مصر.. لماذا ارتفع الدين الخارجي خلال 2025؟
(CNN)-- ارتفع الدين الخارجي لمصر خلال الفترة الماضية نتيجة فروق تقييم العملات الأجنبية التي تم الاقتراض بها، خاصة اليورو، دون حدوث اقتراض جديد.
وسجّل الدين الخارجي لمصر زيادة بنحو 6 مليارات دولار منذ بداية 2025 ليصل إلى 161.2 مليار دولار في نهاية الربع الثاني وفق بيانات حكومية، بعد وصوله إلى 155.1 مليار دولار في الربع الرابع من 2024، تعكس هذه المعطيات عودة الارتفاع بعد فترة من التراجع النسبي في 2024 حين انخفض الدين إلى 152.9 مليار دولار بالربع الثاني من العام.
وفي إطار متابعة تطورات الدين الخارجي، قال مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء إن لجنة الدين تضع مستهدفات واضحة تشمل حجم الاقتراض وآليات خفض الدين الخارجي، موضحًا أن أي زيادة خلال الفترة الماضية نتيجة اقتراض بعملات أجنبية مثل اليورو وتظهر محاسبيًا عند انخفاض الدولار دون أن تكون اقتراضًا جديدًا.
وذكر مدبولي أن هذه الزيادة ستنخفض تلقائيًا عند ارتفاع الدولار وأن الحكومة تركز على خفض الدين سنويًا بمعدل يتراوح بين مليار إلى ملياري دولار.
بدوره، قال رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب السابق، فخري الفقي، إن الزيادة التي ظهرت في رقم الدين الخارجي مؤخرًا ترجع في الأساس إلى فروق تقييم العملات، مُوضحًا أن جزءًا من الدين الخارجي مقوم بعملات أجنبية غير الدولار وعلى رأسها اليورو والين.
وأوضح الفقي، في تصريحات خاصة لـ CNN بالعربية، أن تراجع سعر الدولار عالميًا أمام اليورو والعملات الأخرى يؤدي محاسبيًا إلى ارتفاع قيمة الدين الخارجي عند إعادة تقييمه بالدولار، تمامًا كما يحدث عند انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار، مؤكدًا أن هذه الزيادة تعد فروق عملة دفترية وليست التزامات مالية جديدة أو اقتراضًا إضافيًا.
وأشار إلى أن صفقة رأس الحكمة لعبت دورًا مهمًا في خفض الدين الخارجي العام الماضي، حيث تم الاتفاق على تخصيص جزء من حصيلة بيع الأصول لسداد التزامات خارجية، لافتًا أن 11 مليار دولار من حصيلة الصفقة اُستخدمت في سداد ديون مُستحقة، ما ساهم في خفض إجمالي الدين العام الماضي.
وبيّن أن هيكل الدين الخارجي لمصر يتوزع بين عدة جهات، حيث تتحمل وزارة المالية نحو 78 مليار دولار، أي قرابة نصف الدين الخارجي، وكذلك البنك المركزي، وأغلبها ودائع من دول شقيقة يتم تجديدها بشكل دوري ولا تشكل عبئًا فوريًا على الاحتياطي النقدي.وأوضح أن الودائع الخليجية لدى البنك المركزي، ومنها ودائع من السعودية والكويت وقطر، تُجدّد بصفة مستمرة وبفوائد منخفضة، ورغم إدراجها محاسبيًا ضمن الدين الخارجي، فإنها تختلف في طبيعتها عن القروض التقليدية، نظرًا لاستقرارها وطول آجالها.
وتطرق الفقي إلى ما يعرف بالأموال الساخنة، موضحًا أنها استثمارات أجنبية قصيرة الأجل تدخل السوق المصري عبر أدوات الدين مثل أذون وسندات الخزانة، ويتم توجيهها في الغالب إلى البنوك العامة مثل البنك الأهلي وبنك مصر، وهو ما يسجل محاسبيًا كدين خارجي على القطاع المصرفي.
وأشار إلى أن هذه الاستثمارات ليست مقصورة على مصر، وإنما تتجه إلى أغلب الاقتصادات الناشئة للاستفادة من فروق أسعار الفائدة، لافتًا أن وجودها يسهم في دعم السيولة والاحتياطي النقدي، لكنه يتطلب إدارة دقيقة لتقليل المخاطر المرتبطة بخروجها المفاجئ.
وأوضح أن جزءًا من الدين الخارجي يقع على عاتق الهيئات الاقتصادية وشركات قطاع الأعمال العام، وهي جهات مستقلة ماليًا ومسؤولة عن سداد التزاماتها، مع وجود ضمانة من وزارة المالية في حال التعثر، مؤكدًا أن هذا النوع من الدين لا يعد عبئًا مباشرًا على الموازنة العامة ما دامت هذه الجهات قادرة على السداد.
وأكد أن الحكومة تعمل وفق استراتيجية واضحة لخفض الدين الخارجي، حيث يتم تقليصه سنويًا بمعدل يتراوح بين مليار إلى ملياري دولار، من خلال سداد مستحقات تفوق حجم الاقتراض الجديد، إلى جانب وضع سقف قانوني للدين والضمانات، بما يضمن استدامة المالية العامة.
وشدّد الفقي على أن قراءة أرقام الدين الخارجي بمعزل عن خلفياتها الفنية، مثل فروق العملة، وتوزيع الدين بين وزارة المالية والبنك المركزي والهيئات الاقتصادية، قد تؤدي إلى انطباعات غير دقيقة، مؤكدًا أن المؤشرات الحالية تعكس سيطرة الدولة على ملف الدين والتزامها بمسار الخفض التدريجي.
وفي سياق متصل، قال الخبير الاقتصادي إبراهيم مصطفى، في تصريحات خاصة لـ CNN بالعربية، إن جزءًا من الدين الخارجي المصري مُقوّم بعملات أجنبية غير الدولار، وعندما يضعف الدولار أمام هذه العملات لا ينعكس ذلك بانخفاض الدين، بل تظهر فروق عملة عند إعادة تقييم الديون المقومة باليورو أو غيره عند تحويلها إلى الدولار، وهو ما يخلق زيادة محاسبية في الرقم دون أن يعني اقتراضًا جديدًا.
وأضاف أن هذه الزيادة تتعلق بفروق محاسبية ناتجة عن تغيرات أسعار الصرف، مُشيرًا إلى أن الارتفاع الذي ظهر في إجمالي الدين تجاوز 8 مليارات دولار، منها نحو 6 مليارات دولار نتيجة عوامل مختلفة، بينما قرابة ملياري دولار فقط تعود إلى فروق العملات، وهو ما يفسر الارتفاع الظاهري في الأرقام.
وأوضح أن خطة خفض الدين الخارجي بمعدل يتراوح بين مليار وملياري دولار سنويًا، تطبق على الدين الواقع على وزارة المالية، وليس على إجمالي الدين الخارجي للدولة بكافة مكوناته، سواء ما يخص البنك المركزي أو الهيئات الاقتصادية أو الشركات العامة.
وأشار إلى أن مخاطر الاقتراض بالعملات الأجنبية غير الدولار تتركز أساسًا في فروق العملة، خاصة في ظل التقلبات السريعة بأسواق الصرف العالمية، موضحًا أن تنويع العملات في هيكل الدين أمر طبيعي ومطبق في معظم دول العالم، لكنه يتطلب إدارة دقيقة لتقليل آثار ارتفاع أو انخفاض العملات المختلفة.
وأكد مصطفى أن التحديات المرتبطة بارتفاع الدين الخارجي لا تتعلق فقط بحجم الدين، بل بقدرة الدولة على السداد، موضحًا أن مصر تمتلك مصادر متعددة للعملة الصعبة تمكنها من الوفاء بالتزاماتها، سواء من خلال الاستثمارات الأجنبية أو موارد النقد الأجنبي المختلفة.
وقال أن جزءًا كبيرًا من التدفقات الدولارية المتاحة يتم توجيهه بالفعل لسداد الالتزامات الخارجية، وهو ما يهدف إلى الحفاظ على الاستقرار المالي وتقليل المخاطر، محذرًا من أن ارتفاع مخاطر السداد قد ينعكس سلبًا على التصنيف الائتماني للدولة.
واعتبر أن ضمان تنوع مصادر السداد، وتعزيز الاستثمارات، وزيادة الموارد الدولارية، من شأنه أن يسهم في الحفاظ على التصنيف الائتماني الحالي لمصر، ويدعم فرص تحسنه على المدى المتوسط.
اجمالي القراءات
44