة جل وعلا بانتصار الروم بعد هزيمتهم . قال جل وعلا: (الم ﴿١﴾ غُلِبَتِ الرُّومُ ﴿٢﴾ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ﴿٣﴾ فِي بِضْعِ سِنِينَ ۗ لِلَّـهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ۚوَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ﴿٤﴾ بِنَصْرِ اللَّـهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴿٥﴾ وَعْدَ اللَّـهِ ۖ لَا يُخْلِفُ اللَّـهُ وَعْدَهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴿٦﴾ الروم ).  ونعطى تفصيلا : 

 معنى كونه وعدا الاهيا مؤكدا بنصر الروم :

1 ـ جاء إنتصار الروم على الفرس وعدا إلاهيا ، قال جل وعلا : (وَعْدَ اللَّـهِ ۖ لَا يُخْلِفُ اللَّـهُ وَعْدَهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴿٦﴾ الروم ). 

2 ـ وهذا يعنى إن الله جل وعلا هو الذى سينصر الروم على الفرس بعد أن هزمهم الفرس . قال جل وعلا : (وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ﴿٣﴾ فِي بِضْعِ سِنِينَ ۗ لِلَّـهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ۚوَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ﴿٤﴾ بِنَصْرِ اللَّـهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴿٥﴾). 

3 ـ والمعنى أن قوة الرحمن هى التى هزمت قوة الفرس ونصرت الروم. وأن هذا سيحدث بعد بضع سنين من نزول هذه الآيات . 

هو وعد الاهى للمؤمنين وليس للروم :

1 ـ هذا الوعد الالهى بانتصار الروم لم يأت للروم أصحاب الشأن ، بل أتى للمؤمنين المستضعفين وهم فى مكة يواجهون إضطهاد القرشيين وزعمائهم من بنى امية المسيطرين على رحلتى الشتاء والصيف. 

2 ـ كان المؤمنون المستضعفون فى مكة يتمنون إنتصار الروم ( وهم أهل كتاب ) ، بينما كان الكفار القرشيون يتمنون أن ينتصر الفرس ، وجاءت قوافل قريش بهزيمة الروم ، وفرحوا لأن هذا من مصلحتهم لأنه سيجعل قبضة الروم أضعف على الشام وهم يسيرون بقوافلهم فى الشام . أصاب المؤمنين المستضعفين الحزن فنزل هذا الوعد قرآنا لهم يبشرهم بوعد الاهى بأن الروم سينتصرون فى بضع سنين ، لأنه حين يتحقق إنتصار الروم على الفرس سيفرح المؤمنون لأنه سيواكب إنتصارا للمؤمنين على القرشيين به يتغير حالهم من الخوف الى الأمن . 

  هذا الإعجاز القرآنى تحقق تاريخيا :
1 ـ وهنا نعقد مقارنة بين ما قاله القرآن الكريم و ما تحقق فعلا وسجله تاريخ الصراع بين الفرس والروم فى تلك الفترة. ولنبدأ أولا بما قاله التاريخ عن صراع الفرس والروم في عصر البعثة المحمدية. كان محمد بن عبد الله قد تجاوز الثلاثين من عمره حين نشبت حرب كسرى برويز مع الروم ( من سنة 603). وقد انتهت تلك الحرب ( سنة 627 ).  أي شهد النبي محمد عليه السلام في حياته تحقق إنتصار أنبأ به من قبل رب العزة جل وعلا حين نزلت آيات : ( غُلِبَتِ الرُّومُ ﴿٢﴾ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ﴿٣﴾ فِي بِضْعِ سِنِينَ  ) .

3 ـ  ونرجع إلى التاريخ :

3 / 1 : في سنة 603 قتل الإمبراطور البيزنطي ( الرومي) موريس، وكانت العلاقات ودية بين الروم والفرس، لذا جاء ابن موريس إلى كسرى برويز يحتمي به ضد فوكاس مغتصب الحكم وقاتل أبيه. 

3 / 2 : وأتخذها كسرى برويز فرصة ، فزحف بجيش اكتسح به حاميات الروم فيما بين النهرين وأستولي على أمد وديار بكر والرها وحران وعبر نهر الفرات وتقدم جنوبا إلى لبنان . وفي نفس الوقت تقدم جيش فارسي آخر من ناحية أرمينية وزحف نحو آسيا الصغرى متقدما نحو العاصمة الرومية القسطنطينية.

3 / 3 : وأصاب الروم الفزع والاضطراب ولم يتمكن فوكاس الرومي من عمل شيء فعزله الروم وتولى مكانه هرقل ( هراكيليوس) .

3 / 4 : زحف هرقل ( هراكيليوس ) من شمال أفريقيا إلى القسطنطينية بالسفن وحاول إنقاذها، ولكن أستمر كسرى برويز في فتوحاته سنة 611 إذ أكمل احتلال الشام ودخل دمشق وبيت المقدس وأستولي على صليب عيسى وأرسله إلى إيران، وأرسل قائده شهربزار فاحتل دلتا مصر والإسكندرية سنة 616 ، أي بعد أن بعث الله جل وعلا محمدا رسولا ببضع سنوات. 

3 / 5 : وفي سنة 617 استولي الفرس على ولايات آسيا الصغرى واحتلوا خلقدونية قرب القسطنطينية. 

3 / 6 : وأصبح الروم في مأزق حرج وتوقع الجميع سقوطها والقضاء النهائي على الروم البيزنطيين. في ذلك الوقت نزل القرآن يبشر المؤمنين في مكة بأن الروم – النصارى - سيغلبون الفرس المجوس بعد بضع سنين.

3 / 7 : ولم يكن لدى هرقل علم بهذه البشرى إذ كان وقتها يفكر في الهرب إلى قرطاجنة ، حتى لقد جمع خزائن القسطنطينية وذخائرها في سفن كثيرة وبعث بها إلى قرطاجنة، وقد غرقت تلك السفن ، واضطر هرقل تحت ضغط رجال الدين والشعب إلى الصمود ومنحته الكنيسة كنوزها ليدعم مجهوده الحربي. 

3 / 8 : وبذلك بدا هرقل حرب الاسترداد ، فعبر الدردنيل بجيوشه سنة 622 وزحف نحو أرمينيا وهزم الفرس فيها ، ثم عاد إلى القسطنطينية .

3 / 9 : ، وفي العام التالي 623  تعاون هرقل مع الشعوب الشمالية كالخزر وهاجم إيران من الشمال فأسرع كسرى برويز بجيش قدره 40 ألف جندي لملاقاة هرقل ، ولكن انتصر عليه هرقل في ازربيجان .

3 / 10 : ثم واصل هرقل عملياته الحربية السريعة على المدن الإيرانية الهامة والمقدسة سنة 623 .

3 / 11 : وفي العام التالي 624  استعد كسرى لحرب فاصلة ولكن أسرع هرقل ودخل أرمينيا وهزم جيوش الفرس منفصلة قبل أن تتجمع . 

3 / 12 : وكان لابد لهرقل أن يستريح ليلتقط أنفاسه ويعد جيوشه للمعركة الفاصلة مع كسرى . وقد أعدّ كسرى جيشين لها ، واحدهما يقوده شاهين باسطول بحرى هائل لمحاصرة القسطنطينية أما الأخر فقد استعد لمواجهة هرقل برا .  وترك هرقل قوة للدفاع عن القسطنطينية واتجه شرقا إلى شمال إيران وهاجم تفليس .

