الجدل حول حجية السنة النبوية.. من ينتصر التراث أم التجديد؟

اضيف الخبر في يوم الجمعة ٢٣ - نوفمبر - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: مصر العربيه


الجدل حول حجية السنة النبوية.. من ينتصر التراث أم التجديد؟

لم يكن احتفال وزارة الأوقاف المصرية بالمولد النبوي الشريف يوم الإثنين الماضي، يوما عاديا، بل كشف عن خلاف كبير كان دائرا في الغرف المغلقة وظهر إلى العلن، هذا الخلاف بين مشيخة الأزهر الشريف بقيادة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، ومؤسسة الرئاسة بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، حول تجديد الخطاب الديني، خاصة فيما يتعلق بحجية السنة النبوية.

بداية الخلاف

ففى كلمته دعا الإمام الأكبر إلى ضرورة الحفاظ على السنة النبوية المطهرة وعدم الإنجرار وراء الصيحات التي دأبت على التشكيك في قيمة السنة وفي ثبوتها وحجيتها، والاعتماد فقط على القرآن وحده كالمصدر الوحيد للتشريع، مشددا على أن ما قام به علماء الأمة السابقون جهود علمية جبارة مضنية، أفنى فيها علماء الأمة وجهابذتها أعمارًا كاملة، أراقوا فيها ماء أعينهم، من أجل هدف واحد، هو تمييز الصحيح من غير الصحيح من مرويات السـنة.

إلا أن الرئيس لم يأنس بهذا الكلام ورد على الإمام قائلا :" يا ترى إساءة من ينادى بالاعتماد على القرآن وحده كالمصدر الوحيد للتشريع أكبر، أم إساءتنا كفهم خاطئ وتطرف شديد؟، ويا ترى سمعه المسلمين عاملة إزاي فى العالم؟"، لافتا إلى أن الإشكالية الموجودة فى العالم الإسلامي اليوم هى القراءة الخاطئة لأصول الدين، وليس اتباع السنة ومن عدم اتباعها.

ولم تكون هذه المرة الأولى التى يعبر فيها الرئيس السيسي عن غضبه من موقف الأزهر من قضية تجديد الخطاب الديني، ففي يوم 24 يناير 2017 قال السيسي للطيب خلال احتفالات عيد الشرطة :"تعبتني معاك يا فضيلة الإمام"، ورغم أن ظاهر هذه الكلمة مزحة إلا أن انصار الرئيس اعتبروها شهادة وفاة للأزهر وشيخه، وقالوا إن الرئيس فاض به الكيل.

وقبل أسبوعين وتحديدا خلال انعقاد فعاليات منتدي شباب العالم، تحدث السيسي عن قضية التجديد، واستخدم لفظان الأول تصويب، والثاني تصحيح، قائلا: "من غير المعقول أن تكون مفردات وآليات كان يتم التعامل بها من ألف عام وكانت صالحة فى عصرها تطبق في عصرنا!!".

وأضاف السيسي: "حد سأل نفسه لماذا تتمركز أغلب الصراعات فى هذه المنطقة ولما تضم المنطقة أكبر نسبة من اللاجئين، ومن الضحايا؟، بعدها تابع: "إحنا لا نتكلم فى تغيير دين.. ولكن إزاى تقنع أصحاب العقول والرأي أن لديه مشكلة حقيقة فى خطابه وفهمه للدين الذى يتعامل به.. لابد من إيجاد مفردات لخطاب ديني تتناسب مع عصرنا، وبعد 50 سنة نحتاج تطويرها بتطور المجتمعات".

ربع الدين والبخاري

بعدها كتب مؤيدو الرئيس السيسي تدوينات عبر موقع التواصل الاجتماعي "توتير"، هاجموا فيها شيخ الأزهر ومن هؤلاء محمود بدر عضو مجلس النواب، الذى كتب: "عزيزي فضيلة الأمام الأكبر شيخ الأزهر، صلى المسلمون وصاموا وآتوا الزكاة وحجوا البيت، ومن استطاع منهم إليه سبيلا لمدة قرنين من الزمان أي مئتي عام أو يزيد قبل أن يضع الإمامان البخاري ومسلم صحيحيهما، فهل كانوا يصلّون بربع الدين فقط".

وافقه الرأى النائب محمد أبو حامد، وكيل لجنة التضامن الاجتماعي في البرلمان، الذى كتبه هو الآخر عبر تويتر: "قيام مؤسسة الأزهر وشيخها بما يجب عليهما من واجبات تجاه الخطاب الديني وتطويره ومواجهة التطرف الفكري لن يتحقق إلا بالالزام القانوني… شيخ الأزهر موظف عمومي، ويجب أن تكون له وظائف محددة وملزمة لا تخضع لفكرة مدى الاستجابة الشخصية، وإنما تكون التزاما قانونيا تجاه الوظيفة التي يشغلها".

التشكيك فى النوايا

بينما فسر الإعلامي عمرو عبد الحميد خلال برنامجه "رأي عام"، خطاب الإمام الأكبر باحتفالية المولد، على أنه تشكيك فى نوايا كل من يحاول أن يبذل جهدا في إعادة قراءة التراث قراءة مستنيرة تتوافق مع متطلبات العصر.

 وهو ما رد عليه عليه الشيخ خالد الجندي عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، الذى أشار إلى أن شيخ الأزهر يريد الحفاظ على نص إلا أنه فى خطابه لم يتعرض لقضية تطوير فهم النص، لافتا إلى أن الاجتهاد الذى يراه الإمام الأكبر الآن هو حماية السنة لأن الطعن في السنة بوابة على الطعن في القرآن وشرعيته والإسلام ذاته.

وذكر أن  شيخ الأزهر يرى مسألة التجديد بهدوء ورصانة العلماء لأن التسرع فى هذه القضية أمر في منتهى الخطورة وقد يأتي على حساب ثوابت نحن نريد حمايتها، موضحا فى الوقت ذاته أنه لا يجب رفع البخاري إلى مصاف الأنبياء أو النزول به إلى الإسفاف.

وزير الأوقاف وحجية السنة 

وافقه الرأى الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، الذى قال  في بيان له: "إن علماء الأمة وفقهاؤها اجمعوا على حجية السنة المشرفة، وأنها المصدر الثاني للتشريع بعد كتاب الله (عز وجل)، وأن طاعة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من طاعة الله، وهو ما ندين به لله (عز وجل).

وأشار الوزير إلى أن السنة النبوية المشرفة مكملة ومتممة وشارحة ومفسرة ومبينة لما جاء في القرآن الكريم، مشددا على ضرورة أن نفهم السنة فهمًا صحيحا من خلال مقاصدها ومراميها، وألا نجمد أو نتحجر عند ظواهر النصوص دون فهم أبعادها ومقاصدها.

وأضاف وزير الأوقاف : "إنه لا خلاف حول ثبوت النصوص الصحيحة، وإنما الخلاف كل الخلاف مع أصحاب الأفهام السقيمة الذين لا يفرقون بين النص الثابت والفكر البشري المتغير الناتج عن فهم النص، إذ نجزم أن هذا الفهم وذاك التطبيق فيما يتصل بالمتغيرات والمستجدات ليس قرآنا ولا نصًّا مقدسا، إنما هو فهم أو تطبيق ناسب عصره وزمانه".

وتابع: "وعلينا أن ننظر في هذه الآراء ، فما وافق منها عصره وزمانه وكان صالحا لزماننا أيضا أخذنا به، وما كان صالحا لزمانه هو وظرفه هو  وثبت بالقرائن أن تطبيقه على هذا النحو كان لظروف عصره لم نحمله قسرا على عصرنا وظروفنا مع عدم مناسبته لهما، إنما علينا أن نعيد النظر والاستنباط بما يناسب طبيعة عصرنا وظروفه، ولا يقول بخلاف ذلك إلا جاهل أو معاند أو متاجر بدين الله عامد إلى تشويهه أو توظيفه لعنفه وتطرفه بل وخدمة أعدائه".

