رقم ( 3 ) : الفصل الأول : الوقائع
الباب الأول : الفتنة الكبرى الثانية : وقائع وشخصيات ـ الفصل الأول : الوقائع

الباب الأول : الفتنة الكبرى الثانية : وقائع وشخصيات

الفصل الأول : الوقائع

ولاية العهد وتداول السلطة فى الفتنة الكبرى الثانية ( 61 : 73 )

 مقدمة

1 ـ   يقول جل وعلا (اسْتِكْبَاراً فِي الأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً (43) فاطر ). هذا حُكم الاهى ينطبق فى كل زمان ومكان على المستكبرين فى أى أرض، يتآمرون فيحيق بهم مكرهم السيء . ومن أبشع مظاهر المكر السىء الوصول للسلطة وتوارثها . أراد الأمويون الوصول للسلطة فأسهموا فى إدخال الصحابة فى الفتنة الكبرى الأولى ، ثم إبتدع معاوية توريث المُلك لابنه يزيد فأشعل الفتنة الكبرى الثانية ، وكان من ضحاياها مئات الألوف من الصحابة والتابعين من مختلف التيارات السياسية ، من الهاشميين والشيعة والزبيريين والخوارج ،ودفع الثمن الأمويون أنفسهم ، وكانت ذرية معاوية نفسه فى مقدمة الضحايا .

2 ـ قُتل الحسين سنة 61، ثم فجأة هلك يزيد بن معاوية فى 14 ربيع الأول سنة 64،وهو فى أوج شبابه وفروسيته ، قيل إن عمره 38 عاما أو 35 عاما ، بعد خلافة استمرت حوالى ثلاث سنوات فقط . وموته الفجائى يرفع علامة استفهام ، وتتراقص علامات الاستفهام كثيرا فى الموت الغامض والمفاجىء للخلفاء الأمويين ( وغيرهم ) بعضهم كانت الدلائل واضحة فى الاغتيال مثل الشاب معاوية الثانى الذى عهد اليه أبوه يزيد بالخلافة فإعتزل وسرعان ما مات وهو في العشرين من عمره بعد أن ظل خليفة أربعين يوما فقط .أكثر من هذا فقد إنتقل الحكم من ذرية معاوية بن أبى سفيان بن حرب بن أمية الى ابن عمه مروان بن الحكم ابن أبي العاص بن أمية . اى دفع ابناء معاوية الثمن ، مات ابنه يزيد وحفيده معاوية بن يزيد ، ولا يحيق المكر السىء إلا بأهله

وتولى مروان الخلافة عام 64 ، وسار على سُنّة معاوية فى المكر فدفع الثمن سريعا إذ مات فجأة فى هلال شهر رمضان عام 56 بمؤامرة مكشوفة نجا فيها القاتل من العقاب . وحكم ستة أشهر أو ثمانية أشهر ، وكان عمره 64 عاما . أى دفع جزاء مكره السىء ، وتولى ابنه عبد الملك فقتل ابن عمه عمرو بن سعيد بن العاص ، وسار الخلفاء الأمويون من ابناء عبد الملك على سُنة ابيهم فدفعوا الثمن أيضا . ونعطى بعض التفصيلات .

أولا : لمحة عامة عن المكر السىء ( الأموى ) فى تداول السلطة :

1 ـ بإعتزال الشاب معاوية بن يزيد بن معاوية الخلافة وموته وإعلان ابن الزبير نفسه خليفة في مكة ،انضمت إليه العراق ومصر ومعظم الشام ، وذلك بتحالف قبائل قيس معه لحقدها على قبائل "كلب" المتحالفة مع الأمويين ،ولكن الأمويين عقدوا مؤتمر الجابية سنة 64هـ وفيه اتفقوا على اتحاد كلمتهم، وان يتولى الخلافة مروان بن الحكم ، ثم يتولاها بعده خالد بن يزيد بن معاوية ، ثم عمرو بن سعيد بن العاص ( الأشدق )، وكذلك أرضى ذلك المؤتمر كل المتطلعين للخلافة ، ولكنه سنّ سنة سيئة ، وهى العهد لأكثر من واحد بالخلافة ، وكان لهذا أكبر الأثر في حدوث انشقاقات لاحقة في البيت الأموي الحاكم . ذلك أن مروان بن الحكم بعد أن تولى الخلافة تحلل من قرارات مؤتمر "الجابية" ومات سنة 65هـ بعد أن عهد بالخلافة لابنيه عبد الملك بن مروان ثم عبد العزيز بن مروان .

2 ــ وتولى عبد الملك بن مروان (65ـ 86هـ) فتخوف من أطماع عمرو بن سعيد ابن العاص( الأشدق ).وفعلا ثار ( الأشدق ) على ابن عمه ( عبد الملك ) لاعتقاده أنه صاحب الحق فى الخلافة وفقاً لقرارات مؤتمر "الجابية".  وبعد ان أعطاه عبد الملك الأمان والعهود والمواثيق غدر به وقتله . ثم عزم عبد الملك على خلع أخيه عبد العزيز وتولية ابنه الوليد بن عبد الملك. وحاول استرضاء أخيه عبد العزيز ليتنازل عن ولاية العهد فلم يقبل ، وتدخل القضاء والقدر فمات عبد العزيز ، وصفا الجو لعبد الملك فعهد بالخلافة من بعده لولديه الوليد بن عبد الملك ثم سليمان بن عبد الملك.

3 ــ وتولى الوليد بن عبد الملك (86 ـ 96هـ) وكان عصره عصر توطيد ورخاء وفتوحات وصلت إلى مشارف الهند والصين شرقاً وإلى حدود فرنسا غرباً ، وعزم الوليد قبيل موته على خلع أخيه سليمان وتولية ابنه عبد العزيز بن الوليد ، واستشار كبار الدولة فوافقه الحجاج ومحمد بن القاسم وقتيبة بن مسلم ، وعارضه ابن عمه عمر بن عبد العزيز بن مروان الذي قال له: " إن لك ولأخيك سليمان بيعة واحدة في أعناقنا فإما تبقى وإما أن تسقط ولكنها لا تتجزأ."،  وغضب الخليفة الوليد على ابن عمه عمر بن عبد العزيزبن مروان ، فعزله عن ولاية المدينة وحبسه ، ومات الوليد ( فجأة ) قبل أن يعزل أخاه سليمان ولى عهده .

4 ـ وتولى سليمان بن عبد الملك (96 ـ 99هـ)فحفظ الجميل لابن عمه عمر بن عبد العزيز وجعله كالوزير ، وانتقم من قادة الفتوح الذين أيدوا الوليد بن عبد الملك حين أراد عزله عن ولاية العهد. ومن حسن حظ الحجاج أنه مات قبل تولي سليمان الخلافة ، ولكن سليمان انتقم من آل الحجاج وبقية القادة مثل محمد بن القاسم وقتيبة بن مسلم وعبد العزيز بن موسى بن نصير. وكان سليمان يريد أن يعهد بعده لابنه أيوب بدلاً من أخيه يزيد بن عبد الملك ، ثم قبل أن يعزل أخاه يزيد بن عبد الملك مات سليمان فجأة فى تمام صحته وشبابه ، وقد حققنا فى مقتله المفاجى ببحث منشور هنا عنوانه :  (التحقيق فى جريمة قتل غامضة حدثت عام 99 هجرية ) ، ومات ابنه الصبى أيوب ، وفي النهاية استخلف عمر بن عبد العزيزبن مروان بن الحكم ، على أن يكون بعده ( يزيد بن عبد الملك ) حتى لا ينقطع الحكم في نسل عبد الملك بن مروان.

5 ــ وتولى عمر بن عبد العزيز الذي أرجع العدل والأمن ، وقد ناقشه الخوارج في مسئوليته عن تولية العهد من بعده ليزيد بن عبد الملك ، وتأثر عمر بأقوالهم ، وخاف بنو أمية أن تصل إصلاحات عمر بن عبد العزيز إلى ولاية العهد فبادروا بقتله بالسم فمات في 25رجب 101هـ .

6 ــ وتولى يزيد بن عبد الملك (101 ـ 105) المشهور بالمجون. وكانت ولاية العهد لأخيه هشام ، ثم بدا له أن يعزل أخاه ليولي ابنه الوليد بن يزيد ، وأرسل لهشام مبعوثاً يحسّن له خلع نفسه من ولاية العهد في نظير أن تكون له ولاية الجزيرة ملكاً خاصاً له ، وكان ذلك المبعوث خالد القسري ، واستجاب هشام ، ولكن خالد القسري نصحه بالرفض ورجع إلى الخليفة يخبره بتصميم هشام على الرفض وتمسكه بولاية العهد. ونصح خالد القسرى الخليفة بأن يظل هشام والياً على أن يتولى بعده الوليد بن يزيد بن عبد الملك. ووافق الخليفة.

7 ــ وتولى هشام بن عبد الملك (105 ـ125هـ) فكافأ خالداً القسري بأن ولاَّه العراق والشرق فأصبح مركز قوة كبرى ومعه قبائل اليمن القحطانية . وكان هشام كالعادة قد حاول عزل ابن أخيه الوليد بن يزيد عن ولاية العهد وتولية ابنه مسلمه ابن هشام ، ولكن عارضه كبار الأمويين ، فصب هشام سخطه على الوليد بن يزيد مما ملأه حقداً على هشام وأسرته.

8 ــ وحين تولى الوليد بن يزيد الخلافة(125ـ 126هـ) انتقم من أولاد عمه هشام وممن مالأ هشاماً في محاولة عزله عن ولاية العهد ، وأشتهر الوليد بالمجون مما أثار عليه الكثيرين فتجمعوا تحت قيادة  (يزيد بن الوليد بن عبد الملك ) المعروف بيزيد الناقص ، الذي نجح في ثورته وقتل الخليفة الوليد بن يزيد سنة 126هـ وتولى مكانه الخلافة وظلّ فيها خمسة أشهر، وكان صالحاً  إلا أن الدولة الأموية دخلت في دور الانهيار السريع بسبب صراع القبائل وانشقاق البيت الأموي وتكاثر خصومها من الشيعة والخوارج والموالي .

9 ــ ولذلك جاء مروان بن محمد بن مروان ثائراً بحجة الحرص على أبناء الوليد المقتول، واستطاع أن يتولى الخلافة . ومروان بن محمد هو آخر خلفاء بني أمية (127 ـ 132هـ) وكان صاحب دهاء ومكر وفروسية ، ولكنه جاء في أواخر الدولة المنهارة المنقسمة على نفسها ، فانغمس في حرب القبائل الثائرة عليه في الشام ، وفى حرب الشيعة في العراق ، وحرب الخوارج بين العراق والحجاز واليمن ، وانشغل عن الخطر القادم إليه عبر خراسان حيث ظهر أبو مسلم الخراساني بالدعوة لبني العباس . وبعد أن انتصر مروان بن محمد على خصومه في العراق والشام والجزيرة العربية فوجئ بالمارد الآتي من الشرق الأوسط يحمل اللواء الأسود ، وقد استولى على خراسان ثم استولى على العراق . وبويع أول خليفة عباسي وهو عبد الله السفاح في الكوفة في ربيع الأول 132هـ . وأرسل الخليفة الجديد جيشاً هزم مروان في موقعة "الزاب" في 11 جمادي الآخرة سنة132هـ ،فهرب مروان إلى مصر ، وقتله العباسيون فيها في آخر ذي الحجة 132هـ ..

وبدأ حكم جديد هو الخلافة العباسية. إلا أنه استعمل نفس طريقة العهد لأكثر من واحد وعزل الأخ لصالح الابن.

ثانيا :   مروان بن الحكم ينقض إتفاق الجابية

1 ـ قرر مؤتمر الجابية سنة 64هـ تولى الخلافة مروان بن الحكم ، ثم بعده خالد بن يزيد بن معاوية ، ثم عمرو بن سعيد بن العاص ( الأشدق ). بعد عدة أشهر وفى عام 65 نقض الخليفة مروان بن الحكم قرارات مؤتمر الجابية وجعل العهد لابنيه عبد الملك ثم عبد العزيز على التوالى . ولأن قبيلة كلب هى الرقم الصعب فى المعادلة الأموية ( المتحالفة مع الأمويين والمسيطرة على جنوب الشام ) فقد اتفق معها مروان على أن تؤيد خلع عمرو بن سعيد بن العاص لصالح ابنى مروان .  كان عمرو بن سعيد قد هزم مصعب بن الزبير فى فلسطين ، فأحسّ عمرو بالفخر ، وعزّز هذا أحقيته فى ولاية العهد ، وخاف مروان منه ، فاتفق مروان مع حسان بن مالك بن بحدل زعيم قبيلة كلب على خلع عمرو . تقول الرواية ( في هذه السنة أمرمروان بن الحكم بالبيعة لابنيه عبد الملك وعبد العزيز.وكان السبب في ذلك أنعمرو بن سعيد بن العاص لما هزم مصعب بن الزبير حين وجهه أخوه عبد الله إلى فلسطينرجع إلى مروان وهو بدمشق قد غلب على الشام ومصر، فبلغ مروان أن عمراً يقول: إنالأمر لي بعد مروان، فدعا مروان حسان بن مالك بن بحدل فأخبره أنه يريد أن يبايعلابنيه عبد الملك وعبد العزيز وأخبره بما بلغه عن عمرو، فقال: أنا أكفيك عمراً،فلما اجتمع الناس عند مروان عشياً قام حسان فقال: إنه قد بلغنا أن رجالاً يتمنونأماني، قوموا فبايعوا لعبد الملك وعبد العزيز من بعده، فبايعوا عن آخرهم.).

