الجيش المصري سيصبح أكثر قوة في حالة وصول جمال للحكم

اضيف الخبر في يوم الأربعاء ٠٣ - مارس - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: الفجر


الجيش المصري سيصبح أكثر قوة في حالة وصول جمال للحكم

الجيش المصري سيصبح أكثر قوة في حالة وصول جمال للحكم

يسرا زهران

في لعبة السياسة.. يصبح اللاعب الخفي أكثر خطورة من اللاعب الذي يقف تحت الأضواء.. وفي أوقات التغيير.. لا يمكن أن تكون الكلمة الأخيرة لأصحاب الكلام العام.. ولا النوايا العائمة.. في مصر.. لا توجد قواعد واضحة للعبة السياسة.. ولا قوانين واضحة لعملية التغيير.. لكن توجد قوي مؤثرة.. لا تخضع للعبة السياسة.. ولا تسقط تحت رحمة التغيير.. لأنها فوق السياسة.. وأقوي من التغيير.

في الحلقة الثانية من كتابه:" السيادة وليس الحكم"، يواصل الباحث الأمريكي ستيفن كوك، قراءته لواحدة من أهم هذه القوي في مصر.. للمؤسسة العسكرية التي أكد أن الاحترام الكبير الذي تحظي به لدي المصريين علي مدي سنوات طويلة قد جعلها فوق كل الاعتبارات.. يواصل كوك مقارناته بين وضع المؤسسة العسكرية في مصر، وفي الجزائر، وتركيا.. ويحاول فهم دورها في العملية السياسية في البلاد، بعد أن أوضح مدي تأثيرها في استقرار نظام الحكم.. لكن الأهم، أنه حاول أن يقرأ دورها في مستقبل البلاد.. في علاقتها بأي رئيس قادم في مصر.. خاصة لو جاء من خارجها.. وفي مقارنة شديدة الأهمية قام بها بينها، وبين المؤسسة العسكرية الإيرانية في واحدة من أكثر فترات إيران حسما.. واشتعالا.. هي فترة سقوط نظام الشاه، واندلاع الثورة الإسلامية التي يتصور بعض المحللين السياسيين أحيانا، احتمال اشتعال ثورة مماثلة لها في مصر.. ما دامت الأوضاع المعيشية والسياسية في القاهرة اليوم.. تتشابه في بعض ملامحها مع "طهران الأمس.

يقول ستيفن كوك، إن الفارق الرئيسي بين النظام الديمقراطي والسلطوي، هو أن الأول يعلي مبدأ "سيادة القانون".. بينما يرفع الثاني شعار" السيادة.. بالقانون".. و الفارق كبير بين الاثنين.. إن سيادة القانون تعني وجود قوانين معلنة.. وتشريعات محددة.. ومؤسسات واضحة المعالم.. بينما السيادة بالقانون.. هي السيادة التي يتحول فيها القانون إلي أداة للسلطة.. وليس وسيلة لتحقيق العدالة.

في أنظمة "السيادة بالقانون".. تجد قانونا واحدا معلنا.. تقابله عشرات القوانين غير المعلنة.. تجد عشرات التعليمات غير المكتوبة.. والاتفاقات الضمنية التي يجمع عليها الكل بلا كلام.. خاصة.. في عالم السياسة.. وهو الوضع، الذي يجعل عشرات المؤسسات غير الرسمية علي الساحة السياسية، أحيانا صاحبة التأثير الأكبر والأهم عن المؤسسات الرسمية، المعلنة.. مثل البرلمان، ومجلس الشوري، والانتخابات، ومجالس حقوق الإنسان، وغيرها.

مثلا.. أي قراءة للدستور المصري، أو التركي أو الجزائري، تكشف عن وجود عدة نقاط مشتركة "ظاهريا" مع دستور الدول الديمقراطية..دول "سيادة القانون".. لكن.. هناك عدة قوي.. وتوازنات لهذه القوي.. كانت تلعب دورا أكثر تأثيرا من تأثير المؤسسات الرسمية للدولة.. وكانت هي عامل الحسم.. في كثير من اللحظات الحاسمة التي تمر بها مصر.. وهو ما جعل المؤسسات.. او الهيئات.. أو القوي السياسية التي يفترض بها أن تلعب دورا في التغيير السياسي.. مؤسسات خاوية.. شكلا، ومضمونا.

