رقم
(
10 )
الفصل الثالث * مواعــــــــــظ ودروس
قصص القرآن لم يأت للتسلية وإنما للاعتبار والتفكير.
ومهما احتوي القصص القرآني علي اعجازات تاريخية فإنه لا ينبغي أن يصرفنا عن هدفه الأساس وهو الاعتبار والموعظة ، وذلك هو الهدف الأسمى من علم التاريخ ، فكيف بقصص القرآن ؟ وكما يقول تعالي تعقيبا علي قصة يوسف فى آخر آية من السورة: " لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْ&te;ِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ "( يوسف 111) فإنه تعالي يقول أيضا عن فرعون وهلاكه: " إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى "( النازعات 26 )
وقد آن الأوان لنعتبر ونخشى ..!!
أولا :
1 ـ قصة فرعون تطرح قضية الاستخلاف التي تدور حولها علاقات الدول وصراعاتها..
كل دولة قوية في العالم تطمح في أن تسيطر علي المنطقة التي تقع فيها ، وربما إلي السيطرة علي العالم . وفي عصر فرعون كان العالم المتحضر المعروف محصورا في مصر وما حولها ،
لذا فإن فرعون حين علا في مصر فإنه في الحقيقة علا في الأرض:" إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ "( القصص 2 )..
وترجم فرعون قوته إلي ظلم فحفر قبره بيديه ، قال بنو إسرائيل لموسي.
" قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ " ( الأعراف 129 ).. وحدث فعلا أن تحقق وعد الله لبني إسرائيل : " وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ "( القصص 5 )..
يقول تعالي عن تحقيق وعده: " وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ " ( الأعراف 137 ).
2 ـ لقد مكن الله في الأرض لإمبراطوريات كثيرة فاستخدمت قوتها في الظلم فتحولت عناصر قوتها إلي بؤر ضعف قضت عليها في النهاية . وهذا هو الدرس الهام في سقوط الإمبراطوريات.
ولكن تظل قصة فرعون أهمها لأن العنصر القوي الظالم بالغ القوة عنيف الظلم ولأن العنصر الضعيف بالغ الضعف ، ثم أتت القوة الإلهية لتنحاز إلي جانب المظلوم الذي وقف يواجه الظالم بالصبر والصلاة ..!!
وتحولت عناصر القوة الفرعونية إلي مراكز ضعف التهمته في النهاية.
في مواجهة طغيان فرعون وقف موسي يوصي قومه بالصبر والتوكل علي الله ـ وهم عزل من كل قوة إلا الصبر والاستعانة بالله. " قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ "( الأعراف 128 )
وحين تطرف فرعون في إيذائهم إلي درجة أخاف أغلبية قوم موسي من الالتفاف حوله أقام موسي الصلاة مع قومه داخل بيوت سرية ، وواصل مسيرة الصبر والتوكل علي الله.
" وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ ، فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ، وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنْ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ "( يونس 84 : 86 )
ثم بدأت مجموعات الصلاة وتبعتها البشري للمؤمنين. "وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّأَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ " ( يونس 87)
وفي هذه الصلاة كان موسي يدعو الله علي فرعون وآله ، وهارون يؤمن علي دعائه .
" وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الأَلِيمَ "
وأجاب الله دعائهما: " قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا" ..( يونس 88 ـ )
انتصر بنو إسرائيل علي فرعون بالصبر والصلاة " وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُواْ "( الأعراف 137 ) ..
لذا كانت الوصية الذهبية لبني إسرائيل فى القرآن الكريم " واستعينوا بالصبر والصلاة" ..
ولنا نحن أيضا يقول لنا رب العزة فى نفس السورة:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ " ( البقرة : 45 ، 153)
وعندما انجي الله بني إسرائيل من فرعون عادوا إلى عقائدهم الخاسرة فأهلكهم الله في التيه .
3 ـ ونعود إلي فرعون وقد عاقبه الله بالنعم التي منحها الله له فاغتر بها ..
اغتر فرعون بالنيل يجري من تحت قدميه " َقالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ؟"( الزخرف 51)
ولكن الله تعالي جعل النيل يعمل ضد فرعون.