تهرب من المسئولية

فى المقابل اعتبر أحمد بان الباحث فى شئون الجماعات والمؤسسات الإسلامية، حديث الرئيس الرئيس المتكرر عن تجديد الخطاب الديني ما هو إلا محاولة من السلطة السياسية لرمى الكرة مرمى الأطراف الأخرى للتنصل من تحمل المسئولية، موضحا أن التجديد يتجاوز فكرة تنقية التراث والكتب القديمة، إلى فكرة تجدد الإنسان والسياسة والشراكة المجتمعية والاقتصادية.

وأشار بان فى تصريح سابق لـ"مصر العربية"، إلى أن الدولة معنية فى المقام الأول بعملية تجديد الخطاب وليس المؤسسة الإسلامية فقط، لأنه قضية مجتمعية يجب على مؤسسات الدولة أن تتشارك فيها نظرا لارتباطها بحال وأوضاع المجتمع ككل.

وأوضح الباحث فى الشئون الإسلامية والحركات، أن الأزهر يحاول ويخطو خطوات فى إطار تجديد الخطاب الديني، ولكننا فى النهاية نتحدث عن تغيير بيئة مجتمعية لها قرون، والأمر يحتاج إلى مزيد من الوقت والجهد.

رؤية الطيب للتجديد

وعن رؤيته للتجديد قال الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، في مقال له نشرته جريدة الأهرام، إن التجديد الذي ننتظره ينبغي أن يسير في خطين متوازيين، الأول خط ينطلق فيه من القرآن والسنة أولًا، وبشكل أساسي، ثم مما يتناسب ومفاهيم العصر من كنوز التراث بعد ذلك.

وتابع بأنه وليس المطلوب - بطبيعة الحال- خطابًا شموليًا لا تتعدد فيه الآراء ولا وجهات النظر، فمثل هذا الخطاب لم يعرفه الإسلام في أي عصر من عصور الازدهار أو الضعف، وإنما المطلوب خطاب خالٍ من "الصراع" ونفي الآخر واحتكار الحقيقة في مذهب، ومصادرتها عن مذهب آخر مماثل.

والثاني هو خط موازٍ ننفتح فيه على الآخرين بهدف استكشاف عناصر التقاء يمكن توظيفها في تشكيل إطار ثقافي عام يتصالح فيه الجميع، ويبحثون فيه معًا عن صيغة وسطى للتغلب على المرض المزمن الذي يستنزف طاقة أي تجديد واعد، ويقف لنجاحه بالمرصاد.

وأوضح أنه يعني به: الانقسام التقليدي إزاء "التراث والحداثة" إلى تيار متشبث بالتراث كما هو، وتيار متغرب يدير ظهره للتراث، ثم تيارٍ إصلاحي خافت الصوت لا يكاد يبين.

ودعا شيخ الأزهر، إلى إعداد قائمة إحصائية بكبريات القضايا التي تطرح نفسها على السَّاحة الآن، مقترحا أن تكون الأولوية للقضايا التي شكَّلت مبادئ اعتقادية عند جماعات التكفير والعنف والإرهاب المسلح.

وذكر "على سبيل المثال لا الحصر قضايا: الجهاد - الخلافة - التكفير - الولاء والبراء - تقسيم المعمورة وغيرها، مشددا على ضرورة أن يكون الاجتهاد في توضيح هذه المسائل اجتهادًا جماعيًّا وليس فرديًّا، وذكر أن الاجتهاد الفردي فات أوانه، ولَمْ يَعُد مُمْكِنًا الآن لتعدُّد الاختصاصات العلمية، وتشابك القضايا بين علوم عدة".

اجمالي القراءات 1241
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق




مقالات من الارشيف
more