يمكن القول، إن تأثير مؤسسات السياسة"غير الرسمية" في مصر.. يشبه كثيرا ما يحدث في شوارعها.. إن مرور القاهرة "يبدو" دائما في حالة من الفوضي.. صحيح أن هناك إشارات مرور.. وعلامات إرشادية.. وحدوداً قصوي للسرعة.. وقواعد لعبور السيارات والمشاة.. إلا أن هذه القواعد "الرسمية".. والمعلنة، يتم تجاهلها بشكل شبه تام.. مما يعطي الانطباع بأنه لا توجد قاعدة واحدة "مفهومة" في هذه الشوارع.. لكن.. ما يثير التأمل هو أن كل سائقي القاهرة يعرفون متي ينطلقون.. ومتي يتوقفون.. وكيف يسيرون في الشوارع.. يعتمدون علي مجموعة من المعايير غير المكتوبة.. لكنها مقبولة.. ومتفق عليها دون إعلان.. وهذا هو السبب الوحيد الذي يجعل في فوضي مرور القاهرة شكلا من أشكال النظام.

سياسة مصر مثل شوارعها.. ما هو غير معلن فيها أكثر تأثيرا بكثير مما يعلنه الناس.. المؤسسات غير الرسمية شديدة الأهمية والحيوية .. ضرورية لوجود واستمرار النظام، والنخبة الحاكمة من حوله.. خاصة في الأوقات التي تثبت فيها المؤسسات السياسية الرسمية عجزها عن مواجهة أو احتواء التحديات التي تواجه النظام الحاكم.. وبالتالي تكون النتيجة حتمية: القوي غير المعلنة هي الأشد تأثيرا من القوي المعروفة.. وهو ما يزيد من تعقيد أي عملية إصلاح ديمقراطي أمام الكل.

السؤال المهم هو : إذا كانت هذه المؤسسات غير الرسمية.. مثل الدستور والبرلمان.. هي مؤسسات غير فعالة، وغير مؤثرة في العملية السياسية في مصر أو الجزائر او تركيا.. فما الذي يدفع رؤساء هذه الدول أصلا إلي الحرص علي وجود انتخابات وبرلمان في المقام الأول؟.. الإجابة هي أن وجود هذه المؤسسات التي "تبدو" ديمقراطية، أمر يحقق العديد من المكاسب السياسية لهم.. حتي وإن كانت هذه المكاسب تشبه المؤسسات التي تحققها.. خاوية من المعني والمضمون الحقيقي.

المكسب الأول الذي تحققه هذه الاستعراضات الديمقراطية، هي أنها جزء أساسي من أدوات الدفاع عن النظام.. أما المكسب الثاني، فتحققه لأنظمة الدول التي تدخل المؤسسة العسكرية في حكمها.. فتعفيها من الدخول في تفاصيل إدارة الحكم اليومية.. إن هذه المؤسسات، تساعد الرئيس علي أن يبدو دائما وكأنه يلعب بقواعد الديمقراطية.. ويكتسب شرعية لحكمه.. مسرح سياسي يعده ويقدمه الحزب الحاكم.. كما يظهر مثلا في مصر.. حزب وطني حاكم يرفع شعار مثل "الفكر الجديد وأولويات الإصلاح.".. وأحزاب كثيرة تشترك كلها في مسرحية الديمقراطية.. كلها محاولات من النخبة الحاكمة، غير الديمقراطية، التي تسعي وراء الحصول علي التأييد الشعبي من خلال التظاهر بالديمقراطية.. والانتخابات.. والبرلمان.. ومجالس حقوق الإنسان.. وغيرها من أساليب تخدم النظام في استبعاد مزيد من المنافسين.