3 / 13 : ، وتعرضت القسطنطينية لهجوم وحصار برى وبحرى. هاجمها الاسطول الفارسى ، وكان اكبر اسطول بحرى وقتها ، وهاجمها الجيش الفارسى من البر . المفاجأة الكبرى كانت هزيمة الاسطول الفارسى أمام القسطنطينية بلا تدخل من الروم . إذ هبت رياح عاتية هزمت الجيش الفارسى في البر وأغرقت الاسطول الفارسى في البحر ، هذه الرياح العاتية أعمت الجنود الفرس في البر وفي البحر.  ومات شاهين كمدا وهو يرى هزيمته بسبب عوامل مناخية لا قبل له بها. أو بتعبيرنا أن الله سبحانه وتعالى هو الذي هزم  قوات الفرس البرية وأغرق اسطولهم بالريح لأنه أخبر مسبقا بهزيمتهم حين قال جل وعلا وهو صاحب الأمر : ( الم ﴿١﴾ غُلِبَتِ الرُّومُ ﴿٢﴾ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ﴿٣﴾ فِي بِضْعِ سِنِينَ ۗ لِلَّـهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ۚوَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ﴿٤﴾ بِنَصْرِ اللَّـهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴿٥﴾ وَعْدَ اللَّـهِ ۖ لَا يُخْلِفُ اللَّـهُ وَعْدَهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴿٦﴾ الروم ).  

3 / 14 : وكانت هزيمة الفرس البرية والبحرية أمام القسطنطينية بداية النهاية، إذ تلاها فرار كسرى برويز في معركة دستكرد البرية، وقد عزله الفرس ثم قتلوه، وتولى ابنه قباذ الذي عقد الصلح مع هرقل. 

 مقارنة بين أحوال الروم وأحوال المؤمنين 

ونعود إلى بشرى القرآن بانتصار الروم بعد هزيمتهم نقارنها بأحوال المؤمنين . 

1 : في سنة 617 بلغ كسرى برويز أقصى انتصاراته حتى أن هرقل سأله في الصلح فاستكبر كسرى وسجن الرسول الذي بعثه هرقل وأرسل لهرقل بأمره بالحضور أمامه مقيدا بالأغلال، حتى فكر هرقل في الهرب إلى قرطاجنة. في ذلك الوقت الذي فقد فيه الروم الأمل نزلت البشرى بانتصارهم تخاطب المؤمنين فى مكة ، وأن ذلك النصر سيكون بعد بضع سنوات. وبعدها ببضع سنوات أي سنة 622 بدأ الروم مسيرة النصر إلى أن تحقق نهائيا بهزيمة الفرس غير المتوقعة سنة 626. كما أخبر القرآن سلفا. ولكن ما شأن مسلمي مكة بتلك البشرى ؟ 

2 : كان المسلمون في مكة في ذلك الوقت سنة 617 يتمنون انتصار الروم النصارى أهل الكتاب، بينما كان مشركو مكة يفرحون بهزيمة الروم كيدا للمسلمين. وكان المسلمون وقتها في مكة مقهورين مستضعفين، وكان الأمل في انتصار الروم بعد نكستهم أمام الفرس مختلطا بآمالهم الأخرى في انتصارهم على مشركي مكة، وقد تقوى هذا الأمل فيهم بقوله جل وعلا  (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ﴿٤﴾ بِنَصْرِ اللَّـهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴿٥﴾ وَعْدَ اللَّـهِ ۖ لَا يُخْلِفُ اللَّـهُ وَعْدَهُ ) ، أي حين ينتصر الروم على الفرس بعد بضع سنين سيفرح المؤمنون لأن وعد الله تحقق ولأن وعد الله بالنصرة لمن يشاء لا يتخلف أبدا.

وحالة المسلمين النفسية في ذلك الوقت كانت تستلزم نوعا من التشجيع، فالله تعالى يعد الروم بالنصر وهم في درك الهزيمة الطاحنة، وليس الروم أقرب إلى الله من المسلمين الذين تتنزل عليهم رحمة الله وفيهم النبي الذي يوحى إليه، ثم أن الروم لا يعلمون شيئا عن القرآن وقتها ولم يعلموا بنبأ النبي العربي وحتى لو علموا بوجوده فأن المحنة التي تدق عليهم أبوابهم كفيلة بأن تشغلهم عن كل شيء عداها. والمقصود أن القرآن وإن تحدث عن بشرى بنصرة الروم بعد هزيمتهم إلا أن حديثه لم يكن موجها للروم وإنما كان متوجها للمسلمين في مكة، وكان يريدهم أن يترقبوا تحقق البشرى وحينئذ سيفرحون ليس لانتصار الروم بعد هزيمتهم ولكن لأن وعد الله قد تحقق، وإذا كان قد تحقق بالنسبة للروم فهو ادعى لأن يتحقق بالنسبة للمسلمين أنفسهم فيما بعد.

3 : خصوصا وأن هناك توافقا زمنيا بين ظروف الروم وظروف المسلمين وقتها. 

3 / 1 : حين بدأ هرقل انتصاراته سنة 622 كانت هجرة المسلمين إلى المدينة.

3 / 2 : وقبلها : يتضح ذلك التوافق الزمني بين محنة الروم أمام الفرس ومحنة المسلمين أمام مشركي مكة، في سنة 610 وما بعدها كان توغل كسرى في الشام وآسيا الصغرى، وكان في نفس الوقت ظهور الدعوة الإسلامية وإيذاء قريش لها، وانتهى اضطهاد قريش بالهجرة سنة 622 . وفي نفس العام بدأ هرقل انتصاراته وحركة الاسترداد.

3 / 3 : وجدير بالذكر أن أقصى سنوات المحنة للروم كانت سنة 617 وهي قريبة من عام الحزن الذي أشتد فيه وطأة المشركين على النبي والمسلمين في مكة.  

3 / 4 : وكما دخل هرقل والروم في مرحلة انتصارات، دخل المسلمون مرحلة الدولة الوطيدة، وكما فرح المؤمنون بتحقيق الوعد الإلهي للروم نزل عليهم الوحي بوعد جديد خاص بهم وهم يعيشون أولى سنواتهم في المدينة دولتهم الوليدة التي يتهددها الخطر من المشركين المحدقين بها من كل جانب.  

3 / 4 / 1 : ولنا أن نتخيل المسلمين في أولى سنوات الهجرة وقد جاءتهم أنباء الانتصارات الرومية وأيقنوا بتحقق الوعد الإلهي حين قال لهم من سنوات مضت (غُلِبَتِ الرُّومُ ﴿٢﴾ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ﴿٣﴾ فِي بِضْعِ سِنِينَ ۗ لِلَّـهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ۚوَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ﴿٤﴾ بِنَصْرِ اللَّـهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴿٥﴾ وَعْدَ اللَّـهِ ۖ لَا يُخْلِفُ اللَّـهُ وَعْدَهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴿٦﴾ الروم ).                                        3 / 4 / 2 : ولنا أن نتخيلهم يتشوقون إلى وعد إلهي لهم هم بالانتصار يتحقق هو الأخر خصوصا وهم يتهددهم الخطر من كل جانب. وفي تلك الظروف نزل الوعد في قوله جل وعلا :  (وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴿٥٥﴾ النور ) . 

3 / 4 / 3 : وتحقق الوعد شيئا فشيئا، انتهى الخوف وحلت محله الثقة بالنفس بعد الانتصار فى موقعة بدر ، وقال  جل وعلا للمؤمنين يمُنُّ عليهم (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴿٢٦﴾الأنفال ) .

4 ـ  وتوالت الانتصارات في الجزيرة العربية متوازية مع انتصارات هرقل . 

4 / 1  : في سنة 627 كان الانتصار النهائي لهرقل وبلغ فيه ذروة المجد وفي نفس العام عقد النبي ( ص) صلح الحديبية الذي اعتبره القرآن الكريم فتحا مبينا وكان بداية الصعود للمسلمين.

4 / 2 :  ثم  في سنة 629 كان فتح مكة. 

4 / 3 : ومات النبي محمد عليه السلام سنة 632 ( 11 هجرية ) بعد أن شهد دخول العرب فى دين الاسلام السلوكى ( السلام ) أفواجا: (  إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّـهِ وَالْفَتْحُ ﴿١﴾ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّـهِ أَفْوَاجًا ﴿٢﴾ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ ۚ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴿٣﴾). 

النبى محمد عليه السلام لم يكن يعلم غيب القلوب فهو لم ير ما فى قلوب العرب ، كل ما رآه هو دخولهم السلام السلوكى بمعنى السلام.

4 / 4 : نرجع  الى الوعد الالهى في قوله جل وعلا : (وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴿٥٥﴾ النور ) . جاء الوعد لهم بالأمن والتمكين مشروطا بالإيمان وعمل الصالحات وفيه إشارة بأن من يكفر بعدها فهم الفاسقون . وفيما بعد وقع الخلفاء الفاسقون في الكفر والفسق بفتوحاتهم الشيطانية في إمبراطوريتي الفرس والروم.!

 

كتاب : ( النصر ) ف1 : الوعد بالنصر: وعود تحققت بعد نزول القرآن ولا تزال تتحقق

رابعا :  وعد وقت نزول القرآن وتم تحقيقه بعد نزول القرآن .

ارتباط الوعد والوعيد 

1 ـ الوعد والوعيد مرتبطان ، قال جل وعلا في وعد المؤمنين الصالحين والكفار المكذبين : 

1 / 1 :(  وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (9) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (10) المائدة ). 

1 / 2 :( وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمْ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68) التوبة) ( وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنْ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)   التوبة ). 

2 ـ أول وعد الاهى  للمؤمنين في المدينة بالنصر جاء فيه وعيد لهم أيضا ، قال لهم جل وعلا : (وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴿٥٥﴾ النور) ، جاءت فيه إشارة تحذيرية لهم من الوقوع في الكفر والفسق . هنا ( وعد ) و ( وعيد ) . وعد لهم إذا قاموا بالشروط ( يعبدون الله جل وعلا ولا يشركون به شيئا ) ووعيد لهم إذا كفروا وفسقوا . 

المال هو الإله الأكبر لقريش : 

1 ـ  قريش إستخدمت البيت الحرام فيما يعرف بالإيلاف ، وهو فى تسيير رحلتى الشتاء والصيف بنقل التجارة الشرقية الآتية بحرا من الصين والهند الى اليمن فتنقلها قوافل قريش من اليمن عبر الصحراء الى الشام الذى يسيطر عليه الروم. ومن الشام تنقل بضائع أوربا الى اليمن لتصل الى الهند والصين.

2 ـ  وقفت قريش ضد الاسلام خوفا على مصالحها الاقتصادية ، إذ جعلت من المال إلاها أعظم إستخدموا في سبيله بيت الله الحرام ، وحرصا على هذا الرزق ( المال السُّحت ) كذّبوا بالقرآن الكريم ، قال جل وعلا : (أَفَبِهَـٰذَا الْحَدِيثِ أَنتُم مُّدْهِنُونَ ﴿٨١﴾ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ﴿٨٢﴾ الواقعة ) . كانوا يؤمنون أنه هدى ولكن إتباع الهدى يعنى لهم أن تثور عليهم القبائل العربية . قال عنهم رب العزة : ( وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقًا مِّن لَّدُنَّا وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴿٥٧﴾ القصص ) . 

3 ـ ضمنت قريش ولاء القبائل العربية المتقاتلة فيما بينها بأن جعلت أصنامهم حول الكعبة تدنّسها تناقضا مع ملة أبيهم إبراهيم عليه السلام . الله جل وعلا عرّف إبراهيم عليه السلام مكان البيت الحرام وأمره أن يطهّره من الأصنام المحيطة به ، وأن يعيد بناءه ، قال جل وعلا : ( وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26) الحج ) ( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) البقرة  )، من نسل إبراهيم جاءت قريش فأحاطت الكعبة بالأصنام لمختلف القبائل ، وعملت فى نفس الوقت على أن يظل العرب فى تقاتلهم حول الشاة والبعير ، بينما يحافظون على قوافل قريش المحملة ببضائع ثمينة . 

4 ـ وفى الصراع بين قريش والمسلمين بدأ العرب يتعرفون على أهمية السلام السلوكى ( السلام ) بديلا عن الحرب ، وبقراءتهم للقرآن إقتنع بعضهم بعبثية عبادة الأصنام وأدرك   كيف تستغلهم قريش . انتشر الاسلام بين الأعراب فأصبحوا أعداء قريش وهددوا طريق قوافلها . انقلب الوضع ، رأت قريش أن الغلبة للاسلام فدخلت فى الإسلام حرصا على مصالحها ومعبودها ( المال ) ، أي حاربت الإسلام حرصا على المال ثم دخلت في الإسلام حرصا على المال ، فالمال كان معبودهم الأكبر والبوصلة التي اليها يتجهون . 

5 ـ قريش كانت أقوى قوة عربية جاها وثراءا ، وكانت أيضا الأكثر مكرا . وقد وصف الله جل وعلا مكرهم بأنه تزول منه الجبال:  ( وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46) إبراهيم  ). وبدأوا بهذا المكر فزرعوا خلايا نائمة حول النبى محمد وهو في مكة وهاجرت هذه الخلايا معه الى المدينة ، وكانت الأكثر اقترابا منه ،هم الذين مردوا على النفاق ، كتموا الكفر وأظهروا الحماس للإسلام ينتظرون موت النبى محمد ليقفزوا الى السلطة ، وليحولوا دفة الدولة الى خدمة قريش ومصالحها التجارية وعبادتها للمال . وهذا ما حدث. وأصبح الذين مردوا على النفاق هم الخلفاء الفاسقون وصحابة الفتوحات والفتنة الكبرى .

الخلفاء الفاسقون وعبادة المال :

1 ـ الخلفاء الفاسقون القرشيون جعلوا ( المال ) إلاها أكبر لهم ، فاستخدموا إسم الله جل وعلا ودينه العظيم ( الإسلام ) ــ المؤسس على السلام والعدل والإحسان  والحرية الدينية ــ في البغى والغزو وإحتلال دول لم تقم بالاعتداء عليهم ، وبدأوا الفتوحات في الشهر الحرام واستمرت الفتوحات والفتن وسفك الدماء دون مراعاة للأشهر الحُرُم . هذه الفتوحات تتناقض أيضا مع شريعة الإسلام في القتال الدفاعى ، ومئات الآيات القرآنية ، ومنها قوله جل وعلا : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) النحل  ) . وبسبب معبودهم الأعظم ( المال ) إختلفوا وتقاتلوا في معارك ( الجمل ، صفين ، النهروان ) وأرسوا أديانا أرضية صار فيها أولئك الخلفاء الفاسقون آلهة ، تحولت من شخصيات تاريخية الى آلهة معصومة يحرم انتقادهم .  

2 ـ لم يكن النبى محمد عليه السلام يعلم أن أقرب الناس اليه هم من وصفهم رب العزة جل وعلا بأنهم مردوا على النفاق : (وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ ﴿١٠١﴾ التوبة  ) . أحرزوا مكانة عالية وهم الى جانب النبى فحكموا بعده ، وهم من نسميهم بالخلفاء الفاسقين تصحيحا لما يقال عنهم ( الخلفاء الراشدون ). 

3 ـ فتوحات قريش في عصر الخلفاء الفاسقين القرشيين في القرن الأول الهجرى إتجهت نحو طريقى التجارة الشرقية شرقا وغربا ، وإحتلّت مناطق وبلادا كانت تمر فيها تجارتها سابقا ، بين الهند والصين شرقا وبين القسطنطينية وجنوب فرنسا غربا . وكانت قريش هى المتعدية بفتوحاتها وإحتلالها . ليس إعتداءا على البشر فقط ولكنه إعتداء على الاسلام إذ نسبوا ظلمهم الى الاسلام والى شريعة الرحمن. وبهذه الصورة عرف العالم صورة مشوهة عن الاسلام . كل هذا بسبب كفرهم وتأليههم للمال من دون الله جل وعلا ، بل كان رب العزة جل وعلا مجرد راية رفعوها ستارا لظلمهم للبشر ، وظلمهم الأكبر لرب البشر . ولأنها حروب معتدية تحت راية دينية تنسب نفسها للاسلام زورا وبهتانا فقد تحول سفاحو الفتوحات من الخلفاء الى آلهة ، وتحولت مظالمهم الى مفاخر . 