بدأ ذلك حين حمل النيل التابوت ـ وبه موسي رضيعا ـ إلي قصر فرعون ليقوم فرعون نفسه بتربية موسي ورعايته.
ثم واصل النيل مؤامراته ضد فرعو ن فحمل إلي فرعون وآله الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم ، وكانت تلك مجرد إنذارات فلما لم يتعظ بها فرعون وآله كان غرقه أخيرا في (اليم ).
* ويلاحظ أن كلمة " اليم" لم تأت في القرآن إلا في قصة موسي بمعني النيل وبمعني البحر .
* وعموما فالبحر في القرآن يعني النهر والبحر المالح : " وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ "( فاطر 12 )
* والقرآن يستعمل كلمة "اليم" وصفا للنيل وللبحر معا في قصة موسي فيقول :
" أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ "( طه 39 )
ويقول أيضا عن غرق فرعون وآله " وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ "( يونس 90 )
* ذلك قد يعني احتمالا ضئيلا بأن يكون غرق فرعون وآله في النيل وليس في البحر الأحمر، خصوصا وأنه كانت هناك أفرع للنيل يمتد بعضها الى داخل سيناء،أى كان نهر النيل ( أنهارا) وليس نهرا واحدا ، ونتذكر فخر فرعون بالنيل وهو يقول "يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ؟"( الزخرف 51) .
* ومهما يكن من أمر فإن المفهوم الشائع أن يكون غرقهم في البحر الأحمر ، يعزز ذلك أن فرعون طاردهم وهم يفرون أمامه ناحية الشرق " فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ، فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ، قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ، فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ"( الشعراء 60 : 63 )
* والمعتقد أن مصر شهدت فيضانا أو طوفانا في نفس الوقت وذلك يعني أن النيل قد شارك في عملية تدمير فرعون وآله ومنشآته ، وذلك الرأي يجد دليلا في القرآن : " وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ " ( الأعراف 137).
هذا ..
والذي نريد التذكير به أن النيل كان نعمة من الله لفرعون فلما طغي حوله الله إلي نقمة عليه .
* وكفران النعمة أسرع طريق لفقدانها ، ومن العادات السيئة للبشر ان ينسوا هذا الدرس .. يقول تعالي : " أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْراً وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ؟ " ( ابراهيم 28 )
4 ـ لقد بلغ من سخرية الله جل وعلا بفرعون أن استخدمه في حماية موسي وتنشئته .!!
* وفي ذلك درس آخر للذين يتوكلون علي الله ويثقون في وعده الذي لابد أن يتحقق..
حين خافت أم موسي علي وليدها الرضيع أوحي الله لها : " أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ " ، لم يقل لها فإذا خفت عليه فخذيه في أحضانك .. !! بل ارميه في النيل ، وكان النيل وقتها في الفيضان لأن القرآن وصفه بجريان اليم ..
ثم جاء وعد الله للأم الخائفة فقال " إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ " ..
وحمل النيل الأمانة إلي قصر فرعون ، َفالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً "
هل هناك سخرية أكبر من ذلك ؟ ..
* علي أن التوكل علي الله لا يعني أن يتكاسل الإنسان ويتواكل ، بل أن يتغلب الإنسان علي أحزانه ومخاوفه وان يتحرك ويسعى ويثابر ، وأن يتصرف ما استطاع متوكلا علي الله .
وهكذا فإن أم موسي بعد أن ألقت بفلذة كبدها في النيل أمرت أخته أن تتبع التابوت ، وظل قلبها علي لهفته " وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.. وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ "..
ثم كانت النهاية أن رفض الرضيع جميع المرضعات ، وبذلك عاد لأمه يتربى في كنفها ومع قومه ولكن تحت رعاية الفرعون نفسه ، وبذلك تحقق وعد الله لأم موسي .. " وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ ، فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ"
وصدق الله العظيم " ولكن أكثر الناس لا يعلمون"..( القصص 7 : 13).
&nbs" style="direction: rtl; unicode-bidi: embed;">
1 ـ لقد ذكر القرآن كلمة فرعون أربعا وسبعين مرة .. فهو أكثر المشركين نصيبا في حديث القرآن.. بل هو في الواقع إمام خطير للمشركين الطغاة إلي قيام الساعة وصاحب وضع خاص يستحق أن نتوقف معه ..