لكن.. علي الرغم من أن هذه المؤسسات تلعب دورا في استقرار النظام.. إلا أنها تفرض تهديدا بشكل ما عليه.. صحيح أن المراقب الجيد يدرك أن كل هذه المظاهر التي تدعي الديمقراطية هي أمر أقرب إلي المزاح.. يأخذها معارضو النظام علي محمل الجد.. فالواقع أن كل الجماعات المعارضة للنظام في مصر، أو الجزائر، أو تركيا، أرادت أن تعيد لهذه المؤسسات وضعها الطبيعي.. الحقيقي.. الذي يفترض بها أن تمارسه كما يحدث في الدول الديمقراطية.. وأن تستغل هذا الدور لصالحها.. كلا من الإخوان المسلمين في مصر، وجبهة التحرير الإسلامية في الجزائر، وحزب الرفاة في القاهرة. كلهم حاولوا أن يفعلوا دور البرلمان والانتخابات ومجالس حقوق الإنسان في بلادهم.

ولم يفهم كثيرون أن الصراع الحقيقي بين الإسلاميين والمدافعين عن الدولة، هو في الأساس.. صراع سيطرة علي أكبر كم ممكن من مؤسسات الدولة.. حتي وإن كانت بلا معني أو مضمون.

كانت هذه المقدمات ضرورية لفهم ما هو أهم: إن رسم سيناريو لفكرة تدخل الجيش في الساحة السياسية.. وأن تحدد بدقة متي يمكن للمؤسسة العسكرية أن تمارس نفوذها علي الساحة السياسية، سواء بانقلاب عسكري أو بأي وسيلة أخري.. هو أمر يصعب توقعه.. الواضح فقط أنه في حالات مصر وتركيا والجزائر، فإن المؤسسة العسكرية لا ترغب في السماح لقوي المعارضة بالسيطرة علي مؤسسات الدولة، وإدارة سياستها التي يمكن أن تمهد الطريق لأي تغيير جذري في النظام السياسي الحاكم، الذي يقوم علي أساس عسكري.

لهذا ستبدو الأنظمة السلطوية التي تستند علي المؤسسة العسكرية لدعم وجودها أنظمة مستقرة.. وإن لن تكون بالضرورة علي أرضية ثابتة.. فلا يوجد ما يمنع أبدا من اشتعال معارك فكرية وأيديولوجية بين قوي المجتمع في هذه الأنظمة.

لقد قام النظام الحاكم بإجراء تغييرات علي هذه المؤسسات.. إما لضغوط داخلية أو خارجية.. لكن هذه التغييرات كانت مثل المؤسسات التي أجريت عليها.. مجرد تغييرات خالية من المضمون.. لم تكن تغييرات تسمح أبدا بمزيد من الديمقراطية.. وتحول الإصلاح السياسي نفسه إلي لعبة جديدة تتظاهر بالديمقراطية ويلعب بها النظام.

ربما لذلك، يلخص "سيناريو جمال".. وضع العديد من الدول التي تلعب بالديمقراطية.. دون أن تضعها موضع التطبيق.

منذ سنوات في مصر، والحديث يدور علنا حول من يمكن أن يخلف الرئيس مبارك.. التاريخ يقول إن من سيأتي بعد مبارك سيكون مثله، من قلب المؤسسة العسكرية.. لكن جمال مبارك أيضا صار خيارا مطروحا لخلافة أبيه.. ولو وصل جمال، الذي لا يملك أي خلفية عسكرية إلي الرئاسة.. إذن فسيشكل ذلك تغييرا قويا بالنسبة لمؤسسات الدولة.. ولنظامها السياسي كله..