4 ـ بهذا كان الخلفاء الفاسقون أكثر كفرا من المنافقين الصُّرحاء الذين قال عنهم جل وعلا : ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (145) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً (146) النساء ). المنافقون الصُّرحاء إذا ماتوا بلا توبة فهم في الدرك الأسفل من النار . أمّا إذا تابوا واصلحوا وأخلصوا دينهم لله جل وعلا فسيكونون مع المؤمنين . أما المنافقون الذين مردوا على النفاق فقد أخبر الله جل وعلا مقدما عنهم وهم أحياء بالقرب من النبى : ( وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنْ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101) التوبة ). هنا واضح بأن النبى محمدا عليه السلام لم يكن يعلمهم لأنهم مهروا في إخفاء كفرهم ونفاقهم ، وأنهم سيتعرضون لعذاب الاهى مرتين وهم أحياء ، ثم مصيرهم الى عذاب عظيم في الآخرة . وهذا يعنى أنهم لن يتوبوا بل سيظهر كفرهم علنا مدويا في العالم بحيث يعاقبهم الله جل وعلا ليس مرة واحدة بل مرتين ، قبل موتهم . وأن هذا العذاب المزدوج لن يجعلهم يتوبون بل سيموتون متمسكين بالكفر ، ليكونوا بعدها في الآخرة من أصحاب النار . نزلت الآية 101 من سورة التوبة قبيل موت النبى محمد تُنبىء بما سيحدث وفى وعيد سيأتى ، وقد أتى فعلا مرتين فيما بعد. إنتقم الله جل وعلا من العرب عام 18 هجرية ، وذلك بطاعون عمواس ومجاعة الرمادة ، ثم بقتل عمر بعدها . 

5 ـ قبلها وحين كان النبى محمد عليه السلام في مكة يواجه اضطهاد قريش أنبأ جل وعلا بالفتنة الكبرى بين زعماء قريش . قال جل وعلا : ( قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ )( وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ )( لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ )65 : 67 )الانعام ). تحقق هذا في الفتنة الكبرى وفى مقتل الخلفاء الفاسقين . وقد جاء تفصيل هذا في كتابنا ( المسكوت عنه في تاريخ الخلفاء الراشدين ) المنشور هنا . 

ختاما : 

1 ـ قال جل وعلا في حُرمة قتل إنسان واحد مؤمن : ( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً (93) النساء ). وتحديد هذا الانسان المؤمن جاء في الآية التالية في قوله جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً (94)  النساء ) . الآية الكريمة تتحدث عن قتال في ميدان المعركة بين جيش مؤمن يدافع ، وجيش كافر يعتدى . وفى الاشتباك الحربى نطق جندي من الجيش المعتدى بالسلام ، عندها يجب شرعا حقن دمه . لأنه مؤمن .  وهذا عن فرد واحد مؤمن ، من يتعمد قتله يستحق : ( جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً (93)النساء ) فماذا عن ملايين الضحايا الأبرياء من الأمم التي غزاها واحتلها الخلفاء الفاسقون في القرن الأول الهجرى من تخوم الصين الى جنوب فرنسا ؟ وماذا عن الزعم بأن هذا هو الجهاد الإسلامي ؟ وماذا عن تقديس الخلفاء من أكابر المجرمين الذى ارتكبوا هذا الظلم العظيم ؟ 

2 ـ الخلفاء الفاسقون كانوا في تناغم مع ثقافة العصور الوسطى في الحروب الدينية والفتوحات وأنظمة الحكم الاستبدادية وسيطرة الأديان الأرضية . تحرر الغرب من هذا الإرث فاقترب من حقائق الإسلام التي طمرها الخلفاء الفاسقون ، بينما لا يزال المحمديون في ضلالهم يتيهون ، ولهذا يظل المال هو الإله الأعظم لهم . بسبب المال يتصارعون في داخل الدولة للوصول الى الحكم أو الاحتفاظ بالحكم ، فالفساد قرين الاستبداد ، والوصول للحكم يعنى ملكية الأرض وما عليها ومن عليها . بسبب المال يتقاتلون فيما بينهم في حروب لا تنتهى ، أي إن ما ( وعد ) أو ( أوعد ) به رب العزة كفار قريش من قبل لا يزال ساريا وسائدا . 

3 ـ نتذكر قوله جل وعلا ، وهو يخاطبهم ويخاطب المحمديين : ( قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ )( وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ )( لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ )65 : 67 ) الانعام ). تحقق هذا في الفتنة الكبرى وفى مقتل الخلفاء الفاسقين ، ولا يزال يتحقق حتى هذا الحين .

3 ـ ودائما : صدق الله العظيم .!  

كتاب  ( النصر ) ف1 : خامسا : الوعد بخروج يأجوج ومأجوج قبيل قيام الساعة :

مقدمة : كان يأجوج ومأجوج جنسا آخر سكن الأرض قبل البشر وعاث فيها فسادا ، وكان ممكنا أن يستأصل البشر في بداية تناسلهم في سطح الأرض ، جاء وعد الله بتحقيق خلافة آدم وذريته في الأرض وبأن ينقذهم من سطوة يأجوج ومأجوج بأن ينفرد بنو آدم بسطح الأرض وبإجبار يأجوج  ومأجوج على العيش في باطن الأرض ، ويظل الأمر على هذا الانفصال بينهما الى قبيل قيام الساعة ، وعندها يتحقق الوعد الأخير في هذه الدنيا بخروج الجيل الأخير من يأجوج ومأجوج الى سطح الأرض يختلطون بالبشر قبيل تدمير الأرض والكون وقيام الساعة . أي تحقق الوعد الأخير بالبعث والنشور ويوم القيامة .

2 ـ وردت قصة يأجوج ومأجوج في سورتى الكهف والأنبياء . ونعطى تفصيلا : 

معنى أن يكون آدم خليفة في الأرض : 

 1 ـــ آدم أبو البشر كان خليفة ، ليس خليفة الله جل وعلا فى الأرض ، فالله جل وعلا هو القيوم الذى لا يغيب ، وهو معنا أينما كُنّا : قال جل وعلا : (  وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4) الحديد ) (  أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7) المجادلة ) .   وإنما جعله الله جل وعلا خليفة فى الأرض بديلا عن خلق هائل كان يسيطر على الأرض ونشر فيها الفساد وسفك الدماء ، وشاء الله جل وعلا أن يأذن يتغييب هذا الخلق فى جوف الأرض واستخلاف آدم وذريته مكانهم ، وسيظل الأمر كذلك إلى قبيل قيام الساعة ، وعندها يخرج أولئك القوم من باطن الأرض ويختلطون بالبشر قبيل تدمير العالم .  

2 ـــ  قال جل وعلا : ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ  )(30) البقرة  ) : قبل آدم وذريته كان يأجوج ومأجوج متحكمين فى الأرض ، يفسدون فيها ويسفكون دماءهم بينهم ، قوله جل وعلا للملائكة : ( إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً  ) لم يقل جل وعلا ( إنى خالق في الأرض خليفة ) لأن خلق آدم كان في البرزخ ، و مصطلح ( جعل) يأتي بعد الخلق كقوله جل وعلا ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ) (1) الانعام ) . أهبط الله جل وعلا آدم وزوجه الى الأرض وتناسلوا فيها وجعلهم خلفاء فيها بعد تغييب يأجوج ومأجوج ، كانت الملائكة من واقع خبرتها تعرف فساد يأجوج ومأجوج وسفكهم الدماء ، لذا قالوا لرب العزة جل وعلا : ( قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء ) نستفيد من هذا أن يأجوج ومأجوج مخلوقات أرضية لها أجساد أرضية ودماء تنزف ، ولها نفس السلوك العدوانى الذى يقع من البشر .  

3 ـ أهبط الله جل وعلا آدم وزوجه فى أحدى ثنايا الكرة الأرضية ، وتوالد أبناء آدم ، وكان يعوق انتشارهم وسيطرتهم على الأرض وجود يأجوج ومأجوج فى تمام سيطرتهم وقوتهم وطغيانهم ، ولكى يتاح لأبناء آدم فرصة للاستخلاف فى الأرض كان لابد من تدخل إلهى يترتب عليه حجز يأجوج ومأجوج فى باطن الأرض وترك سطح الأرض خاليا لأبناء آدم . 

 يأجوج ومأجوج في سورة الكهف فى ثنايا قصة ذى القرنين : 

1 ـــ لقد أعطى الله جل وعلا ذا القرنين هيمنة على الأرض تفوق هيمنة يأجوج ومأجوج، تكرر قوله جل وعلا عنه : ( وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا ) (  فَأَتْبَعَ سَبَبًا ) الكهف 84-85 ).  ( ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (89) ، ( ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً (92) ، وهو في كل شيء تمتع بتأييد الله جل وعلا .     

2 ـ ونتوقف مع قوله جل وعلا عن حوار جرى بين أبناء آدم وذى القرنين :( قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ ) (94) .  قولهم عن يأجوج ومأجوج أنهم مفسدون فى الأرض يذكرنا بقول الملائكة لرب العزة جل وعلا : ( قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء ). وقول ذى القرنين لهم : ( مَا مَكَّنَنِي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ)  يعنى التمكين إلالهى لذى القرنين ، وهو الأسباب أو الوسائل التي أعطاه الله جل وعلا له : (  إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا ) . بهذا تمكن من إقامة الردم أو السد الحاجز الذى سيظل مانعا لاختلاط يأجوج ومأجوج بالبشر إلى أن تقوم الساعة . 

3 ـ وهذا المانع الحاجز بين البشر ويأجوج ومأجوج موصوف بأنه ( سد ) وأنه ( ردم ) : ( فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً (94) قَالَ مَا مَكَّنَنِي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً (95) الكهف ) ، أي هو وصف لحجزهم في باطن الأرض ، فالسّد فوقه ردم ، وهو سدُّ وردمُّ مصنوع بمواد ممّا أعطى الله جل وعلا ذا القرنين العلم بها والتعامل معها ، وبالتالي لا نستطيع فهمها ومحاكاتها . قال ذو القرنين عن بناء هذا السّد أو الردم  : ( آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً (96) فَمَا اسْتَطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً (97) الكهف) . 

4 ـ كان هذا السّدُّ أو الردمُ فوق طاقة يأجوج ومأجوج ، وقد كانوا أقوى المخلوقات . وقد حاولوا في البداية نقبه وتدميره ليعودوا الى سطح الأرض فما استطاعوا ، قال جل وعلا : ( فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا ) . بعدها تعودت الأجيال التالية الحياة في باطن الأرض وطوّروا حضارتهم في هذا الداخل ، ولم يعد يعنيهم من البشر على سطح الأرض سوى مراقبتهم لمعرفة المدى الحضارى الذى وصلوا اليه . 

5 ـ بعد أن أتمّ بناء السّد أو الردم قال ذو القرنين للبشر : ( قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاء وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا ) ، فهو يسند البناء الى رحمة الله جل وعلا بالبشر أن منع عنهم تسلط يأجوج ومأجوج ، وأنه وعد من الله جل وعلا بنُصرة البشر على يأجوج ومأجوج بهذه الطريقة ، وسيظل السّدُّ أو الردم حائلا وحاجزا الى قبيل قيام الساعة ، وعندئذ فإن الله جل وعلا الذى جعل ذا القرنين يقيمه هو جل وعلا الذى سيدمّره ويجعله دكّا ، وعندها سيخرج آخر جيل من يأجوج ومأجوج الى سطح الأرض فيختلطون بالبشر يموج بعضهم في بعض . وهذا تكملة الوعد الالهى عن خروجهم قبيل قيام الساعة . 

6 ـ لكن عندها لن يحدث حرب او تصادم بين البشر ويأجوج ومأجوج لأنّ :

6 / 1 : البشر في نهاية الزمان سيكونون قد اكتسبوا من القوة والتحكم بما يجعلهم متعادلين مع يأجوج ومأجوج ، فمن علامات الساعة المذكورة في القرآن الكريم أن يظن ساكنو الأرض ( من البشر ويأجوج ومأجوج ) أنهم قادرين عليها وتكون الأرض قد اخذت زخرفها وتزينت في كل الأنحاء لا فارق بين أمريكا وموزمبيق . قال جل وعلا : ( حَتَّى إِذَا أَخَذَتْ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24)  يونس ). 

6 / 2 : قيام الساعة يعنى أن يكون البشر ويأجوج ومأجوج في حالة ذهول وسُكر من نوع لا نعرفه مع زلزلة فريدة هي زلزلة الساعة ، قال جل وعلا : (  يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2)  الحج ). في حالة الذهول هذه لا نتصور حربا بين الفريقين ، بل سيكون الأمر كما أنبأ رب العزة جل وعلا : (وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا ) (الكهف  99 ).   

يأجوج ومأجوج فى سورة الأنبياء  

1 ـ في سورة الأنبياء تلخيص لتاريخ الكون والبشرية، فالأقسام الرئيسة للسورة هى :

1 / 1 : وعظ الناس : بتبصيرهم وتذكيرهم بإقتراب يوم الحساب وغفلتهم عنه " أية 1-5 " وإهلاك الأمم السابقة " 6-15" ودعوة البشر للإيمان بالله تعالى وحده " 16- 50" .

1 / 2 : قصص الأنبياء " من أية 51-91" وينتهى ينتائج تقرر وحدة الدين الإلهى الحق مقابل الدين البشرى الباطل الكافر " 92-93" وعدم كفران حق الصالحين فى النعيم " 94 " واستحالة رجوع أمة من الأمم السابقة للحياة فى هذه الدنيا بعد أن أخذت دورها واختبارها فى هذه الحياة الدنيا " 95 " .

1 / 3 : كما بدأت السورة باقتراب الساعة بقوله جل وعلا : (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) ) فإنها تنتهى باقتراب الساعة بخروج يأجوج ومأجوج من باطن الأرض إلى سطحها : ( حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ (96) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ (97)   ثم أحوال قيام الساعة " 98-105" وتختم السورة بالوعظ الذى بدأت به " 106 – 112 " . 

2 :ـــ قال جل وعلا عن استحالة رجوع الأمم السابقة من البشر بعد فنائهم : ( وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ (95)، بعدها تأتى الآية التالية عن رجوع خلق أخر من غير أبناء أدم ، وهم يأجوج ومأجوج ، يقول جل وعلا : ( حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ )  الأنبياء 96) .

3 ـ تبدأ الساعة بزلزال هائل للأرض والكون ، قال جل وعلا عن زلزال الأرض : ( إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا ). هذا الزلزال سيدكُّ الأرض دكّا دكّا ، قال جل وعلا :  ( وَحُمِلَتْ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتْ الْوَاقِعَةُ (15) الحاقة ) (  كَلاَّ إِذَا دُكَّتْ الأَرْضُ دَكّاً دَكّاً (21) الفجر )، وفى بدايته سيتم دكّ السد الحاجز بين البشر ويأجوج ومأجوج، فيخرجون من باطنها هاربين إلى سطح الأرض ليختلطوا ببنى أدم وعندها تقوم الساعة .

4 ـ ويأتى وصف القرآن الكريم رائعا لكيفية خرج يأجوج ومأجوج من باطن الأرض إلى سطحها ، فالتصوير هنا كأن سطح الأرض فد انفتح فجأة وظهرت جموع يأجوج ومأجوج من كل مكان يأتون . أو بتعبير آخر كأن الأرض كانت حبلى بأولئك الخلق ثم نثرتهم فجأة على سطحها ، كأنهم يتوالدون ويتناسلون من داخلها . قال جل وعلا : (  حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ ) الأنبياء 96 – 97 ). 

 يأجوج ومأجوج إعجاز قرآنى سيظهر للبشر قبيل قيام الساعة :

1ــ  المؤمن بالقرآن الكريم لابد له من التسليم بأن الاعجاز القرآن مستمر متفوقا على البشر إلى قيام الساعة ، ومنه علامات الساعة التي لا يعرفها ولا يتكلم عنها إلا عالم الغيب والشهادة جل وعلا . وقد ذكر منها جل وعلا خروج دابة من الأرض تكلم البشر ، ليس باللسان حيث تختلف ألسنة البشر، ولكن بالأرقام التي ستكون الوسيط العالمى للاتصالات بين البشر في أواخر الزمان . قال جل وعلا : (  وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ  ):النمل 82 ) ، ثم خروج يأجوج ومأجوج من باطن الأرض قبيل نهاية العالم وتدمير الكرة الأرضية .

2 ـ  ويتوقف الباحث القرآنى عند قوله جل وعلا : ( وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا  ) الكهف 83 ). فالمستفاد هنا أن الأجيال التى عاصرت نزول القرآن كانت تروى حكايات ذي القرنين فى روايات شفهية،  وقد سألوا النبى محمدا عليه السلام ، وكالعادة كان النبى محمد عليه السلام ينتظر الإجابة من الوحى القرآنى ، فتأتى الإجابة بما يلائم عقول البشر ، لأن معرفة موضوع ذي القرنين ويأجوج ومأجوج فوق إمكانات البشر فى الفهم والإدراك ، لذا قال جل وعلا : ( قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا ) ، أى قدرا يكفى للذكر والعلم والعبرة . 

3 ـــ يقف العلم الحديث مبهورا وعاجزا عن فهم  الأثار الهائلة لحضارات كانت متألقة قبل وجود البشر ، وما فيها من تقدم هائل لم يصل إليه البشر حتى الأن، وظاهرة الأطباق الطائرة ، وظاهرة الاختفاءات للطائرات والسفن والأشخاص التى تقع فى مثلث برمودة وغيره من مناطق محددة فى العالم . هي تؤكد وجود خلق متحضر متقدم على البشر بألاف السنين سبق أن استعمر هذا الكوكب ولا تزال آثاره باقيه على سطح الأرض ، كما لا تزال له علاقة غامضة بسطح الأرض وبأهل الأرض. والتفسيرات العلمية ترجّح حضارة قادمة من الفضاء الخارجى ، والقليل منها يؤكد وجود حضارة متقدمة جدا فى باطن الأرض ، يتفقون مع ما قاله القرآن الكريم منذ 14 قرنا من الزمان عن عالم يأجوج ومأجوج الذى لا يزال يعيش فى باطن الأرض حتى الآن يفصله عن البشر سد أو ردم، وسيتحقق وعد الله جل وعلا ويزول هذا السد أو الردم قبيل قيام الساعة كما أخبرنا الله جل وعلا.



كتاب  ( النصر ) ف1 : سادسا : استعجال وقوع وعد اليوم الأخر ، وهو قريب جدا .!

وعد وقت نزول القرآن وسيتحقق في اليوم الآخر .  

استعجال وقوع وعد اليوم الأخر

استعجال السابقين للعذاب 

1 ـ الكتاب الالهى لكل رسول كان يحذّر من عذاب الآخرة ويرغّب في نعيم الجنة . للكافرين عادة سيئة هي تحدى التحذير الالهى بطلب العذاب . قبل الكتاب الالهى الخاتم كانت الاستجابة باهلاك الكافرين ( بعذاب دنيوى ) ثم ينتظرهم الخلود في النار . 

2 ـ تحقق الوعد / الوعيد في الدنيا باهلاكهم ونجاة النبى والمؤمنين.: ومثلا :  قالها قوم نوح عليه السلام : (  قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنْ الصَّادِقِينَ (32) هود  )، وقوم عاد لنبيهم هود عليه السلام : ( قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنْ الصَّادِقِينَ (70)  الأعراف )، وقالها قوم ثمود لنبيهم صالح عليه السلام :: ( فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنْ الْمُرْسَلِينَ (77) فَأَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (78)  الأعراف ) . 

3 ـ ثم سيأتى تحقيق وعد الآخرة بخلودهم في النار . 

استعجال العرب الكافرين للعذاب الدنيوى في عصر خاتم النبيين علهم السلام

1 ـ  كانوا يستعجلون عذابا دنيويا ، بل دعوا الله جل وعلا أن ينزل بهم العذاب لو كان القرآن الكريم حقا من عند الله عزّ وجلّ : ( وإذ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنْ السَّمَاءِ أَوْ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (32) الانفال ). ولكن الاهلاك الشامل انتهى زمنه ، وجاء عصر جديد بكتاب إلاهى جديد مستمر بحفظ الله جل وعلا الى آخر الزمان ، حلّ محل الاهلاك الشامل للقوم الكافرين السابقين إهلاك جزئى مع فرض القتال الدفاعى .  

2 ـ ردّا عليهم قال جل وعلا :

2 / 1 : ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33) وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمْ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (34) الانفال )، أي لهم عذاب دنيوى مؤقت مشروط .

2 / 2 : ( وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمْ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً (58) وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً (59) الكهف ) أي لهم موعد إذا استحقُّوا وقوع العذاب بهم . 

2 / 3 : ( أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (204) أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (206) مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ (207) الشعراء ). هو سؤال لهم ليعتبروا .

2 / 4 : وردا على استعجالهم العذاب الدنيوى أمر الله جل وعلا رسوله عليه السلام أن يقول لهم :

2 / 4 / 1 : ( قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (57) قُلْ لَوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (58) الانعام )، أي إنه عليه السلام لا يملك تعذيبهم ، ولو كان يملك لانتهى الأمر بينه وبينهم .

2 / 4 / 2  ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتاً أَوْ نَهَاراً مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (50) أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ أَالآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (51) ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (52) وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (53 ) يونس ). سؤال لهم لماذا يستعجلون العذاب ؟ وماذا سيفعلون لو وقع بهم ؟ لو وقع بهم سيؤمنون ولكن بعد فوات الأوان . بعدها سألوا النبى محمدا في خوف عن مدى صدقية العذاب وجاء الرد بأنه حق وماهم بمعجزين . 

2 / 4 / 3 : ( وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (71) قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (72) النمل ). هنا الرد بأنه سيأتى لهم نوع من العذاب ، ليس إهلاكا شاملا بل جزئيا. 

  استعجال العرب الكافرين للعذاب الأُخروى في عصر خاتم النبيين علهم السلام

كانوا أيضا يستعجلون قيام الساعة وما يعنيه من عذاب خالد لهم نزل به الوعيد لهم .

1 ـ سألوا عن موعد يوم الدين أي موعد تعذيبهم وجاء الرد من رب العزة جل وعلا :

1 / 1 : ( يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (12) يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (13) ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (14) الذاريات  ).

1 / 2 : ( وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمْ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (53) يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (54) يَوْمَ يَغْشَاهُمْ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (55) العنكبوت ). أي له أجلُّ مُسمّى محدد سلفا ، هو يوم القيامة. 

2 ـ وجاءت إشارات الى إختلاف الزمن بين تقدير الزمن بين البشر ورب العزة جل وعلا. قال جل وعلا  : 

2 / 1 : ( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) مِنْ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3) تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4) فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً (5) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً (6) وَنَرَاهُ قَرِيباً (7) المعارج ). اليوم الإلهى ( يوم الدنيا ) مقداره خمسون ألف سنة ، هذا بالتعداد الالهى المحدد وليس بالتعداد البشرى .

2 / 2 : ( وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47) الحج ). اليوم الالهى خلال زمن البشر يعدل مثل ألف سنة بحساب البشر.

2 / 3 : ( أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1) النحل ). طبقا للتعداد الالهى فقد صدر الأمر الالهى فعلا بقيام الساعة ، ولكن تحقيقها بالزمن البشرى يأتي لاحقا .   

3 ـ وبكثرة أسئلتهم كان النبى يتضايق ويستعجل عذابهم ، فقال له جل وعلا :

3 / 1 :(  فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنْ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ (35) الاحقاف ) 

3 / 2 : ( فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً (84) مريم )

إقتراب الساعة : قضية أساس هنا . 

1 ـ لم يفهموا أن نزول الكتاب الخاتم يعنى إقتراب قيام الساعة وتحقيق الوعد الالهى . قال جل وعلا : (اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17) يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (18) الشورى ). 

2 ـ وجاء التأكيد على إقتراب الساعة في قوله جل وعلا : 

2 / 1 : ( إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15) طه ).  ( إنّ ) هنا صيغة التأكيد .

2 / 2 : ( اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) القمر ).هنا صيغة أخر بالتأكيد على اقتراب الساعة باستعمال الفعل الماضى الذى يفيد تحقق الوقوع ، ليس فقط قيام الساعة بل أيضا انشقاق القمر ضمن انهيار منظومة الكون .

3 ـ المشكلة أن الساعة أصبحت منهم قريبة ولكنهم معرضون ، كانوا ولا يزالون . ( اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) الأنبياء ). 

4 ـ بل جاءت علاماتها . قال جل وعلا :( فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ (18) محمد ).   

5 ـ قالها جل وعلا من أكثر من 14 قرنا : ( يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنْ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً (63) الأحزاب ). كانت قريبة وقت نزول هذه الآية ، فأصبحنا الآن أكثر قربا منها ، ولكننا عنها معرضون . 

زمن البرزخ هو الذى يفسّر معنى ( قُرب الساعة ). 

نحن نحسب الفارق الزمنى بين وقت نزول القرآن وقيام الساعة. ونتخيله قرونا شاسعة ، طبقا للزمن الأرضى للبشر ، يختلف الأمر عن البرزخ حيث لا زمن .    

1 ـ النفس البشرية موطنها البرزخ ، تعود اليه مؤقتا بالنوم ، ثم تعود اليه نهائيا بالموت . قال جل وعلا عن وفاة النوم ووفاة الموت : ( اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى )(42) الزمر )

2 ـ لذا فالنوم  (وفاة )، واليقظة منه (بعث )، ويتكرر هذا في حياة الفرد  الى أن يموت ، ثم يكون البعث يوم القيامة . قال جل وعلا : ( وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (60) الانعام )

3 ـ حين تستيقظ النفس من برزخ النوم تستعيد ذاكرتها فتشعر أنها نامت بعض يوم أو بضع ساعات . يسرى هذا الإحساس لو مكثت النفس في برزخ النوم مائة عام أو أكثر من ثلثمائة عام . قال جل وعلا :

3 / 1 :عن رجل أماته ربه جل وعلا مائة عام ثم ايقظه أو بعثه فتخيل إنه نام يوما أو بعض يوم : (  أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ )(259) البقرة ). 

3 / 2 : عن أهل الكهف:( وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً (25) الكهف). عندما استيقظوا ظنوا أنهم لبثوا يوما أو بعض يوم ، قال جل وعلا : ( وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ )(19) الكهف ) . هذا عن برزخ النوم . 

4 ـ وهو نفس الحال مع برزخ الموت . بالموت تدخل النفس برزخها لتمكث فيه الى البعث . قال جل وعلا : ( حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) المؤمنون ).

5 ـ عند البعث تتصور أنفس المجرمين المُكذّبين بالبعث أنهم مكثوا ساعة ، بل يقسمون على ذلك . قال جل وعلا : 

5 / 1 :(  وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (55) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ (56) الروم ) 

5 / 2 : ( كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (46) النازعات ) 

6 ـ وهم في الحشر يظل يلازمهم هذا التصور الخاطىء. قال جل وعلا :

6 / 1 : (  يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً (102) يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً (103) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً (104)  طه ) 

6 / 2 : ( وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِنْ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ )(45) يونس) .

هنا نفهم معنى أن الساعة قريبة . 

قال جل وعلا :

1 ـ ( إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا (40) النبا  ). نزلت هذه الآية الكريمة في مكة من أكثر من 14 قرنا ، تنذر أبا جهل وغيره بعذاب قريب . المعنى في القُرب هنا هو في سنوات باقية بين موت أبى جهل وموعد بعثه . نتصور أنه عاش بضع سنوات ، ثم دخلت نفسه البرزخ بالموت ، عند البعث يتصور أنه أمضى يوما أو بعض يوم ، أي إن بينه وبين تحقق الوعد بالبعث مجرد السنوات الباقية من عمره مضافا اليها يوم أو بعض يوم . 

2 ـ ( قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (46) سبأ  ) . هنا وصف خاتم النبي محمد عليه السلام بأنه نذير لهم ( بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ )، أي قُرب قيام الساعة ، كل منهم مات بعدها بقليل ، وفى برزخه لا يُحسُّ بمرور الزمن ، وحين البعث يتصور أنه لبث ساعة . 

3 ـ إبن آدم الذى قتل أخاه ( المائدة 27 : 30 ) مات ودخلت نفسه البرزخ من آلاف القرون ، ولكنه عند البعث سيتصور أنه لبث يوما أو بعض يوم ، مثله مثل آخر جيل من البشر مات قبيل قيام الساعة .  

4 ـ مات الذين مردوا على النفاق المُشار اليهم في قوله جل وعلا : ( وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنْ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101) التوبة ). في حياتهم عوقبوا بعذاب مرتين ، ثم ماتوا ودخلوا البرزخ من 14 قرنا ، عند البعث سيتصورون أنهم لبثوا يوما أو بعض يوم .

5 ـ أنا ألآن أقترب من 72 عاما ، ما بقى لى من العُمر أيام أو شهور أو ربما سنة أو أكثر . لكن بينى وبين قيام الساعة هو أيام أو شهور أو ربما سنة أو أكثر مُضافا اليها ( طبقا لاحساسى وقتها ) يوما أو بعض يوم . بمجرد موتى ودخولى البرزخ أفقد الإحساس بالزمن لا فارق بينى وبين ( قابيل وهابيل ) . 

6 ـ كل البشر الأحياء قريبون جدا من البعث ، لا يفصلهم عنه سوى ما تبقى لهم من عُمر + يوم أو بعض يوم . 

7 ـ المستبد الشرقى الذى يتصور نفسه خالدا لا يموت سيموت حتما بعد وقت ، سيدخل حتما البرزخ ، وعند البعث ينطبق عليه قوله جل وعلا : :(  وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (55) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ (56) الروم ) 

8 ـ متى نتّعظ ؟ !



تحقق وعود الآخرة قريبا

كتاب  ( النصر ) ف1 : سادسا : وعد وقت نزول القرآن وسيتحقق في اليوم الآخر .  

 معضلة الزمن بين الدنيا والآخرة 

1 ـ الزمن هو العنصر الأساس فيما يخص تحقيق وعد ووعيد الآخرة . النفس البشرية لا تُحسُّ بمرور الزمن إذا كانت في البرزخ نائمة أو دخلته ميتة ، وعند اليقظة من النوم أو البعث من الموت تحس أنها نامت أو ماتت بعض يوم . هذا الاختلاف بين زمن البرزخ وبين زمن البشر ليس غريبا ، ففي الكون المادى نرى إختلافات في الزمن بين الأجرام السماوية من كواكب ونجوم ومجرات ، بل هناك زمن منعكس يمضى الى الوراء ، وهناك سرعات تفوق سرعة الضوء ، والسرعة مرتبطة بالزمن . 