 ثالثا : عبد الملك بن مروان يقتل عمرو بن سعيد ( الأشدق ) عام 69

1 ـ .  عبد الملك وعمرو يلتقيان في النسب في العاص بنأمية، هذا عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية، وذاك عمرو بن سعيد بنالعاص بن أمية، وكانت أم عمرو أم البنين بنت الحكم عمة عبد الملك.وكان عمرو بن سعيد أحد مؤسسى المُلك الأموى ، ولم ينس حقه فى الخلافة . وواتته الفرصة للوثوب على الخليفة عبد الملك بن مروان عام 69 ، وفشل ، ودفع حياته ثمنا لفشله .

 2 ـ كان عمرو بن سعيد مع عبد الملك فى حملة عسكرية لحرب زفر بن الحارث فى قرقيسيا . وأقنع عمر بن سعيد إثنين من زعماء قبيلة كلب وهما (حميد بن حريث الكلبي وزهير بن الأبرد الكلبي ) فانسحبا معه من الجيش الأموى بقواتهما ، ورجعوا الى دمشق حيث إستخلف عبد الملك عليها عبد الرحمن ابن أم الحكم الثقفى ، الذى هرب سريعا ، ودخل عمرو بن سعيد دمشق واستولى على خزائن الأموال ، تقول الرواية :  (  ودخلها عمرو فغلب عليها وعلى خزائنه وهدم دار ابن أمالحكم، واجتمع الناس إليه فخطبهم ومناهم ووعدهم.) . ورجع عبد الملك سريعا بما تبقى من جيشه وحاصر ابن عمه عمرا فى دمشق ، وصارت قبيلة كلب قسمين ، أحدهما مع عبد الملك والآخر مع عمرو بن سعيد الأشدق . وخوفا من أن يهلك الأمويون بعضهم بعضا وتهلك معهم قبيلة كلب تم الاتفاق على الصلح بين عبد الملك وابن عمه عمرو الأشدق ، وكتب عبد الملك كتاب أمان للأشدق . تقول الرواية : ( ثم أن عبد الملك وعمراًاصلحا ، وكتبا بينهما كتاباً ، وآمنه عبد الملك، فخرج عمرو في الخيل إلى عبد الملك،  فأقبل حتى أوطأ فرسه أطناب عبد الملك ، فانقطعت وسقط السرادق، ثم دخل على عبد الملكفاجتمعا.، ودخل عبد الملك دمشق يوم الخميس، فلما كان بعد دخول عبد الملك بأربعةأيام أرسل إلى عمرو أن ائتني . )

3 ــ ثم أرسل عبد الملك الى عمرو يستدعيه ، وحذّر ( عبد الله بن يزيد بن معاوية ) عمرا من الذهاب ، ولكن عمرا كان معتدا بنفسه مغرورا بقوته فقال : (والله لو كنت نائماً ما انتهبني ابن الزرقاء ( يقصد عبد الملك ) ولااجترأ عليّ. ! ) . قال عمرو لرسول عبد الملك (أنا رائح العشية.). تقول الرواية : (  فلما كان العشاء لبسعمرو درعاً ولبس عليها القباء وتقلد سيفه ... ومضى في مائة من مواليه.).

4 ــ وكان عبد الملك قد أعدّ العدة لقتله ، إذ جمع حوله زعيمى كلب وخزاعة ( حسان بن بحدل الكلبي وقبيصة بن ذؤيب الخزاعي ) وأخوته أولاد مروان بن الحكم.  ودخل عمرو ومعه مواليه ، وكلما دخل بابا تم حبس بعض مواليه ، حتى لم يبق إلا وصيف واحد معه لا يعرف العربية ، واذن عبد الملك لزعيمى كلب وخزاعة بالخروج . وأغلقوا كل الأبواب . تقول الرواية : (  ودخل عمرو، فرحب به عبدالملك ، وقال: هاهنا هاهنا يا أبا أمية! ، فأجلسه معه على السرير، وجعل يحادثه طويلاً،ثم قال: " يا غلام خذ السيف عنه" . فقال عمرو: " إنا لله يا أمير المؤمنين " . فقال عبدالملك: " أتطمع أن تجلس معي متقلداً سيفك ؟"  فأخذ السيف عنه، ثم تحدثا، ثم قال له عبدالملك:  " يا أبا أمية إنك حيث خلعتني آليت بيمين إن أنا ملأت عيني منك وأنا مالك لكأن أجعلك في جامعة ". ( أى يقيده ويوثقه )  وبالاتفاق بين عبد الملك وأخوته على السيناريو والحوار ، فقد قال بنو مروان لأخيهم الخليفة : ( ثم تطلقه يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم، وماعسيت أن أصنع بأبي أمية؟ فقال بنوا مروان لعمرو :( أبر قسم أمير المؤمنين. فقال عمرو : قدأبر الله قسمك يا أمير المؤمنين.) أى أراد عبد الملك أن يوثق عمرا بلا مقاومة من عمرو . ورضى عمرو . ( فأخرج ( عبد الملك ) من تحت فراشه جامعة وقال: يا غلام قمفاجمعه فيها. فقام الغلام فجمعه فيها. ) وخاف عمرو أن يراه الناس موثقا مقيدا : ( فقال عمرو: أذكرك الله يا أمير المؤمنين أنتخرجني فيها على رؤوس الناس. ) وبعد أن تمكن منه عبد الملك قال له : ( أمكراً يا أبا أمية عند الموت؟ لاوالله ما كنا لنخرجك في جامعة على رؤوس الناس. ثم جذبه جذبة أصاب فمه السرير فكسرثنيتيه. فقال عمرو: " أذكرك اللهيا أمير المؤمنين كسر عظم مني فلا تركب ما هو أعظم من ذلك ". فقال له عبد الملك:  " والله لو أعلم أنك تبقي عليّ إن أنا أبقيت عليك وتصلح قريش لأطلقتك، ولكن ما اجتمعرجلان في بلدة قط على ما نحن عليه إلا أخرج أحدهما صاحبه" . فلما رأى عمرو أنه يريدقتله قال: أغدرا  يا ابن الزرقاء! ) ( وقيل: إن عمراً لما سقطت ثنيتاه جعل يمسهنا، فقالعبد الملك: يا عمرو أرى ثنيتيك قد وقعتا منك موقعاً لا تطيب نفسك بعدها.) أى لا بد من قتله .

5 ـ ( وأذنالمؤذن العصر فخرج عبد الملك يصلي بالناس ، وأمر أخاه عبد العزيز أن يقتله، فقام إليهعبد العزيز بالسيف، فقال عمرو: " أذكرك الله والرحم أن تلي قتلي، ليقتلني من هو أبعدرحماً منك.! " فألقى السيف وجلس، وصلى عبد الملك صلاة خفيفة ودخل وغلقت الأبواب. )

6 ــ وكان يحيى بن سعيد أخ عمرو بن سعيد الأشدق قلقا على أخيه ، فلما رأى عبد الملك يخرج لصلاة العصر وليس معه عمرو جمع أتباعه فوقفوا بباب عبد الملك ينادون على عمرو الأشدق أن يجيبهم ليطمئنوا على حياته . ولمّا لم تأتهم إجابة هجموا على القصر، ( وكسروا بابالمقصورة وضربوا الناس بالسيوف، وضربوا الوليد بن عبد الملك على رأسه، واحتملهإبراهيم بن عربي صاحب الديوان فأدخله بيت القراطيس... ودخل عبد الملك حين صلى فرأىعمراً بالحياة، فقال لعبد العزيز: ما منعك أن تقتله؟ فقال: " إنه ناشدني الله والرحمفرققت له. " فقال له: " اخزى الله أمك البوّالة على عقبيها، فإنك لم تشبه غيرها! " ، ثم أخذعبد الملك الحربة فطعن بها عمراً ، فلم تجز، ثم ثنّى فلم تجز، فضرب بيده على عضده فرأىالدرع فقال: ودرع أيضاً؟ إن كنت لمعداً! فأخذ الصمصامة وأمر بعمرو فصرع، وجلس علىصدره فذبحه وهو يقول:

يا عمرو إن لا تدع شتمي ومنقصتي **

أضربك حيث تقولالهامة اسقوني ).

7 ـ وحدث قتال بين ( يحيى بن سعيد بن العاص ) وأبناء عمه ( مروان بن الحكم بن العاص ) ، وتم حسم الأمر سريعا ، إذ ألقوا رأس عمرو الى الناس ، وقام عبد العزيز بن مروان بإلقاء الأموال للناس ، تقول الرواية : ( وجاء عبدالرحمن"> ولكن المستبدين لا يعقلون ، وهم أيضا لا يؤمنون .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

يا حسرة على هذه الرءوس المقطوعة

   الروايات التاريخية فيها تداخل وتقاطع واختلاف وتوافق ، وليس هذا بحثا تاريخيا ، هو مقالات تاريخية تظهر أحداثا تاريخية تعطى لمحات من الفتنة الكبرى الثانية المسكوت عنها والتى قام بها من يعرف بالسلف الصالح . لو كان هذا بحثا تاريخيا لاستلزم كتابة منهجية تتبع الأحداث بالتفصيل ، مع مناقشة الروايات وإختيار الأقرب منها الى الصحة . لكننا هنا نختار أحداثا معينة نراها مهمة فى إبراز المسكوت عنه من تاريخ هذه الشخصيات ، تاركين مهمة التجلية البحثية الكاملة لشباب الباحثين ، ويكفينا هنا فى لمحة سريعة وفى مقالات متتابعة أن أثرنا الانتباه الى أحداث مؤسفة يجب الانتباه اليها .  .

نفوذ ابن الزبير بدأ و تزايد وتعاظم ، وبالتوازى فإن نفوذ بنى هاشم تناقص كلما تزايد نفوذ ابن الزبير. والجدل الذى حدث هنا وكان يصحبه تهديد من ابن الحنفية وابن عباس لابن الزبير وآله كان فى وقت لم تتم فيه السيطرة لابن الزبير . وحين تمت له السيطرة حبسهم وكاد أن يحرقهم. والتداخل بين الروايات مسئول عن ذلك الخلط بين حبس بنى هاشم وطلب ابن الحنفية الانتقال الى الكوفة . ويلاحظ أن موضوع الحرق جاءت الاشارة اليه فى مقال سابق ، ثم جاء تفصيله فى مقال خاص ، وهكذا فى أحداث أخرى جاءت الاشارة اليها فى أسطر ثم سيأتى تفصيلها فى مقالات قادمة  عن تحليل للشخصيات الأساس فى هذا الوقت . وهذا منهج هذا الكتاب الذى يتكون من مقالات منفصلة متصلة على نسق الحلقات الدرامية المنفصلة المتصلة . وقد إخترت هذه الطريق لكسر رتابة وغلظة البحث التاريخى ، ونحن مضطرون لهذا لجذب القارىء الذى يقرأ للتسلية . ولا مانع أن نجمع له بين التسلية والعلم ما إستطعنا.  

مقدمة :

1 ـ  خلال عشر سنوات ( 61 : 71 )  فقط شهد  قصر الامارة بالكوفة أربع رءوس مقطوعة لمشاهير الناس وقتها : رأس الحسين ، ثم رأس عبيد الله بن زياد ، ثم رأس المختار الثقفى ، ثم رأس مصعب بن الزبير . شهد هذا كله شخص إسمه  عبد الملك بن عمير الليثي . قال ‏:‏ ( رأيت في قصر الإمارة بالكوفة رأسالحسين رضي الله عنه بين يدي عبيد الله بن زياد ، ثم رأيت رأس ابن زياد بين يديالمختار ،  ثم رأيت رأس المختار بين يدي مصعب بن الزبير،  ثم رأيت رأس مصعب بين يدي عبدالملك بن مروان‏ .)

2 ـ نتخيل ما سبق فى هذه المشاهد الدرامية :

م1 : عبيد الله بن زياد على كرسى الإمارة فى قصر الامارة فى الكوفة عام 61 : وأمامه رأس الحسين .

م 2 : المختار بن عبيد الثقفى على كرسى الإمارة فى قصر الامارة فى الكوفة عام 64 : وامامه رأس عبيد الله بن زياد .

م 3 : مصعب بن الزبير على كرسى الإمارة فى قصر الامارة فى الكوفة عام 67 : وأمامه رأس المختار بن عبيد الثقفى .

م 4 : عبد الملك بن مروان على كرسى الإمارة فى قصر الامارة فى الكوفة عام 71 : وأمامه رأس مصعب بن الزبير .

هذه ( رءوس ) موضوعات فى الفتنة الكبرى الثانية التى تفجرت بسبب وراثة يزيد بن معاوية الحكم وما تسبب عنها من قتل الحسين .  نعطى لمحة عن الفتنة الكبرى الأولى ، ثم بعض  لمحات تاريخية عن هذه الفتنة الكبرى الثانية .  

أولا:  عرض سريع للفتنة الكبرى الأولى فى عصر الصحابة

1 ـ بعد موت خاتم المرسلين ـ عليهم جميعا السلام ـ عايش الصحابة الفتنة الكبرى التى ترتبت على الفتوحات العربية ـ لا الاسلامية لأنها حملت اسم الاسلام زورا وبهتانا ـ وفيها نهب العرب كنوز فارس ومصر وما بينهما وما بعدهما شرقا وغربا. ثم اختلفوا فى توزيع المال المنهوب والأراضى الزراعية، إذ فازت قريش ـ والأمويون بالذات ـ بالنصيب الأكبر ، على حساب جند الفتوحات من قبائل نجد وغيرهم ، فاحتج زعماء الأعراب ـ الذين كانوا مرتدين من قبل ، وواجه عثمان احتجاجهم بالاضطهاد ( عام 33 هجرية ) فتحول الاحتجاج الى ثورة احتل فيها الثوار المدينة وقتلوا عثمان عام 35، وعينوا ( عليا ) خليفة فى المدينة فأعطوا الفرصة لمعاوية للمطالبة بالثأر، محملا  (عليا ) المسئولية. بينما ثار صحابة آخرون وتزعموا ثورة ضد (على ) وقادهم الزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله والسيدة عائشة، وهزمهم (على) فى موقعة الجمل، وهى أول حرب طاحنة بين الصحابة (عام 36). ثم اضطر (على) لحرب معاوية، وكاد أن ينتصر عليه فى (صفين) (عام 37) لولا لجوء عمرو بن العاص الى خدعة التحكيم، أى الاحتكام الى كتاب الله، وأرغم أعراب (نجد) وغيرهم  ، من شيعة وجند (على) (عليا) على قبول التحكيم، رغم تحذيره لهم بأنها خدعة، فأضاعوا الانتصار فى صفين، ثم أرغموا (عليا) على أن يعين مندوبا عنه فى مفاوضات التحكيم، وهو (أبوموسى الأشعرى) ليتفاوض مع مندوب معاوية وهو عمرو بن العاص، فأعطوا بذلك اعترافا صريحا بشرعية معاوية وكونه ندا (لعلى). وانتهى التحكيم بمهزلة خداع عمرو لأبى موسى الأشعرى، فثار نفس الأعراب على (على) تحت شعار ( لا حكم الا لله)، وطلبوا من (على) أن يعترف بكفره ويتوب لأنه وافق على التحكيم، كما اعترفوا هم بكفرهم وتوبتهم حين أرغموه على قبول التحكيم. ورفض (على) فخرجوا عليه وحاربوه فهزمهم فى النهروان، فقتله أحدهم (ابن ملجم) عام 40. واكتسبوا آخر ألقابهم وهو (الخوارج ).