* إن فرعون هو آخر الذين أهلكهم الله ، وسبقه علي الطريق أقوام نوح وعاد وثمود ولوط .. وبعده نزلت التوراة بصائر للناس، ولذلك فإن فرعون بهذا يكون إماما لكل مشرك يأتي بعده . ومعه بالطبع جنوده ، يقول تعالي : " فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ . َوجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ ". إلي أن يقول تعالي : " َلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ "( القصص 40 : 43 )..
* كان فرعون في مجده يسأل موسي عن القرون الأولي : " قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى ، قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى.."( طه 51 : 52 )وذكّره مؤمن آل فرعون بمصير الأحزاب من القرون السابقة فلم يتعظ إلي أن لحق بهم وصار إماما لكل الضالين بعده..
لقد استحق فرعون بجدارة هذه المكانة حين طغي وتطرف في الكفر إلي درجة إنكار الفطرة وإنكار الألوهية ، وواصل مسيرة العناد إلي آخر الشوط ، حتى كان في آخر حياته يطارد إثنين من أنبياء الله جل وعلا والمظلومين معهما ..
2 ـ ومن القرآن الكريم نتعرف علي تلك المكانة الخاصة لفرعون بعد موته..
*ـ فالله قد أنجي جسده ليكون عبرة لمن يأتي بعده ، وقد قيل له عند موته " فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ "( يونس 92)
الجسد الإنساني بعد الموت يعتبر سوءة ينبغي إخفاؤها عن الأعين بالدفن ، وقد تعلم ابن آدم حين قتل أخاه كيف يدفن جثة أخيه.. " فَبَعَثَ اللّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي "؟ ( المائدة 31)
من إكرام الله لبني آدم أن تدفن الجثة الآدمية ، ولكن فرعون موسي محروم من ذلك، وجثته معروضة حتى الآن في المتحف يراها الناس.
*ـ وترك فرعون جسده ودخلت نفسه إلي البرزخ وهناك يتعرض لنوع من العذاب يستمر إلي قيام الساعة ومعه آله، أما حين تقوم الساعة فيدخل أشد العذاب . " وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ ، النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ .." ( غافر 45 : 46 ) إذن في البرزخ لهم سوء العذاب .. ويوم القيامة لهم أشد العذاب.!!
* هذا بينما نجد للمشركين الآخرين وضعا آخر.
إذ يكون البرزخ بالنسبة لهم موتا يفقدون الإحساس أثناءه بكل شيء إلي يوم البعث.
" حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ، لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ " ( المؤمنون 99 : 100 )
وعند البعث يستيقظ المشركون في رعب ودهشة:" وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنْ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ ، قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ "( يس 51 : 52)
وعند البعث يسألون متعجبين بعد نومهم الطويل الذي مر عليهم كأنه ساعة من الزمان.
" وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ .. وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ، فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ "( الروم 55 : 56 )
حرّم الله علي فرعون ذلك النوم في البرزخ وجعله يقضيه حيا في عذاب مستمر إلي أن تقوم الساعة.
* وهناك إشارة إلي حياة ومشاعر فرعون وآله وهم في البرزخ يتحسرون علي ما حدث يقول تعالي:" وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وجنود هما مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ "( القصص 5 : 6 )
كان فرعون في حياته يحذر من بني إسرائيل لأنهم لا يعتقدون في ألوهيته ولم ير في حياته إلا تعذيبهم علي يديه ، ولكن بعد غرقه رأي في البرزخ منهم ماكان يحذر في حياته وفي سلطانه.
لقد أضاع فرعون حياته في سبيل الشيطان ومات في سبيل الشيطان يطارد ضعافا من البشر بينهم مؤمنون واثنان من أنبياء الله.
* وفي المقابل فهناك من المؤمنين من يموت في سبيل الله ، وأولئك لا ينبغي أن نعتبرهم موتي بل هم في البرزخ أحياء عند الله يرزقون. " وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ"( البقرة 154 ) "وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ، فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ "( آل عمران 169 ـ )
* فالمقتولون في سبيل الله يحسون بإخوانهم في الدنيا ويتمنون لهم نفس النعيم.
* أما فرعون وآله في البرزخ فهو يعيش في حسرة وقد رأي كيف أن كيده قد أوقع به.
* وماعدا الفريقين فالبرزخ موت يصحو منه البشر فجأة عند البعث فيظنون أنهم ماتوا بالأمس القريب ، لأن فترة البرزخ لا زمن فيها فتستوي الألف عام في البرزخ مع الألف دقيقة ، كلها يوم أو بعض يوم أو كلها نوم مؤقت. " وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِنْ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ "( يونس 45 ) "كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا " ( النازعات 46).
*ـ ثم يأتي فرعون يوم القيامة إماما لقومه يدخل بهم النار : "يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمْ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ" ( هود 98 )
ثالثـا :
1 ـ إن فرعون هو السلف غير الصالح لكل مشرك.
إن كلمة " السلف" لم تأت في القرآن إلا مرة واحدة وعن فرعون فقط . يقول تعالي عن فرعون وآله " فلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ، َفجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِين " ( الزخرف 55 : 56 )
وكان القرآن يصف المشركين العرب بأنهم يسيرون علي درب فرعون . " كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمْ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ " ، " كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ ""( الأنفال 52 ، 54 )"كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ" ( آل عمران 11 ).
2 ـ إن أستاذية فرعون في الكفر تتمثل في أن تطرفه في العناد وصل به إلي إعلانه إنكار الألوهية وإنكار فطرته التي في داخل نفسه تؤمن بالإله خالق كل شيء.
* كان قوم فرعون يؤمنون بألوهية فرعون ولكن يؤمنون بوجود آلهة لفرعون نفسه معه وقد قالوا له . " أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ "( الأعراف 127 )أى إن لفرعون آلهة يعبدهم فرعون نفسه .!!
* ولكن فرعون ما لبث أن تطرف في كفره ليواجه دعوة موسي وليحاول أن يقتلع من قومه الإيمان بالخالق تعالي، فأعلن في مؤتمره إنكار الوهية الله جل وعلا : " يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي "( القصص 38 )، وأعلن ربوبيته العظمى : .. " َفحَشَرَ فَنَادَى فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى "( النازعات 23 : 24)
* ولكن عندما أحاطت الأمواج بفرعون عاد سريعا إلي فطرته الأولي مثل كل إنسان عند الشدة ، فقال لا إله إلا الله .. " حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ:آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ". وذلك الإيمان جاء متأخرا فلا محل له من الإعراب .. لذلك قيل له " "أالآن ؟ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ " ( يونس 90 : 91 )
* وعلي طريق فرعون يسير كثير من البشر يظل في عصيانه حتى إذا جاء الموت أعلن لملائكة الموت إيمانه بلا جدوى " وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ" ( النساء 18 )
* وعلي طريق فرعون يتطرف بعضهم إلي القول بإنكار الألوهية مع أنه لم يصل إلي درجة فرعون من القوة والتمكين ، ومصيره إذا جاءه بعض الإسهال أو الإمساك أو المغص أن يصرخ قائلا : يارب .. ثم إذا شفاه الله عاد لكفره كأن شيئا لم يكن .. " وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ " ( يونس 12 )
* حقيقة الأمر أنه لا يوجد إنسان ينكر الألوهية مهما أعلن بلسانه ، وذلك لأن الفطرة في داخله تؤمن بالله إلها واحدا لا شريك له .. "فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ " ( الروم 30 ).
3 ـ لقد فطر الله الناس علي الإيمان بالله وحده إلها ، ولكن لا يلبث الشيطان أن يغطي هذه الفطرة السليمة بالاعتقاد في آلهة أخري مع الله . وذلك هو ( الكفر ) وهو أيضا( الشرك) ..
( الكفر) لأن معني الكفر هو التغطية والستر ، والكافر قد غطي فطرته الحقيقية بالاعتقاد في آلهة مع الله .
وهو أيضا " مشرك" لأنه جعل الألوهية شركة بين الله وغير الله ولأنه أشرك مع الله آلهة أخري . فالكافر في الحقيقة يؤمن بالله ولكن يغطي فطرته التوحيدية بالإيمان بآلهة أخري مع الله .
لذا يجتمع مع الكفر إيمان ، ولكن ذلك الإيمان في الكافر ناقص لا ينفع يوم القيامة عند الله لأن الله يطلب الإخلاص له وحده ، يقول تعالي عن إيمان الكافر وعدم جدواه " قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ " ( السجدة 29 )
والمشرك أيضا يؤمن مع الله بآلهة أخري ، لذلك فالله تعالي يقول عن أغلبية البشر ..
" وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ " ( يوسف 106 )
وهكذا فالكفر ليس الإنكار المطلق للألوهية ولكنه الشرك بالله ، فالشرك والكفر مترادفان ، ولذلك يقول ذلك الرجل الحكيم من آل فرعون ." تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ "( غافر 42 )
فالكفر بالله هو الشرك به ولا فرق، يقول تعالي : " مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ " ( التوبة 17 )
وذلك درس آخر نتعلمه من قصة فرعون ..
إن الفطرة في داخل الإنسان أكبر من أن يستطيع أحد إلغاءها .. قد يستطيع تغييرها لتكون كفرا أو شركا بأن يغطيها بالإشراك بالله ، ولكن يظل في قرارة نفسه مؤمنا بالله ، ولكن ذلك الإيمان الناقص لا ينفع يوم القيامة ..
لقد فهم مؤمن آل فرعون الدرس .. ولكن فرعون تذكره فقط في النهاية فضاع ..
رابعـا :
1 ـ حين أدركه الغرق صرخ فرعون قائلا : " آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ " ( يونس 90 )أي أعلن فرعون إسلامه عند الموت ..
هل كان الإسلام هو الدين الذي دعا إليه موسي ؟
نعم .
فالإسلام نزلت به كل الرسالات السماوية بكل لغة نطق بها كل نبى وكل رسول من رسل الله جل وعلا. يقول جل وعلا :" إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ : " " وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ "(آل عمران19 ، 85 )
والإسلام هو فى العقيدة الانقياد التام لله وحده . وإلي ذلك كانت دعوة الأنبياء بكل اللغات.
" وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ :الأنبياء25 "
ونطق الإسلام باللغة الهيروغليفية في عصر موسي :
" وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ، وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا "( ابراهيم 4 : 5 )
2 ـ وقبل موسي كان كل نبي يعلن إسلامه أو انقياده لله وحده باللغة التي يتحدث بها هو وقومه . قالها نوح " وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ " ( يونس 72 ) وقالها إبراهيم " إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ " ( البقرة ) وكان إبراهيم يوصي أبناءه بالإسلام ويتواصى أبناؤه بالإسلام . " وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمْ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ".
3 ـ ولكن ماهو نصيب مصر من ذلك كله ؟
إن واقع مصر التاريخي يجزم بوجود أنبياء لم يرد ذكرهم في قصص القرآن ، بالإضافة إلي نصيبها من الأنبياء الذين عاشوا فيها مثل يعقوب ويوسف وموسي وهارون .
عاش يعقوب أواخر حياته في مصر وتجمع حوله الأسباط ـ أولاده ـ فأوصاهم بالتمسك بالإسلام ، وتلك فضيلة إسلامية أن يوصي الأب أبناءه ـ وهو يموت ـ بالإسلام. يقول تعالي: " أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ " (البقرة : 131 : 133 ).
وكان يوسف نبيا للإسلام نطق باللغة المصرية القديمة ، وقال في أوج سلطانه " رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ"( يوسف 101 )
والسحرة حين آمنوا أعلنوا إسلامهم ورفضوا تهديدات فرعون قائلين " وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِآَيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ"( الأعراف 126)
وطبعا قالوا : " وتوفنا مسلمين " باللغة المصرية القديمة وليس باللغة العربية.
وكان موسي يشجع قومه ليواجه اضطهاد فرعون فيقول لهم " يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ "( يونس 84 ) لم يقلها بالعربية بل باللغة المصرية المستعملة وقتها.
لذلك لا نستغرب أن يعلن فرعون إسلامه عند الموت علي أنه دين بني إسرائيل .." حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ "( يونس 90 ). نطقها فرعون بنفس لغة موسى .
وأخيرا ..
نطق الإسلام في الرسالة الخاتمة باللغة العربية .
