وقفات مع الفكر الأزهري(2)

سامح عسكر Ýí 2015-01-10


الأزهر منذ نشأته وهو على عقيدة السلطة موالي لها، نزولاً لفكرة.."طاعة الحاكم"..المقدسة في الفكر السني بالعموم، والأشعريون كالسلفية في تقديس هذه الطاعة وحملها على الضرورة، لكن وبمرور الوقت امتلك الأزهر عقلاً تبريرياً يوظف الدين لمصالح الحكام، وطبقاً لما قلناه في السابق أن الأزهر أشعري العقيدة فيؤمن بالتأويل كوسيلة في ذلك التوظيف، رغم أن التأويل كآداة فهم هي جيدة، لكن الإسراف فيها يعني إنكار الظواهر وإيمان بدين آخر باطني، والفكر الأزهري كثيراً ما يُسرف في ذلك التأويل خصوصاً وقت الأزمات.

وهذا يعني تكيّف الأزهر مع الواقع السياسي أكثر من تكيفه مع العلم والتطور ، طبقاً لما قلناه في السابق أن العقلية الأزهرية تقليدية حتى النُخاع، وتعتمد في فهمها للدين على نصوص بشرية وترجيحات لأئمتهم، فتحدث حالة انفصام عن الواقع تعززها نزعة رجعية ونصوص طائفية ورواسب تاريخية.

ولأن الواقع السياسي هو الذي يفرض على الأزهر منهجه فيعني أن تجديد الخطاب الديني لن يأتي من الأزهر نفسه، بل من الواقع السياسي الذي يفرض عليه هذا الخطاب، وعليه يجب أن يكون للدولة المصرية دور في عملية التنوير، ولا توكل عملية التجديد الديني للأزهر، لأن تدخل الدولة سيكفل مراجعة أزهرية حقيقية تحت ضغط السلطة والشارع الثقافي في آنٍ واحد...

ولإثبات ذلك نسوق بعض الأمثلة:

قديماً عندما انتفض العالم ضد الرق والعبودية انتفض في المقابل شيوخ الأزهر وأفتوا بتحريم إلغاء الرق والعبودية بحجة تشريعه في الكتاب والسنة، ولكن فور إلغائه من الخديوي إسماعيل تغيرت رؤية الأزهر للمسألة ، وحديثاً أفتى الشيوخ بحُرمة العبودية في الإسلام، والسؤال: لو لم يتخذ الخديوي إسماعيل قراراً بإلغاء الرقيق هل سيجرؤ الأزهر على تحريمه؟....

كذلك في ختان الأنثى..فالأزهر يقول بختان الأنثى منذ نشأته ، ويُفتي أنه سُنّة وأحياناً واجب ، لكن فور تجريم هذا العمل من الدولة عام 2008 قام الأزهر بتحريمه في نفس العام..أي لم يضطر الأزهر لتعديل فتواه إلا بعد تدخل الدولة، ومن يقل أن التعديل جاء مواكباً لتطور العلم، قلت أن فتاوى الأزهر باستحباب الختان ظلت إلى وقتٍ قريب، أي في ظل تطور العلم لم يُراعِ المشايخ حقيقة هذا العمل وتأثيره على المرأة والمجتمع..

وإليكم الدليل:

في عام 1949 أفتى الشيخ .."حسنين مخلوف"..أن ختان الأنثى سنة ، ووافقه الشيخ.."علاّم نصّار"..عام 1951 في مجلة لواء الإسلام ، رداً على تقرير الأطباء بضرر الختان في مجلة الدكتور بتاريخ مايو 1951..والعلّة هي تعديل الميل الجنسي للمرأة، وأن فتاوى الأطباء لا قيمة لها أمام الشرع..

وفي 29 يناير 1981 أفتى الشيخ جاد الحق على جاد الحق أن الختان سنة، وقال نصاً أن ختان الذكور والإناث من سنن الفطرة..فشرّعوا بتلك الفتاوى جرائم الختان في القُرى والنجوع، وجميع هذه الفتاوى مُدرجة ضمن موسوعة فتاوى دار الإفتاء المصرية النسخة الألكترونية.

لكن وتغريداً خارج السرب أفتى الدكتور سليم العوا بتحريم ختان الإناث عام 2006، وأصدر مقالاً مطوّلاً على موقعه ذهب فيه إلى ضعف كل الآثار والأحاديث الواردة في ختان الأنثى، وأنها لا تقوم بها حُجة، وأن الأزهر مطالب بتعديل موقفه من تلك الجريمة لمكافحتها، خصوصاً بعد التقارير الواردة عن مصر دولياً أنها من الدول الراعية للختان بوصفه قهراً للمرأة وحقوقها الاجتماعية والنفسية..

كان مقال العوا أشبه بالبيان السياسي الذي حرّك المياة الراكدة داخل الأزهر، فالرجل له رؤية تنويرية جيدة وفهم دقيق للتراث، وهو من أنصار التوفيق بين العلم والدين ، وهو في ذلك امتداداً لمدرسة الأفغاني وعبده ، وقد جاء مقاله مواكباً لحركة صحفية ونقد للمثقفين لظاهرة الختان في مصر، وكأنه كان واسطة بين المثقفين والأزهر حتى قرر مجلس النواب قانوناً يقضي بتجريم ختان الأنثى رسمياً عام 2008، وبعدها أخذ الأزهر موقفاً متشدداً من الختان جدده مفتي الجمهورية الدكتور شوقي علاّم في يونيو 2013 بقوله أن الختان حرامُ شرعاً وتجب مواجهته.

ونفس ما حدث مع الرقّ والختان حدث في قضايا أخرى كتنظيم النسل وفوائد البنوك وغيرها، أخذت دار الإفتاء والأزهر موقفاً متشدداً عنيداً يقضي بالحُرمة وضرورة المواجهة، لكن فور تدخل الدولة تغيرت بعدها الرؤية الأزهرية، حتى لو كانت على درجات إلا أنها تغيرت في النهاية، وهذا يعني عدم جدوى مطالبة الأزهر بالتجديد والتنوير ..بينما المؤسسة نفسها فاقدة لعناصر وأدوات هذا الخطاب.

والدليل على ذلك أن الأزهر لا يزال عاجزاً عن مراجعة موقفه من .."قتل المرتد"..وهي الجريمة التي نشأ عليها الأزهر إلى يومنا هذا، رغم أن الدستور المصري يكفل حرية العقيدة، وعليه حدث الصدام بين دستور الشعب وبين الفقه الأزهري، ذلك الفقه الذي لا زال ينظر للخلافة الإسلامية على أنها فرض كفاية، وقد أصدرت دار الإفتاء المصرية فتوى في مارس 2011 تؤكد هذا الحُكم، فأصدرت صكاً على بياض لقتل كل من يواجه دعاة الخلافة.

لكن بعد ظهور داعش وقع الأزهر في أزمة، فداعش حققت الخلافة رسمياً وطبقت تعاليم الشريعة في المناطق التي تسيطر عليها في سوريا والعراق، قتلت وذبحت ورجمت واعتبروا أن الخليفة هو ظل الله في أرضه والحارس الأمين على الدين، وهو الدلالة المرجوّة من تلك العقيدة في الفكر الأزهري، وتحت ضغط الإعلام والشارع السياسي والثقافي اضطر شيخ الأزهر إلى مراجعة هذه الفتوى بتصريح أواخر عام 2014 بأن الخلافة ليست فرضاً ولا من أصول الدين ، وأنها مجرد شكل من أشكال الحُكم.

لكن يبقى الأزهر على موقفه المتشدد من المرتد وضرورة قتله، والعلّة هي حراسة الدين كما يزعم، وأنا أتساءل أليس ذلك هو منطق عصابات المافيا والمخدرات؟..منطقاً يُجيز قتل كل من يخرج على العصابة سواء لأنه أصبح خطراً على العصابة أو لإرهاب الآخرين عملاً بالمَثَل المصري.."إضرب المربوط يخاف السايب"..ولم يناقش الأزهر كيف لإنسان أن يعتقد في دين لا يؤمن به ولا يقتنع بنصوصه وأدواته وتشريعاته، إنهم في النهاية يريدون مواطناً منافقاً سئ السيرة والباطن محمود الظاهر، وأظن أن ذلك يتحقق الآن في كل بقعة تجري فيها معاقبة من يختار دينه بحرية.

المثير أن فتوى الأزهر بقتل المرتد صحبت معها فتاوى بردة .."البهائية"..وعليه أصدرت دار الإفتاء فتوى بقتل أي مواطن بهائي على موقعها الألكتروني مسلسلة تحت رقم (6662) وهذا تحريض على المصريين وقتلهم دون أي اعتبار، وهي تكرار لفتوى الشيخ .."عبدالمجيد سليم"..شيخ الأزهر في 11 مارس 1939، وقتها كان البهائيون ليسوا بالشجاعة للإعلان عن دينهم في مصر، أما الآن وبعد إقرار الدستور التعددي يُفترض إلغاء ومراجعة هذه الفتاوى ومحاسبة كل من يهدر دماء المصريين لعوامل طائفية.

حتى الأزهر في هذه لم يعتبر بفتوى الشيخ .."محمد عبده"..مفتي الديار السابق بعد سؤال الدرزي الذي يريد الإسلام قال نصاً.." وقد كان عليه السلام يقبل الرجعة إلي الإسلام بعد الردة والإخلاص بعد الردة والإخلاص بعد النفاق"..(موسوعة فتاوى الأزهر فتوى رقم 302)..وهذا يعني أن العقيدة في الإسلام مفتوحة لا ردة ولا يحزنون، لكن محمد عبده كان تنويرياً متمرداً على الفكر الأزهري والاحتجاج به كمن يحتج بالشاذ.

حتى أن القرآن لا قيمة حقيقية له في الفكر الأزهري السياسي، فجُل مواد هذا الفكر هي من الأحاديث وبقايا التراث في العصر العباسي، وسبق وقلنا أن قتل المرتد جريمة عباسية صرفة، اخترع لها فقهاء بني العباس نصوصاً وفتاوى لقهر معارضة الخليفة، أي كان الوازع لقتل المرتد سياسياً وليس دينياً، خلافات على السلطة والنفوذ وليست خلافات على الله والجنة، صراع بين الدرهم والدينار وليس صراعاً على الحق والباطل.

إن تدخل الدولة في عملية التنوير هو ضرورة يفرضها الواقع، فالمسلمون في أحلك فتراتهم منذ الفتنة الكبرى، الأخطار تتهددهم من كل جانب سياسي وفكري واجتماعي ، وشعوب المسلمين في أكثرمن بلد ما بين قتيل وجريح ومشرد ولاجئ، والباقي ينتظر دورة في سلسلة الهلاك والضمور الذاتي، حتى شباب العرب لم يجد لنفسه مخرجاً من الأزمة إلا لجوءه لقوى التطرف أو أن يترك الدين طواعيةً، فمعدلات الإلحاد في ازدياد، ومؤسسات الدين عاجزة عن إقناع جيل الشباب بجدوى التدين، ربما تكون هي مقدمة لإصلاح ديني حقيقي عند العرب، لكن المؤكد أن الخسائر ستكون كبيرة.

اجمالي القراءات 7459

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (1)
1   تعليق بواسطة   محمد ابوأية     في   الثلاثاء ١٣ - يناير - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً
[77132]

[رسالة إلى شيخ الأزهر]


أخاطب مشايخ الأزهر وعلى رأسهم[عمي الطيب]يا عمي الشيخ سارع بالمبادرة قبل أن تضيع منك الفرصة،ماذا تنتظر هل تنتظر مزيدا من القتلى،ألا تشبعون من رؤية الدماء والأشلاء،إن تراثكم الأسود ينتج كل لحظة ملايين الدواعش القتلة،ألم ترى ما يفعله ذلك البغدادي الفاجر،من قطع الرؤوس وختان البنات وتزويج القصر وجلد المتخلف عن الصلاة،إنه يطبق الشريعة البخارية التيمية الشربينية حرفيا،هل وصل بكم الرعب والخوف من آل سعود إلى هذه الدرجة من الجبن،إن الأرزاق والأعمار بيدي الله وليس بيد آل سعود،إن الشعوب المغفلة التي تقدس رجال الدين،سوف تستيقظ من التنويم وستصحو من السكر،وستعرف أعداءها ومصادر شقائها ،وهم رجال الدين وليس غيرهم،ولن تثور الشعوب هذه المرة على الحكام،وإنما تثور على التراث ومن يحميه،وأخشى ما أخشاه أن يكون مصيركم،مثل الذي حدث ذات يوم في أروبا،وحينذاك لا ينفع الندم ولا يقبلون منكم عذرا،بل ولن تجدوا من يدافع عنكم،أي حتى الحكام الذين تغررون بهم عبر الفتاوى،سوف يستمتعون برؤية المشانق وهي تنصب لكم،ومن يستطيع أن يكبح عاصفة الشعوب وهي ترى خلاصها في التخلص منكم،الشعوب الهائجة لا تراعي فيكم دينا ولا شيخوخة ولا أرحاما ولا إنسانية،أما نحن أهل التنوير لا نرتضي لكم مثل هذا المصير،بل سنظل ندعوكم إلى تطهير المراجع والمناهج سلميا وبكل هدوء،ورغم أننا اكتوينا بنار التكفير والتبديع والتهديد والقتل المستمد أساسا من التراث،قلت رغم ذلك نريد إصلاح قومنا،فنحن لا نملك إلا العقول والأقلام،ونريد من الأزهر أن يدخل في مرحلة جديدة من التنوير،أي يقوم بتعرية وفضح كل من يتستر وراء الدين،ويرتكب الجرائم باسم الإسلام،



ونحن لا نكره أحدا لذاته،وإنما نكره الإصرار والتعصب للرأي الفاسد،نريد أن تشيع المحبة والرحمة واحترام الرأي المخالف؟



وأخيرا تحياتي للقراء:داعي الحرية المارد الحر.......   


أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2012-09-25
مقالات منشورة : 788
اجمالي القراءات : 7,609,529
تعليقات له : 102
تعليقات عليه : 411
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt