مغالطات «في سياق الدراما»: هكذا رسمت السينما العربية لوحات تاريخية مشوهة

اضيف الخبر في يوم الأحد ٠٣ - سبتمبر - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: ساسه


مغالطات «في سياق الدراما»: هكذا رسمت السينما العربية لوحات تاريخية مشوهة

في السينما العربية، وبعد ثورة 1952 تحديدًا، رأينا العديد من الأعمال السينمائية التي تتناول السيرة الذاتية لبعض الشخصيات التاريخية، والتي كان لها بالغ الأثر في رسم صورة ذهنية داخلنا تجاه تلك الشخصيات، ولكن هل تلك الصورة المرسومة في أذهاننا عن صلاح الدين وابن رشد وقطز وبيبرس وشجر الدر صحيحة، أم أن هناك مغالطات تاريخية وقعت فيها تلك الأعمال؛ فبالغت في تمجيد البعض لأغراضٍ سياسية معاصرة حينها؟

«الناصر صلاح الدين».. قائد عظيم أم سفاح دموي؟

كان فيلم الناصر صلاح الدين للمخرج يوسف شاهين من الأعمال التاريخية الضخمة التي رسخت لصورة صلاح الدين الأيوبي، كفارس مغوار شجاع معتدل وبعيد كل البعد عن التعصب الديني، حرر بيت المقدس من الصليبين ورفع راية الإسلام عليه، وأحسن للضعيف وراعى ميول الشعب الدينية المختلفة، بدليل وجود فارس مسيحي معه من بين رجاله هو عيسى العوام.

في الآونة الأخيرة ظهرت أصوات جديدة، تختلف في الرأي مع تلك الصورة السائدة لصلاح الدين الأيوبي، وتعتمد في ذلك على شهادات المؤرخين القدماء الذين ساندوا صلاح الدين نفسه، وكان على رأس تلك الأصوات المفكر المصري يوسف زيدان؛ فيقول زيدان لـ«ساسة بوست»: «قمت بتتبع أخبار صلاح الدين الأيوبي لدى المؤرخين من أهل السنة الذين ساندوه ومن بينهم المقريزي، وابن كثير، وابن شداد، وغيرهم، فما يتردد عن تحرير صلاح الدين للقدس ليس صحيحًا، فقد قام بعمل صلح، ومن حرر القدس حقًا كان المنصور قلاوون وأولاده، وما قصدته ليس الهجوم على شخص صلاح الدين، ولكن كان موضوع حلقتي مع عمرو أديب هو عن كيفية عمل استنارة بالمجتمع بداية من مناهج التعليم، فكيف نترك البيروني وابن سينا وابن النفيس هؤلاء الذين ساهموا في العلوم الإنسانية، ونحتفي بالسفاحين والقتلة».
وعن تاريخ صلاح الدين الأيوبي تنقسم الروايات إلى جزئين «قبل النصر في موقعة حطين وبعده»؛ فيقول شمس الدين بن عثمان الذهبي في كتابه «سير أعلام النبلاء» إن صلاح الدين كان قد ولي وزارة مصر تحت إشراف الخليفة العاضد، وكان له من الصلاحيات والقوة ما كان للخليفة، ولما مات الخليفة استأثر صلاح الدين بمصر واستقل بها عن دولة الخلافة. توسع صلاح الدين في مُلكه؛ فنازل حلب ومن بعدها الموصل – أي حاربها – وضمها إليه.

وعن استئثار صلاح الدين بمصر وما فعله في أشراف البيت الفاطمي يقول المقريزي في كتابه الخطط والمواعظ: «ولما مات العاضد لدين الله، احتاط الطواشى قراقوش – وزير صلاح الدين – على أهل العاضد وأولاده، فكانت عدة الأشراف في القصور مئة وثلاثين، والأطفال خمسة وسبعين، وجعلهم فى مكان أفراد لهم خارج القصر، وجمع عمومته وعشيرته فى إيوان بالقصر واحتزر عليهم، وفرق بين الرجال والنساء لئلا يتناسلوا، وليكون ذلك أسرع لانقراضهم».

كل هذا كان قبل موقعة حطين وانتصار صلاح الدين في بيت المقدس على الصليبيين، أما عن الفترة التي تلت فتح بيت المقدس فيحدثنا عنها حسن الأمين في كتابه «صلاح الدين بين العباسيين والفاطميين والصليبيين» والذي يعرض فيه وجهة نظر مغايرة عن الأساطير التي حيكت بعد فتح القدس، حيث يقول إنه وفي شوال من نفس العام أي بعد فتح القدس بثلاثة أشهر، أرسل الخليفة الناصر العباسي إلى صلاح الدين الأيوبي رسالة شديدة اللهجة يصفها العماد الأصفهاني في كتابه «الفتح القسي في الفتح القدسي» بأنها كانت تحتوي على أحداث ثقلت وأحاديث نُقلت ووشايات أثرت، ويعلق عليها حسن الأمين قائلًا: «إذا كانت نتيجة معركة حطين هي فتح القدس، فإننا إن استثنينا الميزة القدسية لمدينة القدس، فهي مدينة ككل المدن الفلسطينية، لا يعدو فتحها فتح أية مدينة من تلك المدن، فإذا كانت القدس قد فُتحت فإن القسم الكبير من فلسطين وغير فلسطين كان لا يزال مُحتلًا، والوقوف عند فتح القدس وما نال فتحها من ابتهاج المسلمين وسرورهم وتمجيد الفاتحين، إن الوقوف عند هذا كان معناه التغاضي عما لا يزال مُحتلًا من البلاد، وعن وجود الصليبيين سادة لتلك البلاد».

وعن هذا كانت رسالة الخليفة الناصر العباسي الذي كان قد تخلص لتوه من سيطرة السلاجقة، وبنى جيشًا كبيرًا استطاع به أن يستعيد الكثير من الأراضي الإسلامية تشمل العراق وما يتصل بها، وقد عزم بعدها على إرسال جيشه هذا ليتعاون مع جيش صلاح الدين ويحرروا ما تبقى من الأراضي الإسلامية، فأبى صلاح الدين هذا العرض ورفض قدوم جيش الخليفة؛ وذلك خوفًا من أن يصبح بعدها مجرد والٍ من ولاة الخلافة العباسية، واستعان على الخليفة بأكابر القوم، وهم مجموعة من الأمراء ذكرهم الأصفهاني في كتابه، فأرسلوا إلى الخليفة أن جيوشهم قد أُنهكت من الجهاد، ولما وصل الخليفة رفض صلاح الدين أرسل رسالته عنيفة اللهجة التي تم ذكرها.

السينما العربية
وكانت هذه هي الحادثة الثانية لصلاح الدين التي يرفض فيها مخططًا للقضاء على وجود الصليبيين في الأراضي الفلسطينية كلها، حيث كانت الحادثة الأولى إبان تولي الملك العادل نور الدين زنكي إمارة الشام، فيقول عنها ابن الأثير في كتابه «الكامل في التاريخ» المجلد التاسع تحت عنوان «ذكر الوحشة بين نور الدين وصلاح الدين باطنًا» أن صلاح الدين كان قد رحل عن مصر غازيًا بلاد الفرنج في صفر من هذا العام، قاصدًا حصن الشوبك، وبينه وبين الكَرَك يوم، ويستكمل: «فلما سمع نور الدين بما فعله صلاح الدين سار عن دمشق قاصدًا بلاد الفرنج أيضًا ليدخل إليها من جهة أخرى، فقيل لصلاح الدين: إن دخل نور الدين وهم على هذه الحال: أنت من جانب ونور الدين من جانب، ملكها، ومتى زال الفرنج عن الطريق وأُخذ مُلكهم، لم يبق بديار مصر مُقام مع نور الدين، وإن جاء نور الدين إليك أنت هاهنا، فلابد لكَ من الاجتماع به، وحينئذ يكون هو المُتحكم فيك بما شاء»، فرحل صلاح الدين عن الشوبك بعد ذلك دون فتحها، وكتب إلى نور الدين يعتذر منه، ويتعذر بأمور منعته في الديار المصرية، وأجبرته على الرحيل لها علاقة بالعلويين، فلم يقبل نور الدين منه تلك الرسالة وتَغير عليه، وكان هذا سبب عزمه على دخول مصر وعزله عنها، في نظر بعض المؤرخين نتيجة تلك الحوادث، إن مصلحة صلاح الدين في الولاية كانت لديه أكبر من جهاده نفسه ضد الصليبيين، بل كل ما أراده هو أن ينسب الفضل في فتح تلك البلاد له، لا لغيره خوفًا على ولايته، بحسبهم.

ويسرد لنا سيد حسين نصر في كتابه «ثلاثة حكماء مسلمين» عن قصة قتل السهروردي، هذا العالم الإسلامي الإشراقي، والذي سلك المسلك الصوفي لفترة من حياته، وتقرب من الملك الظاهر بن صلاح الدين الأيوبي، حيث أقام معه في البلاط بحلب، واشتد غيظ العلماء منه في تلك الفترة، فيقول حسين نصر: «طالبوا آخر الأمر بإعدامه بتهمة ترويج عقائد تتنافى مع الدين، فلما رفض الملك الظاهر، التمسوا ذلك رأسًا من صلاح الدين. وكانت سورية إذ ذاك قد استعيدت من الصليبيين، وكان تأييد العلماء أمرًا ضروريًا لدعم سلطان صلاح الدين، فلم يكن له مفر من أن يذعن لإرادتهم»، فكانت نهاية مأساوية لعالم من علماء الفلسفة المسلمين على يد صلاح الدين، والذي وعلى الرغم من قصر حياته، إلا أنه تمكن من تأليف أكثر من خمسين كتابًا تعليميًا وعقائديًا وفلسفيًا، هذا بالإضافة لما اشتهر به من كتابة الشعر، كما كان له العديد من المآثر باللغتين العربية والفارسية.
وهنا يأتي السؤال: لماذا تم تمجيد صلاح الدين الأيوبي في السينما العربية، خاصة بعد ثورة يوليو (تموز) 1952؟ وهل للأمر علاقة بتمجيد جمال عبد الناصر في تلك الفترة؟

يقول يوسف زيدان في مقاله بالمصري اليوم «أوهام المصريين.. الناصر أحمد مظهر»: «منذ سنوات بعيدة، قال لى واحد من أساتذة الفلسفة المصريين، مازحًا، إنه اشتغل في شبابه بفن التمثيل! ولما استفهمت منه، مستغربًا من أنني لم أره في أي مشهد سينمائى، قال وهو يبتسم: ألا تذكر الجموع التي ظهرت في فيلم «الناصر صلاح الدين»، لقد كنت واحدًا من هؤلاء الجنود، فأيامها كنتُ مجنَّدًا في الجيش، وكانوا يأخذون الآلاف منا، للاشتراك في تصوير المشاهد الحربية».

والحقيقة أنه تلك لم تكن المرة الأولى التي يتدخل فيها عبد الناصر في صناعة السينما، حتى وإن لم يكن تدخلًا مباشر، فعن ذلك تحدث الفنان فريد شوقي في إحدى الحوارات التلفزيونية عن استدعاء جمال عبد الناصر له لعمل فيلم عن العدوان الثلاثي بعد انقضاء عام 1956.

كما أن الفنان أحمد مظهر، وهو الذي قام بدور البطولة في الفيلم، ضابط سابق في سلاح الفرسان، وصديق شخصي لجمال عبد الناصر، وعلى مقربة من الضباط الأحرار، والستينات من العصر الماضي شهدت العديد من الأفلام التي تمجد ثورة 1952 المصرية، والتي تتناول السيرة الذاتية لقادة نجحوا في تحرير البلاد العربية أمثال قطز وبيبرس وصلاح الدين الأيوبي، حتى وإن كان بعضهم ليسوا عرب الأصل، ولكنهم عسكريون يتماشون مع مشروع القومية العربية الذي تبناه جمال عبد الناصر.

عيسى العوام.. «مسيحي قاتل مع المسلمين»

«هل هنأتم أخاكم عيسى بعيد الميلاد؟»

وردت هذه العبارة على لسان صلاح الدين الأيوبي – أحمد مظهر- في فيلم الناصر صلاح الدين الذي رأينا فيه شخصية عيسى العوام «المسيحي» الذي قاتل في صفوف المسلمين، وآمن بعدل وشجاعة صلاح الدين لدرجة أنه حارب معه الصليبيين، بالرغم من مسيحيته، بل كان يكيد  لهم المكائد، وكانت له مكانة عظيمة لدى قائده، الذي أوقف الحرب ليلة عيد الميلاد، ليهنئ الجنود أخاهم عيسى، وتم إعلان اليوم هدنة تدق فيها أجراس الكنائس.