خامسا :
1 ـ ونستريح في النهاية مع قصة يوسف :
ذلك النبي الذي ذاق الظلم والسجن فصبر حتى أنعم الله عليه بجزاء المحسنين ..
وتقوم قصة يوسف علي عدة منامات ..
وتطرح قضية الأحلام الصادقة .. من يراها ؟ وتأويلها ..
لقد رأي يوسف رؤيا صادقة " إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ " وتحقق المنام فسجد له أخوته الأحد عشر ومعهم والده
" وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا "
ورأي رفيقا يوسف في السجن منامين وتحققا حسبما فسرهما يوسف لهما .. ورأي الملك رؤيا تحققت وأشرف يوسف علي تنفيذ المطلوب من تفسيره لتلك الرؤيا ..
لم يكن رفيقا يوسف أوالملك منالمسلمين أو من الصالحين حين رأوا المنام ـ علي الأقل ـ
وذلك يعني أن الرؤيا الصادقة قد يراها النبي أو يراها أي إنسان آخر .
2 ـ وتأتي الرؤيا في صورة رمزية تستلزم تفسيرا .
فيوسف رأي أحد عشر كوكبا والشمس والقمر يسجدون له وكان التفسير أن يسجد له أخوته ووالداه ..
ورفيقاه في السجن رأي أحدهما أنه يعصر خمرا ، وكان التفسير أنه سيكون ساقيا للملك.
ورأي الآخر أنه يحمل فوق رأسه خبزا تأكل الطير منه وكان التفسير أن سيصلب لتأكل الطير من رأسه ..
ورأي الملك سبع بقرات سمان يأكلهن سبع بقرات عجاف ، ورأي سبع سنابل يابسات يأكلن سبع سنابل خضر ..
وكان التفسير سبع سنوات رخاء يستهلكهن سبع سنوات من المجاعة ثم عام يزداد فيه الرخاء بعد سنوات المجاعة ..
3 ـ ولكن من يستطيع تفسير الرؤيا الصادقة إذا وجدت ؟
إن الرؤيا الصادقة إخبار بالغيب الذي سيتحقق في المستقبل ، لذا ففيها جانب من الإعجاز الذي قد يؤتيه الله لبعض الأنبياء .. وقد أوتي يوسف هذه المقدرة دليلا علي نبوته .. يقول تعالي عنه : "و َكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ "
وشكر يوسف ربه فقال : " رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ " ( يوسف 12 ، 100 ، 21 ، 101 )
وكان تعبير يوسف للرؤيا الصادقة صحيحا وصادقا لأنه كان نبيا آتاه الله المقدرة علي ذلك واجتهادنا في تأويل الرؤيا الصادقة أو غير الصادقة يجوز فيه الصواب والخطأ.
4 ـ لقد عمل يوسف النبي في خدمة ملك كافر.
وفي عصرنا الراهن يفتي بعض الصغار بتحريم العمل في الحكومة التي تقول لا إله إلا الله .. !!
* * *
ولايزال هناك متسع لمزيد من البحث والدروس من قصة يوسف وقصة موسي عليهما السلام .. والقرآن أعظم من أن يحيط بكنوزه عقل إنسان واحد مهما أوتي من علم وذكاء ..
لذا فعطاء القرآن متجدد ومستمر ..
ولكن المشكلة أن القرآن كتاب لم يقرأ بعد .. لأننا انشغلنا عنه بأشياء كثيرة ..
" اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ .."( الزمر 23 )
صدق الله العظيم .!!
هذه المقالة تمت قرائتها 2612 مرة
التعليقات (6)
|
[43646] تعليق بواسطة عائشة حسين - 2009-11-18 |
أم موسى والصبر
|
حذف التعليق |
تعديل التعليق |
.. * علي أن التوكل علي الله لا يعني أن يتكاسل الإنسان ويتواكل ، بل أن يتغلب الإنسان علي أحزانه ومخاوفه وان يتحرك ويسعى ويثابر ، وأن يتصرف ما استطاع متوكلا علي الله .
وهكذا فإن أم موسي بعد أن ألقت بفلذة كبدها في النيل أمرت أخته أن تتبع التابوت ، وظل قلبها علي لهفته " وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.. وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ "..
التوكل على الله سبحانه والثقة به أو بلفظ القرآن "استعينوا بالصبر والصلاة " درس عظيم لابد لكل مسلم أن يأخذ به وخاصة إن كان يعاني نفس الخوف ،وإذا كانت الوصفة السحرية هي الصبر والصلاة. فهل تعني الصلاة صلاة الفروض فقط التي تؤدى أم هي عامة في كل ما أمر به الله ؟ وهي كل صلة للعبد بربه ثم أن تقديم الصبر على الصلاة ماذا أفاد ؟
إن أقصى ما تفكر به أي أم أن تلقي بوليدها في اليم , فهذا يتطلب قوة نفسية كبيرة تمتعت بها أم موسى وقد ربط القرآن على قلبها وأمرها في حالة خوفها أن تلقبه في اليم :" أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ " وهذا مخالف لما اعتاده البشر ومخالف لحساباتهم أيضا ولكن حكمة الله اقتضت ذلك .. لم يأت لأم موسى حالة هستيرية مثلا من كثرة الرعب بل كانت ثابتة مربوط على قلبها لم يمنعها ما تشعر به من قلقل من أخذ كل الخطوات البشرية العادية من طلب لأخته بأن تتبع أثره يا ليت لنا حكمة أم موسى
|
[43652] تعليق بواسطة أيمن عباس - 2009-11-18 |
القرآن كتاب لم يقرأ بعد
|
حذف التعليق |
تعديل التعليق |
صدقت أستاذنا العزيز في قولك : أن القرآن أعظم من أن يحيط بكنوزه عقل إنسان واحد ،مهما أوتي من علم وزكاء .. ولكن المشكلة فعلا يا سيدي أن القرآن كتاب لم يقرأ بعد ..لأننا انشغلنا عنه بأشياء كثيرة غيره ،. للأسف نقوم بحفظ آيات القرآن وترديدها فقط ونتفنن في تلاوتها بما يسمى القراءات ،دون أن تدخل إلى عقولنا ولا تمسسها أنفسنا . إذن مازال القرآن كتاب لم يقرأ بعد .وصدق الله العظبم في محكم التنزيل عند قوله على لسان رسوله " يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا " .
|
[43670] تعليق بواسطة طارق سلايمة - 2009-11-19 |
أخي أيمن عباس صدقت صدقت صدقت
|
حذف التعليق |
تعديل التعليق |
مع أن عنوان مداخلتي قد تبدوا خروجاً عن مضمون المقالة التي أوردها مشكوراً أستاذنا الجليل الأستاذ أحمد منصور لكنها في الحقية ـ أي مداخلتي ـ تؤيد ماجاء بهذه المقالة الشاملة من دعوة كريمة لتدبر آيات القرآن وعدم إعتبار الإعجاز التاريخي الذي ورد بنص القرآن بديلاً عن تدبرنا لآيات الله واتبعانا لما هدانا الله بها فقط ، فكيف والحال هذه مع من يتعامل مع الروايات التاريخية المجلوبة من خارج النص القرآني كلياً
هذا وقد أختلف مع أستاذي في بعض جوانب مقالته ، وهذا من عظمة دين الله الله الذي يسمح بالإختلاف السلمي بين المؤمنين ( وما اختلفتم فبه من شيء فحكمه إلى الله ) ، لكني أتفق مع معظم ما جاء بمقالته وهو أن الدين عند الله الإسلام ( ومن يبتغي غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ) وأن كل رسل الله سلام عليهم جاءوا بدين الله الإسلام وبالكتاب ولكن كل بلسان قومه ، وأختلف مع الذين يظنون أن الإسلام هو ما جاء به سيدنا رسول الله محمد فقط ، ويستمدون رأيهم من ما يفقهونه من القرآن ، وهذا دليل أن القرآن كتاب لم يقرأ بعد وما نقل عن القرآن حتى الآن إن هو إلا أماني وإتباع البعض لبعضهم الآخر وشكراً
|
[43694] تعليق بواسطة نعمة علم الدين - 2009-11-20 |
ما أعظم الدروس المستفادة من قصتى موسى ويوسف
|
حذف التعليق |
تعديل التعليق |
ما أعظم الدروس المستفادة من قصتى موسى ويوسف
فقصة موسى دليل على طغيان الفرعون وكفاح موسى وأخوه فى مواجهة هذا الفرعون الظالم وحماية المستضعفين من بين يديه ، وما أشبه اليوم بالأمس فالأن الفرعون مازال يظلم والمستضعفين مازاول مستضعفين ولكن فى عهد موسى كان المستضعفين يعبدون ربهم حق العبادة ويدافعون عن دينهم بأموالهم وأنفسهم فنجاهم الله من شره ،ولكن المستضعفين الآن أكثر ضعفا بسبب بعدهم عن القرآن الكريم وعن إعلاء كلمة الحق فى سبيل الله بل وكل فرد يقول وأنا مالى هو أنا هصلح الكون ،وأعتقد أن الله لن ينجيهم طالما ارتضوا هذا الضعف والذل والبعد عن الدين الحق بل وعن طيب خاطر.