2 ـ الخوارج أهم مظاهر ونتائج الفتنة الكبرى الأولى . هؤلاء الصحابة كانوا فى البداية كفارا فأسلموا كيدا لقريش ، ثم ارتدوا حين عادت السيطرة لقريش بعد موت النبى محمد ، ولما هزمهم أبوبكر عادوا للاسلام، ثم بعدها مباشرة أصبحوا عماد الفتوحات ، ثم أصبحوا الثوار على عثمان، ثم شيعة على، وفى النهاية خرجوا عليه فأصبحوا (الخوارج). ترتب على الفتنة الكبرى الأولى أيضا تأسيس معاوية للدولة الأموية. فبعد قتل (على) بايع ابنه الحسن معاوية فيما سمى بعام الجماعة (40هجرية) ، وخرج على هذا الاجماع الخوارج فظلوا فى حرب مع معاوية وبقية خلفاء الدولة الأموية الى سقوطها عام 132 هجرية.

وبعد استتاب الأمر لمعاوية خطط لتوريث ابنه يزيد الخلافة ، فتولاها يزيد فى شهر رجب عام 60 بقوة السلاح ، فنشبت الفتنة الكبرى الثانية . كانت الفتنة الكبرى الأولى فى عصر الصحابة ، وكانت الفتنة الكبرى الثانية فى عصر أبنائهم، أى  فى عصر ( التابعين ).

ثانيا : ملامح الفتنة الكبرى الثانية فى عصر التابعين

1 ـ  كان تولي يزيد بن معاوية الحكم بالوراثة سابقة خطيرة في تاريخ المسلمين ، ولم تمر بسهولة ، إذ ترتب عليها أحداث خطيرة لا تزال تؤرق الضمير المسلم حتى الآن ، فى فترة حكمه القصير كان قتل الحسين وآله في "كربلاء" ، ثم اقتحام المدينة وقتل أهلها ، ثم انتهاك البيت الحرام وضرب الكعبة بالمنجنيق .  

2 ـ بدأت الفتنة الكبرى الثانية بثورة الحسين وقتل الحسين ومعظم اهله فى كربلاء عام 61 هجرية . وقد عرضنا لذلك بالتفصيل فى كتاب منشور هنا . وتم عرض رأس الحسين على والى الكوفة عبيد الله بن زياد فى قصر الامارة بالكوفة فى هذا العام 61 .

3 ــ من دمشق عادت زينب بنت على ( أخت الحسين ) الى المدينة تحمل رأس الحسين  ومعها ابن اخيها الصبى على زين العابدين ابن الحسين وبنات الحسين وغيرهن ممن صحبنه  فى هذه الحملة المشئومة . كان يزيد بن معاوية قد حاول إستمالة أهل المدينة ، ولكن ما حدث للحسين فى كربلاء فجّر ثورة المدينة ، فأرسل يزيد حملة عسكرية يقودها مسلم بن عقبة ، استطاعت هزيمة أهل المدينة واستحلالها وقتل معظم اهلها وهتك أعراض نسائها فى موقعة الحرة فى شهر حرام هو ذو الحجة عام 63 .

4 ــ وكان عام 64 خطيرا :

4 / 1 : فقد إستغل عبد الله بن الزبير   مذبحة كربلاء فأعلن نفسه خليفة فى مكة وبايعه أهل مكة والحجاز . وأمر يزيد بن معاوية قائد جيشه مسلم بن عقبة بعد أن هزم أهل المدينة أن يتوجه لاخماد ثورة ابن الزبير فى مكة . وأطلقوا عليه لقب ( مسرف ) بدلا من ( مسلم ) . ومات ( مسلم ) بن عقبة أثناء توجهه بالجيش الأموى للقضاء على تمرد ابن الزبير فى مكة ، فتولى القيادة الحصين بن نمير الذى حاصر مكة والكعبة عام 64 ، وأثناء الحصار شبت النار فى أستار الكعبة بضربة من المنجنيق يوم السبت 3 ربيع الأول عام 64 ، فترك ابن الزبير الحريق يأتى على الكعبة نكاية فى الأمويين وتشنيعا عليهم . وجاءت الأنباء بعدها بموت يزيد بن معاوية فى 14 ربيع الأول عام 64 ، فعرض قائد الجيش الأموى الحصين بن نمير على عبد الله بن الزبير أن يعترف به خليفة مقابل أن يترك الحجاز ويأتى معه الى دمشق ، وكان رأيا صائبا ، ولكن رفضه ابن الزبير . وانفض حصار مكة ورجع الجيش الأموى خائبا .واعتزل الخليفة الجديد معاوية بن يزيد بن معاوية الحكم بعد حوالى شهر من ولايته متبرئا مما فعله أهله الأمويون فقتله أهله بالسم فمات وهو ابن 13 عاما . ودخل المسلمون فى فترة اضطراب كان أكثر المستفيدين منها عبد الله بن الزبير.

4 / 2 : أصبح موقف الأمويين عسيرا فى الشام ، إذ إختار العرب في مصر الانضمام الى ابن الزبير ، بل إن أنصار الأمويين فى الشام انفضوا عنهم وبايعوا ابن الزبيرمثلما فعل النعمان بن البشير فى حمص وزفر بن الحارث الكلابى فى قنسرين ، وجاءت الطامة الكبرى لبنى أمية بأن بايع الضحاك بن قيس الفهرى لابن الزبير. والضحاك بن قيس كان أبرز مؤيدى الأمويين من قبل ، وهو زعيم قبائل قيس المضرية فى الشام والمتولى أمر دمشق نفسها بعد انهيار الحكم الأموى فيها .

4 / 3 : وكان عام 64 خطيرا أيضا بالنسبة لعبيد الله بن زياد بالعراق . بلغه موت يزيد وإعتزال ابنه معاوية واختلاف بنى أمية ، فجمع أهل البصرة وخطب فيهم متحببا اليهم ، فبايعوه على الامارة الى أن ينجلى الأمر ، وبعد أن تركوه خلعوا بيعته ، وتابعهم أهل الكوفة ، وإنفض عنه أنصاره فلم يعد أمره نافذا فيهم . وجاء مبعوث من ابن الزبير يدعو لبيعته ، فهرب عبيد الله بن زياد ، ثم لحق بالأمويين فى الشام .

4 / 4 : واجتمع لابن الزبير أهل الكوفةوالبصرة ومن بالقبلة من العرب وأهل الجزيرة وأهل الشام إلا أهل الأردن حيث تتمركز قبيلة كلب ‏.‏هذا الوضع المتردى للأمويين جعل كبيرهم مروان بن الحكم يفكر فى البيعة لابن الزبير ، ولكن أثناه عن ذلك عبيد الله بن زياد والى العراق ـ بعد هروبه من العراق الى الشام ـ والحصين بن النمير العائد من حصار الكعبة وقتال ابن الزبير. ووقف الى جانب الأمويين فى محنتهم حسان بن بحدل الكلبى خال يزيد بن معاوية وزعيم قبائل كلب فى الشام . وكان ابن الزبير بغبائه قد طرد عائلات الأمويين فى الحجاز فأتاح لهم التجمع فى الشام . وعقدوا مع أنصارهم مؤتمر الجابية ، واتفقوا فيه فى 3 ذى القعدة 64 على تولى الخلافة مروان بن الحكم شيخ الأمويين وقتها ، ثم يليه خالد بن يزيد بن معاوية ثم عمرو بن سعيد بن العاص . بهذا أرضى مؤتمر الجابية كل المتطلعين للخلافة ، ولكنه سنّ سنة سيئة ، وهى العهد لأكثر من واحد بالخلافة ، وكان لهذا أكبر الأثر في حدوث انشقاقات في البيت الأموي الحاكم . ـ

 4 / 5 : وبدأ مروان بن الحكم باستخلاص الشام من أتباع ابن الزبير ، فهزم الضحاك بن قيس الفهرى وقتله فى موقعة مرج راهط ، عام 64 ، ويقال 65 ، وفيها فقدت قبائل قيس الكثير من أشرافها والآلاف من أبنائها على يد أنصار الأمويين من قبائل كلب ، فأحدث هذا ثأرا داميا بين قيس وكلب استمر يتفاعل طيلة الدولة الأموية مما أسهم فى القضاء عليها . وليحمى ظهره بعدها سار مروان بن الحكم لاسترداد مصر من والى ابن الزبير ، وهو عبد الرحمن بن جحدم الفهرى القرشى فقتله . ولكن ظل العراق شوكة فى ظهر مروان بن الحكم . وكان يتبع العراق خراسان وما حولها ، فأرسل مروان  جيشا يقوده عبيد الله بن زياد الى منطقة الجزيرة وقرقيساء حيث إنضم زفر بن الحارث لابن الزبير ، وهزم ابن زياد زفر بن الحارث ، واتجه للعراق ليعيده الى السيطورة الأموية .

 5 : وشهد عام 65 أحداثا هامة :

5 / 1 : نقض مروان بن الحكم لاتفاق الجابية ، إذ عزل من ولاية العهد كلا من خالد بن يزيد وعمرو بن سعيد ، وعهد لابنيه على التوالى عبد الملك ثم عبد العزيز. ومات مروان فتولى ابنه عبد الملك بن مروان عام 65 . وعبد الملك هو الذى أعاد تأسيس الدولة الأموية ، ووطّد أمورها . وبه انتهت الفتنة الكبرى الثانية ، التى شارك فيها الصحابة وأبناء كبار الصحابة مثل ابن الزبير وابن عباس والحسين والنعمان بن البشير،وغيرهم .

5 / 2 : وبعث عبد الملك بن مروان يأمر عبيد الله بن زياد بإسترداد العراق . وتحركت الشيعة فى العراق للثأر من قتلة الحسين تحت شعار ( التوابين )، وتزعمهم سليمان بن صرد ، وقد هزمهم عبيد الله بن زياد فى  موقعة عين الوردة في شهر ربيع الآخر‏.‏ 65  .

6 ـ فى عامى 66 :67

 ظهر فى العراق مغامر اسمه المختار الثقفى سيطر على معظم العراق فى هذا العام ، واستقر فى كرسى الامارة . كان يزعم تبعيته لآل البيت ودعوته لمحمد بن على بن أبى طالب ( ابن الحنفية ) أكبر أولاد (على ) والمقيم فى الحجاز تحت سيطرة ابن الزبير ، ومرة بزعمه التبعية لابن الزبير ، ولكن هواه كان أكثر مع الهاشميين . ولكن المختار كان حريصا على ألاّ يأتى محمد بن الحنفية الى العراق حتى يظل فى سلطته بالعراق ، وكان فى نفس الوقت يخادع ابن الزبير يوهمه أنه على بيعته . وظهر لابن الزبير نفاقه حين هدد ابن الزبير باحراق كل بنى هاشم إن لم يبايعوا له ، بل جمعهم وكاد أن يشعل فيهم النار ، فبعثوا يستغيثون بالمختار فى العراق فارسل المختار لهم فرقة من الجيش لانقاذهم ، وعندما رأى ابن الزبير جيش المختار هرب واستنجد بالكعبة ، وتم انقاذ محمد بن الحنفية وسائر بنى هاشم وقد أعد ابن الزبير الحطب ليحرقهم، فكسروا الباب ودخلوا على ابن الحنفية فقالوا: خل بيننا وبينعدو الله ابن الزبير! فقال لهم: إني لا أستحل القتال في الحرم. . وأصبح العداء علنيا بين المختار الثقفى وابن الزبير .

والمختار الثقفى هو الذى تتبع بالقتل كل من شارك فى مذبحة كربلاء ،وقد انضم اليه ابراهيم بن الأشتر النخعى بمن معه من الشيعة فأرسله المختار ليقاتل عبيد الله بن زياد . وكان ابن زياد قد سار في عسكر عظيم من الشام، فبلغالموصل وملكها،  ، فسار إبراهيم بن الأشتر الى الموصل ، وجرت موقعة هائلة انتصر فيها العراقيون الشيعة على جنود اهل الشام الأمويين ، وقتل ابراهيم بن الأشتر عبيد الله بن زياد فى المعركة دون ان يعرفه . وتم التعرف عليه فاحتزوا رأسه وأرسلوها الى المختار فى الكوفة بينما أحرقوا جسده ، وكان هذا عام 67 .

وفى نفس العام  67 كانت هزيمة المختار وقتله على يد مصعب بن الزبير . إذ أرسل ابن الزبير أخاه مصعب ـ وكان فارسا شجاعا شهما الى العراق ـ فهزم المختار وقتله عام 67 وضم العراق لأخيه . وتم عرض رأس المختار على مصعب بن الزبير .

وجاء مصعب لأخيه عبد الله بن الزبير بالبشرى فما كان من ابن الزبير إلا أن عزل أخاه وحبسه وولّى العراق ابنه حمزة بن عبد الله بن الزبير واليا على العراق، وكان شابا قليل الخبرة خفيف العقل فاستخف به أهل العراق فاضطر ابن الزبير لعزل ابنه واعادة أخيه مصعب للعراق.

7 ـ  وهناك فى الشام مكث عبد الملك بن مروان يعد جيشه ويستعد للمواجهة الكبرى فى العراق تاركا مصعب بن الزبير يستنفذ قواه فى معارك متتالية مع المختار الثقفى ثم مع الخوارج الأزارقة وغيرهم ، وفى عام 71 كان جيش مصعب منهكا فزحف اليه عبد الملك بجيشه فهزم مصعب وقتله .

وتم عرض رأس مصعب بن الزبير على عبد الملك بن مروان

8 ـ وبهذا حوصر عبد الله بن الزبير فى الحجاز حيث لا زرع ولا ضرع . وفى عام 72 بعث عبد الملك بجيش يقوده الحجاج بن يوسف فأعاد حصار مكة والحرم فى هلال ذى القعدة الشهر الحرام عام 72 ، واستمر الحصار ستة أشهر وسبع عشرة ليلة وقيل ثمانية أشهر ، فتفرق عن ابن الزبير معظم أتباعه وأهله ومنهم ابناه حمزة وخبيب ، إذ تسللا الى الحجاج وأخذا منه أمانا .وظل ابن الزبير يقاتل يأسا الى أن سقط صريعا ، فاحتزّ الحجاج رأسه وبعث بها الى عبد الملك فى دمشق .وعُرضت رأس عبد الله بن الزبير على عبد الملك فى قصر الخلافة فى دمشق .

أخيرا :

1 ـ هذا السلف (الصالح ) الذى سار على سُنّة ( الخلفاء الراشدين المهديّين )   : كم رأسا قطع ؟

2 ـ تقطيع الرءوس كان سُنّة محمودة مرعية ، ومهما تباعد المكان كانت الرأس المقطوعة تُحملُ الى حيث المنتصر فيتسلى بالعبث بالرأس .

3 ـ  وقتها لم يحظ مئات الألوف من القتلى بشرف تقطيع رءوسهم . تقطيع الرءوس كان فقط ( للرءوس الكبيرة ) ليست كبيرة الحجم ولكن كبيرة المقام . الزعيم القائد المقتول هو الذى يحظى بشرف قطع رأسه وحملها من مكة الى دمشق ، أو من كربلاء الى الكوفة ، أو من الموصل الى الكوفة . وتتعفن الرأس فى الطريق ولكن هذا لا يمنع من حتمية وصولها الى من يهمه الأمر ليشفى غليله .

4 ـ هناك بضع عشرات من الرءوس تم قطفها ـ أو تم قطعها ــ للزعماء فى هذه الفتنة الكبرى الثانية . ولكن تم التوسع فى قطع المئات من الرءوس بعدها ، خصوصا من الحجاج صاحب العبارة الشهيرة :( إنى لأرى أرؤسا قد أينعت وحان قطافها ، وإنى لصاحبها ) هل هناك غرام بقطع الرءوس أكثر من هذا ؟

5 ـ هل نلوم داعش ..وحدها ؟ 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

موقعة الحرة وانتهاك حُرمة المدينة  

  

موقعة الحرة وانتهاك حُرمة المدينة : صفحة سوداء من تاريخ السلف الصالح

أولا : عام 63

 1 ـ بعد مأساة كربلاء عيّن يزيد بن معاوية ( عاملا ) أى واليا على المدينة هو  ( عثمان بن محمد بن أبي سفيان ) الذى ارسل  إلى يزيد وفدا من أهل المدينة فيهم عبدالله بن حنظلة الأنصاري وعبدالله بن أبي عمرو بن حفص بن المغيرة المخزومي والمنذر بن الزبير ورجالا كثيرا من أشراف أهل المدينة . فقدموا على يزيد بن معاوية فأكرمهم وأحسن إليهم وأعظم جوائزهم ، واعطى المنذر بن الزبير مائة ألف درهم .

2 ـ ثم رجعوا الى المدينة حيث أعلنوا شتم يزيد وخلع بيعته ، وقالوا : ( إنا قدمنا من عند رجل ليس له دين يشرب الخمر ويعزف بالطنابير ويضرب عنده القيان ويلعب بالكلاب ويسامر الفتيان وإنا نشهدكم أنا قد خلعناه )، فاجابهم الناس يقولون عن يزيد ( خلعناه كما نخلع  نعالنا ) . وبايعوا عبدالله بن حنظلة الانصارى أميرا عليهم . وكان المنذر بن الزبير  ممن يحرض على يزيد  ، وكان من قوله : ( إن يزيد والله لقد أجازني بمائة الف درهم وإنه لا يمنعني ما صنع إلي أن أخبركم خبره وأصدقكم عنه ، والله إنه ليشرب الخمر وإنه ليسكر حتى يدع الصلاة . ) . وبلغ يزيد بن معاوية قول المنذر بن الزبير فيه فقال : ( اللهم إني آثرته وأكرمته ففعل ما قد رأيت فاذكره بالكذب والقطيعة . ) .

3 ــ وبعث  يزيد بن معاوية (النعمان بن بشير الأنصاري ) ليقنع أهل المدينة بالرجوع عن خلع بيعته ، وقال له: ( ائت الناس وقومك فافثأهم عما يريدون فإنهم إن لم ينهضوا في هذا الأمر لم يجترئ الناس على خلافي ، وبها من عشيرتي من لا أحب أن ينهض في هذه الفتنة فيهلك . ) فأقبل النعمان بن بشير فأتى قومه ودعا الناس إليه عامة وأمرهم بالطاعة ولزوم الجماعة وخوفهم الفتنة وقال لهم : ( إنه لا طاقة لكم بأهل الشأم ) فرفضوا .

ثانيا :  وفى مطلع عام 64 :

1 ـ هاجم أهل المدينة الوالى الأموى ( عثمان بن محمد بن أبي سفيان )  ومن معه من بنى أمية ومواليهم ومؤيديهم ، وكانوا نحو ألف رجل ، فهربوا الى بيت مروان بن الحكم فحاصروهم فيه. فارسلوا رسالة يستغيثون فيها بيزيد بن معاوية فى دمشق ، حملها اليه حبيب بن كرّة ، فدخل على يزيد وسلمه الرسالة ، وفيها : ( بسم الله الرحمن الرحيم . أما بعد فإنه قد حصرنا في دار مروان بن الحكم ومنعنا العذب ورمينا بالجبوب ، فياغوثاه يا غوثاه  ) . وقرأ يزيد الرسالة ، فأرسل الى عمرو بن سعيد بن العاص ليجعله قائدا على الجيش الذى يتوجه للمدينة ، فرفض عمرو بن سعيد بن العاص وقال : (إنما هي دماء قريش تهراق بالصعيد فلا أحب أن أكون أنا أتولى ذلك ، يتولاها من هو أبعد منهم مني ) ، وعيّن الخليفة يزيد ( مسلم ابن عقبة المري ) قائدا للجيش ، وكان شيخا كبيرا ضعيفا مريضا. وجمع مسلم بن عقبة اثنا عشر الف رجل، واعطى كل فرد  مائة دينار مع العطاء السنوى.  وتحرك الجيش وأوصى يزيد بن معاوية قائد الجيش ( مسلم بن عقبة ) فقال : (إن حدث بك حادث فاستخلف في الجيش حصين بن نمير السكوني ). وقال له  ( ادع القوم ثلاثا ، فإن هم أجابوك وإلا فقاتلهم، فإذا أظهرت عليهم فأبحها ثلاثا ، فما فيها من مال أو رقة أو سلاح أو طعام فهو للجند ، فإذا مضت الثلاث فاكفف عن الناس . وانظر علي بن الحسين فاكفف عنه واستوص به خيرا وأدن مجلسه ، فإنه لم يدخل في شيء مما دخلوا فيه .) .

2 ــ وعرف أهل المدينة بإقتراب الجيش الأموى فشددوا الحصار على الأمويين المحاصرين فى بيت مروان بن الحكم ،  وقالوا : ( والله لا نكف عنكم حتى نستنزلكم ونضرب أعناقكم او تعطونا عهد الله وميثاقه لا تبغونا غائلة ولا تدلوا لنا على عورة ولا تظاهروا علينا عدوا فنكف عنكم ونخرجكم عنا ) ، فأعطوهم عهد الله وميثاقه ( لا نبغيكم غائلة ولا ندل لكم على عورة ) . فأخرجوهم من المدينة

3 ـ وخرجت بنو أمية بأثقالهم . فقابلوا مسلم بن عقبة بوادي القرى . ودعا مسلم بن عقبة بعمرو بن عثمان بن عفان ، فقال له : ( أخبرني خبر ما وراءك ، وأشر علي ) قال : ( لا أستطيع أن أخبرك . أخذ علينا العهود والمواثيق ألا ندل على عوره ولا نظاهر عدوا ).  فانتهره ، ثم قال : ( والله لولا أنك ابن عثمان لضربت عنقك ، وايم الله لا أقيلها قرشيا بعدك.)( أى لا أقبلها  )  فخرج فأخبر بنى أمية فارتعبوا من مسلم بن عقبة ، فقال مروان بن الحكم لابنه عبدالملك : ( ادخل قبلي لعله يجتريء بك عني . ) فدخل عليه عبدالملك ،  فقال له مسلم بن عقبة : ( هات ما عندك أخبرني خبر الناس وكيف ترى ) فقال له : ( نعم.  أرى أن تسير بمن معك فتنكب هذا الطريق إلى المدينة حتى إذا انتهيت إلى ادنى نخل بها نزلت فاستظل الناس في ظله وأكلوا من صقره ، حتى إذا كان الليل أذكيت الحرس الليل كله عقبا بين أهل العسكر ، حتى إذا أصبحت صليت بالناس الغداة  ، ثم مضيت بهم وتركت المدينة ذات اليسار،  ثم أدرت بالمدينة حتى تأتيهم من قبل الحرة مشرقا  ، ثم تستقبل القوم فإذا استقبلتهم وقد أشرقت عليهم وطلعت الشمس طلعت بين أكتاف أصحابك فلا تؤذيهم ، وتقع في وجوههم فيؤذيهم حرها ويصيبهم أذاها ، ويرون ما دمتم مشرقين من ائتلاق بيضكم وحرابكم وأسنة رماحكم وسيوفكم ودروعكم وسواعدكم ما لا ترونه أنتم لشيء من سلاحهم ما داموا مغربين . ثم قاتلهم واستعن بالله عليهم فإن الله ناصرك إذ خالفوا الإمام وخرجوا من الجماعة. ) فقال له مسلم : ( لله أبوك أي امرئ ولد إذ ولدك.!  لقد رأى بك خلفا . ) .

4 ـ ونفّذ مسلم بن عقبة نصيحة عبد الملك بن مروان بن الحكم . وأتى مسلم بن عقبة المدينة من المشرق ، ودعا أهلها  فقال : ( يا أهل المدينة إن أمير المؤمنين يزيد بن معاوية يزعم أنكم الأصل وإني أكره هراقة دمائكم ، وإني أؤجلكم ثلاثا ، فمن ارعوى وراجع الحق قبلنا منه ، وانصرفت عنكم ، وسرت إلى هذا الملحد الذي بمكة ( يعنى عبد الله بن الزبير ) وإن أبيتم كنا قد أعذرنا إليكم ) . ولما مضت الأيام الثلاثة قال : ( يا أهل المدينة قد مضت الأيام الثلاثة فما تصنعون ؟ أتسالمون أم تحاربون ؟  فقالوا : بل نحارب . فقال لهم : لا تفعلوا بل ادخلوا في الطاعة ونجعل حدنا وشوكتنا على هذا الملحد  ) يقصد عبد الله بن الزبير فى مكة . فرفضوا .  

5 ــ وحفر أهل المدينة خندقا ، ووزعوا انفسهم فى الدفاع عن المدينة ، وكان القائد العام هو الأمير عبدالله بن حنظلة الأنصاري . واشتد أهل المدينة فى الهجوم حتى وصلوا فسطاط مسلم بن عقبة ، وكان مسلم فى مرضه قد أمر أن يوضع سريره ظاهرا وأمر أتباعه بالدفاع عنه وإلا حرمهم من العطاء ، وتلاحم المقاتلون وانتهت المعركة بهزيمة اهل المدينة وقتل زعمائهم .

6 ــ  وأباح مسلم لجيشه المدينة ثلاثة ايام ، يقتلون الناس ويأخذون الأموال ويغتصبون النساء . ثم دخل   المدينة فدعا الناس للبيعة على أنهم ممتلكات  ليزيد بن معاوية، يحكم في دمائهم وأموالهم وأهليهم ما شاء. وقتل من لم يبايع بهذه الصيغة ،  قال يزيد بن عبد الله بن ربيعة‏:‏( نبايع على كتاب الله ) ، فأمر به فضربت عنقه. وجىء له بسعيد بن المسيب إلى مسلم فقالوا‏:‏ بايع فقال‏:‏ أبايع على سيرة أبي بكر وعمر، فأمر بضرب عنقه ، فشهد له رجل أنه مجنون فخلى عنه‏.وطلب بعضهم الأمان فقتلهم مسلم بن عقبة. ونفّذ وصية يزيد فى إكرام على زين العابدين .

7 ـ ورووا فظائع عما جرى فى المدينة . قالت إحداهن : (  رأيت امرأة من قريش تطوف فعرض لها ( شخص ) أسود فعانقته وقبلته، فقلت‏:‏ يا أمة الله أتفعلين هذا بهذا الأسود؟ قالت‏:‏ هو ابني وقع عليّ أبوه يوم الحرة فولدت هذا‏.‏)، وعن اغتصاب بنات المدينة العذارى روى المدائني  ‏:‏ ( ولدت ألف امرأة بعد الحرة من غير زوج ).  

ثالثا : 

1 ـ وكان مسلم بن عقيل يؤمن بأن ما يفعله هو عمل صالح ، فقد قال : ( ليس شيء أحب إلي من الموت على طهارتي، فإني لا أشك أن الله قد طهرني من ذنوبي بقتلي هؤلاء الأرجاس‏.)

2 ـ وردا على إذلال أهل المدينة وإنتهاك حُرمتها صيغت أحاديث تعطى المدينة قُدسية وتهدد من يهاجمها  ، وشاعت هذه الأحاديث حتى تم تسجيلها فى العصر العباسى الثانى  ، ومنها حديث  البخاري  :‏‏(‏لا يكيد أهل المدينة أحد إلا انماع كما ينماع الملح في الماء‏)‏‏)‏‏.و حديث ( مسلم  )  ‏:‏ ‏(‏‏ ‏لا يريد أحد المدينة بسوء إلا أذابه الله في النار ذوب الرصاص - أو ذوب الملح في الماء -‏)‏‏)‏‏.،‏ ‏(‏‏ ‏من أراد أهل المدينة بسوء أذابه الله كما يذوب الملح في الماء‏)‏‏)‏‏.‏وحديث أحمد بن حنبل ‏:‏  (‏من أخاف أهل المدينة ظلماً أخافه الله وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً‏)‏‏)‏‏.‏ ، ‏‏(‏من أخاف أهل المدينة أخافه الله، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين‏)‏‏)‏‏.‏و الدار قطني عن أحدهم ‏:‏ (  خرجنا مع أبينا يوم الحرة وقد كف بصره فقال‏:‏ تعس من أخاف رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ فقلنا‏:‏ يا أبة وهل أحد يخيف رسول الله صلى الله عليه وسلم‏؟‏  فقال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏من أخاف أهل هذا الحي من الأنصار فقد أخاف ما بين هذين‏)‏‏)‏ - ووضع يده على جبينه .

3-‏.‏وفى العصر المملوكى شاع تقديس السلف الصالح وتبرير خطاياهم، وقد روى ابن كثير فى تاريخه ( البداية والنهاية ) هذه الأحاديث فى تعليقه على موقعة الحرة . وقال : ( قد استدل بهذا الحديث وأمثاله من ذهب إلى الترخيص في لعنة يزيد بن معاوية ...‏ومنع من ذلك آخرون وصنفوا فيه أيضاً لئلا يجعل لعنة وسيلة إلى أبيه أو أحد من الصحابة، وحملوا ما صدر عنه من سوء التصرفات على أنه تأول وأخطأ‏.‏ وقالوا‏:‏ إنه كان مع ذلك إماماً فاسقاً، والإمام إذا فسق لا يعزل بمجرد فسقه على أصح قولي العلماء ، بل ولا يجوز الخروج عليه لما في ذلك من إثارة الفتنة، ووقوع الهرج وسفك الدماء الحرام، ونهب الأموال، وفعل الفواحش مع النساء وغيرهن، وغير ذلك مما كل واحدة فيها من الفساد أضعاف فسقه كما جرى مما تقدم إلى يومنا هذا‏.‏.) ودافع ابن كثير عن يزيد بن معاوية فقال : ( .وأما ما يذكره بعض الناس من أن يزيد لما بلغه خبر أهل المدينة وما جرى عليهم عند الحرة من مسلم بن عقبة وجيشه، فرح بذلك فرحاً شديداً، فإنه كان يرى أنه الإمام وقد خرجوا عن طاعته، وأمروا عليهم غيره، فله قتالهم حتى يرجعوا إلى الطاعة ولزوم الجماعة‏.‏كما أنذرهم بذلك على لسان النعمان بن بشير ومسلم بن عقبة كما تقدم، وقد جاء في ‏(‏الصحيح‏)‏‏:‏ ‏(‏‏(‏من جاءكم وأمركم جميع يريد أن يفرق بينكم فاقتلوه كائناً من كان‏)‏‏)‏‏.

4 ـ هذا رأى الامام السلفى ابن كثير متناقضا فى دفاعه عن ( السلف الصالح ) . 

 

 

 

 

 

 

 

حصار الحرم وحرق الكعبة  ـ صفحة من التاريخ الأسود للسلف الصالح

أولا : الحصار الأول لابن الزبير فى مكة

1 ـ كان معاوية عند وفاته قد حذر ابنه يزيد من عبد الله بن الزبير بالذات ، وأوصى ابنه أن يأخذ ابن الزبير بالشدة . كما حذره من عصيان اهل المدينة ، وأوصاه إن فعلوا فليبعث لهم بمسلم بن عقبة لأنه يثق فى إخلاصه . وفعلا فقد اعلن عبد الله بن الزبير نفسه خليفة ، وتحصّن بالبيت الحرام رافضا ان يذهب الى العراق فينتهى قتيلا مثل ( على ) وابنه ( الحسين ). يبدو أن ابن الزبير قد ظن أن حُرمة البيت ستجعل الأمويين يتحرجون من بعث جيش اليه فينتهك حُرمة البيت الحرام . والواقع أن الأمويين بعد قتل الحسين قد وصلوا الى نهاية الشوط ، فلم يعوددوا يتحرجون من شىء ولا يتوقفون عن شىء ، ولا تأخذهم فى إحتفاظهم بمُلكلهم لومة لائم . وفعلا فإن الأمويين أرسلوا جيشهم فى الشهر ( الحرام  ) ليهاجم ابن الزبير الثائر المستجير بالبيت ( الحرام  ). مسئولية ابن الزبير تعادل ـ إن لم تتفوق على ــ مسئولية الأمويين ، لأنه هو الذى وضع البيت الحرام فى هذا الموضع ، إختار أن يجعله مركزه الحربى وحصنه الذى يتحصّن به. فإذا كان حراما حمل السلاح فى الحرم فكيف بتحويل الحرم الى ثكنة عسكرية ، تقول لأعدائها تعالوا حاربونى . ؟ .

2 ـ ويذكر الطبرى أن ابن الزبير عندما أعلن ثورته فى مكة بعث يزيد بن معاوية الى الوالى عبيد الله بن زياد فى العراق يأمره بغزو ابن الزبير فى الحرم ، فرفض ابن زياد وقال : ( لا أجمعهما للفاسق أبدا ، أقتل ابن بنت رسول الله وأغزو البيت )؟!.. برفض ابن زياد أمر يزيد بن معاوية ( مسلم بن عقبة ) أن يغزو ابن الزبير بعد أن يفرغ من المدينة . وانتصر مسلم بن عقبة على المدينة ، وتركها وإستخلف عليها ( روح بن زنباغ الجذامى )، وتحرك بالجيش قاصدا ابن الزبير فى مكة . وحضره الموت فى الطريق فى آخر المحرم عام 64 ، وعلى فراش الاحتضار دعا الحصين بن نمير السكونى وقال له :( يا برذعة الحمار ، أما لو كان لى هذا الأمر ما وليتك هذا الجند ، ولكن أمير المؤمنين ولاك .وليس لأمره مترك .) ثم أوصاه فقال : (  أسرع المسير ،وعجل الوقاع ( أى الاشتباك الحربى ) ، وعم الأخبار ( يعنى انشر عيونك وجواسيسك يأتوك بالأخبار ) ، ولا تمكّن قرشيا من أذنك ،ولا تؤخر ابن الزبير ثلاثا حتى تناجزه ( أى تقاتله ) ، وقال له : (  إنك تقدم بمكة ولا منعة لهم ولا سلاح . ولهم جبال تشرف عليهم ، فانصب عليهم المنجنيق ، فإنهم بين جبلين ، فإن تعوذوا بالبيت فارمه واتجّه على بنيانه‏.)‏ أى أمره برمى الكعبة بالمنجنيق لو إستجار ابن الزبير به . ثم قال :( اللهم إني لم أعمل عملًا قط بعد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله ، أحب إلي من قتل أهل المدينة ولا أرجى عندي في الآخرة‏. ) ‏واوصى لأهله بضيعته فى حوران ، واوصى الى جاريته بداره ومافيها. ومات فدفن بالمشلل‏.‏ 

2 ـ  ووقع حصار البيت (الحرام ) فى شهر محرم ( الحرام ) عام 64 .

وجاء الخوارج بقيادة نجدة بن عامر الحنفى للدفاع عن البيت الحرام ، وخرجت من المدينة جموع اتجهوا الى مكة لمساعدة ابن الزبير إنتقاما لما حدث لهم فى موقعة الحرة . وجاء معهم المنذر بن الزبير مناصرة لأخيه عبد الله بن الزبير وصل الجيش الأموى الى مكة وباشر حصارها ، وأرسل عبد الله بن الزبير أخاه المنذر بمجموعة إشتبكت مع جيش الأمويين ، واستمر القتال ساعة ، ثم إن رجلا من أهل الشام دعا المنذر إلى المبارزة  ، فخرج إليه المنذر فضرب كل واحد منهما صاحبه ضربة خر صاحبه لها ميتا ، فجثا عبدالله ابن الزبير على ركبتيه يدعو على الذي بارز أخاه.  ثم إن أهل الشام شدوا على ابن الزبير شدة منكرة وهرب أصحابه ، وعثرت بغلته،  فقال " تعسا " ثم نزل وصاح بأصحابه إلي نجدته ، فأقبل إليه جماعة منهم المسور بن مخرمة بن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة ومصعب بن عبدالرحمن بن عوف الزهري ، فقاتلوا حتى قتلوا جميعا ، واستمر القتال حتى الليل ،ثم يستأنفونه فى الصباح . وهكذا من شهر المحرم وصفر حتى الأيام الأولى من شهر ربيع الأول .  

3 ـ ثم بدأ الجيش الأموى يقذف البيت الحرام بالمنجنيق يوم السبت الثالث من شهر ربيع الأول سنة أربع وستين. وفى هذا اليوم إشتعلت النيران فى الكعبة . وظلوا يقذفون البيت بالصخور المحماة ،وهم ينشدون شعرا يقولون :       

خطارة مثل الفنيق المزبد     نرمي بها أعواد هذا المسجد

وكانوا يقولون :

 كيف ترى صنيع أم فروه   تأخذهم بين الصفا والمروه ؟

وأم فروة يعني المنجنيق.

4 ـ وهناك من يروى أن شرارة نار من أتباع ابن الزبير كانت السبب ، تقول الرواية للواقدى : ( كانوا يوقدون حول الكعبة ، فاقبلت شررة هبت بها الريح فاحترقت ثياب الكعبة واحترق خشب البيت يوم السبت لثلاث ليال خلون من ربيع الأول ) ( حدثني عروة بن أذينة قال قدمت مكة مع أمي يوم احترقت الكعبة قد خلصت إليها النار ، ورأيتها مجردة من الحرير ورأيت الركن قد اسود وانصدع إلى ثلاثة أمكنة ، فقلت ما اصاب الكعبة ؟ فأشاروا إلى رجل من اصحاب عبدالله بن الزبير،  قالوا : "هذا احترقت بسببه ، أخذ قبسا في رأس رمح له ، فطيرت الريح به ، فضربت أستار الكعبة ما بين الركن اليماني و الحجر الأسود  "). إذا كان هذا صحيحا وأن الحريق بسبب إهمال شائن من واحد من اتباع ابن الزبير لم يتعمد إحراق البيت ، ، فلماذا لم يبادروا بإطفاء الحريق ؟ ولماذا سكتوا عليه الى أن أحرق الكعبة ؟ . هذه مسئولية ابن الزبير الذى إحتمى بالكعبة خوفا من مصير الحسين ، ومع ذلك أهمل فى حراستها ، وحين إشتعلت فيها النار لم يبادر بإطفائها . وهناك رواية تقول أنابن الزبير ترك النار تحرق الكعبة ليحرض الناس على الأمويين ويشنع عليهم .  وقال الواقدي  : ( احترقت الكعبة يوم السبت لثلاث ليال خلون من شهر ربيع الأول سنة أربع وستين قبل أن يأتي نعي يزيد بن معاوية بتسعة وعشرين يوما . وجاء نعيه لهلال ربيع الآخر ليلة الثلاثاء ) أى مات يزيد بن معاوية فى دمشق أثناء قصف جيشه للكعبة بالمنجنيق .

4 ـ  ولما هلك يزيد بن معاوية مكث الحصين بن نمير وأهل الشام يقاتلون ابن الزبير وأصحابه بمكة أربعين يوما قد حصروهم حصارا شديدا وضيقوا عليهم ، ثم بلغ ابن الزبير وأصحابه موت يزيد بن معاوية قبل أن يعرف به  الحصين بن نمير قائد الجيش الأموى . وعندما علم ابن الزبير بموت يزيد صاح بالجيش الأموى : ( إن طاغيتكم قد هلك فمن شاء منكم أن يدخل فيما دخل فيه الناس فليفعل فمن كره فليلحق بشأمه ) . فلم يصدقوه ، واستمروا فى قتاله ، فظل يناديهم هو وأهل مكة : ( علام تقاتلون قد هلك طاغيتكم ) وهم لا يصدقونه ( إذ مات يزيد فى عنفوان شبابه ) . ثم قدم ثابت بن قيس النخعي من أهل الكوفة في رؤوس أهل العراق ، فمر بالحصين بن نمير ، وكان له صديقا وكان بينهما صهر، فسأل عن الخبر فأخبره بهلاك يزيد. ! .. فبعث الحصين بن نمير إلى عبدالله بن الزبير فقال : ( موعد ما بيينا وبينك الليلة بالأبطح  ) فالتقيا . فقال له الحصين : ( إن يك هذا الرجل قد هلك فأنت أحق الناس بهذا الأمر ، هلم فلنبايعك ، ثم اخرج معي إلى الشام ، فإن هذا الجند الذين معي هم وجوه أهل الشام وفرسانهم ، فوالله لا يختلف عليك اثنان، وتؤمن الناس وتهدر هذه الدماء التي كانت بيننا وبينك والتي كانت بيننا وبين أهل الحرة. ) فقال ابن الزبير :  ( أنا أهدر تلك الدماء ؟ أما والله لا أرضى أن أقتل بكل رجل منهم عشرة . ) وأخذ الحصين يكلمه سرا وهو يجهر جهرا ، وأخذ يقول : لا والله لا أفعل . فقال له الحصين بن نمير : ( قبح الله من يعدك بعد هذه داهيا قط أو أديبا . قد كنت أظن أن لك رأيا .  أكلمك سرا وتكلمني جهرا، وأدعوك إلى الخلافة وتعدني القتل والهلكة . ) ثم قام فخرج وصاح في الناس فأقبل فيهم نحو المدينة . فكان سعيد بن عمرو يقول عن ابن الزبير وحمقه وجبنه : (والله لو سار معهم حتى يدخل الشام ما اختلف عليه منهم اثنان ) .

5 ــ وندم ابن الزيير ،  فأرسل إلي الحصين بن النمير يقول : ( أما أن أسير إلى الشام فلست فاعلا وأكره الخروج من مكة . ولكن بايعوا لي هنالك فإني مؤمنكم وعادل فيكم ) يعنى لا يزال محتفظا بجبنه ، يريدهم أن يحاربوا من أجله وهو متعلق بأستار الكعبة محتميا بها . وردّ عليه  الحصين : ( أرايت إن لم تقدم بنفسك ووجدت هنالك ( فى الشام ) أناسا كثيرا من أهل هذا البيت يطلبونها ويجيبهم الناس ، فما أنا صانع ؟ ) .

ثانيا : الحصار الثانى ومقتل ابن الزبير عام 73

1 ـ لما احترقت الكعبة حين غزا أهل الشام عبد الله بن الزبير أيام يزيدتركها ابن الزبير حتى إحترقت ليشنع بذلك على أهل الشام . ، كانت قد مالت حيطانها من حجارةالمنجنيق.  فلما مات يزيد واستقر الأمر لابن الزبيرهدمها حتى سواها بالأرض ، ثم أعا بناءها . و‏ كانت عمارتها سنة أربع وستين.

2 ـ وفى عام 73 : قتل عبد الملك بن مروان (مصعبا بن الزبير ) ً والى الكوفة لأخيه عبد الله بن الزبير . وبذلك أصبح ابن الزبير محصورا فى الحجاز. ولم يبق أمام عبد الملك إلا القضاء عليه . فأرسل اليه الحجاج بن يوسف فى بضعة آلاف . وبعث عبد الملك مع الحجاج كتاب أمان لابن الزبير ومن معه إن أطاعوا . ووصل جيش الحجاج الى الطائف ، ولم يعرض للمدينة ، وجرت مناوشات بين الجيش الأموى وجيش ابن الزبير كان النصر فيها للأمويين .   ثم كتب الحجاج إلى عبد الملك يستأذنه في دخول الحرم وحصر ابن الزبيرويخبره بضعف ابن الزبير وتفرق أصحابه عنه ، ويطلب المزيد من الجنود ، فأرسل اليه عبد الملك مددا ، وضم المدينة ، واتجه الحجاج بجيشه الى مكة ، بعد أن أذن له عبد الملك بن مروان بانتهاك الحرم . وحاصر الحجاج مكة ، ونصب المنجنيق على أبيقبيس ورمى به الكعبة. والطريف أن عبد الملك إحتج على يزيد عندما ضرب جيشه الكعبة بالمنجنيق ، فلما ولى الخلافة فعل نفس المنكر . وحج ابن عمر تلك السنة فأرسل إلى الحجاج: أن اتقالله واكفف هذه الحجارة عن الناس فإنك في شهر حرام وبلد حرام وقد قدمت وفود الله منأقطار الأرض ليؤدوا فريضة الله ويزدادوا خيراً، وإن المنجنيق قد منعهم عن الطواف،فاكفف عن الرمي حتى يقضوا ما يجب عليهم بمكة. فبطل الرمي حتى عاد الناس من عرفاتوطافوا وسعوا، ولم يمنع ابن الزبير الحاج من الطواف والسعي، فلما فرغوا من طوافالزيارة نادى منادي الحجاج: ( انصرفوا إلى بلادكم فإنا نعود بالحجارة على ابن الزبيرالملحد.).

3 ـ واستمر القتال مع حصار مكة ، فغلت الأسعار عند ابن الزبير، وأصاب الناس مجاعة شديدة حتى ذبح فرسه وقسملحمها في أصحابه، وبيعت الدجاجة بعشرة دراهم ، وكانت بيوت الزبير مملوءة قمحاً وشعيراً وذرة وتمراً، وكان يحفظ ذلك ولا ينفق منه إلا ما يمسك الرمق، ويقول: أنفس أصحابي قوية مالم يفن.فلما كان قبيل مقتله تفرق الناس عنه وخرجوا إلى الحجاج بالأمان، خرج منعنده نحو عشرة آلاف، وكان ممن فارقه ابناه حمزة وخبيب، وأخذا لأنفسهما أماناً من الحجاج .  ولما تفرق أصحابه عنه دخل ابن الزبير لأمه أسماء بنت أبى بكر فقال: ( يا أماهقد خذلني الناس حتى ولدي وأهلي ولم يبق معي إلا اليسير ومن ليس عنده أكثر من صبرساعة، والقوم يعطونني ما أردت من الدنيا، فما رأيك؟ ) فقالت: ( أنت أعلم بنفسك، إن كنتتعلم أنك على حق وإليه تدعو فامض له فقد قتل عليه أصحابك ولا تمكن من رقبتك يتلعببها غلمان بني أمية، وإن كنت إنما أردت الدنيا فبئس العبد أنت أهلكت نفسك ومن قتلمعك، وإن قلت كنت على حق فلما وهن أصحابي ضعفت فهذا ليس فعل الأحرار ولا أهل الدين،كم خلودك في الدنيا! القتل أحسن! ) فقال: ( يا أماه أخاف إن قتلني أهل الشام أن يمثلوابي ويصلبوني. ) قالت: ( يا بني إن الشاة لا تتألم بالسلخ إذا ذبحت، فامض على بصيرتكواستعن بالله.). وخرج ابن الزبير فقاتل حتى قُتل فى يوم الثلاثاء من جمادى الآخرة وله ثلاث وسبعون سنة، وتولى قتله رجل من مراد، وحملرأسه إلى الحجاج فسجد شكرا.

4 ـ وبعث الحجاج برأسه ورأسعبد الله بن صفوان ورأس عمارة بن عمرو بن حزم إلى المدينة أولا ،  ثم الى دمشق إلى عبد الملكبن مروان.  وأخذ الحجاج جثته فصلبها على الثنية اليمنى بالحجون.

 

 

 

 

 

 

 

عندما كان ابن الزبير على وشك أن يحرق بنى هاشم لرفضهم بيعته بالخلافة

 مقدمة :

لما جاء الى المدينة  خبر موت معاوية بن ابي سفيان  وتولى يزيد الخلافة كان بها يومئذ الحسين بن علي وأخوه غير الشقيق ( محمد بن على )المشهور بابنالحنفيةنسبة لأمه ، وكان فى المدينة أيضا عبد الله بنالزبير ، بينما كان ابن عباس بمكة . فخرج الحسين وابنالزبير الى مكة، وظل ابنالحنفيةبالمدينة ، وجرت الأحداث متتالية من خروج الحسين من مكة الى العراق ومأساة كربلاء ، كل ذلك وابن الحنفية معتزل بالمدينة . فلما  سمع بدنو جيش مسلم الى المدينة رحل الى مكة.  وجرت موقعة الحرة وابن الحنفية بمكة مع ابن عباس وابن الزبير .  فلما جاء نعي يزيد بنمعاوية وبايع بن الزبير لنفسه ودعا الناس اليه دعا ابن عباس ومحمد بنالحنفيةالى البيعةله فأبيا أن يبايعا له ، وقالا : " حتى يجتمع لك البلاد ويتسق لك الناس " . فاقاما على ذلك مااقاما ، وبدأ إضطهاد  ابن الزبير لهما ثم تطور الى أن وصل الى أن جمعهم ومعهم ذريتهم ، وحصرهم فى شعب أبى طالب ، وكان على وشك أن يحرقهم لولا أن أنقذهم المختار فى آخر لحظة ، كما يحدث فى أفلام السينما .  نعطى بعض التفصيلات التاريخية ، مما ذكره ابن سعد فى الطبقات والطبرى فى تاريخه ، وابن الأثير .

أولا :  ابن الزبير يتطرف فى إضطهاده للهاشميين :

1 ـ وشهد عام 66 أحداثا هامة ، منها : ( إستيلاء المختار على الكوفة فى 14 ربيع الأول ، وهروب ابن مطيع والى ابن الزبير . ) ( تمكن المختار من قتل كل من شارك فى قتل الحسين وآله فى كربلاء ومنهم شمر بن ذى الجوشن  وعمر بن سعد وابنه . )  .

2 ــ وفى نفس هذا العام 66 هجرية ، دعا ابن الزبير( محمد بن الحنفية ) ومن معه من أهل بيته وشيعته وسبعة عشر رجلاً من وجوه أهل الكوفة، ليبايعوه، فامتنعوا ، وقالوا: ( لا نبايع حتىتجتمع الأمة )؛ فأكثر  فى شتم ابن الحنفية فرد عليه عبد الله بن هانىءالكندي. فطردهم ابن الزبير ، وأمر ابن الحنفية من معه بالصبر .  

3 ـ فلما استولىالمختار على الكوفة وصارت الشيعة تدعو لابن الحنفية، خاف ابن الزبير أن يتداعىالناس إلى بيعة ابن الحنفية مع علمه بأن ابن الحنفية معتزل للفتنة ولا يريد إعلان إنضمامه للمختار . لم يشفع هذا لابن الزبير فأمر بإحضار ابن الحنفية وأهله وذراريهم من بنى هاشم وأمرهم بالبيعة له فرفضوا حتى يجتمع الناس على بيعته ، فحبسهم بزمزم وتوعدهمبالقتل والإحراق ، وأقسم عهداً إن لم يبايعوا أن ينفذ فيهم ما توعدهم به، وضربلهم في ذلك أجلاً.

4 ـ وتقول رواية : أن ابن الزبير : (  قصد لمحمد بنالحنفيةفاظهر شتمهوعيبه ، وامره وبني هاشم ان يلزموا شعبهم بمكة ، وجعل عليهم الرقباء وقال لهم:" والله لتبايعن او لاحرقنكم بالنار" ، فخافوا على انفسهم. ). وتمضلى الرواية : ( قال سليم ابو عامر:" فرايت محمدبنالحنفيةمحبوسا فيزمزم والناس يٌمنعون من الدخول عليه ، فقلت والله لادخلن عليه فدخلت، فقلت : ما بالك وهذاالرجل؟  فقال : " دعاني الى البيعة فقلت : انما انا من المسلمين فاذا اجتمعوا عليك فاناكاحدهم ، فلم يرض بهذا مني.  فاذهب الى ابن عباس ، فاقرئه مني السلام ، وقل يقول لك ابن عمكما ترى ؟ " )  ( قال سليم :  فدخلت على بن عباس وهو ذاهب البصر ( أى أصيب بالعمى ) فقال : من انت ؟ فقلت : انصاري .فقال : "ربانصاري هو اشد علينا من عدونا ". فقلت : " لاتخف فانا ممن لك كله ." قال : " هات" .  فاخبرته بقول ابنالحنفيةفقال:  " قل لهلا تطعه ولا نعمة عين الا ما قلت ولا تزده عليه" . فرجعت الى ابنالحنفيةفابلغته ماقال ابن عباس . )

5 ـ وتقول رواية أن ابن الحنفية حين إشتد به الخوف من ابن الزبير أرسل للمختار أن يأتى عنده الى الكوفة ، وخشى المختار أن يفقد نفوذه إذا حلّ ابن الحنفية بالكوفة ، وكان المختار بالكوفة يسمى ابن الحنفية المهدى.  وهداه ذكاؤه الى حيلة تجعل ابن الحنفية يخاف من القدوم الى الكوفة ،  فأذاع أن ( المهدى ) اى ابن الحنفية سيأتى الى الكوفة ، وأن علامته أنه إذا ضربه رجل بالسيف فإن السيف لا يؤثر فيه . أى يشجع الناس على قتله لاختبار إن كان هو المهدى ام لا . وبلغ ابن الحنفية مقالة المختار فطرد الفكرة من رأسه . تقول الرواية : ( فهمّ إبنالحنفيةان يقدم الىالكوفة.  وبلغ ذلك الى المختار ، فثقل عليه قدومه ، فقال : " ان المهدي علامة يقدم بلدكم هذافيضربه رجل في السوق بالسيف لا تضره ولا تحيك فيه . " فبلغ ذلك بنالحنفيةفاقام . )

6 ـ وكان الحل الآخر هو أن يبعث المختار بجيش ينقذ ابن الحنفية وأهله من الحريق ، تقول الرواية : ( فقيلله لو بعثت الى شيعتك بالكوفة فاعلمتهم ما انتم فيه . فبعث ابا طفيل عامر ابن واثلةالى شيعتهم بالكوفة،  فقدم عليهم فقال : انا لا نأمن ابن الزبير على هؤلاء القوم . )   أى أشار بعض من كان مع ابن الحنفية عليه أن يبعث إلى المختاريعلمه حالهم، فكتب إلى المختار بذلك وطلب منه النجدة. وفرح المختار بكتاب ابن الحنفية وإستغاثته به فخطب فى شيعة الكوفة وقال: ( إن هذا مهديكم وصريح أهل بيت نبيكم وقد تُركوا محظوراً عليهم كما يُحظرعلى الغنم ( أى محبوسون كالغنم ) ، ينتظرون القتل والتحريق في الليل والنهار، لست أبا إسحاق إن لم أنصرهمنصراً مؤزراً، وإن لم أسرب في أثر الخيل كالسيل يتلوه السيل حتى يحل بابن الكاهليةالويل! ) . يعني ابن الزبير. فبكى الناس وقالوا: ( سرّحنا إليه وعجّل ) .

7 ـ فأرسل المختار فصائل متتابعة من جيشه لانقاذ ابن الحنفية ، وبعث معهم لابن الحنفية أربعمائة ألف درهم .  ووصلوا الى المسجد الحرام ، ومعهم الرايات، وهم ينادون: يالثارات الحسين! حتى انتهوا إلى زمزم، وقد أعد ابن الزبير الحطب ليحرقهم، وكان قدبقي من الأجل يومان، فكسروا الباب ودخلوا على ابن الحنفية فأنقذوه ، وقالوا لابن الحنفية : ( خل بيننا وبينعدو الله ابن الزبير! ) فقال لهم: ( إني لا أستحل القتال في الحرم.) . وقيل عن هؤلاء ( الخشبية ) لأنهم دخلوا مكة وبأيديهم الخشب كراهة إشهارالسيوف في الحرم، وقيل: لأنهم أخذوا الحطب الذي أعده ابن الزبير لحرق الهاشميين .

8 ـ( وتقول رواية أن حديثا جرى بينهم وبين الزبير ، وأن ابنالزبير قال لهم : ( أتحسبون أني أخلي سبيلهم دون أن يبايع ويبايعوا؟ ) فقال الجدلي أحد قواد الحملة : ( إي ورب الركنوالمقام لتخلين سبيله أو لنجادلنك بأسيافنا جدالاً يرتاب منه المبطلون! )  فكف ابنالحنفية أصحابه وحذرهم الفتنة.
  ـ وتقول رواية أخرى : إنه قدم باقي الجند ومعهم المال حتى دخلوا المسجدالحرام فكبروا وقالوا: يا لثارات الحسين! فخافهم ابن الزبير، وخرج محمد بن الحنفيةومن معه إلى شعب علي. ) ( وصار الجند يسبون ابن الزبير ويستأذنون محمداً فيه، فأبى عليهم. فاجتمع مع محمد في الشعب أربعة آلاف رجل، فقسم بينهم المال وعزوا وامتنعوا.).

9 ـ وتقول رواية أخرى : (.... فقطع ( أى أرسل ) المختار بعثا ( أى جيشا )  الى مكة ، فانتدب منهم ( أى إختار منهم ) اربعة الاف ، فعقد لابيعبد الله الجدلي عليهم.  وقال له : " سر فان وجدت بني هاشم في الحياة فكن لهم انت ومن معكعضدا، وانفذ لما امروك به ( أى أطع أوامرهم ). وان وجدت ابن الزبير قد قتلهم ، فاعترض اهل مكة حتى تصل الىبن الزبير ، ثم لا تدع من ال الزبير شفرا ولا ظفرا . " وقال :  " يا شرطة الله لقد اكرمكم اللهبهذا المسير ولكم بهذا الوجه عشر حجج وعشر عُمر " . ) .

10 ــ وجاء فى هذه الرواية أن ابن الزبير كان على وشك إحراقهم ، وقد أعدّ إشعال النار ، فإستعجل أهل مكة مقدمة الجيش أن يسرعوا فى إنقاذ بنى هاشم ، فأرسل قادة الجيش فرقة خاصة من 800 رجل من الجيش لانقاذهم قبل فوات الأوان ، فأسرعت هذه القوة فدخلت مكة ، ودخلت الحرم تكبّر ، فلما سمع بهم ابن الزبير هرب وتعلق بأستار الكعبة وقال : (أنا عائذ بالله ) ، وبسرعة وصلوا الى إنقاذهم . تقول الرواية : ( فسار القوم ومعهم السلاح حتى اشرفواعلى مكة ، فجاء المستغيث  : " اعجلوا فما اراكم تدركونهم  " فقال الناس : " لو ان اهل القوة عجلوا" ، فانتدب منهم ثمانمائة ، رأسهم عطية بن سعد بن جنادة العوفي ، حتى دخلوا مكة فكبرواتكبيرة سمعها بن الزبير ، فانطلق هاربا حتى دخل دار الندوة ،  ويقال بل تعلق باستارالكعبة،  وقال : " انا عائذ بالله"  قال عطية : " ثم ملنا الى ابن عباس وابنالحنفيةواصحابهما فيدور، قد جمع لهم الحطب فاحيط بهم حتى بلغ رؤوس الجُدر ، لو ان نارا تقع فيه ما رئي منهماحد حتى تقوم الساعة. " .وتمضى الرواية فتقول عن ( على بن عبد الله بن عباس ) وهو جد الخلفاء العباسيين ـ وكان شابا وقتها أنه اسرع بالهرب قبل إزالى الخشب والحطب فسالت الدماء من قدميه : ( وعجّل علي بن عبد الله بن عباس وهو يومئذ رجلفاسرع في الحطب يريد الخروج فادمى ساقيه .) وتمضى الرواية فتقول : ( واقبل اصحاب ابن الزبير فكنا صفين نحن وهمفي المسجد نهارنا ونهاره لا ننصرف الا الى صلاة حتى اصبحنا . ووصلت بقية الجيش : ( وقدم ابو عبد اللهالجدلي في الناس فقلنا لابنعباس وابنالحنفية: (  ذرونا نريحالناس من ابن الزبير ) فقالا  : ( هذا بلد حرمه الله ما احله لاحد الا للنبي عليه السلامساعة ما احله لاحد قبله ولا يحله لاحد بعده فامنعونا واجيرونا ) قال فتحملوا ، وانمناديا لينادي في الجبل : ( ما غنمت سرية بعد نبيها ما غنمت هذه السرية ان السرايا تغنمالذهب والفضة وانما غنمتم دماءنا ) ، فخرجوا بهم حتى انزلوهم منى ، فاقاموا بها ما شاءالله ان يقيموا ، ثم خرجوا الى الطائف ، فاقاموا ما اقاموا . وتوفي عبد الله بن عباسبالطائف سنة ثمان وستين وصلى عليه محمد بنالحنفية.  وبقينا مع ابنالحنفية.) . 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

عن قتل الأطفال فى تاريخ السلف ( الصالح) .!!

فى سطور تاريخ ( السلف الصالح ) فى الفتنة الكبرى الثانية ورد ذكر قتل للأطفال والنساء ، ومنه :

أولا :   فى مذبحة كربلاء :

1 ـ  حيث كان الحسين بأهله ومنهم شباب صغير ونساء وأطفال رأوا القتال يدور حولهم ، والمهاجمين يقتربون منهم ، ووقف مع الحسين ـ عندما إقترب أعداؤه منه ـ شباب صغير من أبنائه وابناء أخيه فلقوا حتفهم سريعا .

2 ـ  تقول الرواية عن الشباب المقاتلين من آل الحسين : (وكان أول من قتل من آل بني أبي طالب يومئذٍ علي الأكبر ابن الحسين، وأمه ليلى بنتأبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفية، وذلك أنه حمل عليهم وهو يقول " :أنا علي بن الحسين بن علي     نحن ورب البيت أولى بالنبي     تالله لا يحكم فينا ابنالدعي " ، ففعل ذلك مراراً، فحمل عليه مرة بن منقذ العبدي فطعنهفصرع وقطّعه الناس بسيوفهم .! ).

(  ثمحمل القاسم بن الحسن بن علي،  وبيده السيف، فحمل عليه عمرو بن سعد بن نفيل الأزدي،  فضرب رأسه بالسيف فسقط القاسم إلى الأرض لوجهه، وقال: يا عماه! فانقض الحسين إليهكالصقر ثم شد شدة ليث أغضب فضرب عمراً بالسيف فاتقاه بيده فقطع يده من المرفق فصاح،وحملت خيل الكوفة ليستنقذوا عمراً فاستقبلته بصدورها وجالت عليه فوطئته حتى مات،وانجلت الغبرة والحسين واقف على رأس القاسم وهو يفحص برجليه والحسين يقول: بعداًلقوم قتلوك،..! ثم قال: عز والله على عمّك أن تدعوه فلايجيبك أو يجيبك ثم لا ينفعك صوته، والله هذا يوم كثر واتره وقل ناصره! ثم احتملهعلى صدره حتى ألقاه مع ابنه علي ومن قتل معه من أهل بيته .)

 ( ورمى عبد الله بن عقبة الغنوي أبا بكر بن الحسين بنعلي بسهم فقتله، وقال العباس بن علي لإخوته من أمه عبد الله وجعفر وعثمان: تقدمواحتى أرثكم فإنه لا ولد لكم. ففعلوا فقتلوا، وحمل هانىء بن ثبيت الحضرمي على عبدالله بن علي فقتله، ثم حمل على جعفر بن علي فقتله، ورمى خولي بن يزيد الأصبحي عثمانبن علي، ثم حمل عليه رجل من بني أبان بن دارم فقتله وجاء برأسه، ورمى رجل من بنيأبان أيضاً محمد بن علي بن أبي طالب فقتله وجاء برأسه... واشتد عطش الحسين فدنا من الفرات ليشرب فرماه حصين بن نميربسهم فوقع في فمه فجعل يتلقى الدم بيده ورمى به إلى السماء، ثم حم الله وأثنى عليهثم قال: اللهم إني أشكو إليك ما يصنع بابن بنت نبيك! ).

(وخرج غلام من خباء من تلكالأخبية فأخذ بعود من عيدانه وهو ينظر كأنه مذعور، فحمل عليه رجل قيل إنه هانىء بنثبيت الحضرمي فقتله.)

3 ـ وعن القتلى من الأطفال من آل الحسين ، تقول الرواية : (ودعا الحسين بابنهعبد الله وهو صغير فأجلسه في حجره، فرماه رجل من بني أسد فذبحه، فأخذ الحسين دمهفصبه في الأرض ثم قال: ربي إن تكن حبست عنا النصر من السماء فاجعل ذلك لما هو خيروانتقم من هؤلاء الظالمين.)

( وجعل شمر يحرضهم على الحسين وهو يحمل عليهم فينكشفون عنه، ثم إنهمأحاطوا به. وأقبل إلى الحسين غلام من أهله فقام إلى جنبه وقد أهوى بحر بن كعب بنتيم الله بن ثعلبة إلى الحسين بالسيف، فقال الغلام: يا ابن الخبيثة أتقتل عمي!؟فضربه بالسيف، فاتقاه الغلام بيده فأطنها إلى الجلدة، فنادى الغلام: يا أمتاه! فاعتنقه الحسين وقال له: يا ابن أخي اصبر على ما نزل بك ..) .

وجاول شمر بن ذى الجوشن حرق فسطاط الحسين الذى يحتمى فيه أطفال الحسين ونساؤه ، تقول الرواية : ( وحمل شمر حتى بلغ فسطاط الحسين ونادى: " عليّ بالنار حتى أحرق هذا البيتعلى أهله."! ،  فصاح النساء وخرجن، وصاح به الحسين: " أنت تحرق بيتي على أهلي؟ حرقك اللهبالنار!"  فقال حميد بن مسلم لشمر: " إن هذا لا يصلح لك، تعذب بعذاب الله وتقتل الولدانوالنساء، والله إن في قتل الرجال لما يرضى به أميرك! " . فلم يقبل منه، فجاءه شبث بنربعي فنهاه فانتهى . ) .

وفى مشهد آخر من مشاهد المذبحة تقول الرواية : (  وجعل شمر يحرضهم على الحسين وهو يحمل عليهم فينكشفون عنه، ثم إنهمأحاطوا به. وأقبل إلى الحسين غلام من أهله فقام إلى جنبه وقد أهوى بحر بن كعب بنتيم الله بن ثعلبة إلى الحسين بالسيف، فقال الغلام: يا ابن الخبيثة أتقتل عمي! فضربه بالسيف، فاتقاه الغلام بيده فأطنها إلى الجلدة، فنادى الغلام: يا أمتاه! فاعتنقه الحسين وقال له: يا ابن أخي اصبر على ما نزل بك .! ) (وخرجت امرأة الكلبي تمشي إلى زوجها فجلست عند رأسه تمسح التراب عن وجههوتقول: هنيئاً لك الجنة! فأمر شمر غلاماً اسمه رستم فضرب رأسها بالعمود فماتتمكانها..!  )

ثانيا : فى دين الخوارج :

1 ـ إستباح الخوارج فى العصر الأموى قتل المسلمين ، دون اهل الكتاب . وقالوا ب ( الاستعراض ) أى القتل العشوائى . وبعض الخوارج نصّ  ــ علنيا ـ  على قتل النساء والأطفال من المسلمين ، مثل نافع بن الأزرق ، تقول الرواية عن نافع بن الأزرق : ( ونظرنافع فرأى أن ولاية من تخلف عن الجهاد من الذين قعدوا من الخوارج لا تحل له، وأن منتخلف عنه لا نجاة له، فقال لأصحابه ذلك ودعاهم إلى البراءة منهم وأنهم لا يحل لهممناكحتهم ولا أكل ذبائحهم، ولا يجوز قبول شهادتهم وأخذ علم الدين عنهم، ولا يحلميراثهم، ورأى قتل الأطفال والاستعراض، وأن جميع المسلمين كفار مثل كفار العرب لايقبل منهم إلا الإسلام أو القتل.).

2 ـ وظل أثر الخوارج حتى العصر العباسى .ويقول الملطى الفقيه السُنّى فى القرن الرابع الهجرى عن الخوارج فى كتابه ( التنبيه والرد ) وهم يقتلون الناس عشوائيا بلا تمييز بين طفل وامرأة وشيخ عجوز  : ( فأما الفرقة  ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﻮﺍﺭﺝ ﻓﻬﻢ ﺍﻟﻤﺤﻜﻤﺔ ، الذين كانوا يخرجون بسيوفهم فى الأسواق ، فيجتمع الناس على غفلة ، فينادون :( لا حكم إلا لله ) ، ويضعون سيوفهم فيمن يلحقون من الناس ، فلا يزالون يقنلون حتى يُقتلوا . وكان الواحد منهم إذا خرج للتحكيم لا يرجع حتى يُقتل، فكان الناس منهم على وجل   وفتنة ، ولم يبق منهم أحد على وجه الأرض بحمد الله )  .

3 ـ . ونقول : والحمد لله الذى لا يُحمد على مكروه سواه ـ أن الوهابية أحيت هذا الارث الدموى البغيض فى الانتحاريين الذين يقتلون الناس عشوائيا فى الأسواق والشوارع ووسائل المواصلات والمحطات  والمطارات . يقتلون الأبرياء ويعتبرونه جهادا ، ويهتفون ( الله أكبر) . لا جديد فى الشرق الأوسط ، سوى نوعية الأسلحة ( كانت السيف ) فأصبح الحزام الناسف والديناميت، كانوا يهتفون ( لا حكم إلا الله ) فأصبحوا يهتفون ( الله أكبر ) .

4 ـ ويقول الملطى عن الاباضية فى عهده : ( والفرقة الخامسة من الخوارج هم الاباضية ، اصحاب إباض بن عمرو ، خرجوا من سواد الكوفة (أى من ريف الكوفة ) ، فقتلوا الناس ، وسبوا الذرية ، وقتلوا الأطفال وكفّروا الأمّة ، وأفسدوا فى العباد والبلاد ، فمنهم اليوم بقايا بسواد الكوفة . ) 

ثالثا : بسر بن أبى أرطاه وقتل الأطفال :

1 ـ فى عام 40 هجرية وفى الصراع بين (على ) و ( معاوية ) وحيث كانت ( المدينة ) تتبع سلطة (على بن أبى طالب ). تقول الرواية : ( بعث معاوية ( بسر بن أبي أرطاة) ، وهو من عامر بن لؤي، في ثلاثة آلاف، فسار حتى قدم المدينة، وبها ( أبو أيوب الأنصاري)  عامل (عليّ ) عليها، فهرب ( أبو أيوب ) فأتى ( علياً ) بالكوفة، ودخل ( بسر)  إلى المدينة ولم يقاتله أحد، فصعد منبرها فنادى عليه: " يا دينار، يا نجار ، يا زريق! ــ وهذه بطون من الأنصار ــ  شيخي شيخي ، عهدته ها هنا بالأمس.  فأين هو؟ ــ يعني عثمان ــ  ثم قال: " والله لولا ما عهد إلي معاوية ما تركت بها محتلماً إلا قتلته " . فأرسل إلى بني سلمة فقال: " والله ما لكم عندي أمان حتى تأتوني بجابر بن عبد الله! " فانطلق جابر إلى أم سلمة زوج النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال لها: " ماذا ترين؟ إن هذه بيعة ضلالة وقد خشيت أن أقتل ". قالت: " أرى أن تبايع فإني قد أمرت ابني عمر وختني ابن زمعة أن يبايعا. " ، وكانت ابنتها زينب تحت ابن زمعة، فأتاه جابر فبايعه.(أى  بايع معاوية ) ، وهدم ( بسر ) بالمدينة دوراً . ثم سار إلى مكة، فخاف ( أبو موسى الأشعري ) أن يقتله فهرب منه، وأكره ( بسر ) الناس على البيعة .  ثم سار إلى اليمن، وكان عليها ( عبيد الله ابن عباس ) عاملاً ل( علي )، فهرب منه إلى (علي) بالكوفة، واستخلف (علي ) على اليمن ( عبد الله بن عبد المدان الحارثي. ) ، فأتاه ( بسر ) فقتله وقتل ابنه . وأخذ ابنين ل ( عبيد الله بن عباس ) صغيرين هما: ( عبد الرحمن )  و ( قثم  ) فقتلهما، وكانا عند رجل من كنانة بالبادية، فلما أراد قتلهما قال له الكناني: " لم تقتل هذين ولا ذنب لهما؟ فإن كنت قاتلهما فاقتلني معهما! " ، فقتله  وقتلهما بعده.... فخرج نسوة من بني كنانة فقالت امرأة منهن: "  يا هذا! قتلت الرجال فعلام تقتل هذين؟ والله ما كانوا يقتلون في الجاهلية والإسلام! والله يا ابن أبي أرطاة إن سلطاناً لا يقوم إلا بقتل الصبي الصغير والشيخ الكبير ونزع الرحمة وعقوق الأرحام لسلطان سوء! . " . وقتل بسر في ميسره ذلك جماعةً من شيعة علي باليمن.  وبلغ ( علياً ) الخبر فأرسل ( جارية بن قدامة السعدي ) في ألفين، و ( وهب بن مسعود ) في ألفين، فسار ( جارية ) حتى أتى نجران فقتل بها ناساً من شيعة عثمان، وهرب ( بسر)  وأصحابه منه ، واتبعه جارية حتى أتى مكة . فقال: " بايعوا أمير المؤمنين. " فقالوا: " قد هلك فمن نبايع؟ " قال:"  لمن بايع له أصحاب علي."  فبايعوا خوفاً منه.  ثم سار حتى أتى المدينة و" أبو هريرة"  يصلي بالناس، فهرب منه، فقال جارية: " لو وجدت أبا سنور لقتلته" ( السنور هو القط  أو الهرّ ، وكان أبو هريرة مع الأمويين ضد (على )). ثم قال لأهل المدينة:" بايعوا الحسن بن علي، " فبايعوه، وأقام يومه، ثم عاد إلى الكوفة ورجع أبو هريرة يصلي بهم.وكانت أم ابني عبيد الله أم الحكم جويرية بنت خويلد بن قارظ، وقيل: عائشة بنت عبد الله بن عبد المدان. فلما قتل ولداها ولهت عليهما، فكانت لا تعقل ولا تصفي ولا تزال تنشدهما في المواسم .. فلما سمع أمير المؤمنين بقتلهما جزع جزعاً شديداً ودعا على  ( بسر ) فقال: اللهم اسلبه دينه وعقله! ... ولما استقر الأمر لمعاوية دخل عليه ( عبيد الله بن عباس ) وعنده بسر فقال لبسر: " وددت أن الأرض أنبتتني عندك حين قتلت ولديّ "!. . فقال بسر: " هاك سيفي. "  فأهوى ( عبيد الله ) ليتناوله فأخذه معاوية وقال لبسر: " أخزاك الله شيخاً قد خرفت! والله لو تمكن منه لبدأ بي! " قال عبيد الله: " أجل، ثم ثنيت به." .. وقيل: إن مسير ( بسر)  إلى الحجاز كان سنة اثنتين وأربعين، فأقام بالمدينة شهراً يستعرض الناس لا يقال له عن أحد إنه شرك في دم عثمان إلا قتله.)

2 ـ وفى عام 41، ولّى معاوية (بسر بن أبي أرطأة البصرة ) ، تقول الرواية : ( في هذه السنة ولي ( بسر بن أبي أرطأة ) البصرة.وكان السبب في ذلك أن الحسن لما صالح معاوية أول سنة إحدى وأربعين وثب حمران بن أبان على البصرة فأخذها وغلب عليها، فبعث إليه معاوية ( بسر ابن أبي أرطأة ) وأمره بقتل بني ( زياد بن أبيه) ، وكان ( زياد)  على فارس ، قد أرسله إليها ( علي بن أبي طالب ) ، فلما قدم ( بسر) البصرة خطب على منبرها وشتم علياً ثم قال: " نشدت الله رجلاً يعلم أني صادق إلا صدقني أو كاذب إلا كذبني."  فقال أبو بكرة:" اللهم إنا لا نعلمك إلا كاذباً.! " قال: فأمر به فخُنق...وأرسل معاوية إلى زياد: " إن في يدك مالاً من مال الله فأدّ ما عندك منه " . فكتب إليه زياد: " إنه لم يبق عندي شيء، ولقد صرفت ما كان عندي في وجهه، واستودعت بعضه لنازلة إن نزلت، وحملت ما فضل إلى أمير المؤمنين رحمة الله عليه. " . فكتب إليه معاوية: " أن أقبل ننظر فيما وليت فإن استقام بيننا أمر وإلا رجعت إلى مأمنك. " ، فامتنع، فأخذ ( بسر )  أولاد ( زياد ) الأكابر، منهم: عبد الرحمن وعبيد الله وعباد، وكتب إلى زياد: " لتقدمنّ على أمير المؤمنين أو لأقتلن بنيك."  فكتب إليه زياد: " لست بارحاً من مكاني حتى يحكم الله بيني وبين صاحبك، وإن قتلت ولدي فالمصير إلى الله ومن ورائنا الحساب، (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلبٍ ينقلبون ). فأراد ( بسر )  قتلهم ، فأتاه أبو بكرة فقال: " قد أخذت ولد أخي بلا ذنب، وقد صالح الحسن معاوية على ما أصاب أصحاب (علي ) حيث كانوا، فليس لك عليهم ولا على أبيهم سبيل." .  وأجّله أياماً حتى يأتيه بكتاب معاوية.  فركب أبو بكرة إلى معاوية، وهو بالكوفة، فلما أتاه قال له:"  يا معاوية إن الناس لم يعطوك بيعتهم على قتل الأطفال! " قال: " وما ذاك يا أبا بكرة؟ " قال:  " بسر يريد قتل بني أخي زياد. ".! فكتب له بتخليتهم. فأخذ كتابه إلى ( بسر ) بالكفّ عن أولاد ( زياد )، وعاد فوصل البصرة يوم الميعاد، وقد أخرج ( بسر ) أولاد ( زياد)  مع طلوع الشمس ينتظر بهم الغروب ليقتلهم، واجتمع الناس لذلك وهم ينتظرو أبا بكرة، إذ رفع لهم على نجيب أو برذون يكده، فوقف عليه ونزل عنه وألاح بثوبه وكبّر وكبّر الناس معه، فأقبل يسعى على رجليه فأدرك ( بسراً ) قبل أن يقتلهم، فدفع إليه كتاب معاوية، فأطلقهم.).

أخيرا : الوهابية تستعيد هذا الإرث الدموى.
1 ـ أسس عبد العزيز آل سعود الدولة السعودية الراهنة ، وهذا بسواعد شباب الأعراب النجديين ، وقد أعدهم جنودا سمّاهم ( الاخوان ) تشربوا الوهابية على أنها الاسلام ، وكرروا مسيرة الخوارج فى القتل بلا تمييز ، وهؤلاء الاخوان إشتهروا بالوحشية المفرطة وقتل الأطفال والنساء . وقد تعرضنا لهم بالتفصيل فى مقالات كتابنا ( المعارضة الوهابية فى الدولة السعودية فى القرن العشرين ). وهى منشورة هنا.

2 ـ كانوا يهجمون علي الهدف بشكل خليط همجي من الرجال والخيول والابل والمشاة، يدمرون معسكر العدو ، ويقتلون كل من يجدونه من البشر دون رحمة ،فاذا كان الهدف مدينة او قرية اضيف الاطفال والنساء والشيوخ الي قائمة الضحايا .ففي هجومهم علي الكويت في معركة الجهرة قتلوا النساء سنة 1920 ،ونفس الحال في هجومهم علي ثريب في شرق الاردن سنة 1924 ،وقتلوا النساء والاطفال والشيوخ عندما افتتحوا الطائف في 7/9/1921 وسجل المراقبون الاجانب ان الاخوان لايحتفظون بالاسري وانما يذبحون كل من يقع في ايديهم.

3 ـ وكانت الدعوات للانضمام الي الوهابية او الاسلام تحمل التهديد لمن لا يستجيب بالاعدام .وتقول احداها (ان من ينضم الينا يأمن علي ممتلكاته واسرته )، أى يأمن على نسائه وأطفاله من الذبح .! وقيل عنهم انهم ظلوا لعدة سنوات لا يخيفون الاطفال وحدهم وانما الكبار ايضا ..وقد قتلوا جميع الرجال والنساء والاطفال في المنطقة ما بين المويلة وشرق الاردن،

4 ـ وعندما تمردوا على سيدهم ( عبد العزيز ) وهاجموا اخوانهم الوهاببين من اتباع عبد العزيز، فأنهم قتلوا الشيوخ والنساء والاطفال، كما ذكر حافظ وهبة القائل تحت عنوان( الاخوان ) (اذ ذكر الاخوان علي حدود العراق او شرق الاردن او الكويت استولي الرعب علي قلوب السكان ،وهب البدو يطوون الصحراء لائذين بالبلاد القريبة منهم يحتمون بجدرانها وابراجها، فهم رسل الذعر والرعب في بلاد العرب )

وعندما منع عبد العزيز ذلك في مؤتمر العلماء سنة 1919 اصبح عبد العزيز نفسه مرشحا ليكون الاخر في معارضتهم السياسية له ،ثم جعلوه خصما لهم تمردوا عليه ،وقتلوا النساء والاطفال والشيوخ من الوهابيين المسالمين في تمردهم الثاني .

5 ـ وجماعات الوهابية اليوم من القاعدة الى النُّصرة الى داعش تقتل الناس عشوائيا . والأطفال والنساء من أبرز ضحاياهم .

6 ــ الوهابية تتمسك بسيرة السلف ( الصالح ).. عليهم جميعا لعنة الله والملائكة والناس أجمعين .!

الفتنة الكبرى الثانية ( 61 : 73 هجرية ) : صفحة من التاريخ الأسود للسلف الصالح
هذا الكتاب
يؤرخ لفترة مسكوت عنها إمتلأت بالفظائع من مقتل الحسين الى مقتل عبد الله بن الزبير ويحلل آثارها الدينية التى لا تزال باقية حتى اليوم .
more