لو وصل جمال إلي الحكم فستنفصل المؤسسة العسكرية عن مؤسسة الرئاسة لأول مرة في تاريخ مصر الحديث.. ومن الواضح طبعا.. أن تحول نظام الحكم في مصر إلي نظام مدني، هو أمر ضروري من أجل التغيير الديمقراطي.. لكنه ليس كافيا في حد ذاته..إن وصول رئيس مدني إلي السلطة يمكن أن يؤدي إلي مؤسسة عسكرية أكثر استقلالا عنه.. وأكثر نشاطا سياسيا.. كما أنه لابد من أن يقيم روابط قوية مع تلك القوة شديدة الأهمية والتأثير في البلاد.. وهو ما قد يجعل الرئيس المدني الجديد عاجزا عن اتخاذ أي قرارات سياسية بمعزل عن الجيش.. فمثلا، قد تعارض المؤسسة العسكرية أي إصلاحات، أو تغييرات سياسية، يمكن أن تؤثر علي مصالحها الاقتصادية.. أو أي سياسات خارجية يمكن أن تفصل مصر عن الاتفاق العربي العام.. بشكل عام.. فإن تأثير المؤسسة العسكرية علي السياسة لن يقل، طالما ظلت القنوات والأدوات التي تؤثر بها هذه المؤسسة في السياسة، مفتوحة وقائمة.

تؤثر المؤسسة العسكرية في سياسات البلاد.. لكنها تختلف حتما.. وكثيرا.. عن حكم المؤسسات العسكرية في دول أمريكا اللاتينية مثلا.. الأرجنتين وشيلي وبيرو.. تلك الدول التي يلعب فيها الجيش دورا فاعلا ومؤثرا في صناعة الأنظمة الحاكمة أو الانقلاب عليها.. حتي ولو كان ذلك عن طريق صناعة ديكتاتوريات عسكرية حاكمة.. ما يميز المؤسسة العسكرية في مصر أو تركيا أو الجزائر، عن مثيلاتها في دول أمريكا اللاتينية، هي ان ضباطها الزموا أنفسهم بعدم الخوض في تفاصيل إدارة الشئون اليومية للحكم.. والسياسة.. وهو ما أبعدهم عن التورط في تحمل تبعات أخطاء الحكومة.. وأتاح لهم هامش خطأ واسعاً لو اضطروا لإدارة شئون الساحة السياسية في البلاد.

تختلف حالة المؤسسة العسكرية في الدول الثلاث أيضا، عن مثيلتها في إيران قبل الثورة الإسلامية.. التي أدت إلي سقوط نظام الشاه.. هناك نقاط مشتركة بينهم.. فمثلا، كانت المؤسسة العسكرية الإيرانية تتمتع بمكانة عالية.. ولها نفوذ في العديد من جوانب الحياة السياسية حتي تلك البعيدة عن مناطق الأمن القومي والدفاع عن البلاد.. إضافة إلي دورها الرئيسي والأهم، وهو الدفاع عن نظام الحكم.. لكن.. أدت سنوات من تدخل الشاه في شئون الجيش الداخلية، تحسبا لوقوع أي انقلاب عسكري ضده، إلي إضعاف وهز قلب المؤسسة العسكرية، إلي الحد الذي جعلها عاجزة عن التصرف بشكل حاسم وفعال حتي في أوقات الأزمات الكبري.. وترك الشاه إيران منفيا.. وترك الجيش الإيراني من ورائه متهاويا.. عاجزا عن الدفاع عن نظام الحكم في البلاد.. بل.. وأصبح عدد كبير من ضباطه فيما بعد من أنصار ملالي الثورة الإسلامية الذين أطاحوا بحكم الشاه في إيران.

ولا يوجد ما يدعو للظن بأن المؤسسة العسكرية في مصر أو الجزائر أو تركيا، يمكن أن تلقي نفس المصير الذي لاقته المؤسسة العسكرية في إيران.. ولا أن تنهار في أوقات الأزمات والشدائد السياسية.. فالواقع أن قادة المؤسسة العسكرية في الدول الثلاث، قد عملوا بجدية علي منع أي تدخل مدني في شئونهم.. وأثبتوا قدرتهم علي التصرف بشكل جماعي.. موحد.. وحاسم.. في كل مرة لمحوا فيها أي تهديد ممكن، علي استقرار النظام الحاكم في بلادهم.

 

اجمالي القراءات 4058
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق