رقم ( 2 )
مقدمة الكتاب

 

1 ـ صدر لنا كتاب ( المسكوت عنه من تاريخ الخلفاء الراشدين ) وفيه عرض لدور قريش فى تدمير الاسلام بالفتوحات وبالفتنة الكبرى . ثم أعقبه كتاب عن مذبحة كربلاء ، وهى التى نتج عنها الفتنة الكبرى الثانية من مقتل الحسين الى مقتل ابن الزبير ، وتخللها مقتل مروان بن الحكم .

مقالات متعلقة :

2 ـ مروان بن الحكم وعبد الله بن الزبير كانا معا من أعمدة الفتنة الكبرى الأولى التى بدأت بمقتل عثمان عام 35 وانتهت بمقتل (على ) عام 40 . وليس غريبا أن تنتهى حياة أعمدة الفتوحات والفتنة الكبرى بالقتل ، مات ابوبكر بالسُّم ، واُغتيل (عمر ) ثم (عثمان )، ثم (على ) وقُتل الزبير و طلحة . هؤلاء الأفراد مسئولون عن قتل مئات الألوف من البشر الأبرياء من أبناء الأمم المفتوحة بالاضافة الى العرب.

3 ـ الفتنة الكبرى الثانية كان من الممكن تفاديها لولا عبد الله بن الزبير ـ الذى زجّ نفسه فى الصراع ، وهو بأسرته القرشية من بنى أسد ليس بشىء مقارنة بفرعى بنى عبد مناف من الهاشميين والأمويين ، علاوة على صفاته الشخصية التى لا تؤهله للزعامة ، فقد كان بخيلا حسودا جبانا ، بينما تمتع الأمويون بتراث فى القيادة والسياسة وبموهبة الكرم وشراء الضمائر بالأموال ، وبه فازوا فى صراعاتهم ضد بنى عمهم الهاشميين ، والذين كانوا أحق منهم بالخلافة طبقا لمفهوم العصر . إستغل ابن الزبير الظروف السياسية ، من الفراغ الذى حدث بمصرع الحسين، وساعده فى الظهور إعتزال معاوية بن يزيد بن معاوية ، والشقاق بين الامويين  والنزاع بين قبائل قيس وكلب ، وانضمام  قبائل قيس لابن الزبير، وتوسع نفوذه سريعا ، ولكن سرعان ما عادت الأمور الى نصابها فخسر أمام الأمويين ولقى حتفه ، بعد أن كلّف طموحه قتل عشرات الألوف من أنصاره وأعدائه ، ، مع انتهاك حُرمة الكعبة ، وبعد أن ارتكب أخوه مصعب مجازر بقتل مئات الأسرى بلا مبرر.

4 ــ نتذكر هنا الشاعر (عبدالله بن مسلم الهذلي القرشى : ( أبو صخر ) الذى كان  موالياً لبني امية ، وكان يعيش فى مكة وقت سيطرة ابن الزبير عليها . ولو كان ابن الزبير يعرف أصول السياسة لاجتذب هذا الشاعر الى جانبه ببعض الأموال ، والشعراء وقتها كانوا أجهزة إعلام تسعى على قدمين . ولكن ابن الزبير لم يبذل جهدا فى إجتذاب هذا الشاعر ، بل عاقبه ابن الزبير بمنع عطائه ( والعطاء هو المرتب المقرر لكل فرد عربى من خيرات الفتوحات ) . ذهب الشاعر يسأل ابن الزبير عن السبب : ( فقال له : علام تمنعني حقاً لي ؟ وأنا أمرؤ  مسلم  ما احدثت في الاسلام حدثاً ولا اخرجت من طاعة يداً ؟ فقال : عليك ببني أمية فاطلب عطاءك عندهم ! ) ورد الشاعر بكلمات بليغة فى مدح بنى أمية وتفضيلهم على آل الزبير : ( فقال :  إذ أجدهم سبطاً أكفهم ، سمحة أنفسهم  ، بذلاً لأموالهم ، وهابين لمجتديهم ،  كريمة اعراقهم ، شريفة اصولهم ، زاكية فروعهم ،  قريباً من رسول الله صلى الله عليه وسلم نسبهم وسببهم ) ثم دخل فى التعريض بآل الزبير فقال : (  ليسوا بأذناب ولا شائط ولا اتباع ،  ولا هم في قريش كفقعة القاع ،  لهم السؤدد في الجاهلية ،  والملك في الاسلام ، لا كمن لا يعد في عيرها ولا نفيرها ،  ولا حكم اباؤه في نقيرها ولا قطميرها . ليس من احلافها المطيبين ولا من سادتها المُطعمين . ولا جوادها الوهابين , من هاشمها المنتخبين , ولا عبد شمسها المسودين , كيف نقابل الرؤس بالأذناب ؟ أين النصل من الجفن . والسنان من الزج . والذنابي من القدامي ؟ ) ثم هاجم عبد الله بن الزبير وبُخله فقال : ( كيف يُفضل الشحيح على الجواد ؟  والسوقة على الملك ؟ والمُجيع بخلاً على المطعم فضلاً ؟ ) . تقول الرواية : ( فغضب ابن الزبير حتى ارتعدت فرائضه . وعرق جبينه واهتز من قرته الى إلى قدمه وامتقع لونه ثم قال : يا ابن البوالة على عقبيها , يا جاف يا جاهل . أما والله لولا الحرمات الثلاث : حرمة الاسلام وحرمة  الحرم , وحرمة الشهر الحرام لأخذت ما فيه عيناك . ثم أمر به الى سجن عارم فحبس فيه مدة . ثم استوهبته قريش وهذيل و(من ) له في قريش خوولة في هذيل . فأطلقة بعد سنة . وأقسم ألا يعطيه عطاءً مع المسلمين أبدا فلما كان عام الجماعة وولي عبدالملك وحج فلقيه ابوصخر . فلما رآه عبدالملك قربه وأدناه وقال : " لم يخف علي خبرك مع الملحد ولا ضاع لك عندي هواك ولا موالاتك "  فقال : "  اذا شفى الله نفسي ورأيته قتيل سيفك . وصريع أوليائك . مصلوباً مهتوك الستر مفرق الجمع فما ابالي ما فاتني من الدنيا." ) .كان لقب عبد الله بن الزبير هو ( الملحد ) بسبب إنتهاكه حُرمة البيت ، وتحويله الى ساحة صراع ما لبث أن تحول الصراع السياسى الى صراع حربى أسفر عن تدمير الكعبة .

5 ـ هذه الفتنة الكبرى الثانية من المسكوت عنه ، مع أن آثارها لا تزال سائدة سارية . ولهذا عُنى الباب الأول من هذا الكتاب بتجلية هذه الفتنة بأحداثها ووقائعها وأبطالها ، ثم توقف الباب الثانى مع آثارها السيئة أخلاقيا ودينيا .

6 ــ ونزعم أن هذا الكتاب يسدُّ نقصا فى المكتبة العربية ــ  أُسوةّ بكل ما نكتبه فى تاريخ المسلمين ـ وهذا الكتاب بالذات يبرز المسكوت عنه من أحداث مجهولة وآثار دينية مجهولة  ــ مع خطورتها ـ ثم إنه يسير مع شخصيات تاريخية مجهولة كانت فاعلة وقتها .

7 ـ وأهلا بكم مع هذه الصفحة السوداء المجهولة من تاريخ السلف الصالح ، الذى لا يزال حيا فى عصرنا بما تفعله منظمات الوهابية ، وأبرزها داعش .

الفتنة الكبرى الثانية ( 61 : 73 هجرية ) : صفحة من التاريخ الأسود للسلف الصالح
هذا الكتاب
يؤرخ لفترة مسكوت عنها إمتلأت بالفظائع من مقتل الحسين الى مقتل عبد الله بن الزبير ويحلل آثارها الدينية التى لا تزال باقية حتى اليوم .
more