2 ـ ومن موضوع الزمن نفهم كيف أنه قريب جدا تحقيق الوعد والوعيد في الآخرة ، بالتالى فإن ما جاء في القرآن الكريم عن وعد نعيم الجنة ووعيد عذاب النار قريب منا جدا ، لا نبعد عنه سوى ما تبقى لنا من عمر قبل الموت + البرزخ ، وإحساسنا به أنه ساعة أو ليلة أو ضحاها أو يوم أو بعض يوم . والمؤمن يجب أن يحب هذا وأن يتحسّب لهذا . هذا في ( يوم الدنيا ) في هذا العالم المادى الوقتى المحكوم عليه بالفناء . 

3 ـ تأتى الساعة بتدمير كلى وتام وشامل لهذا العالم ليحلّ محلّه ( اليوم الآخر ) نقيضا لليوم الدنيوى ، سيأتى اليوم الآخر بزمن نقيض ، وبأرض بديلة وسماوات بديلة ، وسيبرز الجميع للقاء الرحمن جل وعلا ، القائل : ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48) ابراهيم  ) ، الأرض الراهنة لا تتحمل مجىء الرحمن جل وعلا ، ولا مجىء الجنة أو النار ، وهما ليسا موجودان في هذا اليوم الدنيوى ، ولكن سيتحقق وعد الرحمن بوجودهما مع مجىء الخالق جل وعلا مالك يوم الدين . قال جل وعلا : 

3 / 1 :( كَلاَّ إِذَا دُكَّتْ الأَرْضُ دَكّاً دَكّاً (21) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً (22) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) الفجر  ) 

3 / 2 :( وَأُزْلِفَتْ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (90) وَبُرِّزَتْ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ (91) الشعراء ) 

3 / 3 : (  فَإِذَا جَاءَتْ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ مَا سَعَى (35) وَبُرِّزَتْ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى (36) النازعات ) . 

4 ـ سيتحقق وعد الرحمن جل وعلا في زمن خالد ، لا نعرف كنهه ، ولكن نعرف أنه زمن مختلف ليس فيه ماض أو مستقبل ، ربما يكون زمنه راهنا جاثما بالنعيم الخالد وبالعذاب الخالد . 

آيات الوعيد وعظا قبل تحقق يوم الوعيد 

 قال جل وعلا : 

1 ـ ( وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنْ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً (113) طه) آيات الوعيد هي الوعظ  لعل الضالين يتوبون ويتقون، فلا يتحقق فيهم الوعيد .

2 ـ ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20) وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) ق ) . هنا تلخيص لحياة الانسان ، من الخلق وتسجيل أعماله طيلة حياته ، ثم ذكر الموت والذى به ينتهى تسجيل الأعمال . آخر إحساس للنفس هو في سكرة الموت ، بموتها ودخولها البرزخ تفقد الإحساس ، لذا لا ذكر لفترة البرزخ لأن الإحساس بها عند البعث هو انها يوم أو بعض يوم ، ويأتي الإحساس بالبعث وقدوم كل نفس معها إثنان من الملائكة ( سائق وشهيد ) وهما اللذان كان ملازمين له في حياته بصفة ( رقيب وعتيد ) يسجلان أعماله . كان في غفلة عن هذا ، بالبعث انكشف عنه الغطاء وأبصر ما لم يكن يبصره من قبل . فقد جاء اليوم الآخر الذى هو :( يوم الوعيد ) : (  وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ  ). 

عرض سريع لآيات البعث والجنة والنار المرتبطة بتحقق الوعد والوعيد 

تحقق الوعد بالبعث : 

قال جل وعلا : ( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ ) ( قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ) يس 51 : 52 ) . هو وعد الرحمن جل وعلا والذى أبلغه المرسلون . 

تحقق الوعد بالجنة 

عند الاحتضار . قال جل وعلا :

1 ـ ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ) ( نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ) ( نُزُلا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ  ) فصلت 30 : 32 ). التبشير بتحقق الوعد يأتي لمن مات تقيا وليا لرب العالمين ، إذ تبشره ملائكة الموت بالجنة التي كانوا بها يوعدون في حياتهم . 

2 ـ ونظير ذلك قوله جل وعلا : 

2 / 1 :( أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64) يونس ) 

2 / 2 : ( الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (32) النحل ) 

درجات الوعد بالجنة 

أصحاب الجنة درجتان : السابقون المقربون ، ثم أصحاب اليمين الأدنى درجة . قال جل وعلا عن وعده للفريقين :

1 ـ ( لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً (95) النساء ) 

2 ـ ( وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ  ) الحديد 10 ) 

نعيم الجنة وعدا من الرحمن جل وعلا . 

قال جل وعلا : ( هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ ) ( جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الأَبْوَابُ ) ( مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ ) ( وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ ) ( هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ  ) ( ص 49 : 53 )

تحقق الوعيد

كانوا يقولون (  وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) يس 48 ). الإجابة عند الاحتضار وتبشير الضالين بالخلود في النار الذين يموتون وهم أولياء الشيطان . قال جل وعلا : ( الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ فَأَلْقَوْا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29) النحل )

عند دخولهم النار 

1 ـ يُقال لهم عند دخولهم النار : ( هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ) ( اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ  ) يس 63 : 64   )

2 ـ عندها سيعرفون وسيعلمون تحقق الوعيد وأنهم الأضعف ناصرا ، إذ كانوا يؤمنون بشفاعات البشر . وهذا ما جاء عن خاتم النبيين عليهم السلام ، وهو يعترض على تقديس القبور في مساجد مكة قبل الهجرة للمدينة : (  وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً (18) وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً (19) قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً (20) قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً (21) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنْ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (22) إِلاَّ بَلاغاً مِنْ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً (23) حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً (24) الجن ) 

3 ـ في المحادثات بين أهل الجنة وأهل النار . قال جل وعلا :(  وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُواْ نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) الأعراف 44 )

4 ـ ويتمُّ تذكيرهم بهذا وهم في عذاب النار تلتهم وجوههم وظهورهم لا يستطيعون دفعها عن وجوههم ولا عن ظهورهم ، وسيظلون في هذا خالدين . قال جل وعلا يعظ مقدما : (  وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (38) لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمْ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (39) بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلا هُمْ يُنظَرُونَ (40) الأنبياء ) 

تحقق الوعد للمتقين والوعيد للضالين 

عن وعد المتقين ووعيد الكافرين المكذبين قال جل وعلا :

1 ـ ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ ) ( وَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ  ) المائدة 9 : 10 )

2 ـ ( وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ  ) التوبة 72 ) ( وَعَدَ اللَّه الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ ) التوبة 68 )

3 ـ (  مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ  ) الرعد 35 ) 

4 ـ (  وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ (27) وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (28) هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (29) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (30) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ (31) وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (32) وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون (33) وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمْ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (34) ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمْ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (35)  الجاثية ). هنا تفصيل ليوم الحساب ، وهو الذى كانوا ينكرون وعده الحق .  

5 ـ ( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68) وَأَشْرَقَتْ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (69) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70) وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72) وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنْ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74) الزمر) . هنا تفصيل يبدأ بيوم البعث ثم يوم العرض على الرحمن جل وعلا ويوم الحساب ، ثم دخول الكافرين أبواب جهنم حيث لا خروج منها ، ثم دخول المتقين الجنة حيث يحمدون ربهم جل وعلا الذى صدقهم وعده . 

أخيرا :

التعبير عن مستقبل تحقيق الوعد في الآخرة يأتي في الأغلب بصيغة الماضى الذى يفيد تحقق الوقوع .