وقصة يوسف من أعظم قصص القرآن الكريم والتى تبين لنا مدى الترابط الأسرى بين الاخوة والذى ينتج عنه الخير دائما لهم جميعا ، فنرى فى البداية تفكك اسرى بين الاخوة وهذا ما نعانيه فى هذه الايام أيضا فنرى الاخ يحارب أخيه والولد يغضب ويقهر والديه وما إلى ذلك ، فهل سنصل إلى ما وصل إليه أخوة يوسف فى النهاية من ترابط بينهم واستغفار لربهم على ما فعلوا ، لا أظن ، ولننظر لما يحدث حولنا من كره الاخ لأخيه وحرمان الاخوة لبعضهم من الميراث ونسوا ما امرهم ربهم به من صلة الرحم بكل معانيها .
|
[43771] تعليق بواسطة محمود مرسى - 2009-11-24 |
ما أعظم هذه الدروس المستفادة .
|
حذف التعليق |
تعديل التعليق |
الأستاذ الدكتور أحمد صبحي منصور / السلام عليكم ورحمة الله ، دائماً وأبداً حريص علينا وتحاول إيقاظنا من فترة لأخرى بهذه الدروس وغيرها في مقالاتك وأبحاثك النافعة والمفيدة لنا فجزاك الله عنا خير الجزاء ، فهذ الدروس التي بين أيدينا و التي تعلمناها من قصة يوسف عليه وعلى جميع الرسل السلام تنبهنا إلى حقيقة لابد لنا من الانتباه إليها وهى أن الشيطان لنا بالمرصاد ـ ويدخل لكل منا من طرق مختلفة، لقد فطر الله الناس علي الإيمان بالله وحده إلها ، ولكن لا يلبث الشيطان أن يتدخل ويوسوس ويقنعه أن يغطي هذه الفطرة السليمة بالاعتقاد في آلهة أخري مع الله . فيقتنع الإنسان أنه على حق وعلى هدي بما أنه يعترف بالألوهية لله ، ولكن لا يضير أن يشرك مع الله آلهة أخرى كالبخاري على سبيل المثال ويشرك مع كتاب الله كتب أخرى كصحيح البخاري
" وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ " ( يوسف 106 ).
|
[43784] تعليق بواسطة فتحي مرزوق - 2009-11-26 |
بارك الله فيك أستاذنا الفاضل .
|
حذف التعليق |
تعديل التعليق |
كل عام وأنتم جميعاً بخير أستاذنا الفاضل دكتور / أحمد صبحي منصور أعاده الله عليكم بالخير والبركة . فمن بين الدروس المستفادة من قصة فرعون موسى عدم الغرور والتعالي على الآخريين وخاصة إذا كان هؤلاء الآخرين ضعفاء، فعندما اغتر فرعون وادعى أن له ملك مصر وأن هذه الأنهار تجري من تحته َقالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ؟"( الزخرف 51) نرى ما الذي حدث له بعدها من ملكه لمصر ومن النيل الذي كان يفتخر بأنه ملكه ويجري من تحته.
فكل صاحب عقل يجب عليه الاتعاظ والاعتبار من هذه الآيات الواضحة فعندما علا فرعون في مصر أو في الأرض بتعبير القرآن الكريم " إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعاً يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين " القصص 4 . كان جزاءه أن غرق في هذا النهر كما رأينا وكانت ن
|