والحقيقة أن الرواية التاريخية الحقيقية تختلف تمامًا عن ذلك؛ ففي ذكر عيسى العوام يقول ابن شداد في كتابه النوادر السلطانية: «ومن نوادر هذه الوقعة ومحاسنها أن عوامًا مسلمًا يقال له عيسى، وصل إلى البلد بالكتب والنفقات على وسطه ليلًا على غرة من العدو، وكان يغوص ويخرج من الجانب الآخر من مراكب العدو، وكان ذات ليلة شد على وسطه ثلاثة أكياس فيها ألف دينار وكتب للعسكر، وعام في البحر؛ فجرى عليه أمر أهلكه، وأبطأ خبره عنا. وكانت عادته إذا دخل البلد أطار طيرًا عرفنا بوصوله، أبطأ الطير؛ فاستشعرنا هلاكه. ولما كان بعد أيام بينا الناس على طرف البحر في البلد، إذا هو قد قذف شيئًا غريقًا؛ فتفقدوه فوجدوه عيسى العوام ووجدوا على وسطه الذهب وشمع الكتب».

قطز.. «قاهر التتار»

كان فيلم وا إسلاماه  والمقتبس عن رواية بنفس الاسم للكاتب «علي أحمد باكثير» يتناول قصة حياة السلطان المملوكي سيف الدين قطز، منذ نعومة أظافره وحتى انتصاره على المغول في موقعة عين جالوت، وفي الفيلم نرى قطز مملوك مغوار شجاع مخلص لقائده عز الدين أيبك، يحافظ على مُلكه ويرعى شؤونه، حتى أنه رفض عرض شجر الدر له بقتل عز الدين أيبك، وتولى عرش مصر بعد وفاة شجر الدر وعز الدين أيبك عند وصول التتار؛ حيث ولاه الشعب على العرش ليتمكن من التصدي لهم، وهو ما يختلف عن الرواية التاريخية.

يروي الدكتور «علي محمد الصلابي»  وهو إسلامي النزعة، في كتابه الذي يتناول السيرة الذاتية للسلطان سيف الدين قطز ويسرد أحداث موقعة عين جالوت، فيقول إن سيف الدين قطز قد ساعد قائده عز الدين أيبك في التخلص من عدوه اللدود الفارس أقطاي زعيم المماليك البحرية، ورمى برأسه إلى أتباعه من المماليك؛ ليتأكدوا من موته، بعد أن عزموا على الذهاب لإنقاذه من قلعة الجبل.
وعن تولي سيف الدين قطز الحكم، يقول الدكتور الصلابي: إن الحُكم قد آل إلى «المنصور علي» ولد عز الدين أيبك، والذي كان في الخامسة عشر من عمره، وكانت أمه – زوجة أيبك الأولى – هي المتحكمة في شؤون البلاد حينها؛ وأن سيف الدين قطز كان نائبًا للسلطان يرغب في الحكم، ولكنه لا يريد أن يُقلب عليه المنافسين، ولذلك ترك للصبي الصغير شعار السلطنة ولقبها، وأمسك هو بزمام السلطة الفعلية.

وما إن سنحت له الفرصة، حتى قام بخلع السلطان الصبي؛ متحججًا بوجود التتار على الأبواب، فيقول الصلابي: «في يوم السبت 24 ذي القعدة سنة 657 هـ قبض قطز على الملك المنصور وعلى أخيه قاقان وأمهما، واعتقلهم في أحد أبراج القلعة؛ فكانت مدة حكم المنصور سنتين وثمانية أشهر وثلاثة أيام».

هل كان لثورة يوليو (تموز) 1952 دخل في تغيير الرواية التاريخية بما يتناسب مع صورة البطل الذي ولاه الشعب حكم البلاد ليصد العدوان عنهم؟

كان فيلم وا إسلاماه من الأفلام التي أنتجت بعد صد العدوان الثلاثي بسنوات قليلة، فقد تم إنتاجه عام 1962، وقام ببطولته أحمد مظهر أيضًا، وتم تقديم شكر للقوات المسلحة المصرية في بداية الفيلم على المساعدات التي قدمتها لتخرج المعارك بتلك الصورة التي وصفها صناع العمل بالمشرفة؛ وهو الأمر الذي يشير إلى اهتمام القوات المسلحة تحديدًا بهذا الفيلم.

الظاهر بيبرس.. الصديق المُقرب لقطز

في فيلم وا إسلاماه نرى «الظاهر بيبرس»، وهي الشخصية التي قام بأدائها «رشدي أباظة» كبير فرسان الأمير أقطاي، وهو العدو الأكبر لعز الدين أيبك، ولكننا في الوقت نفسه نراه صديقًا شخصيًا مقربًا لسيف الدين قطز، يتبادلون المعلومات وأطراف الحديث، ويتبارزون بالسيف لهوًا دون علم قادتهم؛ فنرى بيبرس يساعد قطز في الجلوس على العرش، ويحارب بجانبه في معركة عين جالوت حتى النصر دون أية أهدافٍ شخصية أو طموح إلى المُلك، وهو ما يختلف تمامًا مع الواقع التاريخي، ولكنه شديد الشبه بعلاقة الصداقة التي لم تكن قد تلوثت بعد بين جمال عبد الناصر والمشير عبد الحكيم عامر.

العلاقة الحقيقية التي جمعت بين الظاهر بيبرس وقطز، يرويها محمد بن شاكر الكتبي في كتابه «فوات الوفيات والذيل عنها»، فيقول إن السلطان سيف الدين قطز كان قد أرسل الظاهر بيبرس لتعقب آثار التتار في الشام  بعد هزيمتهم في موقعة عين جالوت، وقد وعده نيابة حلب؛ فتعقبهم الظاهر حتى أخرجهم من الشام، وأخذ ينتظر مكافأته، ولكن السلطان خلف وعده، وأعطى ولاية حلب إلى علاء الدين ابن حاكم الموصل، فتأثر بيبرس من فعله.
ويروي لنا الدكتور أحمد مختار العبادي في كتابه «قيام دولة المماليك الأولى» عن واقعة مقتل السلطان قطز المُظفر قائلًا عن الظاهر بيبرس:  «كان يطمع في نيابة حلب، وطلبها فعلًا من قطز، فلما رفض السلطان أن يجيبه إلى طلبه؛ تنكر له بيبرس، واتفق مع جماعة من الأمراء على قتله، وظل يترقب الفرصة لتنفيذ غرضه، ثم واتته الفرصة أثناء عودة السلطان إلى مصر وخروجه للصيد بالقرب من الصالحية، ففي أثناء رجوعه من صيده إلى الدهليز السلطاني؛ وثب عليه بيبرس في عدة من المماليك، وقتلوه بسيوفهم في الخامس عشر من  ذي القعدة من عام 658 هـ، واتفق الأمراء بعد ذلك على بيبرس فأقاموه سلطانًا، ولقب بالملك الظاهر؛ وسار السلطان في الجيوش، حتى دخل القاهرة بلا مقاومة وجلس في إيوان القلعة في 19 ذي القعدة من نفس لسنة».

والحقيقة أن علاقة الصداقة التي تجمع بين قائدين شعبيين لكل منهما مآثره، كما ظهرت في الفيلم، كانت شديدة الشبه بعلاقة الصداقة بين جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر قبل حرب الستة أيام، والتي انتهت بهزيمة الجيوش المصرية، واحتلال إسرائيل لسيناء والجولان والضفة الغربية والقدس عام 1967، حيث كان المشير عامر ملاصقًا لجمال عبد الناصر منذ أن كانا ضابطين حتى قيام الثورة، وتولي عبد الناصر رئاسة البلاد، خاصة مع الدور الذي لعبته القوات المسلحة في صناعة هذا الفيلم.

عز الدين أيبك.. الملك الضعيف

ظهر السلطان عز الدين أيبك في فيلم وا إسلاماه بمظهر الملك الضعيف، الذي تحكمت بأموره زوجته شجر الدُر، التي نُسب إليها مقتل أعدائه كالفارس أقطاي، بدلًا عنه، وأنه عزف عنها ليعود لزوجته الأولى أم المنصور علي، وهو أمر ليس له سند تاريخي.

في الرواية التاريخية نرى عز الدين أيبك بعد أن تستتب له أمور الحكم يقوم بالتخلص من كل من تسول له نفسه التفكير في المملكة، وهو أمر جرت عادته في دولة المماليك التي يُعد هو أول حكامها، فيقول سهيل طقوش في كتابة «دولة المماليك في مصر والشام»، إن «العرب كانوا يحتقرون المماليك؛ نظرًا لأصلهم غير الحر، وهو الأمر الذي أدى إلى ثورة العرب الدائمة ضد حكام المماليك قبل أن يستتب لهم الحُكم، وجعلهم يخشون على مُلكهم».

وهو الأمر الذي دفع أيبك لعمل طائفة مملوكية جديدة تسمى بالمماليك المُعزية، وتخلص من شريكه الأمير أقطاي، وانفرد بعدها بالحكم، وتغيرت شجر الدُر عليه، حيث وصلها خبر أنه راح يخطب ابنة صاحب الموصل، وهو الأمر الذي دفعها لقتله، كما يورد شهاب الدين النويري في كتابه « نهاية الإرب في فنون الأدب».

ابن رشد.. الصراع بين العقلانية والتطرف

يعتبر فيلم «المصير» للمخرج يوسف شاهين هو الفيلم الوحيد الذي يتناول حياة الفيلسوف ابن رشد على شاشات السينما، ليروي لنا جزءًا من تاريخ الأندلس تحت حكم الخليفة المنصور، والصراع بين العالم العقلاني ابن رشد الذي كان يؤيده الخليفة في البداية، وبين المتطرفين الذين نجحوا في استمالة الخليفة؛ فحرقت كتب ابن رشد، ولم تنجُ منها سوى نسخة تم تهريبها وحفظها في مصر.

والحقيقة وطبقًا للرواية التاريخية في كتاب «ابن رشد الفكر والسيرة» للدكتور محمد عابد الجابري أن ابن رشد نال مكانة رفيعة لدى الخليفة أبي يعقوب يوسف والد الخليفة المنصور، وأن سبب النكبة التي عانى منها ابن رشد وحُرقت على أثرها كتبه لم يكن اتهامه بالإلحاد، ولكن ورد على لسان اثنين من المؤرخين أن ابن رشد نال مكانة رفيعة لدى المنصور نفسه، حتى حادثة أبي يحيى أخي المنصور، والذي كان والي قرطبة، وطمع في ملك أخيه عندما مرض مرضًا شديدًا، ولكن المنصور أفاق من مرضه، وعلم بأمره؛ فأمر بدق عنقه.

يذكر الجابري في كتابه أن ابن رشد كان مقربًا من أبي يحيى، وهو الذي أوصى به لدى والده الخليفة أبي يعقوب ليكون واليًا على قرطبة، ويقال إن أبا يحيى هو الذي أوصى ابن رشد بكتابة كتاب «الضروري في السياسة» تمهيدًا لتوليه خلافة البلاد، وإن هذا الكتاب الذي يتحدث عن استبداد الحكام، هو الذي أبدل مكانته لدى المنصور، فأمر بنفيه خارج البلاد، وحرق كتبه، ولكن المنصور عفا عنه بعد سنتين، واستدعاه إلى الأندلس، وجنح إلى تعلم الفلسفة، فحضر ابن رشد إلى مراكش، ولكنه مرض ومات بها، وتوفي المنصور في السنة نفسها 595 هـ.

والحقيقة أن يوسف شاهين في حوارٍ تليفزيوني معه عقب عرض الفيلم جماهيريًا في ألمانيا قد صرح أن فيلمه هو فيلم ضد التعصب الديني في أي عصر، وأنه كان يوجه رسالةً للغرب عقب الشائعات التي ترددت عن الدين الإسلامي وقتها بربط الإسلام بالحوادث الإرهابية، مؤكدًا أن الإرهاب ليس إسلاميًا، وأنه لا يجب توصيف دين عظيم كالإسلام بالإرهاب، وأن فيلمه أيضًا هو عن حرية التعبير، خاصة بعد القضية التي تمت مهاجمته فيها عقب عرض فيلم «المهاجر» حول الشبه بين قصته بقصة النبي يوسف.

اجمالي القراءات 2701
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق